Pages Menu
Categories Menu
التحرش: السر المعلن في حياة صحفيات عربيات

التحرش: السر المعلن في حياة صحفيات عربيات

المصدر –

  • ألمى حسون وسناء الخوري ونغم قاسم
  • بي بي سي عربي

ترفع مراسلة صحفية لبنانية يدها وتصفع وجه سياسي معروف بكل ما أوتيت من قوة، وتغادر المكان بثقة.

صحفية مصرية تصفع بدورها المصور الذي نزلت برفقته في مهمة ميدانية في القاهرة، وتجره إلى أقرب قسم شرطة.

أما صحفية ليبيّة فتواجه مديرها بقوّة، وتلجأ إلى محام مختص لرفع قضية ضده.

إنها مجرد سيناريوهات متخيلة راودت بالفعل صحفيات عربيات شاركن مع بي بي سي عربي مواقف تحرش قلن إنهنّ مررن بها، وما زلن يتذكرنها جيدا، ويتذكرن تفاصيل الأفكار التي تراودنهنّ كلما جاء ذكر اسم المتحرش أمامهن – الذي غالبا ما يكون زميلا أو مديرا أو ضيفا ذا نفوذ.

لن نعرض أسماء الصحفيات أو المتحرشين بهن، فالهدف هو عرض مدى اتساع نطاق التحرش نظرا أو لفظا أو لمسا.

ورغم أن قصص التحرش بالصحفيات منتشرة في كل المجتمعات، إلا أن هناك قوانين في بعض الدول تمنح المرأة منفذا باتجاه العدالة، التي يصعب الوصول إليها في أحيان كثيرة، أما في الدول العربية فقوانين حماية المرأة لا تزال قاصرة في كثير من جوانبها.

“حين كنت أشارك في تغطية أحد النزاعات المسلحة، كنت أرتدي درعاً وخوذة للحماية. لكنّي حين أذهب لإجراء مقابلة مع سياسيّ لبناني، أتذكّر ذلك الدرع، وأتحضّر نفسياً لنظرات تعرّيني، وللمسات غير مرغوب بها”. بهذه الكلمات، تختصر الصحفية اللبنانية، ليلى (اسم مستعار)، تجربتها مع التحرّش خلال العمل.

تعمل ليلى حاليا في إحدى القنوات التلفزيونية، وتخبرنا أنّ التحرّش اللفظي والشعور بالخطر، سواء عند التغطية الميدانية أو عند إجراء تقارير ومقابلات، جزء من يومياتها منذ عشر سنوات.

“تماماً كما أعدّ أسئلتي وبحثي حول أي موضوع، كذلك أتحضّر نفسياً لسماع عبارات لا أرغب بسماعها، أو لرفض عروض للقاءات خارج الإطار المهني”.

يصعب على الصحفية الشابة الإكتفاء بسرد قصّة واحدة، أو إحصاء عدد المرّات التي تعرّضت فيها لتحرّش باللفظ أو الايماء. إذ يرافقها الشعور بالانتهاك يوميا. “بعد إنهاء مقابلة مع أحد الوزراء دعاني لشرب كأس ويسكي، فرفضت.

أحاول دائماً أن أكون صارمة، أنتبه لكلّ حركة أقوم بها، لا ألبّي الدعوات إلى موائد السياسيين، كي لا أجد نفسي في موقف مماثل، ولكن لا مفرّ”.

تتابع: “خرجت من مكتبه ظناً مني أنّ الموضوع انتهى عند ذلك الحدّ. لكن يبدو أنه لم يتحمّل رفضي.

التقيته خلال تغطية أخرى، في مكان عام، بوجود شخصيات معروفة وصحفيين، فإذا به يمرّ بجانبي ويقول لي بصوت عالٍ على مسمع من الجميع: “صرلي زمان ما شفتك، لازم شوفك”، كأنّ هناك لقاءات دائمة بيننا”.

تعتقد ليلى أنّ في الأمر شيئا من فرض السطوة، فبرأيها يحاول الرجال ذوو النفوذ، “فرض سلطتهم على أجساد الصحفيات، وإن لم يقدروا على ذلك بالفعل، سيفعلون ذلك بالكلام، المهمّ ألا تُخدش نرجسيتهم، أو يشعروا أنّ امرأة في أوساطهم تمتلك خيار الرفض”.

ترى الصحفية أنّ الفساد المستشري في البلد، امتدّ أيضاً للإعلام، وتخبرنا أنّ موضوع التحرّش بالصحفيات وطلب خدمات جنسية منهنّ مقابل معلومة أو سبق، من الأسرار المعلنة في الوسط الإعلامي اللبناني.

وتتابع: “لا أعرف صحفية أو مراسلة لم تتلق رسائل على هاتفها خارج إطار العمل، من ساسة أو من مستشاريهم، إلا في ما ندر. وحين ترفضين أو تحاولين وضع حدّ لهم، أو تعبّرين عن شعورك بالإهانة، يقولون لكِ: ‘لماذا ترفضين؟ ألست صحفية؟’ كأنّ المتوقّع من النساء العاملات في مهنتنا أن يتقبّلن الانتهاك اللفظي أو الجسدي برحابة صدر”.

وتشير دراسة صدرت عن الجامعة الأمريكية في بيروت عام 2015 بعنوان “مواجهة التمييز والتحرّش الجنسي المتفشي في الإعلام اللبناني” إلى أنّ التحرّش يؤثّر على المستقبل المهني لنحو 82 بالمئة من الصحفيات في لبنان.

استطلعت الدراسة آراء أكثر من 250 صحفية قالت 10 بالمئة منهنّ إنّهن فكّرن بالاستقالة من العمل بسبب التحرّش اللفظي أو الجسدي، أو بسبب التهديد الناتج عن رفض تقديم خدمات جنسية. وأظهر الاستطلاع أنّ نصف المشاركات فيه تعرّضن للتحرّش مرّة واحدة على الأقلّ خلال عملهنّ.

وقالت 60 بالمئة منهنّ إنّهن يتعرّضن للتحرّش اللفظي (التعليقات الجنسية والشتائم والقصص ذات الطابع الجنسي)، و48 بالمئة منهنّ يتعرّضن للتحرّش الإيمائي (التحديق، والغمز، والحركات الجسديّة).

معظم العاملين في مجال الصحافة في لبنان، يعرف صحفيات تعرّضن للمس بطرق غير لائقة، أو تلقين رسائل في أوقات متأخرة من الليل من شخصيات سياسية.

ومن القصص التي تتردّد في روايات عدد من الصحفيات، أنّ أحد السياسيين كان يرتدي ثوب الحمام فقط أثناء المقابلات، ويحاول أن يظهر أجزاء عارية من جسده خلال اللقاء. كما تقول مراسلات إنّ بعض النواب حاولوا محاصرة صحفيات في مكاتبهم في المجلس النيابي .

تخبرنا ليلى: “أثناء إجرائي مقابلة مع أحد الشخصيات المعروفة، بدأ يقوم بحركات إباحية بلسانه ووجهه، ويغمزني بطريقة ذات إيحاء جنسي، فلم أستطع مواصلة النظر في وجهه، وبقيت أحدّق في الأرض طوال المقابلة”. وتضيف: “في كلّ مرّة أصادف موقفاً مماثلاً، تجتاحني أفكار هدّامة. أشكّ بنفسي. هل كان هناك ما أعطاه مؤشراً على أنّي قد أقبل منه تصرفاً كهذا؟ هل قلت شيئاً يمكن أن يُفهم كدعوة؟ هل أوحت ابتسامتي بشيء أكثر من اللباقة المهنيّة؟ ألا يبدو عليّ أنّني امرأة محترمة؟”.

تشعر ليلى أنّ التباعد الاجتماعي الذي فرضه وباء كورونا، كان له تأثير إيجابي، لأنّه جنّبها مواقف “مؤذية ومقرفة”، كما تقول. “على الأقلّ لم أعد أسمع نكتاً بذيئة، وأدّعي أنني لم أنتبه أو لم أفهم، ولم أعد أصادف مسؤولين يمرّون بجانبي أو من خلفي ويحاولون تمرير أجسادهم على مسافة قريبة جداً من ظهري أو ملامستي”.

شاركنا رأيك، هل من تعليق ؟

Your email address will not be published. Required fields are marked *