Pages Menu
Categories Menu
معاناة المرأة متواصلة في شرق سوريا من تنظيم “الدولة” إلى “قسد”

معاناة المرأة متواصلة في شرق سوريا من تنظيم “الدولة” إلى “قسد”

المصدر – القدس العربي وائل عصام

تعاني النساء في مناطق شرق سوريا من آثار النزاع الدامي في المحافظات الثلاث، الحسكة والرقة وديرالزور، بعد مرحلتين تعاقبت فيهما السيطرة لتنظيم “الدولة” ثم “قسد” وما بينهما من حروب دامية، فتجد أن الكثير منهن قد أصبحن مسؤولات عن عائلات كاملة نتيجة غياب الأزواج، أو مقتلهم، وبعضهن في مخيمات الشتات، وأخريات بلا معيل، أو ذهبن ضحية زواج مبكر أو بالعنوة، وقسم تم الزج بهن في الحرب ضمن تشكيلات عسكرية، والأغلبية بلا تعليم.

فقدت زوجها وابنتها بقصف النظام

وفي جولة قامت بها “القدس العربي” في ريف محافظة ديرالزور، التقينا علياء 44 عاماً. نزحت عام 2013 من حي العمال في ديرالزور نحو مدينة الميادين، بعد ان فقدت زوجها وابنتها البكر بقصف لقوات النظام على الحي، وبقيت في الميادين تعيش في إحدى المدارس مع أطفالها الثلاثة ووالدة زوجها. وتقول “لكي أتدبر معيشة أسرتي بدأت العمل على بسطة لبيع الخضار برفقة ابني الكبير البالغ 11 سنة، بعدها جاء تنظيم (الدولة) بداية عام 2014 وبقينا على هذا الحال حتى العام 2017 حيث اشتد القصف على الميادين، ما اضطرنا للنزوح مرة أخرى باتجاه مناطق الجزيرة بديرالزور، حيث وصلنا لبلدة الشحيل ثم البادية التابعة لها، وتقدمت قوات (قسد) باتجاه الشحيل التي كانت خاضعة لسيطرة تنظيم (الدولة) وسيطرت على غالب الريف الشرقي للجزيرة. وبعدها نزحنا نحو مدينة البصيرة واستقر بنا الحال هنا لليوم. أعمل مع أبنائي في بيع الألبسة المستعملة، في سوق البصيرة حتى نتدبر أمورنا المعيشية، وبالكاد نستطيع ان نتكفل بأكلنا وشربنا وأحيانا نعود للمنزل بلا مال، بسبب ارتفاع الأسعار وغلاء المعيشة. ليس لدي أحد يساندني بعد أن قتل زوجي مع ابنتي في حي العمال. لم يدخل أولادي المدرسة بسبب حاجتي لمساعدتهم، لذلك ألجأ لتعليمهم القراءة والحساب في المنزل أحيانا، فأنا متعلمة ودرست للبكالوريا سابقاً، قبل ان أترك المدرسة بسبب الزواج”.

حسبة تنظيم الدولة تعاقبها

وليس بعيداً عن ديرالزور، في محافظة الرقة وبالتحديد مدينة الطبقه، التقينا عائشة، 33 عاماً وهي أم لطفلين، وزوجها مفقود في سجون النظام منذ عام 2016. وتروي عائشة قصتها وتقول “قبل بداية الأحداث، كنا نعيش حياة شبه مستقرة في الطبقه، وعند سيطرة الجيش الحر على المحافظة لم يتغير الكثير سوى ان الحياة أصبحت أصعب. تزوجت في 2014 من ابن عمي الذي كان يعمل في لبنان في شركة كهرباء، وكانت أمورنا نوعاً ما مستقرة وأنجبت ولدين، وبعد سيطرة تنظيم الدولة على الرقة، لم يعد بالامكان ان تخرج المرأة وتقوم بأعمالها لوحدها، بسبب قيود التنظيم، وغير مرة أمسكت بي الحسبة، وتمت معاقبتي بالجلد والغرامة المالية لأسباب تتعلق بلون اللباس وعدم تغطية الوجه وغيره. وفي عام 2016 جاء زوجي من لبنان، ليوقفه أحد حواجز النظام في منطقه الضمير وليعتقلوه لأسباب مجهولة، حاولنا معرفة مصيره لكن عبثاً، وهو مفقود لليوم. عندها تركت المنزل وذهبت للعيش مع والدته وشقيقه، ومع اشتداد قصف التحالف على الرقة وتقدم قوات قسد، للمنطقة، نزحنا نحو البادية ومنها نحو ريف حلب لمنطقة صرين، واضطررنا لدفع مبالغ مالية لمهربين، وبعد عام ونصف عدنا للطبقه، كان منزلي مدمراً، ولكن منزل أهل زوجي لم يتأذ، بعدها توفي شقيق زوجي بانفجار لغم أرضي أثناء عمله، ولم يعد لنا معيل، فأضطررت للعمل بالخياطة إلى جانب بيع الألبسة النسائية في المنزل كي أصمد مع أطفالي ووالدة زوجي المريضة. المعيشة صعبة وتزداد صعوبة. لا أريد شيئا سوى ان يعود زوجي، أو أسمع أي خبر عنه، ذلك أملي الوحيد”.

يقول الناشط الحقوقي قياد العلوان إن ما يقرب من 70 في المئة من نساء غرب الفرات بلا رجال وبلا معيل، كون الحرب غيبتهم، كذلك الحال شرق الفرات في ديرالزور.

ويضيف: “كان التدخل في خصوصيات المرأة أحد التحديات التي واجهتها كما حصل أيام سيطرة تنظيم الدولة الإسلامية الذي قيد حريتها في لباسها وعملها، وكذلك ما يحصل حاليا في ظل حكم قسد، حيث تعمد لتحويل المرأة لشخصية مسترجلة نوعاً ما، ضاربة بعرض الحائط عادات وعرف وتقاليد المنطقة ومتجاهلة تعاليم الدين الإسلامي وخصوصية المرأة عندنا، فهي تعمد لبث أفكار أقرب للشيوعية وتسخير المرأة في مشاريعها في المنطقة، تحت عنوان التحرر والحرية، بحيث يجعلون النساء طرفاً مسلحاً في الحروب رغماً عنها”.

وتشير إحصائيات لناشطين وأطباء محليين أنه في الفترة بين 2011 و 2012 اجريت أكثر من 90 عملية ولادة قيصرية لنساء في ديرالزور نتيجة العمليات القتالية هناك، وهو أمر استمر بالحصول على مر السنوات اللاحقة من الحرب.

الفقر والعادات والتقاليد

وتواجه النساء شرق سوريا ظاهرة الزواج المبكر والتي ازدادت كثيرا خلال سنوات الحرب، والهدف هو “ستر” البنت كما بات دارجاً، وتنتشر هذه الظاهرة كثيرا في مخيمات اللجوء، ولكنها ليست بجديدة على المنطقة الشرقية كون البيئة والتقاليد تساعدان على ذلك.

وفي الحسكة حيث مخيم الهول، باتت هكذا زيجات شبه عادية، حيث يّعجُ المخيم بمناظر الصغيرات اللواتي يحملن أطفالا ، قد تظن انه شقيقها الصغير، أو قريب لها ولكن في الحقيقة ان أكثر تلك الفتيات هن في الحقيقة أمهات.

والفقر والحاجة من دوافع الأهل لتزويج بناتهن رغم صغر أعمارهن. وتتعدد طرق استغلال النساء في مخيمات اللجوء، وإحداها ما يقوم به عناصر قوات قسد من حراس المخيم، الذين يعملون على ابتزاز النساء ويستغلون رغبتهن بالخروج من المخيم عبر عقود زواج وهمية، مقابل حصولهم على مبلغ مالي معين.

ويطالب الناشط قياد العلوان بفتح طريق آمن للنساء من أجل تلقي العلاج في دول الجوار كون القطاع الصحي متأخر جدا في شرق سوريا “ونتمنى لو تكون هناك طريقة تمكن الأمهات أو الزوجات من زيارة أبنائهن أو أزواجهن المغتربين ولو لعدة أيام كنوع من الدعم النفسي لها”.

تجنيد الفتيات

وفي محافظتي الرقة والحسكة حيث السطوة الأكبر لقوات قسد، تتصاعد الانتقادات لتجنيد الفتيات في صفوف التنظيمات الكردية. ويقول الصحافي محمد الخالد بإنه تم تجنيد مئات السوريات من المكون الكردي في البداية في صفوفها، ضمن تشكيلات خاصة بها وهي وحدات حماية المرأة، والتي توسعت لاحقا حيث تم الزج بنسبة لا بأس بها من العربيات أيضا في صفوفها، إذ تم تحويل المرأة هناك لأداة في الحرب المستعرة في المنطقة، وما زالت كوادر حزب العمال الكردستاني تقوم بعمليات خطف القاصرات، والزج بهن في معسكرات التدريب التابعة للحزب في جبال تركيا والعراق.

الناشط خلف الخاطر يقول إنه مع بداية الحرب مات أغلب الرجال أو اصيبوا أو هاجروا أو غيبتهم السجون. ويضيف “هذا الحال ما زال لليوم في المنطقة الشرقية، وألقى على عاتق المرأة مهمة رعاية أسرتها وربما أسر أقاربها، فاقتحمت سوق العمل في ظروف كارثية، وامتهنت بعض النساء مهنا جديدة منها بائعات للخضار، وعاملات نظافة وغيرها. بشكل عام تغيرت الكثير من المفاهيم المتعلقة بالمرأة في هذه المناطق، وخلال قدوم تنظيم “الدولة الإسلامية” عانت أكثر حيث قيد حريتها، وباتت رؤيتها في أسواق العمل نادرة، وحتى لباسها تم التحكم به عبر جهاز الحسبة التابع للتنظيم، كما تزوجت بعضهن من مقاتلين أجانب أو محليين من عناصر التنظيم، والذي ما لبث ان انهار، فباتت حياتهن جحيماً، فأطفالهن بلا هوية أو قضين بالقصف، والنسبة الأضخم كانت السجينات في مخيمات تابعة لقوات قسد. ومع قدوم “قسد” للمنطقة وخصوصا شرق الفرات، زادت وتيرة “تجنيد النساء” والزج بهن بمعارك، كما هو الحال في حرب تنظيم “بي كي كي” وجناحه السوري PYD  ضد الحكومة التركية، حيث امتهن مهمة خطف القاصرات من محافظتي الحسكة والرقة واصطحابهن لمعسكرات حزب “بي كي كي”  في جبال العراق وتركيا، وحتى الفتيات من عوائل عفرين النازحة في الحسكة لم يسلمن من الخطف، كما ان قوانين قسد لا تنسجم مع عادات وتقاليد المنطقة، فهي مثلا منعت الزواج باثنتين وتزويج القاصرات ولكنها جندت الأطفال، ودعت النساء للانخراط بأحزاب سياسية تابعة لها، ولكن تلك الدعوات لم تلق قبولا كبيرا، فالأغلبية تعتبر قسد وقوانينها طارئة وغريبة على المنطقة، ذات الأعراف والعادات العشائرية”.

ويعتبر الصحافي زين العابدين العكيدي ان المرأة في شرق سوريا دفعت الثمن مرتين خلال سطوة تنظيمي الدولة وقسد، ويقول “في الرقة والتي كانت بكاملها تحت سيطرة تنظيم الدولة، خيم السواد على المحافظة وبات لباس الرقاوية التقليدي محرماً عليها، نتيجة سطوة التنظيم وفرض قوانينه هناك، وبعد هزيمته دفعت النساء الفاتورة حيث تعرضن للنزوح والتشرد نتيجة الأعمال القتالية. وبعد سيطرة قسد على الرقة لم يختلف الحال كثيرا، فالأخيرة تدعي حقوق المرأة ونصرتها، ولكن قواتها تمتهن خطف القاصرات من الرقة، للزج بهن في معسكرات التجنيد التابعة لها”.

شاركنا رأيك، هل من تعليق ؟

Your email address will not be published. Required fields are marked *