Pages Menu
Categories Menu
“السما أحلى من الأرض”… سارة حجازي رحلت بأوجاعها وشجاعتها

“السما أحلى من الأرض”… سارة حجازي رحلت بأوجاعها وشجاعتها

المصدر – رصيف 22- مصطفى طاهر

حزن حقيقيّ وثقيل خيّم على الأوساط الثقافية المصرية والعربية، وكذلك النشطاء والناشطين في قضايا حقوق الإنسان عامّة، وذلك يوم الأحد، الرابع عشر من حزيران/ يونيو 2020، مع النبأ المفجع القادم من كندا، معلناً انتحار الناشطة المصرية سارة حجازي.

“فشلت” البنت المصرية الشجاعة في مقاومة الأوجاع التي حملتها لسنواتٍ، وقرّرت ترك الملعب والرحيل. وهي التي قالت في رسالتها من داخل محبسها في مصر منذ سنوات: “رغم خيبات الأمل نواصل الحياة”، يبدو أن الأمر اليوم كان قد تخطى خيبات الأمل، لتقرّر بطلةُ الحكاية تركَ الملعب والرحيل بأوجاعها وشجاعتها.

بداية الرحلة

سنوات من الأوجاع والاضطهاد عاشتها الفتاة المصرية الشجاعة منذ لحظة الصِّدام الأولى لها، دفاعاً عن أفكارها، وذلك في حفل “مشروع ليلى” الشهير بالقاهرة، عندما رفعت علم “قوس قزح” لتعلن عن مثليتها الجنسية، وفي ذلك اليوم كان إعلان الحرب عليها وبداية رحلة العذاب.

بعد أن ضيّق عليها المجتمعُ الخناق، اضطرّت سارة للسفر إلى كندا للهروب بعيداً عن التهديدات الأمنية، والحصار الاجتماعي، وفي منفاها الاختياري دفعت ثمناً جديداً لشجاعتها؛ ثمن مغلّف بمرارة الغربة

تشاركت سارة حجازي حلمَ التغيير والحرية في مغامرتها الأولى مع أحمد علاء، الذي حبس هو الأخر في قضية علم قوس قزح. قالت سارة في رسالتها من داخل السجن حينها: “بين جدران سجن وبين قسوة هجمات وطن وحتمية الصراع من أجل أنفسنا، من أجل اثنين عاجزين عن رؤية الشمس، وسط كل هذا، كنّا أنا وأحمد علاء كلّ ما نتمناه هو حضن أمهاتنا. ورغم وجودنا داخل السجن، والدولة التي تعبر عارية أمامي داخل هذا السجن بسبب فشل في قبول اﻵخر واحترامه، رغم خيبات اﻷمل والإخفاقات، نواصل الحياة”.

سارة حجازي سجلت نفسها كأكثر مثلية مصرية تعرّضت للاستهداف الأمني والاجتماعي عبر التاريخ، ولم يكن لذلك أيّ سبب إلا شجاعتها. وعندما قرّرت العضوة المؤسسة لحزب العيش والحرية أن تعلن عن نفسها كامراة مثلية في عام 2016، كان الردّ الاجتماعي عليها يشبه إعلان الحرب.

“أدعم الحب”

في عام 2017 قرّرت سارة حجازي إنشاء فعالية عبر مواقع التواصل الاجتماعي تحت عنوان “أدعم الحبّ”، وذلك في دعوة مجتمعية لفتح الباب لقبول المثلية، تزامناً مع اليوم العالمي لدعم المثلية الجنسية. وفي بداية أكتوبر من نفس العام، تمّ اعتقال سارة حجازي على خلفية قضية علم الرينبو، لتبدأ معها رحلة المتاعب التي كان ختامها اليوم باختيارها الذي كانت تكرّره دائماً “السّما أحلى من الأرض”.

عانت سارة كثيراً خلال فترة الاعتقال، وتعرّضت للتحرّش الجنسي من السجينات. وبعد خروجها من السّجن ظلّت تعاني من حالة من التحقير الاجتماعي والتعذيب النفسي، مما تسبّب في دخولها المصحة النفسية للعلاج من آثار العنف والصدمة والتنمّر. في ذلك الوقت حاولت سارة حجازي الانتحار للمرّة الأولى، لكنها نجت.

بعد أن ضيّق عليها المجتمعُ الخناق، اضطرّت سارة للسفر إلى كندا للهروب بعيداً عن التهديدات الأمنية، والحصار الاجتماعي، وفي منفاها الاختياري دفعت ثمناً جديداً لشجاعتها؛ ثمن مغلف بمرارة الغربة.

“هلاك الطبقة المتوسطة”

ردود الأفعال أغرقت الشبكات الإجتماعية اليوم بعد انتحار سارة حجازي في كندا. كتبت هايدي عادل في وداع سارة حجازي: “(هلاك الطبقة المتوسطة) من أواخر المقالات التي كتبتها سارة، وتحدثت فيه عن تجربتها ومدى قسوتها. سارة انتحرت بسبب الرفض والسجن والغربة التي فُرضت عليها. ما حدث هو ثمن استقرار النظام وقيم الأسرة المصرية؛ الذين كانوا يرون في وجود سارة حجازي خطراً لا بدّ من التخلّص منه. سارة كانت إنسانة جميلة وصادقة وشجاعة لأبعد الحدود، بس للأسف الدنيا كانت صعبة وتقيلة عليها”.

أما المخرج المصري، أمير رمسيس، فكتب على حسابه الرسمي على فيسبوك قائلاً: “سارة حجازي التي لم أعرفها شخصياً، المدينة تطاردنا آلامها و كوابيسها مهما ابتعدنا عنها، وداعاً. لعلّ في السماء تعويضاً عن الشّقاء”.

الناقدة السينمائية المصرية، وفاء السعيد، كتبت: “سارة ماتت غريبة لمجّرد أن ميولها مختلفة… شيء قاسٍ وظالم”. وقال الصحفي المصري، محمد نبيل: “أفجعني خبرُ رحيل سارة حجازي بمنفاها في كندا. كلُّ هذا العذاب الذي لاقته تلك الشابة المثقفة الصريحة المناضلة، سببه أنها فقط تحبّ التعبير عن كونها إنسانة. سارة حجازي ضحية حبِّها للتعبير في مجتمع يقدّس الكذبَ والتدليس”. بينما قال مصطفى فؤاد: “سارة قتلتها التجاربُ القاسية، السجن، والغربة بعد السجن بسبب السجن، وموت أمّها في أول أيامها في الغربة، والوحدة، والمرض، والتنمّر. سارة مانتحرتش عشان ضعيفة، أبداًً. سارة كانت من أقوى الناس الذين عرفتهم في حياتي كلّها. سارة وضعت اليوم فقط خطَّ النهاية الحقيقية؛ النهاية التي كانت محسومة قبل ذلك بكتير. ولذلك ستبقى سارة حجازي رمزاً للنضال السياسي والكويري”.

“دفعت ثمن شجاعتها”

الناشطة المصرية البارزة، ياسمين البرماوي، كتبت عبر حسابها على فيسبوك: “سارة حجازي بعد رفض المجتمع لها، والسجن والتعذيب والهجرة، أنهت حياتها، وتركت رسالة تطلب من إخوتها، وأصدقائها أن يسامحوها، وتقول إنها تسامح العالم الذي ظلمها، مش المفروض تسامحي يا سارة”.

حزب العيش والحرية “تحت التأسيس” نعى سارة حجازي، وهي عضو مؤسس في الحزب، وكتب على صفحته الرسمية في فيسبوك أنها “كانت مؤمنة بحق الجميع في العيش بكرامة وحرية دون استغلال طبقي أو تمييز مبني على النوع أو الهوية الجنسية، كانت سارة تعبر عن آرائها بشجاعة نادرة لم نستطع دائماً مواكبتها، فقد كانت أكثرنا جسارة وإخلاصا في الدفاع عن القضايا التي تؤمن بها مهما بلغت حساسيتها، مثل قضايا التنوع الجنسي والجندري، وكنا خلفها بخطوات عديدة”.

وأضاف الحزب في بيانه أنَّ سارة حجازي قادت عدة حملات من أجل مناهضة التحريض ضد مجموعات “الميم” في مصر، كما شاركت في عدة حملات تضامنية مع سجناء الرأي، خاصة من الكتاب والفنانين، الذين تعرضوا للقمع بسبب آرائهم، وأنها دفعت ثمن نضالها وشجاعتها غالياً.

الطبيبة والناشطة المصرية، سمر علي، كتبت في وداع سارة حجازي على حسابها الخاص في فيسبوك: “إنتي عارفة أنا بحبك قد ايه،.وأنا مش قادرة أصدق الخبر، وقاعدة مستنية حد يكدبه، ويقولي لا محصلش يا سارة، أرق من نسيم الحياة روحك، بس أنا تعبت من فقد الأصحاب، وقلبي إتكسر تاني فوق كسوره وشروخه”.

ترى بعد كلّ هذا الوجع الذي تعرضت له سارة حجازي، أين ومتى سيستطيع مجتمعُنا أن يجد فتاةً شجاعة مثلها؟ نتمنى لكِ سماءً أكثر رحابة من هذه الأرض القاسية.



شاركنا رأيك، هل من تعليق ؟

Your email address will not be published. Required fields are marked *