Pages Menu
Categories Menu
دكاكين نسائية وحريات مزيفة

دكاكين نسائية وحريات مزيفة

لا يغيب عن معظم السوريين، وغير السوريين المهتمين بالموضوع السوري، حالة الفوضى والعشوائية في معظم ما يمكن تسميته بـ “تشكيلات، مؤسسات، تجمعات…”، حتى أطلق عليها بعضهم بأنها دكاكين معارضة أكثر منها مؤسسات، وللمرأة السورية نصيب من كل ما سبق، فتشكلت عدة تجمعات، حملت في عناوينها كلمة “النساء السوريات”، اتفقت جميعها -نظريًا- على فكرة الركض وراء حقوق المرأة السورية، واختلفت في كل ما عدا ذلك، وإن كان الاتفاق النظري أمر لا يمكن أن يختلف اثنان في وقتنا الحالي عليه، فإن الشيطان يكمن دائمًا في التفاصيل. 

بعد مؤتمرات تحت أسماء نسائية، أعلنت أن شعارها فرض وجود المرأة في مستقبل سورية، وبعد أن جالت نساء “مثقفات”، ومصنفات في حقل “مجتمع مدني”، بقيت المرأة السورية على حالها؛ لجهة الحقوق الغائبة والتمثيل الحقيقي.

وتصر النساء اللواتي يعملن تحت يافطة “جمعية” أو “منظمة” على أنهن يمثلن النساء في سورية، على الرغم من أن أسماءهن غائبة عن الوجدان السوري، فلم تسمع السوريات -على طول الأرض وعرضها- بفيديو أو مبادرة واحدة قدمتها جمعية أو شخصية نسائية إلى نساء سوريات لاجئات وقابعات في المخيمات، عدا بعض المحاولات الصحافية التي حاولتها قنوات إخبارية وليس مجتمع مدني نسوي سوري، وبعض الناشطات شبه المستقلات اللائي لم يسمع بهن أحد.

“اللوبي النسائي”، “المجلس الاستشاري النسائي”، “نساء الائتلاف”، “نساء وفود التفاوض”، “نساء الكوتة في أي تنظيم أو تجمع معارض”، “النسوية”، إضافة إلى ما يمكن أن نسميه “مفرقعات إعلامية”، تراوحت مطالباتها ما بين تبوّئ القيادة السياسية، مرورًا بالتمثيل السياسي، وصولًا إلى المطالبة بالحقوق الجنسية الكاملة. ويبدو أن هذه التنظيمات السياسية “الباهتة”، والتنظيمات الاجتماعية والمفرقعات الإعلامية، تحاول تركيب سلم الأوليات، لكن بدون تمييز للدرجات، ليكون الناتج بعيدًا عن المرأة قريبًا من التمويل والاستعراض و”البرستيج” الاجتماعي، وغني عن القول -في هذا المقام- أن الرجل كان المشجع الأول لتلك المبادرات، انطلاقًا من مبدأ “درء المفاسد مقدم على جلب المصالح”.

أعتقد -بوصفي امرأة سورية- أن المرأة السورية مبتلاة من جميع الجهات، فهي الأم التي فُجعت بابنها، أو بزوجها، أو بأبيها، وهي المرأة التي اعتُقلت، وربما اغتُصبت وعُذبت، وهي المرأة التي سكنت في خيمة، ونزحت حاملة أطفالها بحثًا عن الأمان، ولكنها أيضًا المرأة التي لا حقوق لها، لا مدنية ولا سياسية ولا اجتماعية، وهي المرأة التي ابتليت بتنظيمات ومتحدثات باسمها، لا يعرفن مما تعانيه الجزء اليسير، لتجد نفسها بطلة معاناة، لا تعرف عن معناها شيئًا، في حين أن معاناتها الحقيقية بقيت داخل صدرها.

لا ندري لِمَ يبدو التمكين السياسي أشبه بالعقدة النسائية السورية، والتمكين “الجنسي” العقدة الثانية لأخريات، ولا نجد طريقة لفهم اختصار تحرر المرأة ببعض الشكليات الاجتماعية، والشكليات السياسية، في الزمن الذي تعيش تلك النساء في بلد لا يوجد فيه أي من مقومات الحياة، بدءا بالحياة وانتهاء بالكرامة؛ ولا ندري لماذا تعتقد النساء أن فصل أنفسهن عن المجتمع يعني أنهن على طريق حريتهن. ربما تكون هذه العقدة غير منفصلة عن عقد المعارضة السياسية السورية، وقادات الفصائل المسلحة، فبعد ست سنوات، اكتشفنا أنهم قالوا الكثير، وملؤوا الشاشات والصحف، لكننا -السوريين والسوريات- خسرنا الأكثر والأكثر. ويمكنني أن أجزم بأن العقدتين متصلتان بتشوه جوهري في ما يسمى طبقة المثقفين والمفكرين الليبراليين، ممن احتكروا المنابر الخالية من الإسلاميين، فسقطوا في أول امتحان أمام عمائم البغدادي والجولاني، وانطلقوا يوزعون تهم التخلف والتحجر وظلم المرأة على الشارع السوري، وكأن هناك مجتمعًا في العالم يولد أطفاله، وهم يعون حقوق الإنسان والمرأة.

لا يمكنني القبول باختصار المرأة السورية وحريتها بالتحرر من الملابس، ومن بعض العادات، وببعض الورشات التدريبية السطحية، ومن غير المنطقي أن تكون المرأة هي الوحيدة التي تتعرض للاضطهاد وللحرمان من الحقوق في مجتمع محروم من أبسط حقوق المواطنة، يتساوى في ذلك الرجل والمرأة، ومجتمع محروم من أدنى مقومات الديمقراطية، ويتساوى -أيضًا- في ذلك الرجل والمرأة، وفي مجتمع اتخذ من النفاق والرشوة ومحاباة القوي شعار حياته، ويتساوى في ذلك المرأة والرجل، وفي مجتمع تخطب الأم لابنها فتاة لا يعرفها وتقبل بتزويج ابنتها من شاب لا تعرفه.

بالتأكيد، لا يمكن أن نقول أن المرأة والرجل في المجتمع السوري متساويان في حجم الخوف والانصياع وفقدان حق تقرير المصير، وإلا فإننا سنغرق في “كليشهات” النفاق، مثلما نرى أن غيرنا غرق فيها، فالمرأة السورية الأم والأخت والزوجة -اليوم- لا تختلف عن الرجل من حيث حجم التضحية التي قدمتها منذ 6 سنوات، ولكنها -بالتأكيد- تتجاوزه بأشواط لجهة الثمن الذي تدفعه -هي- مقابل تقاليد بالية، تحاسبها على ما لم ترتكبه من ذنوب، بداية بالمعتقلة التي حاسبها أخوها على اغتصابها في المعتقل، ومرورًا بالفتيات اللواتي جرى تزويجهن، وهن تحت السن القانونية، وليس انتهاء بفتيات سوريات وجدن أنفسهن مسؤولات عن عائلاتهن، ويتحكم فيهن أصغر فرد في تلك العائلة؛ لأنه يحمل صفة الذكورة.

في سورية. أنا المرأة وأنا الرجل، لا تمثلنا معارضتنا السياسية التي استهلكت حياة أهلنا في مزادات لبيع الوطن والارتهان للخارج، ولا تمثلنا المعارضة المسلحة، ولا أقبل بأحكام الفصائل الإسلامية التي قتلت الناس على الشبهة، وحولت المناطق التي تقع تحت سيطرتها إلى سجن كبير من القوانين الجائرة، ولا أعترف بزعم أن النظام السوري نظام علماني؛ لأنه يقيم مسابقات ملكات الجمال فحسب، أو يُجلس امرأة في رئاسة مجلس شعبه؛ فجميع هذه الأمراض الاستعراضية حول حقوق المرآة، ولنعترف بمرارة، مستقاة من 40 سنة من الاستعراضات الإعلامية لحقوق المرأة والإنسان، نعم ثرنا على النظام، لكن أمراضه للأسف لم تمت فينا.

لا أعترف بالجملة التي تقول إن “المرأة في سورية مضطهدة”، ثم أضع نقطة، وأتابع حديثي وسط تصفيق من الحضور، وبالطبع؛ فإن التصفيق صفة ملازمة لجملة “حقوق المرأة، اضطهاد المرأة، جسد المرأة، عري المرأة”، بينما يبقى الرجل في خانة الظالم والمتخلف وحده، ولكنني أعترف بأن ثمة إنسان مضطهد في سورية، وكل منا يمارس قوته على من هو أضعف منه؛ لتكون المرأة هي الحلقة الأضعف في معظم الأحوال، ولن يحميها من ذلك إلا تطور المجتمع، بوصفه كلًا، من حيث التعليم والثقافة.

مشكلة المرأة السورية مثل مشكلة سورية، لا يمكن فصلها عن أدق التفاصيل في الحياة اليومية، ولا عن الحركة الجيوسياسية العالمية، وما بينهما من صراعات أسواق وثقافات ورجال دين، بدون الربط العلمي ما بين الكلي والجزئي، ومعرفة متى ننظر إلى الصورة الكلية، ومتى ننظر بالمجهر إلى التفاصيل اليومية، لا يمكننا حماية الرجل ولا المرأة.

المصدر: جيرون .

شاركنا رأيك، هل من تعليق ؟

Your email address will not be published. Required fields are marked *