Pages Menu
Categories Menu
لسنا حداثيّين.. بل ذكوريّين جدًا

لسنا حداثيّين.. بل ذكوريّين جدًا

تقتضي الحداثة في ما تقتصي حقوقًا متساويًة لأفراد المجتمع كافة. هذا لم يتحقق في تاريخنا الحديث، لا في الدستور والقوانين عامة، ولا في المجتمع، ولا في الأحزاب السياسيّة، وطبعًا الأديان تمييزيّة ضد المرأة. حداثتنا مشوّهةٌ، أي: إن هياكل الدولة السوريّة بالكاد تُشبه هياكل الدولة المتقدمة، ويقودها التمييز ضد المرأة.

إذن؛ حضرت المرأة “بريستيجًا” في مختلف مؤسساتنا وحياتنا، ولهذا يُشار لها بالبنان لدورها كدكتورة أو مهندسة أو نائبة رئيس أو وزيرة أو برلمانية أو أو، وطبعًا في إطار مساعدة الرجل للقيام بالأعباء؛ وهذا يُخفي بطبيعته أنّها مُلحقة وتابعة له ومكملة لدوره، فهو الأساس. هذه طبيعة المجتمعات الذكوريّة، حيث السلطة الأساسيّة للرجل، والمرأة تتحدّد حقوقُها والمعنى من حياتها في هذا الإطار فحسب.

الثورة التي انطلقت في آذار/ مارس 2011 كانت تَشي بتغييرٍ كبيرٍ في موقع المرأة، وحينها قِيس تقدمية الثورة بالموقع الذي تحوزه المرأة فيها، وقد شاركت في الأشهر الأولى، بل طيلة عام 2011، بمختلف الأنشطة، وبالعموم الأوساط الثورية والمجتمعية تنظر بعين الرضى. هذا الأمر بدأ بالتراجع مع تعاظم القمع والقتل والاعتقال، وكذلك مع سيطرة السلاح على الثورة؛ التغيّر هذا، أوضح أن دور المرأة في الثورة لم يكن ضمن منظور استراتيجي يتجاوز نظرة المجتمع والنظام لها، وبالتالي سرعان ما أصبحت تعاني حصارًا مُضاعفًا، وطُوّقتِ المرأة من النظام والمجتمع والثورة والسلاح.

فرض عليها لاعتبارات تتعلق بالخوف من الاعتقال، العودة إلى المنزل والاستقالة الثورية، ولم يُحاجَج -عكس ذلك- في أن المرأة كما الرجال ستتعرض لا محالة لمختلف أشكال الانتهاك وسيُعمد لانتهاكها جنسيًا لإذلال “شرف” الثوار والثورة، أي لم تتجهز الثورة للدفاع عن حقوق الأنثى، وأصبحت كلمات “الثورة أنثى” مثار سخريةٍ خالصة؛ فالمرأة أُعيدت للحظيرة الذكوريّة بالكامل.

ما ظهر هنا وهناك من تجمعاتٍ نسائيّةٍ ودوراتٍ كثيرة باسمها، كانت بلا أية قيمة حقيقيّة ولم تقدم شيئًّا هامًّا، وأصبحت مع تضاعف المأساة السورية وما تتعرض له المرأة محط تندرٍ وسخريةٍ عميقةٍ، فعن أي تمثيل يُحكى للمرأة وهي التي تُقصى بالكامل وتتعرض للانتهاك.

ما هو مهم هو الربط بين النضال النسوي والنضال الثوري، وهذا عكس تياراتٍ نسائيّة سابقةٍ كانت تفصل بين الأمرين، وتتوهم بإمكانية التقدم في وضع المرأة ضمن شروط سياسية واجتماعية واقتصادية ظالمة.

الثورة طَرحت قضيّة الترابط، الترابط الذي لا يُلغي ضرورة تشكيل منظمات نسويّة متخصصة بقضايا النساء إلى جانب القضايا المجتمعية العامة. هذا المنحى لم يتجذّر، كأن تظهر المرأة كقياديّة في مختلف هيئات المجتمع الثوري. المُشكلة أنّها قُدِمت مجدّدًا كبريستيج في المناصب القيادية للهيئات السياسية المعارضة، وبالكاد يُلحظ لوجودها أثرٌ في الهيئات الموصوفة بأنّها هيئات ثوريّة.

يوجد تجمعات نسوية تكادُ تتعاطى مع حقوق النساء وكأنّها منفصلة عن الثورة وأهدافها، فتعمل ضمن مفهومات الكوتا والتمكين وخفض أهداف الثورة بما تتضمنه من تغييرٍ رئيسيٍّ لمختلف أوجه الحياة. هذا فصل للترابط بين النسوي والثوري ويضحي بالاثنين معًا.

ذاك الترابط يستدعي إقرارًا مبدئيًّا، بأنّ المرأة مساوية للرجل، وضرورة طي كل أشكال التمييز بما فيها الاجتماعي، والانطلاق من بدهية أن المرأة كما الرجل تحوز على ممكنات متعددة ومتفاضلة وفقًا لقدرات بيولوجية أو اجتماعية.

الثورة شعبيّة نعم، أي بلا استراتيجية مُسبّقة وواضحة الأهداف، ولكن بعد مرور أعوام عليها يصبح هذا الحديث تبريرًا مقصودًا لرفض كل تغيير جدي في المجتمع، ويوضح أن الثورة كانت ثورات، ولم تصبح ثورة واحدة لكل السوريين بعد. أي أن الفئات المنخرطة فيها كانت مختلفة الأسباب في المشاركة، ويبدو مختلفة الأهداف كذلك. إذًا غياب استراتيجية للثورة تخص المرأة لا يعني الاستمرار في التبرير بتغييب حقوقها كما كان الأمر قبل الثورة.

هناك مسؤولية تقع على المرأة الثائرة ذاتها في غياب الاستراتيجية وفي بقائها في وضع التبعية والإلحاق بالرجل؛ إذ لم تنشأ تنظيمات نسائيّة ذات تأثير سياسي ومجتمعي في المناطق الثائرة، وكان دورها أقرب للإغاثي والطبي، وكأنّها تخلت عن دورها لصالح الرجل. موقعها التابع هذا يُريح الرجل ولكنه يُكرسها مُلحقة وفاقدة الإرادة. ونضيف أن وعي المرأة الدوني لذاتها يُشكل سببًا طبيعيًّا لتتقبل ذلك الموقع، وألّا تطالب بتغييرٍ وفق مبدأ المساواة الكاملة كما يقول الحداثيون المنسجمون مع أنفسهم، ووفقًا لمبدأ المواطنة وشرعة حقوق الإنسان.

لسنا نطالب بمعجزة في زمن لا أنبياء فيه، ولكننا نحاور واقعًا ثوريًّا لم يُنصف المرأة، وإن وجود مجموعات قليلة من النساء والذكور ينطلق من زاوية الحداثة لا يعني أمرًا عظيم الشأن بل هو دليل على الواقع الكارثي لما تعانيه المرأة.

أيّ جردة حسابات لما عانته المرأة خلال سنوات الثورة، سواء أكان من النظام أم في مناطق الثورة والجهاديين، سيقول بنتيجة واحدة: يجب أن ترفع كل أشكال المظالم عن المرأة ولو أدى الأمر إلى الصدام الكبير من النظام والمعارضة ورجال الدين مجددًا، هذا حق للمرأة وقد دفعت ثمنه اعتقالًا وشهيدة وجوعًا وتهجيرًا وغرقًا وانتهاكًا جنيسًا لا يتعرض له الرجل.

الثورة، مهما كانت شعبية، وبعد تجاوزها السنوات، وطبعًا في أساسها كذلك تعني وضعًا مجتمعيًا أفضل، يدفع بكل أفراد المجتمع نحو تجاوز التمايزات بين الأفراد، فكيف وقد كانت مطالب المرأة قبل الثورة محددة برفع قوانين الوصاية والقوامة والتمييز القانوني والديني بمختلف أشكاله.

نعم لنعترف بأن مجتمعنا كانت حداثته مشوّهة وكانت ثقافته ذكورية بامتياز، والثورة لم تنتج بديلًا أفضل، وما زالت قضية المساواة الكاملة بين الجنسين من قضايا الثورة الرئيسية والمجتمع كذلك. وبالنهاية إمّا أن نكون حداثيين فنكون بشرًا وإلا فسنظل ندور في الإشكاليّة القديمة للعلاقة بين الرجل والمرأة، أي ليس للمرأة من حقوق تماثل حقوق الرجل.

المصدر: جيرون.

شاركنا رأيك، هل من تعليق ؟

Your email address will not be published. Required fields are marked *