Pages Menu
Categories Menu
ألفة الإدلبي… الأدب النسوي السوري المُتأصّل

ألفة الإدلبي… الأدب النسوي السوري المُتأصّل

“كانت الدار في ذلك المساء الربيعي وكأنها في لحظات التجلّي الخارقة، لقد زوّقها نيسان، فنانٌ بعثر الألوان فإذا هي سيمفونية متناغمة، الياسمينة الصفراء سطت على الدالية نسجت فوق العريشة مظلّة موشاة بالأصفر والأخضر، البحرة تحتضن القمر، النافورة تُردّد أغنيتها الرتيبة الموزونة، زهر الليمون والنارنج ينشر في الجو عبقًا يغري باسترخاء لذيذ”.
مقتطف من كتاب (الدار الشامية)، للكاتبة الدمشقية، ألفة الإدلبي، التي عزفت بأناملها الأنثوية على أوتار القلب والشغف، وتغنّت بالشام وحلّتها، فقدمت عبر مؤلفاتها صورًا عذبة فيها من حياة الدمشقيين وأخلاقهم وكرمهم وطرائق معيشتهم كثير. 

ولدت الإدلبي في دمشق عام 1912، وتلقّت علومها في مدرسة تجهيز البنات، وتابعت تعليمها الابتدائي في مدرسة (العفيف)، وكانت من المتفوقات في دروسها.

نالت الشهادة الابتدائية عام 1927، وانتقلت إلى دار المعلمات، وكان عدد التلاميذ في صفها قليل جدًا لا يتجاوز 16 تلميذًا، أما التلميذات فلا يكاد عددهن يُذْكَر.

ظهر ميلها للأدب وهي صغيرة، وتبلور في شبابها، فكانت تقرأ بنهم، حتى قيل: “إنها تجلس عشر ساعات متواصلة يوميًا برفقة الكتاب”.

شغلتها القصة والرواية، ونهلت من الأدب القديم والحديث والمُترجم، وانتهزت فترة مرضها عام 1932 التي امتدت سنة كاملة، بقيت خلالها تقرأ وتتبحّر في الفلسفة والشعر والأدب.

حقّقت أعمالها شهرة عالمية، فتُرجم كثبر من قصصها وكتبها إلى نحو عشر لغات عالمية منها: الإيطالية والإسبانية والألمانية، والروسية، والصينية، والتركية، والأوزباكستانية والروسية، كما اعتُمد عدد من قصصها القصيرة لتدرّس في جامعات عالمية، منها (جامعات الصين، الولايات المتحدة، إسبانيا، روسيا وأوزبكستان).

شكّلت مجموعتها القصصية الأولى (قصص شامية) منعطفًا مهمًا في مسيرتها، إذ أرسلت قصتها هذه عام 1947 إلى مسابقة في الإذاعة البريطانية، لتفوز بجائزة أفضل قصة في الوطن العربي.

تميزت بنشاط نسوي عال، فساهمت في تأسيس عدة جمعيات، وترأستها، وانتسبت إلى العديد منها مثل (دوحة الأدب)، وكانت تعقد في دارها ندوة كل شهر، يشترك فيها عدد من أدباء دمشق وأديباتها ومثقفيها لتبادل الآراء حول الأدب والثقافة.

دعت إلى تحرر المرأة وممارسة دورها الاجتماعي والسياسي، فكانت من أوائل السيدات اللاتي خرجن في المظاهرات ضد الاحتلال الفرنسي، وممن قمن بجمع التبرعات لإيصالها للثوار.

شاركت عام 1948 مع ثلّة من الناشطات السوريات بأعمال الإنقاذ والإسعاف وإيواء مشرّدي النكبة، وتواصلت مع نضال الشعب الجزائري في الستينات من القرن العشرين، وأثناء حرب عام 1967 – 1973 كانت واحدة من المناضلات السوريات اللاتي كن يزرن الجرحى وأسر الشهداء ويقدمن لهم المساعدة.

توفيت عام 2007 عن عمر يناهز السادسة والتسعين عامًا، وجرى تشييعها من جامع البدر في حي المالكي الدمشقي، بحضور عدد من الشخصيات الثقافية والأدبية في سورية.

عُرفت بتواضعها وكرمها وحسن أخلاقها، وكانت تهدي كل من يدخل بيتها كتابًا من مؤلفاتها، وفي سنواتها الأخيرة احتضنت في منزلها فتاة مغربية تُجالسها وتقرأ لها يوميًا، من مكتبة بيتها التي جمعت فيها ما يزيد عن الـ 2000 كتابًا باللغات العربية والألمانية والفرنسية ومعظمها كانت نادرة.

المصدر: جيرون.

شاركنا رأيك، هل من تعليق ؟

Your email address will not be published. Required fields are marked *