إيناس حقي – رصيف22 | فازت الطفلة السورية المميزة شام بكور بجائزة تحدي القراءة العربي للعام 2022، وتعد الفتاة ذات السنوات السبع أصغر الرابحين في التحدي منذ إطلاقه.

يعرّف الموقع الرسمي لتحدي القراءة المسابقة بأنها “أكبر مشروع عربي أطلقه صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس دولة الإمارات العربية المتحدة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، لتشجيع القراءة لدى الطلاب في العالم العربي عبر التزام أكثر من مليون طالب بالمشاركة بقراءة خمسين مليون كتاب خلال كل عام دراسي”.

يجري انتقاء المشاركين في التحدي على مراحل، يقرأون فيها عشرة كتب في كل مرحلة ويلخصونها. ومع صعود الطفلة السورية إلى المسرح نلاحظ أن والدتها قد بذلت جهداً جباراً كي تحفظ ابنتها كل ما تقوله عما تقرأه.

يعرض أثناء توزيع الجوائز فيلم قصير يروي حكاية الطفلة السورية التي فقدت والدها وأصيبت بشظايا في رأسها في قصف طال سيارة الأب. وكعادة التغطيات التي تتحدث عن سوريا، لا يشرح لنا الفيلم السياق ولا نعلم كيف استشهد الأب ولا من المجرم المتهم بقصفه، لتحول الصحافة لاحقاً فقد الطفلة لأبيها إلى “حادث سيارة أليم”.

تقول شام: “بهدي فوزي لأمي ولسوريا”، فتكفهر المذيعة قليلاً وتسأل: “لمين كمان يا شام؟ “. فنسمع من يلقنها الإجابة لتستدرك: “ولقائد الوطن”.

يتلقف التلفزيون الإماراتي الطفلة بعد فوزها ليسألها هل تود أن توجه كلمة لمحمد بن راشد آل مكتوم، وتتصل بها المحطات السورية لتسألها عمن يستحق أن تهدي إليه فوزها، تجيب الفتاة عن كل هذه الأسئلة بأجوبة محفوظة باللغة العربية الفصحى، وتخرج عن النص قليلاً في حديثها لإذاعة سورية بقولها بالعامية: “بهدي فوزي لأمي ولسوريا” فتكفهر المذيعة قليلاً وتسأل: “لمين كمان يا شام؟” فنسمع من يلقنها الإجابة لتستدرك: “ولقائد الوطن”، وبذا تنفرج أسارير المذيعة وتطلب الحديث إلى أم شام.

تأملت وجه الطفلة الصغيرة السمح، وفكرت في كل ما مرت به من آلام، شاهدت دموع أمها المنسابة، تعاطفت مع أحزانهما ومع تجربة الفقد القاسية التي عاشتاها، وتمنيت أن أعرف عنهما أكثر، أن أسمعهما تتحدثان بأريحية وصراحة. صحيح أن المحفوظات التي نسمعها من شام تدل على طفلة مميزة لديها قدرة استثنائية على الحفظ كما تشير إلى أن أمها تبذل كل ما تستطيع لتعليم ابنتها، ولكننا لا نعلم رأي شام بما قرأت وحفظت، لا مساحة لها للتعبير عن نفسها وعن شخصيتها القوية والواثقة.

قارنت في ذهني بين تحدي القراءة العربي وتحدي “ماذا لو قرأنا بصوت عال؟” الذي يعرض سنوياً على القناة الخامسة الفرنسية.

بدايةً يشارك الأطفال في المسابقة في مجموعتين عمريتين، الأولى لمعادل طلاب المرحلة الإعدادية والثانية لما يقابل طلاب الثانوية. والتحدي عبارة عن مسابقة ينظمها التلفزيون الفرنسي بالتعاون مع برنامج “المكتبة الكبيرة” للقراءة بصوت عال.

تشارك وزارة التربية والشباب بصفتها أحد رعاة المسابقة، يسجل الأساتذة طلابهم في المسابقة ويطلب منهم أن يشملوا القراءات ضمن مشروعهم التعليمي.

تعتبر المسابقة فرصة للطلاب للقراءة بشكل أكثف، ولمشاركة قراءاتهم مع الآخرين، وتشجعهم على التعبير عن أنفسهم بثقة أمام الجمهور، يرافقهم في رحلتهم تلك تدريب أساتذتهم وزيارات تنظمها إدارة المسابقة لكبار الأدباء والمؤدين المسرحيين إلى المدراس للاستماع إلى قراءات الطلاب وإبداء آرائهم وإعطاء الملاحظات حول الأداء.

يختار الطلاب المشاركون نصوصهم وتؤكد قوانين المسابقة بالخط العريض على ضرورة أن يختار الطالب أو الطالبة نصوصهم بحرية مطلقة، وأن يكونوا قادرين على شرح أسباب اختيارهم لهذه النصوص. تتم التصفيات على مر العام الدراسي ويصل عدد محدود من الطلاب إلى المسابقة النهائية التي يقرأ فيها الطلاب المختارون على الشاشة الوطنية أمام لجنة تحكيم مؤلفة من أدباء كبار ومشهورين.

أثناء النهائي، يُعرض فيديو قصير عن كل من المشاركين والمشاركات، يرافقهم في يومهم وحياتهم المعتادة، يشرحون فيه عن هواياتهم وعلاقتهم بمدرستهم وأهلهم، أحياناً يرتكبون الحماقات، يمزحون، يقول أحدهم إنه مهتم بالقراءة بفضل أساتذته لا بفضل أهله الذين لا يحبون الكتب.

ضمن تحدي القراءة الفرنسي: “ماذا لو قرأنا بصوت عالٍ؟ “. يختار الطلاب ما يقرؤونه، ويتناولون موضوعات حساسة كالعنف والحرب والحب. وعندما يعلن اسم الفائز، لا يشكر أحداً بل يحتفي به الجميع

يقرأ كل منهم مقطعاً من كتاب، ولعل اللافت هنا أن كلاً منهم يبرر سبب اختياره المقطع الذي سيقرأه، وتبدو الخيارات لافتة للغاية كل عام، فيقرأون الأدب الكلاسيكي والشعر كما يقرأون الأدب المعاصر، ويتناولون موضوعات حساسة كالعنف والحرب والحب والصداقة. وقد يخطئ مشارك فيضحك أثناء القراءة، ورغم التوتر يمكننا أن نشعر أن الأطفال يستمتعون بالتجربة. يصاحب الطالب إلى النهائي أهله وأستاذه الذي رافقه على مدار العام الدراسي، وفي النهاية عندما يعلن الفائز ويعطى الجائزة، لا يشكر أحداً، بل يحتفي به الجميع، ولا يهدي فوزه إلا لنفسه.

فكرت بالمسابقة الفرنسية طويلاً، وأنا أتأمل وجه شام بكور وهي تردد ما حفظته، سألت نفسي هل اختارت شام حقاً ما تقوله لنا؟ هل أعجبتها الكتب التي قرأتها؟ هل تحب شام أن تمارس الرياضة؟ هل تعيش حياة حلوة كما تستحق؟ هل تجاوزت تجربة الفقد القاسية؟ ظلت كل أسئلتي معلقة، ولم يطلب منها أحد أن تخبرنا ما تفكر فيه.

سألت نفسي هل اختارت شام حقاً ما تقوله لنا؟ هل أعجبتها الكتب التي قرأتها؟ هل تحب شام أن تمارس الرياضة؟ هل تعيش حياة حلوة كما تستحق؟

تمنيت أن أرى شام بكور في مسابقة “ماذا لو قرأنا بصوت عال”، أن تشارك بثقتها العالية في التحدي، فتختار نصاً على مزاجها، وتقرأه علينا وتخبرنا بسبب اختيارها، وأن تخطئ وتتدارك، كما يفعل كل طفل طبيعي في العالم، وأن تبتسم ابتسامتها الساحرة وهي تربح المسابقة، كي تشكر أمها إن أحبت ولا أحد آخر، وكي تهدي فوزها لنفسها فقط، فهي الفتاة الاستثنائية التي تفوقت على ظروفها.

آن لنا أن نرحم الأطفال العرب من لعنة الترداد الببغائية، وأن نفرح بهم وبقدرتهم على المرح، آن لنا آلا نؤطرهم في مكعب مغلق لا تدخله شمس الحرية، وآن لهم أن يعيشوا مواهبهم الهائلة دون أن نرسم لهم حدودها. أحلم لشام بكور ولأطفال جيلها بالحرية، أحلم وأنتظر يوماً يقرأون فيه ما يحبون ويعلموننا كيف نقرأ ولماذا.