غالية الريش – شبكة المرأة السورية | تعالج هذه الدراسة موضوع الابتزاز المالي والجنسي في الجامعات السورية. لا يتعلق الموضوع بحالة عابرة وجب تسليط الضوء عليها، كأن تكون مشكلة فردية أخلاقية أو تجاوزا مسلكيا لهذا المُدرس الجامعي أو ذاك لوظيفته التعليمية، بل يتعلق الأمر بتداعيات غياب الرقابة    على الكادر التعليمي، وغياب الشفافية، وعدم طرح القضايا بالغة الحساسية  أمام الرأي العام ووسائل التواصل الاجتماعي والرسمي، بغية حلها جديا بروح احترام سلطة القانون. في سياق إنهيار قيمي عام يترافق مع فساد شامل في  فترات الحروب، فضلاً عن عجز المنظمات الطلابية السلطوية ( الإتحاد الوطني لطلبة سورية) عن معالجة تلك المشكلات التي ثبت أنها متورطة فيها وتشكل غطاءً لها.

مظاهر من العنف الجنسي دون مساءلة:

يصعب الجزم أن في  سورية  نظام قانوني داعم يحمي أهلها وسكانها من المخاطر المحدقة التي يتسبب بها من هم على عاتقهم توفير شروط الحماية والأمان. ينطبق على ما يجري في سورية المثل العامي ” حاميها حراميها “وما يشمل ذلك من إعتداء على حرمات الناس وكراماتهم.

في سورية عنف جنسي مكتوم الصوت يقوم على ابتزاز الفتيات المتعلمات من قبل مدرسين بغية ترفيعهن إلى سنة قادمة بصفة ناجح في المادة التي يختص بها المدرس، هذا الابتزاز يقوم على الإكراه الجسدي مقابل الحصول على فرصة نجاح متوفرة، حيث يحجم المدرسون منحها إمعانا في إكراه الطالبات للحصول على مكسب جنسي.

مشكلة المشكلات: الصمت وعدم الإبلاغ

نقتطف من تقرير مجلس حقوق الانسان في العام 2018 حول العنف الجنسي في سورية “حيث لايتم الإبلاغ عن جميع حالات العنف الجنسي أثناء النزاع أو في أوقات السلم والتحديات التي ينطوي عليها توثيق الانتهاكات الجنسية تشمل الوصم الثقافي والاجتماعي الذي ينشأ عن هذه الحوادث . يقلل ذلك كثيرا من استعداد الناجين والناجيات للكشف عن العنف الجنسي الذي لحق   بهن/م  ويستدعي الأمرغالبا شهورا أو سنوات، تحاشيا للوم الذي يقع  بسبب إلحاق العار بأسرهن”.

إن “تصاعد” جرائم العنف الجنسي القائم على الإكراه أساسا، يدل على انهيار النظام القانوني، والرقابي داخل المؤسسة التعليمية.

 كلنا يذكر المجالس التأديبية التي كانت تُسطر عقوباتها أغلب الأحيان على الطالبات والطلاب المعارضين/ات، نلاحظ كيف تبتعد تلك المجالس عن لجم تجاوزات المدرسين على الطلاب والطالبات مقابل الحصول على رشى، أو بإكراههن على ممارسة الجنس، مقابل إنجاحهن، يتم ذلك مع غياب أي رد فعل مطلوب يلجم الفاعلين، هؤلاء المحميون اليوم في حِلٍّ من أي عقاب قانوني يستحقونه.

شهادات صبايا يعتريهن القلق من الانكشاف:

رولى في العشرين من عمرها لم تكن تتوقع أن تخضع لتلك التجربة المريرة وتواجه الأقنعة الكاذبة حينا والوقحة دوماً.

رسوب متكرر في مادة الدكتور المذكور، ثم طلب لقاء في مكتبه على انفراد : أيمانات مغلظة أنها حضرت المادة على أتم وجه وأنها تدرسها وتفهمها جيدا فلم لا يوافيها النجاح وهي متأكدة وواثقة من علامة عالية.

بابتسامة لا تخل من اللؤم- كما تقول-  يطلب منها أن تزوره في شقته في بيت أسرته، لكي يحدد لها الموضوعات التي تستحق التركيز والمراجعة.

تقبل العرض، موضحة أن تأتي هي وزميلتها، يرفض مجيء زميلتها بدواع ” عدم الشوشرة”.

في اليوم التالي، تقول رولى: “ذهبت لبيته كما اتفقنا لتحديد الفقرات الهامة في المادة. لكنه سرعان ما كشف عن نواياه، وبدا التحرش بي. قاومت، تبين أنه لا يوجد أحد سواه في المنزل. لم أتوقع منه أن يكون شرساً بهذا الأسلوب الحيواني.  ثمة آداب تفرض نفسها بحكم العلاقة بين مدرس وطالبته لكنها الآن تلاشت. كنت متوفزة ومتخشبة. لم استطع مقابلة عيني بعينيه. يحضنني وأنا مثل قالب جليدي.

 هكذا بدا لي التعليم:  بزنس نخاسة

بالفعل تحقق نجاحي في مادة الدكتور المغتصب لجسدي- تقول الطالبة- . تأملت مدى هشاشتي وتعزز احتقاري لذاتي. تذكرت قول السيد المسيح: ماذا يجدي نفعا أن أربح العالم وأخسر نفسي؟ كيف سأواجه نفسي أمام المرآة التي فقدت التركيز على ملامح وجهي فيها.

ناجية وخاسرة!

بتول طالبة في كلية العلوم قسم الفيزياء في جامعة تشرين باللاذقية وصلت للسنة الثالثة. – لا أمل لها بالتخرج. هكذا هددها دكتور المادة إذا لم تستجب لطلباته المتكررة بالإنفراد بها.

دخلت في صراع داخلي – تقول بتول- لكني لم أر مخرجا من تغيير الفرع الدراسي الذي أدرسه، وتحولت إلى فرع آخر على أمل أن لا ألتقي بذئب بشري آخر.

صرخة في وادٍ:

في ظل انفلات وانحدار غير مسبوقين يترافق وانهيار مقومات العيش الكريم تبدو صرختنا اليوم بوجه تلك الذئاب البشرية صرخة في واد.

بواقع ترهل سلطة يبدو كل وزراء حكومتها “موظفو إعلام” وفق اختصاص كل وزارة، مهمتهم تبرير العجز في وزارتهم، وإعلامنا بالعجز عن فعل أي شيء في وقف انحدار الإنهيار، وتسويق الوعود الكاذبة حيال أي مشكلة، لا نعتقدنَّ أن مشكلة خطيرة مثل هذه المشكلة يمكن أن تكون على جدول أعمال الوزير المختص، وتفعيل مجلس تأديبي يطال تلك الوحوش البشرية مستندا إلى سلطة قضاء نزيه ومستقل.

ما من وضع سيء إلا وله مخرج،  والبداية الصحيحة تشق مجراها في إعلاء الصوت تجاه الانتهاكات المسكوت عنها، والمجاهرة بها، وعدم الخوف، والأهم توفير الحماية الإجتماعية المطلوبة للضحايا بتأمين سلامتهن، وتفهم ضعفهن، ” خاصة من قبل ذوي القربى والدوائر العائلية الضيقة” وتطويق الآثار النفسية الناجمة عن تجربتهن المريرة للخروج مرفوعات الرأس بانتصارهن على ضعفهن، واحترام مجتمعهن الصغير على الأقل.