تأثيرات الأزمات ليست محايدة أبدا بين الجنسين، وجائحة كورونا (كوفيد-19) ليست استثناء، ففي الوقت الذي يواجه الجميع تحديات غير مسبوقة، تتحمل النساء العبء الأكبر من التداعيات الاقتصادية والاجتماعية لفيروس كورونا المستجد

في الذكرى السنوية 50 لإنشاء الأمم المتحدة عام 1995، أعلن عن منهجية عمل بيجين، الذي كان يهدف لتحقيق المساواة بين الجنسين عام 2020.

وبدلا من ذلك، ومع انتشار جائحة كورونا، تراجعت المكاسب المحدودة، التي تحققت في العقود الماضية، وعمقت هذه الجائحة أوجه عدم المساواة القائمة من قبل، والتي زادت بدورها جراء الوباء، حتى يمكننا أن نطلق بجدارة على 2020 عام خسائر المرأة على كافة الأصعدة.

في الخطوط الأمامية للإصابة

تواجه النساء الفقيرات والمهمشات خطرا أكبر لانتقال كوفيد-19 والوفيات وفقدان سبل العيش وزيادة العنف، وفقا لهيئة الأمم المتحدة للمرأة.

على الصعيد العالمي، 70% من العاملين في المجال الصحي “الممرضات”، وأول المستجيبين للخطر هم من النساء، ومع ذلك، فهن لسن على قدم المساواة مع نظرائهن من الرجال. حيث تبلغ فجوة الأجور بين الجنسين 28% في قطاع الصحة لصالح الرجال.

وتقول أخصائية الأمراض المعدية وعلم الأوبئة الدكتورة سيلين غوندر، لـ”نيويورك تايمز” (NewYork Times)، إن مستويات تعرض الممرضات للفيروس أعلى من الأطباء؛ لأنهن أكثر مشاركة في الرعاية الحميمة للمرضى.

كما تواجه النساء الحوامل مجموعة مختلفة تماما من التحديات، خاصة ضغوط عدم معرفة كيفية تأثير الفيروس التاجي على أطفالهن بالضبط.

هيمنة نسائية على البطالة

تترك فترات الركود المنتظمة تأثيرا غير متساو على النساء والرجال؛ لكنه يكون لصالح المرأة.

حيث يفقد الكثير من الرجال وظائفهم في فترات الركود الاقتصادي؛ لأنه، عادة، ما تكون القطاعات الأكثر ضررا هي تلك التي يهيمن عليها الرجال كقطاع البناء والتصنيع.اعلان

لكن في هذا الانكماش الاقتصادي الناتج عن الوباء، يختلف الأمر تماما، كما تؤكد ورقة بحثية لباحثين من جامعة نورث ويسترن الأميركية، حيث ارتفعت البطالة بين النساء بمستويات غير مسبوقة جراء الوباء والتدابير الاحترازية والإغلاق العام، الذي أصاب القطاعات التي تهيمن عليها النساء؛ كالمطاعم أو قطاع السفر والضيافة.

في هذا العام، وفي الدول المتقدمة التي ينخفض فيها التمييز بين الجنسين، بأكثر من 60% من الوظائف، التي تم تسريح العمالة منها تشغلها نساء، بحسب “معهد أبحاث سياسة المرأة” (The Institute for Women’s Policy Research).

وفي بريطانيا، شكلت النساء اللواتي تقل أعمارهن عن 25 عاما أكثر من ثلث الموظفين، الذين فقدوا وظائفهم في قطاعات تم إغلاقها بشكل كبير أو كلي، وفقا لـ”رويترز” (Reuters).

نساء في مهب الريح

يصبح الوضع أسوأ في الدول العربية، وتتضاعف خسائر النساء لوظائفهن، حيث كشفت دراسة أجرتها عدة لجان تابعة للأمم المتحدة، بينها لجنة الأمم المتحدة الاجتماعية والاقتصادية لغرب آسيا “الإسكوا” (ESCWA) وهيئة الأمم المتحدة للمرأة، أن التحديات الاجتماعية والاقتصادية التي تواجهها النساء والفتيات في المنطقة العربية قد ازدادت سوءا بسبب كورونا.

وتتوقع “الإسكوا” أن تخسر المنطقة العربية 1.7 مليون وظيفة على الأقل في عام 2020 نتيجة جائحة كورونا، بينها ما يقارب 700 ألف وظيفة تشغلها النساء، وكون مشاركة النساء في القوى العاملة في المنطقة العربية تبلغ ما يقارب 20%، فإن نسبة خسائرهن للوظائف ستتعدى ضعف نسبة خسائر الرجال.

وقد يكون القطاع غير الرسمي الأكثر عرضة للخسائر، ولأن 62% تقريبا من النساء العاملات في المنطقة العربية يعملن في هذا القطاع، فإن النساء يتكبدن الخسائر بشكل غير متوازن.

أعمال مجانية

إذا كانت عمليات التسريح تفسر فقط جزءا من الصورة، فلعل عبء الرعاية غير مدفوعة الأجر تفسر كامل الصورة.

تترك العديد من النساء القوى العاملة ليس فقط لأن وظائفهن قد اختفت؛ ولكن لأن أنظمة دعمهن قد تلاشت.

مع إغلاق دور الحضانة والمدارس، التي كانت تتيح للأمهات الذهاب للعمل، وقعت مهمة رعاية الأطفال وتعليمهم بدوام كامل على عاتق النساء بشكل غير متناسب، يدعم تلك النظرية تسرب 865 ألف امرأة من القوى العاملة في الولايات المتحدة، مع بدء العام الدراسي الحالي، في أغسطس/آب الماضي، وفقا لتحليل مركز قانون المرأة الوطني لمكتب إحصاءات العمل.

وبحسب دراسة بعنوان “النساء في أماكن العمل” (Women in the Workplace) تفكر واحدة من كل 4 نساء بتقليل ساعات العمل، والانتقال إلى وظائف بدوام جزئي، والتحول إلى وظائف أقل تطلبا، وأخذ إجازات من العمل، أو الابتعاد عن القوى العاملة تماما لرعاية الأبناء.

ظلال العنف المنزلي

مزيد من الخسائر تحصدها المرأة في هذا العام الموبوء؛ لكن تلك الخسارة، تحديدا، تهدد أمنها وسلامتها، وتنتهك أحد أكبر حقوق الإنسان، وهي زيادة العنف ضدها.

قبل الوباء، تعرضت 243 مليون امرأة وفتاة، تتراوح أعمارهن بين 15 و49 عاما، للعنف الجنسي أو الجسدي من قبل الشريك في العام الماضي؛ أي واحدة من كل 3 نساء في جميع أنحاء العالم.

ومنذ انتشار الوباء، اشتدت جميع أنواع العنف ضد النساء والفتيات، وخاصة العنف المنزلي، كما تؤكد بيانات هيئة الأمم المتحدة للمرأة.

وعبر عن ذلك الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش قائلا “بالنسبة للعديد من النساء والفتيات، يصبح التهديد أكبر بينما يجب أن يكونوا أكثر أمانا في منازلهم، إننا نعلم أن أمري عدم الخروج والحجر الصحي ضروريان لكبح جماح جائحة كوفيد-19؛ ولكن في ظل هذه الظروف، قد تجد النساء أنفسهن حبيسات المنازل مع شركاء مسيئين”، وذلك بعد أن رصدت “الهيئة” زيادة في المكالمات والاستغاثات على خطوط المساعدة الخاصة بالعنف المنزلي في العديد من البلدان منذ تفشي فيروس كورونا.

المصدر – فريدة أحمد – الجزيرة