نسوية إسلامية
“نسوية إسلامية” أم مسلمات مدافعات عن حقوق المرأة المسلمة
طارق عزيزة)1)
أولً: ملخص تنفيذي
يتناول البحث “النسوية الإسلامية،“ فيعرّف بها وبقضاياها الرئيسة، ثم يناقش منطلقاتها ومنهجها من منظور نقدي)2)، لتَبيّن مدى “نسوية“ هذا التيار، وانسجامه مع جوهر الفكر النسوي، وما استقرّ عليه من موقف تجاه نظام الهيمنة الأبوي )البطريركي( بتمظهراته كافّة. ذلك أنّ هذا الموقف محدِّدٌ أساس في التمييز بين النضال والفكر النسوي، ونظيره النسائي الذي يمثّل -في الغالب- توجّهًا “إصلاحيًا“ ضمن النظام الأبوي نفسه، ما قد يأتي بنتائج عكسية، تكرّس مرجعيّات ذلك النظام، وتموّه هيمنته بدلًا من تقويضها.
ومما تُثار المناقشة بشأنه التناقضُ بين علمانية الفكر النسوي والحركات النسوية عمومًا، وعالميتهما، وتمسّك “النسوية الإسلامية“ بالمرجعية الدينية الإسلامية، وإن ترافق ذلك بنقد القراءات السائدة للإسلام، واقتراح قراءة بديلة. فإنّ إعادة قراءة نصوص الإسلام، وتأويلها لتنسجم مع حقوق النساء، تعدّ مشروعًا مركزيًا لـ“النسويات الإسلاميات،“ للحدّ من حالة التمييز ضدّ المرأة، المكرّسة بموجب “تفاسير ذكورية“ للنص الديني، وفق اعتقادهنّ، مع تمسّكهنّ بمرجعية النص نفسه، وتبرئته من شبهة الأبوية والتحيّز الذكوري.
تعتمد “النسوية الإسلامية“ نهجًا تأويليًا يُذكِّر بمحاولات مفكرين إسلاميين، سعوا إلى “الإصلاح الديني،“ ومواءمة الإسلام مع متغيّرات العصر عبر إعادة قراءة النصوص. فهذا المنهج ليس بجديد في السياق الإسلامي، غير أنّ “النسوية الإسلامية“ جعلت قضية المرأة في مركز التفكير، حيث تحاول تفسير نصوص الإسلام وتأويلها من منظور “نسوي“، وهذا مشابه أيضًا لمساعي كاتباتٍ غربيات حاولنَ تفسير الكتاب المقدّس من المنظور نفسه.
)1) كاتب وباحث سوري.
)2) ليس الغرض من البحث عرض الشروح التأويلية المطوّلة التي تتضمّنها أدبيات “النسوية الإسلامية“ أو مناقشتها، فهي متاحة للراغبين/ات في مطالعتها، بل التعريف بالظاهرة ونقد منهجها وجدواه، لذا سيُكتفى بالإشارة إلى مسائل رئيسية تناولتها أعمال بعض ممثلاتها.
و“النسوية الإسلامية،“ إذ تتمسّك بنصوص الإسلام الأساس )القرآن و“السنّة الثابتة(“ منطلقًا للنهوض بأوضاع المرأة و“الأسرة المسلمة،“ تُحمّل “التفاسير الذكورية“ وحدها مسؤولية التمييز ضدّ النساء، فلا تولي اهتمامًا جدّيًا لعلاقة الإسلام بالنظام الأبوي الضارب جذوره في عمق التاريخ، والتّارك بصماته في الأديان التي نشأت في كنفه جميعها. هنا تتركّز مناقشة حقيقة نسوية “النسوية الإسلامية،“ من منظور الموقف النسوي الصريح من النظام الأبوي نفسه، لا التحفّظ الانتقائي على بعض نتائجه ومظاهره فحسب.
لكن على الرغم من وحدة المرجعية الدينية، والحرص على الالتزام بها )مع اختلاف التأويل(، والدفاع عن “الإسلام“ أمام القائلين بتحيّزه ضدّ النساء، فإنّ تيار “النسوية الإسلامية“ يُواجَه بالرفض والعداء من وجهة نظر إسلامية، وتنتقده ناشطات إسلاميات على أساس مرجعيته ذاتها.
وما تحاوله “النسوية الإسلامية“ بإعادة تفسير النصوص، يقابَل بردود تستند إلى النصوص نفسها، ما يعني الدخول في حلقة مفرغة من التأويل والتأويل المضادّ، والبقاء في أسر “المقدّس“ المعاد إنتاجه وتكريسه.
ذلك كله يدفع إلى التساؤل عن جدوى التمسّك بنهج كهذا، بدلًا من الإبقاء على الدين في مجاله الخاص الشخسي والروحاني والتعبّدي، والاحتكام إلى مواثيق حقوقية، وقوانين وفلسفات وضعية بلغة قانونية عصرية صريحة لا تحمل اللبس والتأويل، وتطويرها بوصفها حصيلة مئات السنين من نضال النساء من أجل الحرّية والحقوق، بصرف النظر عن الدين، بما فيه من أثر سلبي للبعد الهوياتي/ الديني في النضال النسوي خصوصًا، والحقوقي الإنساني عمومًا.
ثانيًا: مقدمة
تطوّرت الحركة النسوية بموجاتها المتعاقبة، فظهرت مدارس واتجاهات متعدّدة، راكمت من خُلالها النساء حول العالم أرصدةً نضاليّة ونظريّة وتنظيميّة، انعكست إيجابًا في قضيّة المرأة، فأرسيت منهجيات متنوّعة قاسمها المشترك الأساس كان مواجهة النظام الأبوي، وقيمه المؤسِّسة للهيمنة الذكورية بصورها كافّة، ولعلاقات القوّة والتسلّط التراتبية التي يهيمن فيها الأقوى على الأضعف.
وباتت الحركة النسوية -وإن بدرجات متباينة بين اتّجاه وآخر- معنيّةً بكلّ ما يتّصل بنظام الهيمنة هذا، من عنصرية وتمييز وعنف واستغلال، وغيرها مما لا تقتصر تبعاته على النساء فقط، وإنما يطال مختلف الفئات الجندرية. ومن ثمّ، لم تعد النسوية ))حركة للدفاع عن حقوق المرأة فحسب، فذلك توصيف ينطبق على نسوية القرن التاسع عشر، أما اليوم فالنسوية منظومة فكرية متكاملة، ترى الإنسان الفرد كائنًا حرًّا مستقلًّا بذاته، ومواطنًا يتمتع بحقوقه كاملةً بغضّ النظر عن جنسه ودينه وعرقه، هي منظومة تسعى لسعادة المجتمعات ورفاهها، وإلى الحق والعدل، لذا فهي تنطوي على رؤية سياسية اقتصادية اجتماعية وثقافية بديلة، وفي هذا الإطار تسعى إلى رسم ثقافة إنسانية بديلة عن الثقافة الذكورية التي كرّست صورة دونية للمرأة، كنتاج للنظام البطركي “الأبوي”(()3).
والنظام الأبوي، في تعريفه الواسع، يعني تجلّي الهيمنة الذكرية على النساء والأطفال في الأسرة، ومأسستها، وتوسيع الهيمنة الذكرية على النساء في المجتمع بعامة. ويتضمّن أن الرجال يتولّون السلطة في مؤسسات المجتمع المهمة جميعها، وأن النساء محرومات من هذه السلطة. والهيمنة الأبوية )Paternalistic Dominance( تصف علاقة مجموعة مهيمنة، تُعدّ متفوقة، مع مجموعة خاضعة، تُعد أدنى، تُلَطَّف فيها الهيمنة عبر التزامات متبادلة وحقوق متبادلة))4. إذن، يمكن تمويه النظام الأبوي و”تلطيف” شكله، عبر صيغ مشتقّة من داخله، قد توحي بتحسّن ظاهري لأوضاع ضحايا الهيمنة، لا سيما النساء، من دون أن تلغي طبيعة النظام الأبوي، أو تغيّر جذر التصوّرات التراتبية التي يقوم عليها.
في صعيد آخر، وبعيدًا من نزوع الحركة النسوية نحو الانخراط في قضايا ومستويات مركّبة ومتداخلة في النضال ضدّ النظام الأبوي والهيمنة الذكورية الناجمة عنه، وعلى الرغم من أنّ الديانات التوحيدية الكبرى وآخرها الإسلام، ظهرت في وقت كان النظام الأبوي راسخًا، وألقى بظلاله على مقولاتها ومفهوماتها التأسيسية؛ برز اتّجاهٌ تصف ممثلاته أنفسهنّ بـ“النسويات الإسلاميات،“ حيث يعملن على “الجمع بين الوعي النسوي والمنظور الإسلامي،“ وهو ما يرينَه استمرارًا لجهد بعض رائدات العمل النسائي في المنطقة العربية منذ أواخر القرن التاسع عشر. ))وقد تطورت الفكرة في العشرين عامًا الأخيرة في العالم الإسلامي من خلال تطبيق الوعي النسوي لفهم معضلة التفاوت بين رسالة الإسلام التوحيدية وترجمة قيم تلك الرسالة السامية إلى عدالة وتكافؤ فرص وشراكة على أرض الواقع بين الجنسين وإلى الأخذ في الاعتبار الكرامة الإنسانية المتساوية للمسلمات والمسلمين(()5).
وبناءً على أنّ الموقف تجاه النظام الأبوي محدّدٌ أساس للتمييز بين النسوية )Feminism( والنسائية ،)Womenism(وبمناقشة صلة الإسلام بهذا النظام، وجدوى تأويل النصوص الدينية، يتناول البحث “النسوية الإسلامية” اعتمادًا على المنهجين الوصفي التحليلي والنقدي، ليجيب عن سؤال:
)3) ميّة الرحبي، النسوية مفاهيم وقضايا، ط1 )دمشق: دار الرحبة، 2014(، ص475
)4) غيردا ليرنر، نشأة النظام الأبوي، أسامة إسبر )مترجمًا( ط1 )بيروت: المنظمة العربية للترجمة، 2005(، ص450
)5) أميمة أبو بكر )محررة(، النسوية والمنظور الإسلامي آفاق جديدة للمعرفة والإصلاح، ط1 )القاهرة: مؤسسة المرأة والذاكرة، 2013(، ص4
هل “النسوية الإسلامية“ تيار “نسوي“، أم جهد “نسائي“)6)، للدفاع عن حقوق المسلمات؟
ثالثًا: تعريف بـ“النسوية الإسلامية“
في أواخر القرن التاسع عشر وبدايات القرن العشرين ظهرت كاتبات أردنَ تحرير النساء المسلمات والمطالبة بحقوقهن، عبر معارضة قراءات وتفاسير سائدة لبعض النصوص الإسلامية، ومناقشتها، كونها تكرّس الوضع الدوني للمرأة المسلمة، وتشرعن التمييز ضدّها، ومن أبرزهنّ عائشة التيمورية
)1840-1902(، وزينب فواز )1860-1914(، ونظيرة زين الدين )1908-1976(.
ويظهر أنّ إرث الكتابة النسائية في هذا المضمار، على الرغم من قلّته، دفع “نسويات إسلاميات“ إلى عدّ منهجهنّ “بدهيًا،“ بالقول ))إن السعي إلى التمكين من الحقوق على خلفية ثقافية إسلامية عامة كان من البديهيات، وإن غاب عن ذلك السعي، التنظيرُ المباشر والمناهج التحليلية المتعمقة للمصادر الرئيسية والمسميات من أجل طرح رؤية تجديدية شاملة حول قضايا المرأة في منظومة الفكر والعلوم الدينية(()7).
. تاريخ المصطلح
تختلف الروايات بشأن توثيق أول ظهور لمصطلح “النسوية الإسلامية،“ وإن اتفقت معظمها على تسعينيات القرن العشرين، إذ ظهر المصطلح بداية التسعينيات في جنوب أفريقيا ))كإحدى الأسس الفلسفية والسياسية لحركة الإسلام التقدّمي العاملة ضدّ نظام الفصل العنصري(()8).
وتزامن ظهوره مع نشر كتاب “الحداثة المحظورة والحجاب“ للكاتبة التركية نيلوفر غول سنة 1991، وصدور مجلة “زنان“ الإصلاحية في إيران سنة 1992، إضافة إلى استخدامه من كاتبات وباحثات مثل مارغوت بدران الكاتبة الأميركية ذات الأصول العربية التي استخدمته سنة 1999 معادلًا لـ“النسوية
)6) تختلف النسوية )Feminism( عن النسائية ،)Womenism( وهي ))مفهوم يتركز على النشاطات التي تقوم بها النساء في مختلف الصعد الحقوقية والسياسية والاجتماعية والثقافية، التي تشدّد على مطلب المساواة مع الرجل في الحقوق التي شرعها الرجال أنفسهم وفق رؤيتهم الذكورية. والنسائية، يمكن أن تكون إحدى أدوات تحقيق الرؤية النسوية، شريطة عدم تماهيها مع الثقافة الذكورية.“ يُنظر: علياء أحمد المصطفى، “دور منظمات المجتمع المدني )النسوية( في تغيير الأدوار الجندرية(( في: مجموعة مؤلفين، مشاركة النساء في السلام، الأمن والعمليات الانتقالية في العالم العربي، ط1، )بيروت: مؤسسة فريدريش إيبرت، 2018(، ص409.
)7) أميمة أبو بكر )محررة(، النسوية والمنظور الإسلامي آفاق جديدة للمعرفة والإصلاح، ص4
)8) سناء كاظم كاطع، “النسوية الإسلامية بحث في مسارات تأسيس نظرية معرفية إسلامية،“ مجلة العلوم السياسية/جامعة بغداد، ع: 60،
2020، ص42
الغربية“)9).
هناك من يتّهم تأريخ بدران للظاهرة بالقصور، وبأنها تناولت من عرفتهم واختلطت بهم، وتجاهلت))العديد من التجارب القيمة التي برزت في نفس الفترة في مناطق أخرى وعبَّرت أصدق تعبير عننموذج النسوية الإسلامية ومنها تجارب ظهرت في إندونيسيا وماليزيا ومصر(()01).
وفقًا لأماني صالح، تدين “المدرسة المصرية النسوية الإسلامية“ بظهورها الفكري والمؤسّسي للدكتورة منى أبو الفضل )1945-2008( أستاذة العلوم السياسية بجامعة القاهرة التي عادت إليها بعد مدة إقامة في الولايات المتحدة محملةً بقضيتين: الحاجة إلى مناقشة المعرفة النسوية الغربية، من وجهة نظر إسلامية، وتقديم وجهة نظر نقدية معمقة لها. وثانيًا، الحاجة الملحة إلى التفكير الأصيل في مشكلات المرأة المسلمة من وجهة نظر إسلامية تقوم فيها النساء بدور أساس وفاعل يؤسّس على الثوابت والأصول، ممثلة في القرآن والسنة الصحيحة، ولا يقبل ما دونهما من دون نقد ومناقشة.
ومن أجل ذلك أسست أبو الفضل مدرسة مصرية بدأت بـ“كرسي زهيرة عابدين للدراسات النسوية،“ وتطورت إلى “جمعية دراسات المرأة والحضارة“ التي اتسع إطارها ليضم نسويات مصريات، تتصالح نزعتهن النسوية مع ثقافتهن الإسلامية، مثل أميمة أبو بكر وغيرها)11).
غير أنّ الجهد النسائي في هذا الاتجاه نظريًا وتنظيميًا، سابق على اعتماد التسمية وانتشارها.
ففي 1988 ظهرت في ماليزيا منظمة غير حكومية تعمل للنهوض بحقوق المرأة المسلمة، باسم “أخوات في الإسلام ،“)Sisters in Islam( SIS أسّستها نساء مسلمات “اجتمعن لمعالجة الظلم الذي تواجهه المرأة في ظل نظام الشريعة )القانون الإسلامي(،“ ويرين أن قراءتهنّ النقدية للقرآن، من خلال منهج تأويلي، فتحت لهنّ ))عالمًا إسلاميًا يمكن التعرف عليه: عالم للنساء مليء بالحب والرحمة والمساواة والعدالة(()21).
في مطالع القرن الحادي والعشرين أصبح المصطلح موضوعًا لمؤتمرات دولية، ))كان أوّلها المؤتمر الدولي حول الاتجاه النسائي الإسلامي المنعقد في برشلونة في تشرين الأول/ أكتوبر 2005، تناولت أغلب موضوعاته الاتجاهات النسوية الإسلامية الداعية إلى المساواة بين الجنسين، ليعقبه مؤتمر باريس، في أيلول/ سبتمبر 2006 بشأن النسوية الإسلامية الذي عقدته لجنة الإسلام والعلمانية في
)9) السابق نفسه، ص44
)01) أماني صالح، “النسوية الإسلامية كحركة فكرية،“ موقع خطوة للتوثيق وللدراسات، 7102-3-30
)11) المصدر نفسه. و“جمعية دراسات المرأة والحضارة“ أُسست عام 1999، ويتركّز نشاطها في مجال الفكر والتوعية، وتسعى لتأسيس “منظور إسلامي للمعرفة النسوية.“)21) تعريف بالمنظمة في موقعها الرسمي، في الرابط: /https://sistersinislam.org/who-we-are
منظمة „اليونسكو(()31). وبالتوازي، كان عمل “أخوات في الإسلام” وغيرها من منظمات وناشطات وناشطين، يتطوّر على النهج نفسه باطِّراد، واتسع نطاق التعاون في ما بينهم، وصولًا إلى إعلان تشكيل “مساواة: حركة عالمية من أجل المساواة والعدل في الأسرة المسلمة” في شباط/ فبراير 9002 في كوالالمبور، بحضور أكثر من 250 امرأة ورجلًا من حوالى 50 دولة. و“مساواة“ هي ))حركة تعددية وتشمل الجميع، حيث تجمع معًا منظمات غير حكومية، ونشطاء، وأكاديميين، وقانونيين، وصناع سياسات، وقواعد شعبية من النساء والرجال من جميع أنحاء العالم((، وتؤمن ))بأن المساواة والعدل داخل الأسرة المسلمة ضروريان وممكنان(( وأنّ ))المساواة داخل الأسرة هي أساس المساواة في المجتمع. لذلك يجب أن تتمتع الأسر بمختلف أشكالها بمساحات من الأمن والسعادة، والتمكين المتساوي للجميع(()41).
تتالت المؤتمرات والملتقيات المُدْرَجة تحت لافتة “النسوية الإسلامية،“ وبعضها في مصر، حيث عُقد مؤتمر “قضايا المرأة: نحو اجتهاد إسلامي معاصر“ عام 2014 بمكتبة الإسكندرية، وانتهى بإعلان الإسكندرية حول “حقوق المرأة في الإسلام“ بدعم من “الأزهر.“ وفي نيسان/ أبريل 2015 عُقد الملتقى الأول لشبكة “شقائق“ بعنوان “النساء والمجال العام: رؤية إسلامية معاصرة،“ نظّمه “مركز نون لقضايا المرأة والأسرة“ بالتعاون مع مكتبة الإسكندرية والمعهد السويدي في المدينة. و“نون“ منظمة غير حكومية معنية “بتقديم رؤية إسلامية لقضايا المرأة والأسرة تنطلق من منظور وسطي يدعمه الأزهر“)51). وانتشرت أعمال رموز “النسوية الإسلامية“ من باحثات وناشطات، وسُطّرت أبحاث ورسائل جامعية في الردّ على أطروحاتهن، من وجهة نظر إسلامية.
بعضهم وسّع مفهوم “النسوية الإسلامية،“ ليدرج تحته كلّ جهد فكري للنساء يتناول التمييز ضد النساء والهيمنة الذكورية في التراث الإسلامي، بصرف النظر عن المناهج التي اتبعنها وجذرية أطروحاتها أو توفيقيتها، فضلًا عن غاياتها وأهدافها البحثية، سواء كانت تنتمي إلى أحد تنظيمات الإسلام السياسي، أم كانت تتبنى العلمانية، والتأسيس لحقوق النساء استنادًا إلى قيم الحداثة لا المرجعيات الدينية)61). يبدو ذلك التعميم في غير محلّه، من منظور جوهر “النسوية الإسلامية،” القائم على افتراض إمكان تحقيق “العدل والمساواة للمرأة المسلمة،” استنادًا إلى نصوص الإسلام
)31) سناء كاظم كاطع، “النسوية الإسلامية بحث في مسارات تأسيس نظرية معرفية إسلامية،“ ص44)41) تعريف بالحركة في موقعها الرسمي، في الرابط:http://arabic.musawah.org/about-musawah
)51) منى علي علّام، “النسوية الإسلامية في مصر: تحديات عديدة أمام تيار جديد،“ السفير العربي، 5102-5-17
)61) يُنظر، على سبيل المثال لا الحصر، مريام كوك، النساء يطالبن بإرث الإسلام، رندة أبو بكر )مترجمةً(، ط1 )القاهرة: المركز القومي للترجمة،
2015( ص107، إذ شملت كوك كلًا من الإخوانية زينب الغزالي، والعلمانية نوال السعداوي تحت مسمّى “النسويات الإسلاميات،“ وهما ليستا كذلك.
نفسها، بعد تفنيد التفاسير الذكورية السائدة في الفقه الإسلامي.
ومن الأسماء البارزة في “النسوية الإسلامية:“ أماني صالح )مصر(، أسماء المرابط )المغرب(، أسماءبرلاس )باكستان(، حُسن عبّود )لبنان(، آمنة ودود )الولايات المتحدة الأميركية(، زينة أنور )ماليزيا(،زيبا مير حسيني )إيران.(
. معنى “النسوية الإسلامية“ ومنهجها
وفقًا للباحثة اللبنانية حُسن عبود المتخصصة في قضايا المرأة وتجديد الفكر الإسلامي المعاصر، فإن “النسوية الإسلامية“ هي ))جهد علمي تقوم به مجموعة من النساء المسلمات في العالم العربي لقراءة النصوص الدينية من القرآن والحديث، وربط الأحكام الفقهية الجزئية بالمبادئ الإسلامية الكلية، ونقد التراث المتحيز ضد المرأة وحقوقها الإنسانية، بهدف تغيير أنماط الفكر الذكوري التقليدي، وتجديد الفكر الإسلامي المعاصر وتطويره(()71).
وتعرّف أماني صالح “النسوية الإسلامية“ بأنها ))الجهد الفكري والأكاديمي والحركي الذي يسعى إلى تمكين المرأة انطلاقًا من المرجعيات الإسلامية، وباستخدام المعايير والمفاهيم والمنهجيات الفكرية والحركية المستمدة من تلك المرجعيات وتوظيفها إلى جانب غيرها((، وهي ))حركة فكرية وأكاديمية واجتماعية يقوم بها رجال ونساء على حد سواء، تهدف إلى تمكين النساء، وهو هدف يبدأ من رفع الظلم وكل مظاهر الاستضعاف والتهميش والإقصاء والعزل والقهر وينتهي بتدعيم قيم الحرية والعدالة والمساواة في العلاقة بين الجنسين.. والمنطلقات والمرجعيات والمفاهيم الأساسية لهذا الفكر وتلك الحركة، ذات أصول إسلامية، وتستند إلى المرجعيات الإسلامية الأصلية المتمثلة في القرآن والسنة الثابتة. ولذلك فإن المناهج الأصولية لعلوم الدين تحتل أهمية بارزة جنبًا إلى جنب مع المنهجيات الحديثة(()81).
تعتمد “النسوية الإسلامية“ في دراسة موضوعاتها الأساس على مناهج عدة، غير أنّ منهجها الأساس هو إعادة تأويل النصوص الدينية، ولذلك توصف أيضًا بـ“النسوية التأويلية،“ حيث تبذل جهدًا كبيرًا في تأويل المصادر الإسلامية في ضوء مقاصد الشريعة العامة بحثًا عمّا ينصف المرأة، ويردّ على التأويلات الإسلامية الأخرى المستندة إلى المصادر نفسها في تكريس الوضع الدوني للمرأة. من ذلك مثلًا قول زينة أنور أنّ ))الآيات القرآنية الأربع )البقرة، الآية222 والآية 228، وسورة النساء الآية2
)71) ميسون ضيف الله الدبوبي، “النسوية الإسلامية في العالم العربي المعاصر والمرجعية الإسلامية،“ المجلة الأردنية في الدراسات الإسلامية، ع:3، 2018. ص112
)81) أميمة أبو بكر )تحرير(، النسوية والمنظور الإسلامي، ص10
والآية 34(( التي تتحدث صراحة عن سلطة الرجال على النساء داخل الأسرة وعدم المساواة بينهم في المجتمع، ينبغي فهمها في ضوء المبادئ الإسلامية الأوسع وأغراض الشريعة ومقاصدها، لا بمعزل عنها(()91).
فإنّ الدافع الرئيس وراء توجهات البحث “النسوي الإسلامي“ يتمثل في ))تفعيل المبادئ والمقاصد العليا لإنتاج معرفة نسوية في نطاق الإسلام وبه، معرفة تنقض الأبوية السلطوية والتحيز في خطابات وتفسيرات التراث ثم تعيد بناء رؤية إصلاحية جديدة تلبي احتياجات النساء داخل مجتمعاتهن وثقافاتهن(()02).
. بعض مسائل “النسوية الإسلامية“ الأساس
من المسائل الأساس التي بحثت فيها “النسوية الإسلامية“ مفهوما “القوامة“ و“الولاية،“ فعملت على إعادة تأويل ما يتصّل بهما من الآيات القرآنية لتفنيد “التفسيرات الذكورية“ التي جعلت من هذه الآيات سندًا للتمييز ضدّ المرأة. والطرح الرئيس ينطلق من أن هذين المفهومين ))قد أسيء فهمهما فأصبحا يشيران إلى وضع النساء تحت سلطة الرجال، مما أدى إلى جعل المفهومين حجر أساس بناء السلطوية الأبوية في الفقه الإسلامي(()12). وتأتي “أهمية تطوير تلك المعرفة الجديدة ومتعدّدة الأبعاد“ لهذين المفهومين، ))بوصفها مشروعًا سياسيًا ومعرفيًا للنسوة المسلمات اللاتي يشتبكن مع الدين في بحثهنّ عن المساواة للنساء والعدالة لهنّ(()22).
وتُشغَل “النسوية الإسلامية“ بحصول المرأة على “العدل والمساواة من داخل إطار الإسلام،“ واستطرادًا “المساواة والعدل في الأسرة المسلمة،“ وهو ما اتخذته حركة “مساواة“ شعارًا لها، وأصدرت في هذا الشأن كتابًا مرجعيًا تضمّن أوراقًا بحثية تسعى ))إلى فهم نشأة قانون الأسرة الإسلامي، وكيف تم بناؤه في تراث الفقه الأولي، وكيف يمكن لثروة المصادر في الفقه وفي الآيات القرآنية التي تتحدث عن العدل، والتعاطف، والمساواة أن تدعم إصلاحًا يفسي إلى علاقات أكثر مساواة في الأسرة.
والأوراق تثبت أن قوانين الأسرة الإسلامية التمييزية الحالية ليست إلهية، بل وضعها بشر في سياقات
)91) زينة أنور )محررة(، نريد المساواة والعدل في الأسرة المسلمة، )فريق ترجمة(، ط1 )ماليزيا: أخوات في الإسلام - مساواة، 2011(. ص29
)02) أميمة أبو بكر )محررة(، النسوية والمنظور الإسلامي، ص4
)12) مجموعة مؤلفات ومحرّرات، القوامة في التراث الإسلامي قراءات بديلة، رندة أبو بكر )مترجمةً(، ط 1 )لندن: وان ورلد، 2016(. ص27.
والكتاب هو نتاج لمشروع قامت به “مساواة: حركة عالمية من أجل المساواة والعدل في الأسرة المسلمة.“)22) المرجع نفسه، ص31
جتماعية – سياسية معينة(()2)3.
ولقضية النوع “الجندر” حصّة بارزة<