• Avenue Pasteur 63, 10000

    Troyes, France

  • البريد إلكتروني

    info@musawasyr.org

#

واقع المرأة السورية في الجولان المحتل

الفصل الثاني والعشرون من كتاب النسوية مفاهيم وقضايا

د. ميّة الرحبي

لابد لي من الاعتراف أولا بأنني، مثل كثيرين غيري، لم يكن يخطر ببالي عند التطرق إلى موضوع المرأة في الجولان المحتل، غير صورة العروس الجولانية الغارقة هي وأهلها في بكاء مرير على المعبر في وداع يشعر الطرفان معًا أنه ربما يكون أبديًا. وهذا بالتأكيد واقع حي راسخ في وجداننا، ولده احتلال بشع ضرب عرض الحائط بكل القيم الإنسانية والأعراف الدولية، ولكن هل تكفي تلك الصورة لتوصيف أوضاع المرأة في الجولان المحتل؟

إنني أدين بالفضل للمناضلات والمناضلين من كتاب الجولان العزيز، الذين فتحوا أعيننا على واقع نسيناه أمام الجريمة البشعة التي ارتكبت بحق الإنسان في الجولان، وهي أن النساء في الجولان نساء أولًا، ثم نساء تحت الاحتلال ثانيًا.

إذ لا يكفي كما يقول ابن الجولان أيمن أبو جبل أن نستعيد "الخطاب ذاته في عملية طحن وتباكي وصراخ وتضخيم، في تجاهل تام إلى ادوار أخرى تساهم بها المرأة على قدر متساوٍ للرجل في ضمان الاستقرار العائلي والعاطفي والنفسي  للعائلة والمجتمع والمؤسسة، ودورها في تثبيت وترسيخ العامل والقيم الأخلاقية لهذا النسيج الاجتماعي وتواصله مع الذات والمحيط".

"ومن اجل الحقيقية والتاريخ والموضوعية فان كل فئات المجتمع الجولاني ما زالت تقع تحت طائلة الإجراءات والممارسات الإسرائيلية الفاشية والعنصرية والقمعية، فليس هناك قطاع اجتماعي مستهدف دون سواه"، ولكن "هناك الكثير من الجوانب والمجالات التي يحتاج القطاع النسوي في الجولان تسليط الضوء عليها وأبرزها بكل تأكيد، التواصل الإنساني بين العائلات الجولانية بين ضفتي خط وقف إطلاق النار، ومنح المتضررات من الأسيرات والشهيدات والمصابات حقوقهن المعنوية والمادية".

وليس أدل على ذلك من الأحاديث والكتابات التي تطالعنا بها مناضلات وكاتبات من الجولان المحتل، ففي الوقت التي تتحدث فيها المناضلة المعرفة  اميلي القضماني عن معاناتها بسبب الاحتلال بعد اعتقال زوجها وأبنائها وسجنهم وملاحقتهم مرات عدة، ودورها في المقاومة السلمية ودعم المقاومين، ومعاناتها في سبيل تأمين لقمة العيش لأبنائها، من ذكرها في الآن ذاته معاناتها في مجابهة قوى التخلف في المجتمع، عندما شجعت بناتها على السفر "للخارج لتحصيل العلم -كانت بوقتها سلطات الاحتلال لا تسمح لهنَّ بدخول الجامعات "الإسرائيلية" إلا لتعلم مواضيع بسيطة- وما كانت تسمح لهنَّ بالذهاب للوطن، وهو الأمر الذي عرضني لحملة ضغوط شديدة وصلت حد المقاطعة الاجتماعية من جهات رجعية، وجهات لا تؤمن بضرورة تعليم الفتاه وخاصة خارج بلدها".

كذلك بضع تحقيقات أجرتها الكاتبة ليلى الصفدي، مديرة موقع بانياس الجولاني عن عمل المرأة ، أو العنف ضد المرأة، حيث تتساءل بعد عرضها لحالة امرأة لجأت إليها بسبب تعرضها للعنف الجسدي على يد زوجها

"ويبقى السؤال الملح والمهم: لمن ستلجأ المرأة في مثل هذه الحالات؟؟ أين هم المختصون والذين بات عددهم بالعشرات؟ أين المؤسسات الفاعلة؟ الا تستحق المرأة التفاتة خاصة؟ الا يقاس تقدم المجتمعات وتطورها بمكانة المرأة واحترامها فيها؟"

وتضيف في أشارة إلى الإشكالية الأخلاقية والوطنية في اللجوء، أحيانًا واضطرارًا، إلى قوانين الدولة المحتلة: "ما أعرفه أن القوانين المفروضة على المجتمع من الخارج لا تحل شيئًا، إنما تعمق حالة الانفصام وتشتت القيم والانتهاز أحيانًا بما لا يتلاءم مع بنية اجتماعية لها تاريخها وثقافتها الخاصة، لا بد ان تكون القوانين نابعة من داخل المجتمع، من حاجاته، من وعيه، من ثقافته حتى تأخذ شرعيتها وتتفعل وإلا بقيت حبرًا على ورق".

لقد وضعتني تلك الكتابات عن المرأة في الجولان، رغم قلتها، على بداية الطريق لدراسة واقع المرأة في الجولان المحتل بنظرة شمولية واقعية، أتجاوز بها آلام الجرح العميق الذي لازال حارًّا في قلوبنا، والذي خلفه الانتظار الطويل ليوم عودة الجولان إلى الوطن الأم.

واقع الجولان السوري تحت الاحتلال:

احتلت دولة الكيان الصهيوني مرتفعات الجولان إبان حرب حزيران 1967، ورغم صدور عدد من القرارات الدولية عن منظمة الأمم المتحدة أكدت على عدم مشروعية الاحتلال الذي يمثل انتهاكًا صريحًا لميثاق المنظمة الدولية، ودعت إلى إنهائه وانسحاب "إسرائيل" من كافة الأراضي التي احتلتها عام 1967 ، ومن ضمنها الجولان. رفضت "إسرائيل" تنفيذ تلك القرارات، وأبقت على احتلالها لتلك الأراضي حتى اليوم.

أخذت السلطات "الإسرائيلية" تمهد لضم الجولان مستخدمة آليات الحكم العسكري، وذلك باقتلاع الغالبية العظمى من السوريينالسكان الأصليين، والقيام بعملية تهديم واسعة وشاملة للمدن والقرى والبلدات التي كانوا يقطنوها، وطمس معالم الحضارة العربية لهذا الإقليم. ومن خلال الأوامر العسكرية استطاعت دولة الاحتلال السيطرة على الأرض، ومصادر المياه، ومختلف الثروات.

وتتجاهل "إسرائيل" كقوة احتلال احترام أحكام القانون الدولي الإنساني، والالتزام بتطبيقها على هذا الإقليم وسكانه (اتفاقيات جينيف المتعلقة بحماية المدنيين وقت الحرب).

وقد استمرت سلطات الاحتلال في انتهاج نفس السياسات بعد ضمها بصورة غير مشروعة  للجولان في 14/12/1981  لكن هذه المرة بحجة تطبيق القانون "الإسرائيلي" الذي تم فرضه على الجولان، حيث واصلت سياساتها العدوانية، ووضعت كافة مقدرات الجولان في خدمة الاستيطان والاقتصاد "الإسرائيلي"، واستمرت في انتهاج سياسة التضييق على السكان السوريين في مختلف المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية.

وفقاً للمصادر السورية فقد بلغ عدد سكان الجولان قبيل احتلاله وتحديداً في سنة 1966 حوالي147613  نسمة، وعند احتلاله دمرت قوات الاحتلال أكثر من 130 قرية وأكثر من مائة مزرعة، و أجبرت حوالي 131 ألف نسمة من سكان الجولان على النزوح إلى داخل سورية، يشكلون اليوم نصف مليون نسمة يعيش معظمهم قريبا من منطقة الحدود الفاصلة بانتظار عودتهم إلى ديارهم، وبقي حوالي 7 آلاف نسمة موزعين على ست قرى تقع في أقصى شمال الجولان.

عدد سكان الجولان اليوم يقارب 19 ألفاً، عشرة آلاف منهم يقطنون القرية المحتلة الأكبر، مجدل شمس.

تزامن إعلان سلطات الاحتلال عن الجولان المحتل منطقة مغلقة، بأمر عسكري اعتُبرت بموجبه الممتلكات الخاصة المنقولة، وغير المنقولة (العقارات، النقود، الأوراق المالية) والتي تعود ملكيتها للحكومة السورية، وللمواطنين السوريين الذين هُجّروا من الجولان، أموالاً متروكةً، يحق لها الاستيلاء عليها.

لقد أرست هذه السياسات الأسس الكفيلة بتوزيع الأراضي والممتلكات التي تعود ملكيتها للحكومة والسكان السوريين على المستوطنين، فوصل تعداد المستوطنات في الجولان إلى 33 مستوطنة منتشرة عبر أنحاء الجولان، بُنيت على أنقاض قرى سورية. وتستولي تلك المستوطنات على خيرات الجولان المائية ومسطحات البناء الشاسعة وإمكانات الزراعة، في مقابل إهمال واضح  للسوريين الذين يسكنون هناك. يبلغ عدد سكان المستوطنات حوالي 18000. وتعتمد المستوطنات على مجالات الزراعة والصناعة والسياحة بصورة رئيسية.

تعاني القرى العربية في الجولان المحتل  من مستوى منخفض من البنى التحتية وجودتها، فالسكان العرب يعانون جراء انتهاج سلطات الاحتلال لسياسة التضييق العمراني تجاههم، والنقص الخطير الحاصل على صعيد تطوير الأمور الحيوية من حيث وضع الشوارع، ومياه الصرف، وتطوير بناء المؤسسات التعليمية والصحية والثقافية، وتوفير بنى تحتية للمناطق الصناعية.

لقد تضاعف عدد السكان العرب في الجولان ثلاث مرات منذ الاحتلال وحتى اليوم، لكن سياسة التضييق ومصادرة الأراضي التي تنتهجها سلطات الاحتلال تجاه السكان الأصليين، جعلت من المساحات المتبقية بحوزتهم لا تستجيب مطلقًا لاحتياجاتهم المتزايدة.

لجأت سلطات الاحتلال ممثلة بالحاكم العسكري مع بداية العام 1980 إلى فرض الجنسية "الإسرائيلية" على السكان العرب مستخدمة مختلف طرق وأساليب الإرهاب والتخويف والضغط، المخالفة لأحكام القانون الدولي الإنساني، حيث تعمدت حرمان الغالبية العظمى من السكان ممن لم يرتضوا قبول الجنسية الإسرائيلية من مصادر عيشهم، والحد من حريتهم في التنقل، وتهديدهم بالفصل من أماكن عملهم، وبحرمانهم وأفراد أسرهم من تلقي الخدمات الصحية، والاجتماعية، والتعليمية.

وقد حقق الأهالي انتصارًا تاريخيًا على قوات الاحتلال في "معركة الهوية"، بالحفاظ على انتمائهم للوطن السوري وللأمة العربية، إذ جابه الأهالي سلطات الاحتلال بالإضراب الكبير الذي دام قرابة ستة أشهر، احتجاجًا على قرار الكنيست "الإسرائيلي" ضم الجولان وفرض الجنسية "الإسرائيلية" على سكان قراه العربية السورية المحتلة. وقد أنتجت تلك المرحلة النضالية "الوثيقة الوطنية" الشهيرة عام 1982 ، والتي أعلن فيها المواطنون الجولانيون إصرارهم على الانتماء للوطن الأم سوريا، في ملحمة نضالية نادرة، إذا قيس عدد أهالي الجولان بضخامة قوات الاحتلال والإجراءات القمعية الوحشية التي طبقتها.

لقد تميزت السياسة "الإسرائيلية" تجاه الجولان منذ بدء الاحتلال  بالعدائية، والوحشية،  فعزلت مناطق السكان السوريين عن الوطن، ما انعكس سلبيًا على الوضع الحياتي والمعيشي اليومي.  وقد أدى هذا إلى تصدع العلاقات الاجتماعيةوالاقتصادية للعرب السوريين. وقد حاولت سلطات الاحتلال إعادة تشكيل هذه العلاقات بما يتلاءم  مع سياساتها، ومصالحها، إذ فرضت على السكان علاقات تجارية واقتصادية مرتبطة قسريًا بالسوق" الاسرائيلية"، خاصة أن الكثير من الموظفين والعمال فقدوا أعمالهم نتيجة الاحتلال. وقد كانت عملية الدمج السريع للنشاط الاقتصادي لسكان الجولان بالاقتصاد "الإسرائيلي" من ضمن أولويات سلطات الاحتلال الهادفة إلى"أسرلتهم" عبر دمجهم بالمجتمع "الإسرائيلي"، وتحويلهم إلى طبقة بروليتارية تعمل في سوق العمل "الإسرائيلي" كأيدي عاملة رخيصة، خاصة بعد أن فقد السكان أكثر من نصف أملاكهم الزراعية التي هي عماد اقتصادهم. وقد شملت هذه المصادرات بالإضافة إلى أراضٍ زراعية، معظم المراعي، وتم منع الحيوانات من دخولها مما اضطر أصحابها إلى هجر تربية الحيوانات، التي كانت إحدى الأعمدة الاقتصادية للسكان العرب، وبذلك نجحت سلطات الاحتلال في القضاء على هذا القطاع الاقتصادي الحيوي، الذي اعتاشت منه مئات العائلات في الجولان. انعكست هذه السياسات سلبيًا على السكان وعلى أوضاعهم المعاشية فقد تأّثر إنتاجهم الزراعي في فرع الألبان والمحاصيل الحقلية حّتى انتهى كليًّا وبالتالي تحول المجتمع الى الاعتماد على المنتجات الزراعية "الإسرائيلية"، وجزئيا على إنتاج المستوطنات، ولم يتبق للسكان من قطاع الزراعة تقريبا سوى زراعة الأشجار المثمرة والتي هي الأخرى لم تسلم حتى النهاية، حيث  حولت السلطات "الإسرائيلية" قسمًا منها إلى حقول ألغام وطرقات عسكرية.

مشاركة النساء في المقاومة:

شاركت نساء الجولان مشاركة فعلية في مقاومة الاحتلال، فنشطن عبر خلايا المقاومة السرية في بداية الاحتلال، و في المظاهرات المناهضة لضم الجولان، وفي الإضراب العام، ومن ثم في جميع أشكال المقاومة السلمية التي تلت واستمرت حتى يومنا هذا.

و قادت إحداهن إحدى خلايا حركة المقاومة الوطنية في الجولان في أوسط العام 1973 ولغاية 1974.

كما شاركت النساء في الجولان في المظاهرات الوطنية، وقمن بتوزيع البصل والحليب على المتظاهرين لمنع تأثير القنابل الغازية الخانقة. وفي 1 نيسان 1982 خلال المعركة ضد قرار الضم ومحاولة فرض الهوية الإسرائيلية، هاجمت بعض النساء سيارات الجيش، واشتبكن مع الجنود، واستطعن قلب سيارة جيب عسكرية. ومن أولئك النسوة السيدتان نعيمة شمس ونجيّة الصفدي. وبعضهن قمن بتخليص أولادهن من أيدي الجنود وضربن الجنود بالعصي والحجارة.

وقد جُرح العديد منهن في معركة الهوية، منهن السيدة ناهي سمور التي كان جرحها بليغًا، إثر إصابتها برشق من رصاص الاحتلال، واعتقل العديد من النساء في تلك المواجهات. ونذكر بشكل خاص بطولة السيدة بهية الجوهري، التي ضربت الحاكم العسكري الإسرائيلي بفردة حذائها عندما حاول إهانتها خلال إحدى المواجهات. وقد حفظ أهل في الجولان هذا الموقف لهذه السيدة المناضلة وقدّروه.. وعندما توفيت جرى لها حفل تأبين وطني كبير.

قدمت نساء الجولان اول شهيدة في  8/3/1987 وهي الشهيدة غالية فرحات، التي استشهدت برصاص قوات الاحتلال إثر مشاركتها بمظاهرة مناهضة للاحتلال في قرية بقعاثا، تصدى لها العدو الصهيوني بالرصاص الحي.

تعتبر الأسيرة المناضلة آمال مصطفى محمود من بلدة مجدل شمس المحتلة أول أسيرة عربية سورية تحكم عليها سلطات الاحتلال بالسجن لمدة خمس سنوات، وهي أم لولد واحد «أمل»، نبتت وترعرعت في أسرة جولانية فقيرة زج معظم أفرادها بمعتقلات العدو لدرجة أن أفرادها لم يجتمعوا ولو لمرة واحدة منذ ربع قرن ويزيد..

وقد نشر الكاتب أيمن أبو جبل قائمة بأسماء 75 امرأة من الجولان تعرضن للاعتقال أو التحقيق من قبل سلطات الاحتلال*. (هامش

*http://www.jawlan.org/openions/read_article.asp?catigory=56&source=3&link=1911

 إحداهن استدعيت لأول مرة للتحقيق عندما كان عمرها 11 سنة! وقد عايشت تلك النساء تجربة التحقيق  في فروع أجهزة الاستخبارات "الإسرائيلية" – الشابك- ومعظمهن تعرضن إلى الابتزاز والضرب أو الإهانات والغرامات والاعتقال المنزلي، بسبب ضلوعهن في أعمال المقاومة أو لتهديد  أقرباء لهن من خلايا المقاومة، والضغط عليهم لانتزاع اعترافات..

وتعرضت معلمات عديدات من الجولان للفصل من عملهن من المدارس، بسبب مواقفهن الوطنية، كما أغلقت سلطات الاحتلال عددًا من دور الحضانة التي قامت بتأسيسها نساء الجولان، كما جرى مع السيدة سهام مفرّج وغيرها.

ومن أمثلة التلاحم الكفاحي بين عرب الجولان وفلسطين، الوفود التضامنية النسائية المتبادلة مع مناطق فلسطين كلها، والاشتراك في المظاهرات والاعتصامات، وتقديم الدعم الطبي والمادي والغذائي المتبادل.

نساء ضحايا الألغام والقصف:

قامت اسرائيل منذ احتلالها الجولان السوري بزرع العديد من حقول الألغام الأرضية بحجة الأمن. تنتشر حقول الألغام البالغ عددها حوالي 80 حقلًا في كافة أنحاء الجولان، ما تسبب بمقتل وجرح عشرات لأطفال والبالغين من الجنسين نتيجة انفجار الألغام بهم. وهنالك 11 امرأة جولانية من ضحايا الرصاص والألغام الإسرائيلي في الجولان المحتل. وقد استشهدت ثلاث نساء جولانيات في حرب تشرين عام 1973 جراء قصف إسرائيلي.

تشتيت الأسر الجولانية:

تشهد حادثة وفاة الشابة مي عاطف شعلان على مقدار معاناة سكان الجولان المدنيين المستمرة منذ عام 1967 نتيجة تشتت الأسر. فقد غادرت مي الجولان المحتل للدراسة في دمشق، وهنالك تزوجت من شاب سوري مقيم في دمشق، فمنعت من دخول الجولان ثانية. وهي من سكان قرية عين قنية الخاضعة للاحتلال. توفيت مي في 5 آذار/مارس 2008 في أحد مستشفيات دمشق، عن 25 عاما، دون أن تتمكن من رؤية والديها وباقي أفراد أسرتها. إذ بقيت سلطات الاحتلال تماطل في طلب الأسرة زيارة ابنتهم المريضة رغم تقديم كل الوثائق المطلوبة، وحصل الوالدان فقط على الترخيص بالزيارة، ولكن بعد وفاة مي بعدة أيام.

وهنالك  حوالي 580 امرأة ممن يسكنَّ في منطقة الجولان المحتل منفصلات عن عائلاتهن، إذ لا يسمح لهن بالعبور من هذه المنطقة إلي وطنهن الأم.

وقالت سهي منذر، المحامية في منظمة نساء الجولان بأن لجميع العرب القاطنين في الجولان أقارب في سوريا. ولكن هؤلاء النسوة منفصلات عن أمهاتهن وآبائهن وإخوانهن وأخواتهن .

وقالت فريدة جريرة: لقد عشت في الجولان أربعين عامًا ولم أر عائلتي سوي مرة واحدة عام 1988. توفي أفراد عائلتي، والدي وأخواني وأقاربي ولم أستطع أن أحضر جنازة أي منهم. أتمني أن يساعدني أحدهم فأنا أرغب برؤية باقي أفراد عائلتي.

وقد خلق هذا الفصل ممارسات محزنة وكئيبة، فعند وفاة أحد أفراد العائلة يتم تصوير الجنازة علي أشرطة فيديو ليراها فيما بعد القاطنون على الجانب الآخر من الحدود. و في آخر الأمر يصل الشريط إلي العائلة التي تبدأ الحداد بعد أن تشاهد أحزان أقاربها وتسمع أصوات نحيبهم.

ويتم استعمال المعبر في الوقت الحالي من قبل الطلبة ورجال الدين وقوات حفظ السلام الدولية.

وتساءلت المحامية سهي منذر: إذا كان يسمح للطلبة بالسفر إلي سوريا للدراسة ويسمح للشيوخ بذلك لأسباب دينية، فلماذا لا يسمح لهؤلاء النسوة بزيارة أسرهن، كما أوضحت بأنها لم تحصل علي أي رد على معظم الطلبات التي أرسلتها إلي الحكومة الإسرائيلية في هذا الشأن، فهم لا يردون وهذا يعني الرفض. ويتم السماح للنساء بالعبور في حالات جد نادرة، وترفض السلطات الإسرائيلية بشكل قاطع قدوم السوريين إلى الجولان المحتل حتى لأغراض إنسانية. 

وادي الدموع هي المنطقة الواقعة بمحاذاة قرية مجدل شمس المحتلة من الجهة الشرقية. يوجد في المنطقة تلتان يفصلهما خط وقف إطلاق النار، والمسافة بينهما 200م.  ويأتي الأهالي (النازحون) من دمشق في المناسبات وخاصة عيد الأم وعيد الجلاء، ويتجمهرون على التلة الشرقية، في حين يجيء أقاربهم من القرى المحتلة إلى الجهة المقابلة للحديث معهم والاطمئنان على أحوالهم مستخدمين مكبرات الصوت، والمناظير. 

بتاريخ 1/10/2007، اعتصمت 45 امرأة من الجولان السوري المحتل أمام مقر لجنة الصليب الأحمر الدولي في القدس احتجاجًا على الأوضاع اللا إنسانية والسيئة التي يعانين منها وتقدمن بطلب من أجل مساعدتهن لزيارة الوطن الأم.

وتلتقي بعض الأسر المشتتة في عمان، إلا أن ذلك ليس بالأمر السهل أيضا بسبب عدم سماح سلطات الاحتلال للجولانيين بالسفر في بعض الحالات، ووجود العقبات المادية أيضا التي تحول دون ذلك في حالات أخرى، وتصف الكاتبة ليلى الصفدي لقائها بأهلها في عمان بقولها "تكون اللقاءات في عمان محاولة لبث الحياة من جديد، شعور الغربة سيكون أكثر إيلامًا هذه المرة عندما تلتقي اهلك ولا تلتقيهم، أيام قليلة لن تكون كافية لإعادة جسور الألفة والتواصل، ولحظات الدفء التي تستعيدها سرعان ما يبددها وداع أكيد".

ظاهرة الزواج بين الجولانيين على جانبي خط وقف إطلاق النار:

  بدأت ظاهرة الزفاف بين سكان القرى الخمسة التي بقيت قائمة ومأهولة في الجولان المحتل وبين أقاربهم الذين اقتلعوا من أراضيهم (النازحين/اللاجئين) منذ بدء الاحتلال. بدأت هذه الظاهرة على نطاق محدود للغاية، لكنها ازدادت بعد عام 1991 حيث منحت سلطات الاحتلال  بعض التسهيلات المحدودة لمواطني الجولان المحتل من خلال السماح لهم بالسفر إلى دمشق للدراسة في الجامعات السورية. والحالات الغالبة هي زواج فتيات من مختلف قرى الجولان المحتل من شبان مقيمين في دمشق، خاصة الطالبات من الجولان اللاتي سافرن  للدراسة في الجامعات السورية، وتزوجن من أشخاص مقيمين هناك مما اضطرهن للبقاء والعيش هناك بسبب معارضة سلطات الاحتلال ورفضها السماح لهن بالعودة بصحبة أزواجهن وأطفالهن حتى للزيارة، وبالتالي حدوث انقطاع بين أفراد الأسرة الواحدة خاصة على مستوى الأحفاد الذين لا يعرفون أحدا من أسرة الأم (الأجداد، الأخوال والخالات ... الخ).

أما العكس فيتم بنفس الطريقة الأولى لكن هذه المرة بصورة معاكسة تقتضي قدوم الزوجة التي تعيش في دمشق إلى الجولان المحتل للالتحاق بزوجها. أما الحالات التي يتزوج فيها شبان الجولان بفتيات من الوطن، فتستدعي إجراءات أكثر تعقيدا، بسبب المعوقات التي تضعها قوات الاحتلال وأحيانا المماطلة لسنوات والتي تحول دون قدوم الزوجات بسهولة، ما يضطر الزوج – الذي حضر لدمشق للدراسة في الجامعة- في حالات عديدة للبقاء في دمشق للعيش مع زوجته وأطفاله، وبالتالي انقطاعه بشكل تام عن أسرته.

وتسرد الكاتبة ليلى الصفدي في مقال لها بعنوان حلم الزيارة أمثلة على المآسي التي يعيشها كل جولاني يحلم بأن يرى والديه أو أولاده أو أخوته أو أحفاده، قبل أن يخطفه أو يخطفهم الموت منه، ويبقى الحلم عصيًّا على التحقيق، ولا تبقى سوى الكلمات والدموع، وتلخص معاناتها الشخصية بأبسط الكلمات "كل الوقت وابنتي الصغيرة تظن أن أباها هو أبي، فهي ولدت ولم تسمعني مرة أنادي أبي او أمي، وفي أول يوم تتركني فيه إلى الروضة تساءلت وللمرة الأولى بعمق وهي تبكي: "أمي وين اهلك أنتي؟؟" وتنهي المقال أيضا بكلمات بسيطة جارحة "أنا الآن بصحة جيدة، وأهلي بخير، لكن كل ما أتمناه أن ألمح بيتنا القديم ولو مرة، أن أرى أمي تدق بابي في صباح دافئ وتقول لي: شو مشغولة اليوم؟؟"* (هامش:   http://archive1.banias.net/nuke/html/modules.php?name=News&file=article&sid=572

وفي حوار آخر لها تقول "أكثر الأشياء حرقة وألما هي انك تفقد جزءا منك في لحظة العبور، شعور لا يختبره إلا من اجبر على العبور في اتجاه واحد".

كذلك يطالعنا تقرير مؤسسة الحق بالعديد من الحالات الإنسانية التي تعيشها الأسر الجولانية المشتتة على خطي وقف إطلاق النار*.(هامش:http://www.jawlan.org/openions/print.asp?catigory=133&source=2&link=1954

أذكر يوم سهر عندنا في ليلة  رأس السنة صديق أولادي "مضاء" الشاب الجولاني الموهوب، الذي درس طب الأسنان في دمشق، وأثناء السهرة، اتصلت به أمه مصادفة من الجولان لتهنئه برأس السنة، فأخبرها أنه يسهر عندنا، فطلبت أن تكلمني، وغصت بالدموع في نهاية المكالمة وهي تقول لي" الله يخليكي أختي، ديري بالك على مضاء، صر لي تلت سنين ما شفتو"، أمسكت نفسي عن البكاء في تلك اللحظة، إلا أنني وحتى اليوم، ورغم مرور سنوات على الحادثة، لازلت أغص بالدمع عندما يرن صوتها في أذني.

وقد كان مضاء بطل الفيلم الأول الذي أخرجته ابنتي المخرجة ايناس حقي بعنوان "المعبر"، والذي يروي مأساة الجولانين، الذين كما قال أحدهم، يخاف المعبر لأنه يذكره بالقطيعة والفراق والبعاد.

 وقد أنتج في سورية عدة أفلام وثائقية أخرى عن أعراس الجولان، التي تختلط فيها دموع الفرح بدموع المأساة التي تعيشها العائلة الجولانية عندما تضطر في يوم زفاف ابنتها إلى وداعها على "المعبر" وداعًا، تحسه أبديًا.

المرأة والتعليم في الجولان المحتل:

فرضت سلطات الاحتلال عنوة المناهج الدراسية "الإسرائيلية" على السكان العرب، رغم معارضتهم الشديدة لها. وأخطر ما ترتب على المناهج الدراسية المستحدثة من قبل المحتل، تجاهلها التام للهوية والثقافة العربيتين. أما في مجال التعليم العالي، فيعاني الطلبة من صعوبات شديدة عند محاولة تأمين فرصة  تتيح لهم متابعة تحصيلهم العلمي العالي،  بسبب سياسة التجهيل التي يمارسها الاحتلال. فالالتحاق بالجامعات الموجودة في الأراضي المحتلة مسألة شبة مستحيلة بسبب الشروط التعجيزية التي توضع أمام الطالب الجولاني للالتحاق بها. وتتطلب الدراسة رسومًا عالية جداً.

تسمح سلطات الاحتلال للطلبة بمتابعة دراستهم في الجامعات السورية، ولكن يجري أحيانا منع أو عرقلة خروج البعض منهم، كما يتعرضون للمعاملة المهينة عند ذهابهم وإيابهم منها. و تلجأ سلطات الاحتلال إلى المماطلة في معادلة شهادات الخريجين، ومنعهم أحيانا من العمل.

في أواسط الثمانينات غادرت الجولان المحتل أول دفعة من الفتيات للدراسة في جامعات الاتحاد السوفيتي السابق، ورغم أن نسبتهن لم تتجاوز 10% من مجموع الطلاب، إلا أن ذلك شكل طفرة نوعية للمرأة الجولانية، وازدادت نسبة الطالبات الجامعيات بعد فتح الطريق للتعليم الجامعي في جامعة دمشق، بداية التسعينيات، حيث شكلت نسبة الطالبات حوالي 40% من مجموع طلبة الجولان الدارسين في الوطن، في مجالات عديدة كالطب وطب الأسنان والصيدلة والهندسة بشقيها المعماري والإنشائي وفرع الفنون والفنون الجميلة، والآثار والصحافة وعلم النفس الخ... وتشكل نسبة الخريجات اليوم حوالي 30% من الأكاديميين في الجولان الذين تعلموا في جامعة دمشق وجامعة حيفا والمعاهد المختلفة في فلسطين المحتلة، يتوزعن كما يلي:

  • 12 طبيبة في مجال الطب البشري والاختصاصي؛
  • 16 طبيبة في طب الأسنان؛
  • 9 في مجال المعالجة الفيزيائية؛
  • 7 ممرضات؛
  • اختصاصية أشعة؛
  • 3 يحملن شهادة محاماة في القانون الدولي؛
  • ثلاث سيدات تخرجن من كلية الصحافة في جامعة دمشق؛
  • سيدة واحدة تخرجت من كلية الاقتصاد في جامعة دمشق، وتعمل رئيسة تحرير جريدة محلية في الجولان المحتل،  وهي السيدة ليلى الصفدي رئيسة تحرير موقع بانياس، والتي كانت أكبر عون لي في إجراء هذه الدراسة بتواصلنا عبر موقعها على الانترنيت.

أما على صعيد المدارس فهناك أكثر من 240 سيدة يعملن في المدارس الابتدائية والإعدادية.

المرأة العاملة في الجولان:

اقتصر عمل المرأة في الجولان تقليديًا على الزراعة وحفظ الأغذية والحياكة والتطريز وصناعة الجلود والفراء، شأنها في ذلك شأن جميع النساء في الريف السوري.

إلا أن المرأة الجولانية تحت تأثير التطور الزمني والظروف المعاشية الصعبة، كسرت طوق الأعمال التقليدية وخرجت إلى مجالات عمل لم يكن من المألوف ارتياد المرأة لها، ما كان له عظيم الأثر في تغيير الصورة النمطية للمرأة في المجتمع، خاصة أن ذلك تزامن مع ازدياد نسبة المتعلمات والأكاديميات منهن.

وهناك اليوم عشرات  المحلات التجارية العامة والخاصة في الجولان المحتل، التي تديرها السيدات كصالونات الحلاقة ومراكز التجميل، ومراكز رياضية وإدارة حسابات في مؤسسات اقتصادية تعاونية أو خاصة، وشركات تأمين وبنوك. وقد نمت في المجال الزراعي شريحة نسائية عاملة، تعمل في المنشآت الاقتصادية الكبرى في الجولان كالبرادات (أماكن جمع وتخزين وتصنيف التفاح)، حيث توفر هذه المنشآت المحلية فرص عمل للمئات من النساء في ظروف عمل تمتاز بقربها من منازلهن، إلا أنهن وكجزء لا يتجزأ من الواقع العام في الأراضي العربية المحتلة يخضعن لقوانين العمل "الإسرائيلية" المجحفة بحق السكان العرب والتي تستغل الأيدي العاملة العربية في سوق العمل بأرخص الأثمان مقارنة مع الجهد المبذول، وحجم الإنتاج.

وقد استطاعت المرأة اقتحام أعمال مهنية كانت حكرًا على المجتمع الذكوري كمهنة النجارة.

وكذلك العمل ضمن مؤسسات دولية كمنظمة الأمم المتحدة حيث تعمل إحدى سيدات الجولان في مكتب المنسق العام للأمم المتحدة لشؤون الشرق الأوسط.

يوجد في الجولان 14 طبيبة، و 16 طبيبة أسنان. وهناك 9  اختصاصيات يعملن في مجال المعالجة الفيزيائية، و8 ممرضات يعملن في المراكز الطبية. كما يضم مجمع  قاسيون الطبي في بقعاثا 4 عاملات  من النساء. وهنالك امرأة جولانية واحدة تحمل شهادة دكتوراه في التاريخ، وهي عميدة في جامعة دمشق (د. كاميليا أبو جبل)، إضافة الى العشرات من  النساء يستكملن دراساتهن لنيل الماجستير والدكتوراة في مجالات مختلفة.

و تعمل 250 سيدة في المؤسسات التعليمية في الجولان بينهن مديرة للمدرسة الابتدائية في قرية مسعدة، وجميعهن  يمتلكن شهادات أكاديمية (معهد، جامعة).

وتعمل امرأة جولانية واحدة رئيسة تحرير جريدة أسبوعية "جريدة بانياس" (السيدة ليلى الصفدي).

لكن ذلك لا يعني بالضرورة ظروف عمل خالية من التمييز الجندري، الذي يمكن تبينه من تحقيق أجراه موقع بانياس مع العديد من النساء العاملات، من خلال المقابلات التالية:

"أ. ج فتاة تعمل في إحدى صالات المفروشات في مجدل شمس، بالرغم من أنها خريجة اختصاص كيمياء التغذية. وفي سؤالنا لها عن السبب في توجهها إلى العمل في محل للمفروشات، وليس في اختصاصها أجابت أن فرص العمل في منطقتنا في مثل هذه الاختصاصات معدومة، لذلك لا بد من البحث عن بديل.

- ما هو الأجر الذي تتقاضينه مقابل هذا العمل؟

- أتقاضى شهرياً 700 ش.ج مقابل 5 ساعات عمل يومياً، من الساعة الثالثة حتى الثامنة مساءً.

- هل تعتقدين أن هذا أجر منصف مقابل الساعات التي تقضيها في العمل يومياً؟

- الإجابة على هذا السؤال واضحة. هذا الأجر ممكن أن يتلقاه عامل آخر مقابل يومين عمل أو ربما يوم واحد، ولكن هذا الأجر يُدفع للرجال فقط، أما النساء فيعملن شهر كامل مقابل هذا المبلغ. والجميع يعلم ما الذي يمكن أن تفعله بمبلغ كهذا، وكم من الوقت يكفي لإعالة شخص واحد، وبالطبع لا مجال هنا للحديث عن إعالة أسرة. هنالك من تعمل ليس بدافع الحاجة إلى المال، وإنما فقط لقتل الملل والخروج من المنزل، وفي مثل هذه الحالة قد ترضى الفتاة بأي أجر. أما الفتاة التي تعمل بدافع الحاجة إلى المال، فهذا يشكل لها أزمة حقيقية، ولكنها مضطرة للقبول بهذه الشروط، فالقلائل من المحظوظات الذين يتلقين أجور أفضل من ذلك.

- لماذا إذًا تستمرين في العمل، ولماذا لا تبحثين عن فرص أخرى؟

- فرص العمل المتاحة للفتيات معظمها متشابهة، وليس هناك معنى للانتقال إلى مكان عمل آخر، هذا بالإضافة إلى أن فرص العمل قليلة جدًا بالأصل.

وربما كانت هذه الفتاة أوفر حظًا من ناحية الأجر من أولئك اللاتي يعملن في الأعمال الأكثر صعوبة كالأعمال الزراعية وغيرها.. وقد التقينا بإحدى النساء التي تعمل في إحدى هذه المؤسسات منذ ما يقارب العشرين عامًا، وكانت الشكوى الأهم لها أنه رغم كل تلك السنين الطويلة التي قضتها في العمل في هذه المؤسسة فإن وضعها لا يختلف عن أي فتاة مبتدئة. فالخبرة وسنين الخدمة لا تدخل في حسابات صاحب العمل. وهن يتقاضين نفس الأجر، ويعملن بنفس الظروف ونفس شروط العمل، بالرغم من أن الإنجاز يختلف بما لا يقاس، وبالرغم من أنها إضافة إلى عملها المعتاد فهي تشرف على تعليم الفتيات المبتدئات.

ونظرًا لقلة فرص العمل المتاحة في الجولان، فإن الكثير من الفتيات يتوجهن إلى العمل خارج المنطقة. وهنا أيضًا يتعرضن لاستغلال الشركات التي تشغل العاملين داخل الأراضي المحتلة، والقليلات يستطعن إيجاد عمل بشكل مباشر مع صاحب العمل. وقد التقينا بفتاتين إحداهما تعمل عن طريق شركات التشغيل المذكورة، والأخرى بشكل مباشر. وفي حين تتقاضى الفتاة الأولى مبلغ 15 ش.ج. للساعة الواحدة، تتقاضى رفيقتها مبلغ 30 ش. للساعة قبل الظهر و35 ش. في ساعات بعد الظهر.

وتتحدث ف.أ التي تعمل من خلال الشركة: - انطلق إلى العمل في الساعة السادسة والربع صباحًا، وأعود في الخامسة مساءً. العمل خلال اليوم يتطلب مجهودًا كبيرًا فأنا مسؤولة عن ست ماكينات تنتج الأدوات البلاستيكية، وأنا مجبرة على العمل بشكل متواصل كل اليوم، كي أضع كل ما تنتجه هذه الآلات في مكانها.

نحن نعمل كل أيام الأسبوع وفي أيام العطل أيضًا ونتقاضى نفس الأجر في حين أن عمال آخرين يتقاضون زيادة في الأجر حين يعملون أيام العطل والأعياد.

وعندما سألناها إذا كانت تفضل العمل داخل الجولان على هذا العمل، أجابت:

- بالطبع أفضل أن أعمل هنا، ولكن الأجور متدنية جدًا. وبالرغم من أني في عملي الحالي أتقاضى أقل بكثير مما أستحق، أو مما يتقاضاه عمال آخرون، فإن ذلك يبقى أفضل من العمل في البلد".

إن استغلال الفتيات في العمل لا يقتصر على الغبن في الأجور، بل ينسحب على كل شروط العمل، كالتأمينات والإجازات والمحفزات، وصناديق التوفير المختلفة وغيرها من الامتيازات التي تقدمها عادة المؤسسات في أماكن أخرى. وتفصل الفتيات من العمل دون أي تعويض عن سنوات الخدمة، في معظم الحالات.

المرأة والصحة:

تواجه المرأة السورية في الجولان المحتل صعوبات كثيرة تحول دون حصولها على الخدمات الصحية، فأقرب مستشفى موجود في مدينة صفد التي تبعد 60كم عن الجولان، لذا تضطر الكثير من النساء الحوامل للولادة في بيوتهن دون إشراف طبي. وقد استخدم العدو الصهيوني رفض مواطني الجولان للجنسية الإسرائيلية كمبرر لعدم تقديم الخدمات الصحية لهم.

كما  تقوم إسرائيل بدفن نفاياتها النووية في 20 موقعا في الجولان أشهرها (نشبة المقبلة) الواقعة في أعالي جبل الشيخ منتهكة بذلك اتفاقية جنيف الرابعة، ومعلوم تأثير هذه النفايات على الصحة العامة والصحة الإنجابية.

المرأة والمجتمع:

مما لا شك فيه أن للمرأة الجولانية نصيبها من حركة التطور، الذي تجلى في ارتفاع نسبة المتعلمات، وانخراط المرأة في سوق العمل، إضافة إلى تغيرات لا يستهان بها على صعيد اللباس والعادات الاجتماعية. إلا أن تأثيرات الثقافة التقليدية السائدة لازالت طاغية، والتي تحاول مقاومة أي تغيير للصورة النمطية للمرأة، رغم كل ما حققته على صعيد التعليم والعمل والمقاومة، فمشاركة المرأة الجولانية لازال محدودًا في الحياة الاجتماعية والسياسية والثقافية، ولا يوجد أطر ثقافية نسوية أو جمعيات أو أي أطر تنظيمية أخرى فعالة، وما هو موجود يدخل في إطار المؤسسات المبنية على أسس وخدمة للفكر الذكوري.

ولا زالت المرأة الجولانية، التي خرجت إلى سوق العمل وحققت استقلالًا اقتصاديًا، تعاني من التمييز الجندري ضدها في أماكن العمل، إذ لا زال تواجد النساء في مراكز العمل الهامة ضئيلًا إن لم نقل شبه معدوم، رغم كفاءتها العلمية والعملية المماثلة أو المتفوقة على الرجل.

وهنا تقول ليلى الصفدي: "وبالطبع لهذه الأرضية الثقافية انعكاسها السياسي، فعندما ندخل في السياسة ينحسر دور المرأة كليًا، وبما أن السياسي هو انعكاس وتراكم للثقافي، فإن مشاركة المرأة سياسيًا نادرة الوقوع، ويبقى القرار الرجولي هو المسيطر.. سواء في الإطار الديني أم الوطني أو أي قرار اجتماعي آخر، هذا لا يحرمها شرف المشاركة في الأحداث العامة المهمة التي وقعت في تاريخ الجولان، إلا أن سمتها الأساسية كانت ولا زالت التبعية وعدم القدرة على التأثير في القرارات العامة.. مما يفسر الطابع الذكوري "القاسي" لهذه القرارات والتي لا تبالي غالبًا بالاعتبارات الإنسانية والعاطفية... مثلما لا تبالي باعتبارات الأنوثة.. ويمكن هنا التفكير بأمثلة عديدة: كاقتصار الزيارات السنوية إلى الوطن على الرجال فقط، والميل في المشاريع العامة نحو الاتجاهات الاقتصادية والربحية على حساب الاعتبارات الثقافية والإنسانية، والاهتمام المركّز بشؤون الموت والمقابر.. وساحات تأبين.. مقابل غياب نسبي للشواغل الترفيهية أو الثقافية.. أو لمنشآت الاختلاط والفرح..."

كما تقول " بشكل عام وبنظرة تفاؤلية يمكن القول أن المرأة في الجولان تسير نحو تحررها.. و تنحو أكثر نحو الاستقلال، ولكن تبقى هناك مخاوف من انجرارها نحو المغالاة  في النزعة الاستهلاكية، خاصة أن تطورها الاجتماعي لا يرتكز على قاعدة ثقافية موازية".

النساء والعمل المدني:

كما ذكرنا سابقا يلاحظ ندرة النشاطات المدنية النسوية، لعدم وجود أطر مؤسسية لتجمع النساء أو المطالبة بحقوقهن، وتمكينهن، وتشجيع مشاركتهن في مجالات الحياة المختلفة.

ونلاحظ التواجد النسوي في مؤسسات مدنية غير مختصة بقضية المرأة، فقد انتخبت مؤسسة "المرصد العربي لحقوق الإنسان" سيدة من الجولان رئيسة لها، وتضم جمعية جولان لتنمية القرى العربية 39 عاملة وموظفة داخل مراكزها الطبية والثقافية من أصل 75 عاملا.  كما تضم جمعية أرام لتطوير وتنمية الأسرة في قرى الجولان أكثر من 10 متطوعات في مجال التربية وخدمات الاستشارة والتشخيص النفسي، والاجتماعي، ومجال الإبداع والفنون. و تضم مؤسسة قاسيون الطبية في قرية بقعاثا 4 عاملات.

وتنضوي المرأة الجولانية نادرًا في مؤسسات سياسية محلية كرابطة الجامعيين.

تشكل في آذار1982 أول اتحاد نسائي في الجزء المحتل من الجولان تحت اسم "الاتحاد النسائي في الجولان" بمبادرة من عدد من الناشطات. لكن مصير هذا الاتحاد كان مشابها لمصير الأطر الوطنية التقليدية التي تشكلت منذ بدايات الاحتلال، وعلى الأخص منذ إضراب 1982 "وهي أطر عفوية على الغالب ونشاطها قد بدأ بالخفوت والذبول لتحل محلها مؤسسات منظمة ثقافية وفنية ورياضية وغيرها، ليس لها جميعها إختصاصا بالنساء ولكن تضم في صفوفها نساء، وهي تحاول العمل كل بمنظوره على تعميق الحالة الثقافية والفنية والتنظيمية.. وهناك اختلافات وربما خلافات جدّية في هذه المضامير" كما تشير الكاتبة ليلى الصفدي، وتضيف: "كما أن هناك بعض اللجان النسائية التي تشكلت لأغراض معينة مثل اللجنة التي شكلت لـ "النساء السوريات" أي النساء اللواتي تزوجن من سوريا إلى الجولان المحتل، طبعا بالتعاون مع نساء جولانيات، وكان الهدف التحرك والضغط على الرأي العام المحلي والعالمي بهدف الضغط على حكومة الاحتلال من أجل السماح للنساء بزيارة وطنهن وأهلهن وذويهن". وتصف الصفدي النشاطات  النسوية بمجملها بأنها "لا تزال حتى الآن عفوية.. ولحظية وانفعالية ولم تتحول إلى مؤسسات أو جمعيات أو تجمعات نسوية بالمعنى الحقيقي".

وقد أقيم في 9-3-2008  أول مؤتمر نسائي في الجولان المحتل، بمبادرة من مجموعة العمل النسوي في جمعية جولان لتنمية القرى العربية، وقد شارك بالمؤتمر العشرات من النساء الجولانيات إضافة إلى عدد من الناشطات النسويات من عرب الداخل من جمعية السوار في حيفا.

وقد تطرقت مداخلات المؤتمر للعديد من المواضيع التي تهم النساء، منها:

- التعليم وسوق العمل في الجولان

- التمكين النسوي

- مجتمعنا قيم وسلوكيات

 وفي 30-3-2008  أقيم معرض تسويقي للمنتجات النسوية في الجولان، برعاية وإشراف جمعية جولان لتنمية القرى العربية، شمل 17 محطة للفنون الجميلة والأعمال اليدوية ومعرض للكتاب، وعدة محطات لمنتوجات غذائية وزراعية محلية جولانية، بهدف ترويج منتوجات النساء الجولانيات، والمحافظة على التراث الشعبي، وتشجيع الإنتاج اليدوي، وتمكين المرأة من خلال ترويج إنتاجها، والمساهمة في تطوير الحركة الثقافية ودعمها في الجولان السوري المحتل.

كما تكرر التعاون الشعبي مع الفلسطينيين في الأرض المحتلة عام 1948وعام 1967،على شكل أنشطة مشتركة أو مضيفة للعديد من فعاليات التضامن والمشاركة، في مناسبات عديدة مثل الأول من أيار، و30 آذار يوم الأرض، وعيد المرأة العالمي، والمناسبات الطارئة كمجازر الاحتلال التي ارتكبت بحق الشعبين العربيين في فلسطين ولبنان. ووصلت المشاركة الفعالة حتى قطاع غزة البعيد نسبيا عن الجولان المحتل، حيث شاركت النساء في وفود التضامن والتبرع بالدم للأهل في قطاع غزة، والتهنئة بتحرر الأسرى الفلسطينيين، وأسرى الدوريات العرب من سجون الاحتلال الصهيوني.

 أما في مجال الثقافة فقد حققت المرأة نجاحات ملحوظة، من خلال مشاركتها وإدارتها لمشاريع ثقافية مختلفة مثل إقامة معارض فنية وضوئية في مركز فاتح المدرس للثقافة والفنون.

وما زال الجولان المحتل يشهد  تطور حركة ثقافية نسوية فعالة، رغم أن  المشاركات الثقافية النسوية قليلة مقارنة بالذكورية، إلا أن تلك المشاركات  اقتحمت المراكز الفنية والثقافية والمهنية، بجهود تستحق التقدير والاحترام والوقوف أمام  العديد من التجارب النسائية الفردية والجماعية..

وهناك أسماء نسائية عديدة في مجال الأدب والشعر والغناء والتمثيل والإخراج المسرحي.

خاتمة:

رغم التطور الذي طال واقع المرأة الجولانية، في مجالات التعليم والعمل، والنشاط الاجتماعي، إلا أن المرأة الجولانية لا تزال تعاني واقعًا صعبًا ناجمًا عن الاحتلال الظالم القابع فوق صدور أهل الجولان، حارمًا إياهم من حقوق أساسية، تتجاهل في بعض الأحيان أبسط الحقوق التي نصت عليها الشرائع والمواثيق الدولية، وفي أغلب الأحيان معظمها.

ومن المفارقات أن سلطات الاحتلال تمارس حتى في قمعها لأهالي الجولان تمييزًا جندريًا، إذ تقع المرأة الجولانية ضحية التمييز والعنصرية التي عمل الاحتلال على ترسيخها، برفضه على مدى سنوات طويلة كل النداءات والطلبات الإنسانية والقانونية التي قدمت للسلطات للسماح لنساء الجولان بزيارة والتقاء ذويهن في الوطن الأم سوريا، وظلت تسمح فقط لرجال الدين بزيارة الأماكن المقدسة داخل الوطن الأم سوريا، مرة في السنة، يتمكنون خلالها من لقاء الأقارب والأهل وأفراد العائلة التي شتتها استمرار الاحتلال، بينما ترفض وبحزم السماح لنساء الجولان زيارة أقاربهن أو التواصل معهم،  وان كانت قد ظهرت في السنوات الأخيرة بعض النشاطات في هذا الإطار بعد تشكيل لجنة من النساء اللواتي قدمن إلى الجولان كعرائس، وعددهن يقارب الـ500 امرأة.

المرأة في الجولان تقع تحت قهر مضاعف: قهر الاحتلال، وقهر المجتمع الذكوري الخاضع بدوره لقوانين الصراع الوطني والقومي، المتمثل برفض الاحتلال، والإصرار على الانتماء للوطن الأم سورية، والصراع الثقافي بالإصرار على الحفاظ على الهوية العربية السورية، والصراع الاقتصادي مع سلطات الاحتلال التي تضيق على فرص العمل وأي محاولة لأي إنعاش أو استقلال أو استقرار للاقتصاد، وحرمان الجولان المحتل من أي خطط وأفاق اقتصادية وزراعية وعمرانية ذاتية تكفل تقدمه وانتعاشه، ومنع نمو أي بدائل وطنية ومحلية تكون قادرة على توفير بنية اقتصادية وزراعية وطنية بديلة تخفف ارتباط الجولان بالنظام الاقتصادي "الإسرائيلي".

كما أن خروج المرأة للعمل في ظل الظروف الاقتصادية المجحفة لم يطور لديها وعيًا نقابيًا، شأنها في ذلك شأن الرجل الواقع تحت جور سلطات الاحتلال، التي تعرقل وجود أي تجمعات مدافعة عن حقوق العمال أو الإنسان بشكل عام.

أما على الصعيد الاجتماعي فلازالت المرأة في الجولان تعاني من سيطرة الثقافة السائدة والعادات والتقاليد التي تكرس تمييزًا واضحًا ضد المرأة، ولا زال التطور الاجتماعي متأخرًا بما لا يقاس وغير موازٍ للتطور الذي حصل على صعيدي التعليم والعمل، وتلك ظاهرة لا يختص بها مجتمع الجولان، بل جميع المجتمعات الذكورية في العالم اجمع، بدرجات متفاوتة. فالمرأة الجولانية مثلها مثل جميع النساء اللاتي يشاركن في حروب التحرير الوطنية مشاركة فعالة، ثم لا ينلن من المجتمع الذكوري سوى التمييز المعتاد، الذي ينسى أو يتناسى مساهماتهن في مقاومة المحتل، عندما يتعلق الأمر بنيل حقوقهن كنساء.

مراجع:

  • إسرائيل تزعم أنهن مواطنات - الراية القطرية

http://www.syriahr.com/23-10-syrian%20observatory1.htm

نساء معتقلات من الجولان

 

©2023 جميع الحقوق محفوظة لـ بوليفارد