• Avenue Pasteur 63, 10000

    Troyes, France

  • البريد إلكتروني

    info@musawasyr.org

#

مفهوم الجندر أو النوع الاجتماعي

الفصل الثالث من كتاب النسوية مفاهيم وقضايا

د. ميّة الرحبي

لابد هنا، قبل الخوض في مفهوم الجندر، من أن ننوه لعدة مسائل:

- الإنسان عدو ما يجهل، لذا يقف الكثير من الناس موقفًا عدائيًا ضد أيّ جديد غامض مبهم، لا يدركون كنهه، وخاصة أمام الاختراعات أو الاكتشافات العلمية في كافة مجالات العلوم التطبيقية أو الانسانية، فذلك الموقف العدائي الذي اتخذه البعض تجاه معرفة جنس الجنين بالأمواج فوق الصوتية، أو الاستنساخ، أو هبوط الانسان على سطح القمر، شبيه تمامًا بموقفهم من النظريات الحديثة في العلوم الانسانية، تلك المواقف التي تتسم بالتكذيب أولًا ثم الرفض أو التجاهل ثانيًا، وأخيرًا الهجوم والاتهام بالكفر والهرطقة، إلى أن يثبت الزمن لاحقًا- وهو العامل الحاسم دائماً-  صحة وفائدة هذه الاختراعات أو الاكتشافات أو النظريات التي ابتدعها العقل البشري، وإمكانية استخدامها لخير البشرية. وهذا ما جعل الكثير من المفكرين العرب ذوي الميول الإسلامية المتشددة أو المحافظة أن يقفوا ضد مفهوم الجندر بضراوة، وقد قرأت مقالات على الانترنيت يصف أصحابها مفهوم الجندر بأنه كفر وزندقة، ودعوة للفحش والانحلال، دون ان يدروا كنهه.

- وذلك يقود إلى النقطة الثانية التي تتعلق بمفهوم حوار الحضارات بدلا من صراع الحضارات- الذي يتم الترويج له حاليًا من قبل تيارات فكرية متطرفة-. لقد ساهمت القوى العظمى العالمية وعلى رأسها الإدارة الأمريكية بتسلطها وعدوانيتها في تكريس مفهوم صراع الحضارات، واضعة الشعوب والحضارات والأديان بمواجهة بعضها البعض في صراع تتأجج ناره يومياً. لقد امتد حوار وتلاقح الحضارات على طول التاريخ الانساني، وساهم في ارتقاء الإنسان وتطوره، فجميع شعوب الأرض لها الحق في الاستفادة من الحضارة الانسانية التي لا يجوز أن تبقى حكرًا على شعب دون آخر، أو أمة دون أخرى، فالحضارة الانسانية، هي حصيلة تطور العقل البشري، على مدى قرون طويلة، وهي وإن تركزت اليوم في الغرب، لكن لا يمكن لأحد أن ينكر مساهمة جميع الشعوب الشرقية، ومن بينها العرب في صنعها في فترة تاريخية معينة، لذا فمن حق جميع الشعوب الاستفادة من جوانبها الايجابية، في جميع مجالات العلوم التطبيقية أو الانسانية، واستخدامها في مجالي التطوير والتنمية، التي باتت شعوبنا بأمس الحاجة إليها للحاق بالركب الحضاري، كي نستطيع الإفلات من المصير الذي بدأ يطبق بخناقه علينا محولًا إيانا إلى شعوب تابعة، لاحول لها ولاقوة، بدل أن نكون شعوبًا سيدة تمتلك مصيرها بأيديها.

- إن وعي البشرية بموضوعات حقوق الإنسان في القرن العشرين، ووضعها تشريعات وقوانين دولية لذلك، ساهمت بالدفع تجاه تكريس حقوق المرأة كجزءٍ لا يتجزأ من مفهوم حقوق الإنسان ككل، إذ أصبحت حقوقها مكفولة في جميع المواثيق والاتفاقيات الدولية كالإعلان العالمي لحقوق الإنسان والعهدين الدوليين الخاصين بالحقوق السياسية والاقتصادية والاجتماعية والاتفاقيات الدولية الرئيسية السبعة، ومن بينها اتفاقية إلغاء جميع أشكال التمييز ضد المرأة (سيداو)، والتي تلزم الدول الموقعة عليها بتغيير قوانيها وأنظمتها النافذة بما يتناسب معها.

- لابد هنا من الإقرار بحقيقة أن سيادة الشعوب على نفسها، وانفلاتها من أسار التبعية والخضوع  للقوى العظمى، لا يمكن أن يحدث، دون أن يمتلك كل فرد في المجتمع حريته وحقوقه كاملة، كي يستطيع أن يوظف كل طاقاته وإمكاناته خدمة لتقدم مجتمعه وتنميته، وهنا يأتي ضرورة تحرير نصف المجتمع من كل القيود التي كبلته.

 

كيف بدأ مفهوم الجندر بالتكون؟

يقول ابن رشد (1126 – 1198 م) في) جوامع سياسة أفلاطون):

"علينا أن لا نخدع بأن المرأة تبدو في الظاهر صالحة للحمل والحضانة فقط،  فما ذلك إلا لأن حالة العبودية التي أنشأنا عليها نساءنا، أتلفت مواهبهن العظيمة. يجب على النساء أن يقمن بخدمة المجتمع والدولة قيام الرجال، فإن الكثير من فقر العصر وشقائه، يرجع إلى أن الرجل يمسك المرأة لنفسه، كأنها نبات أو حيوان أليف، لمجرد متاعٍ فانٍ، بدلًا من أن يمكنها من المشاركة في إنتاج الثروة المادية والعقلية وفي حفظها".

وبرأيي أن ابن رشد هو أول من وضع أسس مفهوم الجندر، والذي لم يتبناه المجتمع الغربي إلا في الربع الأخير من القرن العشرين أي بعد حوالي ثمانية قرون من اهتداء ابن رشد إليه.

لقد كان ابن رشد سباقًا في طرح التأثيرات الثقافية والاجتماعية على المرأة، والتي تأتي من التربية وليس من طبيعة تكوينها البيولوجي، إلا أن عصور الانحطاط اللاحقة التي خيمت على المجتمعات العربية دفنت كل تلك الأفكار وغيرها تحت أكداس من القيم المتخلفة المريضة، ولم نستفد نحن من أفكار مفكرينا المبدعين كابن رشد وتركنا غيرنا يؤسس عليها فكرًا نهضويًا تنويرًا. إذ بدأ عدد من الفلاسفة وعلماء الانثربولوجيا وعلماء الاجتماع، في عصر النهضة الأوربية بمحاولة تطوير نظرياتٍ وأفكار ورؤى للوصول إلى مجتمعات الحق والعدالة لمصلحة الانسانية جمعاء، ومن هنا بدأ العلماء يسبرون التاريخ لمعرفة كيف انتقل الإنسان من العصر الأمومي الذي سادت فيه المشاعية والملكية العامة، وانعدمت فيه الحروب ومحاولة سيطرة الانسان على أخيه الإنسان، إلى النظام البطريركي الأبوي الذي اقترن بظهور الملكية الخاصة وتسلط الإنسان على الإنسان، وسيطرة الرجل على المرأة، وبالتالي حدوث النزاعات والحروب سعيًا للتملك والهيمنة.

وبدأ يتضح من الدراسات الانثربولوجية والسوسيولوجية اختلاف الأدوار الاجتماعية بين الذكر والانثى باختلاف الأزمنة والمجتمعات، وظهر ذلك جليًّا في أبحاث  كثيرة كأبحاث مورغان، الذي درس السلوك والأنماط والأدوار الاجتماعية لدى قبائل الهنود الحمر سكان أمريكا الأصليين، ليلاحظ اختلاف تلك الأدوار حسب تطور العلاقات الاجتماعية السائدة، بين النظام الأمومي أو النظام الأبوي، والأنظمة الوسيطة المتدرجة بينهما، إذ لاحظ اختلاف الأدوار الاجتماعية لكل من الذكر والانثى، حسب درجة تطور المجتمع، وتبعه في ذلك عدد كبير من علماء الانثروبولوجيا وعلماء الاجتماع.

 وكان لكتاب "الجنس الأخر" لسيمون دي بوفوار الدور الكبير في بداية تبلور مفهوم "الجندر" حيث أشارت إلى أن صفاتنا النفسية والاجتماعية وأدوارنا لا تولد معنا بل نكتسبها من خلال التربية والثقافة المحيطة فدور المرأة والرجل قد يختلف من مكان إلى مكان باختلاف ثقافة تلك المنطقة، كما أنه يختلف باختلاف الزمان، وقد لخصت طروحاتها تلك في مقولتها الشهيرة "لا يولد الإنسان امرأة، إنما يُصبح كذلك" ولم تكن تدري آنذاك أن هذا المفهوم سيصبح الخلفية الفلسفية الأساسية لدى الكثير من الحركات النسائية التي تبنته وعملت على إدماجه في كافة مجالات الحياة والتنمية، على اعتبار أنه المنطلق الأهم لتجريد جنسي الذكورة والأنوثة من كافة الفوارق الاجتماعية التاريخية التي يمكن أن تكون سببًا في أي تمييز بين الرجال والنساء.

بدأ مفهوم الجندر يتضح في السبعينات أكثر فأكثر، ثم تبلور في الثمانينات من القرن الماضي، بعد أن دُرّس من قبل العلوم الاجتماعية، لتحليل الأدوار والمسؤوليات والمعوقات لأدوار الرجل والمرأة داخل المجتمع الانساني.

وقد دخل مفهوم الجندر إلى المؤتمرات والوثائق الدولية بوثيقة مؤتمر القاهرة للسكان 1994، ثم ظهر المفهوم مرة أخرى ولكن بشكل أوضح في وثيقة بكين 1995، حيث تكرر مصطلح الجندر (233) مرة، وحدثت خلافات كبيرة في تعريفه وترجمته، فدارت نقاشات كثيرة حول معناه في لغته الأصل، والتعرف على ظروف نشأته وتطوره ودلالته، فرفضت الدول الغربية تعريف الجندر بالذكر والأنثى، وأصرت على وضع تعريف يشمل السلوك الاجتماعي في الحياة، ورفضت الدول الأخرى أي محاولة من هذا النوع، واستمر الصراع أيامًا في البحث عن المعنى الحقيقي للمصطلح، وكانت النتيجة أن عرّفت اللجنة المصطلح بعدم تعريفه (The Non Definition of The Term Gender).

وقد ظهر المصطلح في وثائق مؤتمر روما حول إنشاء المحكمة الجنائية الدولية المنعقدة في روما 1998م حيث أوردت الدول الغربية: "أن كل تفرقة أو عقاب على أساس الجندر يشمل جريمة ضد الإنسانية".

أما منظمة الصحة العالمية فتعرفه على أنه: "المصطلح الذي يفيد استعماله وصف الخصائص التي يحملها الرجل والمرأة كصفات مركبة اجتماعية، لاعلاقة بها بالاختلافات العضوية".

وقد دفع الغموض واللبس، اللذان أحاطا بهذا المفهوم عند ظهوره في وثيقة مؤتمر بكين والبرامج الدولية اللاحقة، الكثير من النساء والحركات النسائية من مختلف الاتجاهات إلى محاولة البحث والتعمق في أصول المفهوم وأبعاده الحقيقية، وذلك من أجل اتخاذ المواقف المناسبة من برامج وتوصيات المؤتمرات والوثائق والمواثيق الدولية التي تستخدمه، فبدأ البحث في المصطلح ودلالاته، التي بدأت تتضح شيئًا فشيئًا، ما قاد إلى عملية بحث جدية  لترجمة دقيقة له في كل لغات العالم بما يفي المعنى حقه، وقد ترجم إلى العربية بعبارة "النوع الاجتماعي"، أو كلمة "الجنوسة" في ترجمات أخرى، وفضل بعض الباحثين العرب الإبقاء على مصطلح" الجندر" وكتابته بالعربية بعد تعريفه.

ولكن ظهر في نفس الوقت  باحثات وباحثين كثر ربطوا مفهوم الجندر بحركاتٍ نسائية تدعو إلى التماثلية وحتى الشذوذ، وإلى تحميل الميول الجنسية للمرأة أكثر من هوية جنسية، وذلك ما قاد إلى اتهامه بأنه دعوة للمرأة إلى بناء حياتها وتحقيق طموحاتها في الحياة من خلال تلبية كل المطالب القائمة على النزعة الفردية بعيدًا عن الالتزام بروابط الأسرة والمجتمع، بينما اعتبرت النساء من ناشطات الجندر أن أبعاد المفهوم مجردة تمامًا من هذه الاتهامات، وأن الهدف من توظيفه لا يزيد على كونه سعيًا إلى إلغاء كل أشكال التمييز ضد المرأة.

ما هو الجندر أو النوع الاجتماعي؟

الجندر كلمة لاتينية في الأصل تشير إلى الجنس (أي اختلاف الجنس بين الذكر والأنثى)، لكنه أخذ –كمصطلح في علم الاجتماع- مفهومًا محددًا يشير إلى الأدوار الاجتماعية لكل من الذكر والأنثى.

 إذ لا يخفى على أحد أن هنالك اختلافًا بيولوجيًا بين الذكر والانثى، ويتجلى هذا الاختلاف في الأعضاء والوظيفة الجنسية، ففي حين يشترك جسد المرأة والرجل في بنية جميع الأجهزة (أجهزة الدوران والتنفس والهضم والاطراح والجهاز العصبي...) يختلفان عن بعضهما في بنية جهاز التكاثر والأعضاء الجنسية، ما يخص المرأة بالوظيفة الانجابية، التي اختلف تقييمها باختلاف الأزمنة والمجتمعات. ففي حين كانت هذه الوظيفة مدعاة لتقديس المرأة عند بعض الشعوب في التاريخ القديم، كانت مصدرًا  لتحقير المرأة وتهميش دورها لدى شعوب أخرى، في أزمنة أخرى.

وبرأي بعض علماء الانثروبولوجيا فقد كان الرجل يشعر بعقدة النقص من المرأة في أطوار الحياة الأولى، لقدرتها على الإنجاب وعدم قدرته على ذلك، بينما اعتبر البعض أن عقدة الخصاء عند الأنثى- والتي أسهب فرويد في شرحها- غير صحيحة، لأن عقدة النقص عندها ناجمة عن القهر الذي مورس عليها من قبل الذكر المتفوق في النظام الأبوي البطريركي، وإذا كنا بشراً وتمكنا من أن نتحضر ونرقى عن مصاف الحيوانات، التي تحكمها غرائزها فقط،  فلابد أن نرتقي أيضا عن تقييم الإنسان بخصائصه البيولوجية، وإنما بعقله فقط وقدرته على الإبداع.

لقد أثبت العلم أن الاختلاف الطبيعي الوحيد بين الذكر والانثى هو في تلك الوظيفة، أما الاختلافات الأخرى من حيث الطباع أو الأدوار الاجتماعية التي يقوم بها كل من الذكر والأنثى، فهي ليست مرتبطة بالاختلافات البيولوجية أو الفيزيولوجية الموجودة في جسد كل منهما، بل بسبب عوامل اجتماعية صنعها البشر أنفسهم، فمثلا عندما نقول أن عدد النساء الأميات أكثر من عدد الرجال الأميين في مجتمع ما، فذلك ليس ناجمًا عن كونهن ينجبن الأطفال، بل لأنهن لم يرسلن إلى المدارس للتعلم، والدليل على ذلك أنه في حال إرسال البنت إلى المدرسة للتعلم، فإنها تتعلم مثلها مثل الذكر تمامًا، بل قد تتفوق عليه.

 أي أن هنالك عوامل اجتماعية وسياسية وثقافية لعبت دورًا في تحديد الفروق بين المرأة والرجل ليس على أساس الاختلاف البيولوجي وإنما على أساس اختلافات صنعها البشر عبر تاريخهم الطويل.

إن الاختلافات البيولوجية بين الذكر والانثى لا تعني بأي حال من الأحوال تفضيل جنس على آخر، وإلا وجب اعتبار المرأة أفضل من الرجل لقدرتها وعدم قدرته على الانجاب، أو الرجل أفضل من المرأة بسبب قوته العضلية، وعلى هذا المبدأ يمكن اعتبار أي مصارع ضخم غبي أفضل من أهم عالم أو مخترع ضئيل الحجم.

فالمشكلة هنا في اعتبار قدرات المرأة من الناحية الاجتماعية والسياسية والثقافية والذهنية أقل من قدرات الرجل بسبب الاختلاف البيولوجي بينهما، وبالتالي إعطاء الرجل مكانة أفضل من المرأة، وإعطائه الحق في السيطرة عليها وتقرير مصيرها، وهذا هو ما يطلق عليه التمييز على أساس الجندر أو النوع الاجتماعي.

فالجندر أو النوع الاجتماعي إذًا هو وصف لخصائص الرجال والنساء المحددة اجتماعيًا، في مقابل تلك المحددة بيولوجيًا، والتي يُعبر عنها بلفظ الجنس.

لقد صنع البشر على مدى قرون طويلة هذه الفروق في الأدوار الاجتماعية وكرّسوها، حتى غدت حقائق مطلقة، صدقتها النساء أنفسهن، وبتن يتصرفن على أساس أن مكانتهن الانسانية أقل من مكانة الرجل، وأعدن إنتاج هذا المفهوم في عملية التربية.

تتغير خصائص النوع الاجتماعي بتغير المكان أو الزمان، أو العوامل الاجتماعية والثقافية المتغيرة والمتنوعة، على عكس الوظائف المتمايزة جنسيًا (الاخصاب، الحمل، الارضاع).

فعملية التربية والتعليم هي التي تلقن الصبي أو البنت مبادئ السلوك التي تحدد الفروق والأدوار والمواقف والنشاطات وكيفية الاتصال مع الآخرين، وهذا السلوك المكتسب بالتربية والتعليم هو الذي يشكل الهوية الجندرية لكل من الذكر والانثى، ويحدد بالتالي الأدوار الجندرية.

 إن الاعتقاد بأن الصرامة والخشونة والقدرة على الحسم واتخاذ القرار والشهامة والإباء والكبرياء (وكل هذه الصفات تختصر في الثقافة العربية بكلمة رجولة) صفات رجولية، والنعومة والتقلب والسلبية وعدم القدرة على اتخاذ القرار وعدم الحسم والخضوع والخنوع صفات أنثوية، هو اعتقاد من صنع البشر لا الطبيعة، فالأدوار الاجتماعية تختلف من بلد لآخر، بل ومن مجتمع لآخر في نفس البلد، أو حتى من حي لآخر ضمن نفس المدينة، حسب الثقافة السائدة والعادات والتقاليد والوضع الاقتصادي، والدليل على ذلك، قدرة أيّ فلاحة في الريف على عزق الأرض تحت الشمس الحارقة، أو حمل رزمة من الحطب، والقيام بأعمال زراعية مجهدة، لا يستطيع أي رجل مديني القيام بها.

وتتفاوت نسبة العنف لدى الصبيان مثلًا حسب البيئة التي ينشأوون بها، فالصبي الذي يعيش في بيئة اجتماعية فقيرة ترمي به لينشأ في الأزقة والحواري، يختلف في خشونته وقوته  مثلا عن صبي نشأ مدللًا في بيئة اجتماعية مرتاحة مرفهة، لاضطرار الأول للدفاع عن نفسه غالبًا، في حين يجد الثاني من يحميه ويؤمن له مصالحه دائمًا، وهنا لا نستغرب أن يصف الأطفال الذين نشأوا في البيئة الأولى، الطفل المدلل من البيئة الثانية بأنه "يشبه البنات".

لقد أثبتت الدراسات الاجتماعية عدم ثبات الفروق بين المرأة والرجل باختلاف الأزمنة، فالأدوار التي تقوم النساء بها حاليًا كجلوس امرأة على منصة أمام حشد من الرجال والنساء، وإلقائها محاضرة ما، أو وقوف مهندسة فوق منشأة ما لتوجيه عمال البناء، أو قيام جراحة في غرفة العمليات بشق بطن مريض، كان يعتبر ضربًا من الخيال قبل مائة عام.

فالجندر إذا هو أداة تحليلية تفسر العلاقات بين النساء والرجال وتداعيات هذه العلاقات وتأثيرها على دور ومكانة المرأة في المجتمع، وهو عملية دراسة العلاقة المتداخلة بين المرأة والرجل في المجتمع، والتي تحكمها عوامل مختلفة اقتصادية واجتماعية وثقافية وسياسية ودينية، تؤثر على طبيعة ومردود وتقييم العمل الذي يقوم به كل من المرأة والرجل في المجتمع.

وقد أدى اختلاف الأدوار الاجتماعية إلى تقسيم العمل بين المرأة والرجل تقسيما يناسب تلك الأدوار، بحيث تم تقسيمها إلى:

  1. أعمال إنجابية: وهي كل الأعمال التي تتصل بالإنجاب ورعاية الأسرة وتربية الأطفال والتدبير المنزلي كالطبخ والتنظيف، وكالزراعة وجلب الماء والخَبز في الريف، وشراء الأغراض من السوق وتدريس الأولاد وخياطة ملابسهم...الخ  في المدينة، وهي أعمال مجهدة، تستهلك ساعات طويلة يوميًا، تمارسها المرأة دون أن تتلقى أجرًا عليها، و لاتلقى هذه الأعمال تقديرًا اجتماعيًا، لذا يأبى الرجال غالبًا ممارستها.
  2. الأعمال الانتاجية: وهي الأعمال التي يمارسها المرء ويتلقى أجرًا عليها، وغالبًا ما يمارسها الرجال، وقد بدأت المرأة بدخول سوق العمل ومنافسة الرجل فيها، إلا أن دخولها ذلك لازال يعتبر دخيلًا. ولازال المجتمع يعتبر أن من غير العادل وجود بطالة بين الرجال في حين تحظى نساء بتلك الأعمال. وهي أعمال تحظى بتقدير اجتماعي عكس الأعمال الانجابية، لأنها تدر دخلًا، وتسمح  للمرء بالحصول على مكانة اجتماعية. ولكن لازال وجود المرأة في أغلبها يمثل امتدادًا لدورها الانجابي كما في الزراعة والتعليم والتمريض، لذا يكثر وجود المرأة في مجالات العمل تلك، في حين يتضاءل وجودها في الأعمال عالية المستوى العلمي والاقتصادي كالمصارف وقطاعات الصناعة والتجارة، كما يتضاءل وجودها في مراكز صنع القرار في جميع المجالات.
  3. العمل في إطار المجتمع الأهلي والمدني: ينتظم الناس عادة في تجمعات أهلية، كمجالس العشائر مثلا، أو تجمعات مدنية كالجمعيات الحرفية والنقابات والجمعيات المدافعة عن حقوق  فئة معينة من الناس والجمعيات الخيرية. وهي أعمال غير مأجورة لكنها تحظى بتقدير اجتماعي. وتتواجد المرأة في التجمعات الأهلية لكنها لاتكون في مواقع اتخاذ القرار، ويقتصر دورها على تنفيذ أوامر الرجال، في حين يتقلص وجودها في التجمعات المدنية بحكم القيود التي تقيد نشاطها الاجتماعي.

وغالباً ما يؤدي توزيع الأدوار الاجتماعية إلى اختلال التوازن في توزيع القوة على حساب المرأة، وتكون النتيجة احتلال الرجل مكانة فوقية في المجتمع مقابل مكانة دونية تحتلها المرأة. ولايمكن تحويل هذه العلاقة إلى علاقة متوازنة إلا باستبدال مفهوم (القوة Power) بمفهوم (التمكين Empowerment)، أي استبدال مفهوم استخدام القوة من أجل السيطرة باستخدام القوة لإنجاز شيء ما، إذ يهدف التمكين لإيجاد الظروف التي تساعد الرجل والمرأة على السواء أن يوجها احتياجاتهما اليومية والمستقبلية.

ولا تهدف المساواة القائمة على أساس الجندر اليوم في الدراسات الانسانية الحديثة إلى تدريب المرأة على القسوة والخشونة والقوة الجسدية كي تصبح مساوية للرجل، بل تهدف إلى خلق حضارة إنسانية راقية تعتمد مبادئ التعاطف الإنساني والعدالة واللاعنف، وينبع مفهوم قوة الفرد فيها من قدراته الذاتية التي يوظفها خدمة للمجتمع الذي يعيش فيه، في سبيل رقائه ونمائه.

عوامل تكريس التمييز على أساس الجندر في مجتمعاتنا العربية؟

تحولت المرأة خلال عصور التخلف والانحطاط التي خنقت شعوبنا العربية قرونًا طويلة، إلى كمّ اجتماعي مهمل فاقد لأيّ فعالية اجتماعية، وقد تنبه النهضويون العرب في  بدايات عصر النهضة العربية، منتصف القرن التاسع عشر، إلى ضرورة تحرير المرأة، وإطلاق طاقاتها المبدعة، وأدركوا أنه من دون ذلك لا يمكن لمجتمعاتنا النهوض والسير في ركب الحضارة والتنمية.

ومنذ ذلك الحين برزت الدعوات المتكررة لتحرير النساء وتأمين حقوقهن، واتخذت هذه الدعوات أشكالًا مختلفة، تطرف البعض منها ودعا إلى تقويض جميع الأسس الاجتماعية معتبرًا الرجل العدو الأساسي للمرأة، ونادى بأفضلية المرأة على الرجل، في حين بقي بعضها الآخر متوازنًا، لا يعتبر الرجل عدو المرأة، بل الفكر الذكوري الذي تتبناه النساء كالرجال تماما في المجتمعات التي تسود فيها الثقافة الذكورية البطريركية كمجتمعاتنا العربية.

يتجذر التمييز ضد المرأة على أساس النوع الاجتماعي عميقا في الثقافة السائدة، ويتضح ذلك في عدة نقاط:

  1. يظهر التمييز منذ لحظة ولادة الأنثى، ولعل خير ما يعبر عن ذلك الآية الكريمة "وإذا بشر أحدهم بالأنثى ظل وجهه مسوّداً وهو كظيم، يتوارى من القوم من سوء ما بشر به، أيمسكه على هون أم يدسه في التراب ألا ساء ما يحكمون"  النحل 59.
  2. لازال مفهوم القوامة هو الذي يحكم الأسرة، والذي يقوم على مبدأ أن السلطة والمسؤولية تقع على عاتق الرجل، الذي ينفق، وعلى المرأة الطاعة، رغم أن الظروف تغيرت واصبحت المرأة في كثير من الحالات مسؤولة وتنفق وتعيل.
  3.  يحصل الأولاد على فرصة أكبر للتعلم، وحتى لو أرسل الذكر والانثى إلى المدرسة، فهي تعود بعد المدرسة للمشاركة في العمل المنزلي دون أن يكون ذلك مطلوبًا من أخيها. وتصل نسبة الأمية بين النساء في بعض الدول العربية إلى 60%، وخاصة في الأرياف. وتبلغ النسبة بين النساء في سورية 25.8%، وترتفع في الريف إلى 34.8% (التقرير الوطني الأول2005).
  4. كما أن الحرية النسبية التي يتمتع بها الأولاد في الخروج من المنزل والاحتكاك بالآخرين تكسبهم مهارات التعامل والتواصل وخبرات حياتية أكثر من الأنثى، وقد أثبتت التجربة أنه عند  حصول الأنثى على التعليم وفرصة التواصل الاجتماعي خارج المنزل (نوادٍ، دورات تعليمية..الخ)، تستطيع أن تثبت ذاتها وقدرتها على النجاح والابداع بل التميز في كافة المجالات، ما يثبت تأثير العامل الاجتماعي.
  5. لازالت المرأة في مجال العمل تُحكم أيضا بتمييز جندري، كما ذكرنا سابقًا.
  6. لازالت فرص مشاركة المرأة في مناحي الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية محدودة، وكذلك تواجدها في مراكز صنع القرار، ويسهم القانون في ذلك.

 

يظهر تاريخنا العربي اختلاف الأدوار التي قامت بها النساء في بعض الأماكن أو الفترات التاريخية، إذ نقرأ عن بطولات نساء مسلمات شاركن في القتال جنبا إلى جنب مع الرجال، فأم عمارة "عندما انهزم المسلمون في أحد حملت سيفها وهي حاجزة ثوبها إلى وسطها، وجعلت تذب عن رسول الله بالسيف وترمي بالقوس حتى جُرحت ثلاثة عشر جرحا، وقتلت وجرحت العديد من المشركين، حتى قال عنها رسول الله (ص): ما التفت يميناً ولا شمالاً إلا وأنا أراها تقاتل دوني". (طبقات ابن سعد والسيرة النبوية لابن هشام).

ويحفل التاريخ العربي بأسماء حاكمات وشاعرات وطبيبات، واحتلت المرأة في الاندلس مكانة اجتماعية مرموقة وشاركت في الكثير من مجالات الحياة العامة. وقد ترجم الحافظ ابن حجر في كتابه "الإصابة في تمييز الصحابة" لألف وخمسمائة وثلاث وأربعين امرأة، منهن الفقيهات والمحدثات والأديبات. وذكر كل من الإمام النووي في كتابه "تهذيب الأسماء واللغات"، والخطيب البغدادي في كتابه "تاريخ بغداد"، والسخاوي في كتابه "الضوء اللامع لأهل القرن التاسع"، وعمر رضا كحالة في "معجم أعلام النساء"، وغيرهم ممن صنف كتب الطبقات والتراجم، تراجم مستفيضة لنساء عالمات في الحديث والفقه والتفسير وأديبات وشاعرات .

ولا بد من الإشارة هنا أن من يعتبر مفهوم أو اتفاقيات حقوق الإنسان مفاهيم غربية طارئة يجانب الحقيقة فثقافتنا العربية الاسلامية تبنت هذه المفاهيم بشكل واضح صريح، "ياأيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم" الحجرات 13. "والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة ويطيعون الله ورسوله ، أولئك سيرحمهم الله إن الله عزيز حكيم" التوبة 71 ، وقد ترجمت العبارة الشهيرة  لعمر بن الخطاب "متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارا" بالجملة التي استُهلت بها اتفاقية حقوق الانسان "يولد الإنسان حرا".

ما الذي يدعونا اليوم لطرح مفهوم الجندر؟

عندما يطرح إنسان أو مجموعة ما مفهومًا بقصد تبنيه، فلابد أن يوضح المبرر الذي دعاه لذلك، وهل الهدف منه هو الصالح العام أم لا؟ وهذا ما يدعونا هنا إلى ضرورة شرح الأسباب والأهداف التي تدعونا لتبني مفهوم الجندر أو النوع الاجتماعي، هل الغرض من ذلك التخلي عن عاداتنا وتقاليدنا وثقافتنا، والدعوة إلى الإباحية، وتقويض الأسرة والمجتمع، كما يحاول البعض الترويج، ورفع سلاح التكفير والتهديد والوعيد، بل استعداء الأنظمة الحاكمة ضد كل من تسول نفسه إدخال هذا المفهوم أو أي مفهوم اجتماعي جديد أو المطالبة بأي تغيير ما على الصعيد الاجتماعي أو القانوني؟

إن حالة العجز والاحباط التي تعاني منها شعوبنا، نتيجة عقود من الاستعمار والتخلف والاستبداد، خلفت شروخًا عميقة في فكرنا العربي المعاصر، قادت إما إلى التمترس وراء فكر سلفي غير قابل لأي حوار أو نقاش، أو فكر منفلت تبنى بعض المظاهر السلبية للحضارة الغربية بما أساء للمرأة بشكل خاص، وللمجتمع  بشكل عام، بحيث باتت الاستفادة من المفاهيم الايجابية التي طرحتها الحضارة الإنسانية وتمثلها تجابه بعقبات وعراقيل جمة.

و ينطبق ذلك مثلا على ما يقوم به بعض الأهل من حرمان أولادهم من التلفزيون أو الكومبيوتر أو الانترنيت بحجة الحفاظ على  الأخلاق، دون النظر إلى الأمر من زاوية أن هذه التقنيات يمكن أن تكون نافذة تفتح عقل الطفل على آفاق علمية وتثقيفية وتنويرية وحضارية لاحدود لها، إذا ما أحسن توجيه وتربية الطفل بكيفية استخدام هذه التقانات بوجهها الإيجابي، فهل يمكن لأحد أن يتخيل مجتمعًا أو دولة معاصرة، يمكن لها أن تلحق بركب الحضارة، دون استخدام هذه الأجهزة؟

إن الطريق الوحيد لتحرير شعوبنا وخلاصها من أسار التبعية والتخلف هو في تحرير طاقات المجتمع كلها، وحصول كل فرد على حقوقه وحريته، واستعادة كل فرد كرامته وحقه في حياة حرة كريمة، ولن يتم ذلك إلا عن طريق تأمين حقوق الأفراد جميعًا قانونيًا واجتماعيًا واقتصاديًا، وتحفيز الطاقات الخلاقة المبدعة لدى جميع أفراد المجتمع نساءً كانوا أم رجالًا.

وهذا يقود إلى ضرورة تمتع النساء بحقوقهن الإنسانية الكاملة، باعتبارهن أفرادًا من المجتمع، كاملي الأهلية، ومساويين للرجل في الحقوق والواجبات على جميع الأصعدة القانونية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، وهذا ما يحرمهن منه التمييز على أساس النوع الاجتماعي، الذي يمنعهن من التعليم، والحصول على دخل يوازي جهد العمل الذي يقمن به، ويحرمهن من التواجد في مراكز صنع القرار، وقيامهن بالمسؤوليات الاجتماعية التي تعزز قوة المجتمع وقدراته.

فمفهوم التنمية في الدول النامية يتضمن بالإضافة إلى تحسين الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية للمواطن، وزيادة الانتاجية، تلبية حاجات أفراد المجتمع الذين يعانون الفقر والعوز، وتحقيق العدالة والمساواة بين أفراد المجتمع كافة.

ادخال مفهوم الجندر في عملية التنمية:

لا يجوز قصر مفهوم إشراك النساء في عملية التنمية على جعلهن أكثر انتاجية، واستخدام كفاءتهن في العمل وطاقاتهن القصوى، بل في تمكينهن من امتلاك القدرة على احتلال مواقع مساوية للمواقع التي يحتلها الرجال، والمشاركة بصورة عادلة في العملية التنموية ليتحقق لهن التحكم بعوامل الانتاج على أسس متساوية مع الرجال، فالهدف الأسمى هنا هو تحقيق العدالة الاجتماعية.

ولادماج مفهوم الجندر ضمن العملية التنموية في أي دولة نامية، لابد من مراعاة النقاط التالية:

  • لا يمكن استغلال طاقات أفراد المجتمع ضمن عملية التنمية دون تأمين احتياجاتهم في كافة مناحي الحياة.
  • لتأمين احتياجات النساء على صعيد الواقع العملي لا بد من الالتفات إلى النقاط التالية:
    • استشارة النساء والاستماع إلى مطالبهن، لفهم أدوراهن واحتياجاتهن؛
    • تصميم المشاريع المستقبلية التي تأخذ بعين الاعتبار جعل أوضاع النساء أكثر سهولة ويسرًا؛
    • إلغاء القوانين التي تحمل تمييزًا ضد المرأة؛
    • محاربة العادات والتقاليد المجحفة بحق المرأة ونشر ثقافة بديلة معاصرة تعتمد على روح العدالة الموجودة في ثقافتنا الأصيلة؛
    • تمكين المرأة من الوصول إلى مواقع صنع القرار في المجالين السياسي والاقتصادي؛
    • تمكين النساء من أخذ مواقعهن في مؤسسات المجتمع المدني التي تعنى بالقضاء على التمييز الاجتماعي ضد المرأة والعدالة الاجتماعية وتمكين المرأة؛
    • أخذ الأوضاع الصحية للنساء بعين الاعتبار(تنظيم الأسرة، الصحة الانجابية...)؛
    • تأمين الأجهزة التي تساعد في التخفيف من عبء العمل المنزلي؛ ونشر ثقافة المشاركة في العمل المنزلي من قبل الزوج والأبناء.
  • عدم استخدام الأفكار المستوردة أو النصائح الجاهزة التي باتت تتكرم علينا بها عشرات الحكومات وآلاف المنظمات، التي تريد أن ترسم لنا نهج حياتنا وأسلوب تغيير مجتمعاتنا، بما ترتئيه، من خلال نظرة استشراقية استيهامية، لا تتلمس الواقع والتغيير الذي تتطلبه مجتمعاتنا، فلا أحد أقدر منا على تلمس واقعنا واحتياجاتنا، ووضع الحلول لمشكلاتنا.

 

معايير تنمية النساء :

  1. تحسين المستوى الاجتماعي الاقتصادي: تتضمن تنمية النساء بدءًا تزويدهن من قبل الدولة والمجتمع بالحاجات الأساسية التي تتضمن الغذاء الكافي والدخل والرعاية الصحية، سواء ساهمن هن أنفسهن في ذلك، أم تم تأمين احتياجاتهن عن طريق الدولة والمجتمع؛
  2. تكافؤ الفرص: بتمكين النساء من الوصول إلى عوامل الانتاج بشكل مساو للرجال (أرض، عمل، قروض، تدريب، تسويق، سهولة الوصول إلى الخدمات والفوائد المتاحة في المجال العام)، ومن الصعب تحقيق مبدأ تكافؤ الفرص دون التغلب على المصاعب والممارسات الإدارية والقانونية التي تحمل تمييزًا ضد المرأة، والتي تحول دون تطبيق ذلك المبدأ؛
  3. الوعي: ويتضمن ذلك وعي النساء والرجال بأهلية النساء للعمل، وأن يكون تقسيم العمل عادلًا ومقبولًا من الجانبين، ولا يتضمن هيمنة سياسية أو اقتصادية لجنس على آخر؛
  4. المشاركة في صنع القرار: أي المشاركة في رسم السياسات على صعيدي التخطيط والإدارة، بنفس النسبة التي تمثلها النساء في المجتمع؛
  5. التحكم في صنع القرار: لتحقيق المساواة في التحكم بعوامل الانتاج وتوزيع الفوائد، دون هيمنة جنس على آخر.

إن نجاح أي مشروع تنموي في دولة نامية مرتبط بتقديره لاحتياجات النساء، وقضاياهن، فوقوف أهداف أي مشروع تنموي موقفًا سلبيًا أو حتى محايدًا من الاحتياجات الخاصة بالنساء في الفئة المستهدفة سيحكم عليه بالفشل الأكيد، فمن معايير نجاح أي مشروع تنموي موقفه الايجابي من احتياجات النساء، ما يستدعي وجود ناشطات نسويات واعيات بمفاهيم الجندر في فريق التخطيط  والتحضير والتنفيذ لأي مشروع.

وهنا لابد من منح الاعتبار المناسب لمفهومي التمكين والمشاركة، فالمشاركة الحقيقية للنساء في التنمية تعني أن يكن قادرات على التعريف بآرائهن واتخاذ القرارات التي تؤثر على حيواتهن، وتحديد اهتمامات واحتياجات النساء في السياسات التنموية وضمن أهداف وغايات أي مشروع تنموي، ومشاركتهن في تقويم نتائجه.

أما التمكين فيعني تقوية القدرات الذاتية لكل فرد في المجتمع، كي يكون قادرا على تقرير مصيره، والتأثير في ظروفه، وفي الآخرين من حوله بشكل إيجابي، وبما يخدم الصالح العام، وهكذا فإن تمكين النساء سوف يقود إلى تحكمهن بمصائرهن وتأثيرهن الايجابي في من حولهن بما يحقق دفع عجلة التطور والتنمية في مجتمعاتنا نحو الأمام، خدمة للإنسان الذي هو الغاية الأساسية دومًا.

 

 

 

©2023 جميع الحقوق محفوظة لـ بوليفارد