انعقد مؤتمر المجتمع المدني السوري لحقوق المرأة، مناهضة العنف ضد النساء والفتيات باعتباره عائقًا أساسيًّا أمام مشاركة المرأة في صنع القرار وبناء السلام على مدى يومين في 9 و10 كانون الأول/ ديسمبر 2021، في فندق راديسون جراند بلاس في بروكسل، عبر تطبيق زوم وحضوريًّا، حيث جمع أكثر من 100 ممثلة لمنظمات حقوق المرأة السورية، ومنظّمات المجتمع المدني والمبادرات المحليّة، وممثلي المنظمات الدوليّة وممثلي الاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة.
وأتى هذا المؤتمر في إطار برنامج “تعزيز مشاركة المرأة في عمليات صنع القرار وبناء السلام في سوريا” الممول من الاتحاد الأوروبي، بهدف تقديم ومناقشة الأجندة المشتركة لمناهضة العنف ضد النساء والفتيات(VAWG) ، التي تمّ تطويرها خلال عملية تشاور استمرت لمدّة عام مع أكثر من 250 ناشطًا وخبيرًا قانونيًّا سوريًا من أكثر من 100 منظّمة ومبادرة. وشكّل منصّة لنشطاء حقوق المرأة السورية لتعزيز حوار مستدام بين المجتمع المدني السوري والأطراف المعنيّة. كما أتاح فرصة فريدة لخلق المزيد من التآزر بين منظّمات حقوق المرأة والمنظّمات والمبادرات الحقوقيّة وتقديم توصيات إلى الاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة وعلى نطاق أوسع للمجتمع الدولي.
الافتتاح
رونر
استهل المؤتمر بكلمة لسفيرة الشؤون الجندرية والتنوع، الدائرة الأوروبية للشؤون الخارجيةEEAS) ) ستيللا رونر، أكدت فيها على “دعم الاتحاد الأوروبي المستمر لقضية تمكين النساء والفتيات في سوريا حاضرًا ومستقبلاً. إذ يشكل هذا المؤتمر فرصة سانحة لتبادل الآراء، بغية تعزيز فهمنا المشترك لأهم التحديات التي تواجه النساء القياديات في سوريا ولفهم طبيعة الجهود التي ينبغي أن نبذلها سويًا من أجل حماية النساء وتمكينهنّ وإيصال أصواتهنّ. هذا وقد ارتُكبت، خلال السنوات العشر الماضية، انتهاكات جسيمة في سوريا، التي لطالما ندّد بها الاتحاد الأوروبي ودعا إلى ملاحقة مرتكبيها ومحاسبتهم. ونطالب بتحقيق العدالة ومناهضة الإفلات من العقاب، لا سيما وأنّ هذه الانتهاكات المنهجية قد شارك فيها مختلف أطراف النزاع. ويلتزم الاتحاد الأوروبي بدعم مشاركة النساء في عملية السلام وتحديد مستقبل سوريا في ظل مساندته للمجلس الاستشاري للنساء وإطلاق مبادرة “منصة نساء غازي عنتاب” في العام 2018 التي قدمت الدعم والتدريب لأربعين امرأة من القياديات في سوريا…”
ثم أضافت: “ونحن نعي الحاجة الملحة للقيام بمزيد من الدعم والدفع من أجل تحقيق التمثيل الفعلي للنساء داخل المباحثات السورية لتسوية النزاعات ومناهضة العنف الجندري. كما نحن بحاجة إلى بذل جهود أكبر لحماية النساء والفتيات والمراهقات اللواتي يتعرضنّ لخطر الزواج المبكر والحمل المبكر ومختلف أشكال العنف الجندري في ظل الحاجة الملحة لمناهضة العنف ضد النساء والفتيات الذي يشكّل عائقًا أمام مشاركة النساء وصنع القرار وبناء السلام”.
وختامًا، تطرقت إلى “برنامج Gap III الذي يشمل خطة عمل الاتحاد الأوروبي الخاصة بالمرأة والسلام والأمن وآليات تحقيق العدالة والمساواة بين الجنسين وتمكين المرأة. كما يركز هذا البرنامج على أهمية القيادة النسوية في شتى المجالات المتعلقة بالنهوض بالسلام والأمن وعلى وجوب تحويل الرجال إلى عناصر بنّاءة للتغيير المنشود لمكافحة الصورة النمطية المتعلقة بالنوع الاجتماعي وآليات التهميش الاجتماعي”.
فان هوت
أما الممثلة الإقليمية لأوروبا، الأمم المتحدة لحقوق الإنسان، مكتب (مفوضية حقوق الإنسان) بيرجيت فان هوت فاعتبرت أنّ “هذا المؤتمر يشكّل مساحة للبحث في مسؤوليتنا المشتركة لمعالجة العنف الجندري الذي يمنع النساء السوريات من الانخراط في الشأن العام مع استمرارهنّ بالتعرض للعنف الجسدي والنفسي وعدم الاستقرار والزواج المبكر وعدم الانتفاع من الخدمات الصحية المناسبة. وقد لاحظنا تزايدًا في حالات العنف الجندري وحرمان المرأة من حقها في التربية والتعليم خلال الأزمة الإنسانية والاقتصادية والصحية مع تفشي وباء كورونا. تتعرض المرأة، إذاً، لتجاوزات وانتهاكات واستغلال وضغوط، لا سيما لناحية حرمانها من حقها في الميراث. ويتفشّى العنف في مختلف المجالات الأمر الذي يحول دون مشاركة المرأة في الحياة العامة والسياسية ويترافق ذلك مع محاولة لإسكات أصوات الناشطات والمدافعات عن حقوق المرأة والمنتسبات إلى المنظمات المعنية بشؤون المرأة وحقوقها. ومما لا شك فيه أن افتقار النساء للموارد المادية والمالية يعرقل ممارسة دورها الفاعل والوازن محليًا ودوليًا. إلاّ أنّ مشاركة المرأة في هكذا نشاطات يعتبر حقًا بديهيًا لها ويساهم في تحقيق النتائج المرجوة الأمر الذي يشكل الجحر الأساس لعملية الانتقال السياسي وبناء السلام. ولا بد من تمكين المرأة للإبلاغ عمّا تعانيه داخل منزلها وخارجه إضافةً إلى تمكينها مع المنظمات النسوية للمساهمة في بناء النزاعات ونزع السلاح”.
وختمت بالقول: “تكمن أهمية هذا المؤتمر في مساهمته في تمكين المرأة للانخراط في الدفاع عن حقوقها في سوريا، مما يساهم في تحقيق المزيد من التمثيل النسائي في الشأن العام وعلى الساحة السياسية وتخفيف الأزمة الإنسانية في سوريا. وسنمضي قدمًا يدًا بيد لبناء السلام والأمن”.
فرنش
ثم ألقت الرئيسة المشاركة للمبادرة النسويةّ الأورومتوسطيّة ليليان هالز فرنش كلمة شددت فيها على ضرورة انخراط المنظمات النسوية في الحياة العامة والمشاركة في عملية صنع القرار. من هنا، يشكّل المؤتمر خطوة جديدة إلى الأمام وتأكيدًا على النهج الذي اعتمدناه بالتعاون مع شريكاتنا السوريات. فنحن لا زلنا ندعم كفاح منظمات النساء السوريات في عملية الامتثال السياسي وبناء السلام، كما ننخرط في هذا الالتزام المشترك لتسهيل ولوج المرأة إلى عملية صنع القرار ومكافحة العنف. هذا وقد شهد العنف ضد المرأة السورية تفاقمًا كبيرًا، وكانت أكبر ضحاياه النازحات والمختطفات اللواتي تواجدن تحت الحصار، لا سيما في المناطق التي يسيطر عليها تنظيم داعش. علمًا أنه من دون تحقيق العدالة يصعب إيجاد أي حل سياسي أو سلمي، إذ يجب التعاون مع الجميع نساءً ورجالاً لتسوية النزاع في سوريا والمساهمة في تسليط الضوء على الممارسات العنيفة وفرض المساءلة على مرتكبي الجرائم. هذا هو السبيل الوحيد الذي سيؤدي إلى إيجاد حل دائم للعملية السياسية وبناء السلام”.
وأردفت قائلةً: “إنّ هذه المأساة في سوريا دفعت بالمرأة السورية أن تشارك في الحركات النسوية. ويقع على عاتقنا أن نوصل أصواتهنّ ونرفع مطالبهنّ إلى المحافل الدولية، وهذا ما نسعى إليه اليوم عبر توسيع نطاق الحوار وتحقيق تآزر بين المنظمات والمبادرات لمناهضة العنف ضد المرأة”.
زكزك
في ختام الافتتاح، تحدثت الخبيرة في شؤون النوع الاجتماعي، ومنسّقة تجمّع سوريات من أجل الديمقراطية، وعضو المجلس الاستشاري للمرأة السورية التابع لمكتب مبعوث الأمم المتحدة الخاص لسوريا سوسن زكزك عن خفايا الأجندة المشتركة لمناهضة العنف ضد النساء والفتيات في سوريا، وقالت: “وفي تراثنا الشعبي نقول: “ما خفي كان الأعظم”! مي، ابنة الأربعة عشرة عاما، التي أُخرجت من المدرسة لتتزوج ابن خالتها، كان يضربها باستمرار وكانت تخشى ان تتحدث عن ضربه لها خوفا من أن يعود ليضربها بقسوة أكثر. إلى أن جاء يوم ضربها وقذفها إلى الحائط لتصطدم بقوة بذلك الحائط وتسقط وهي تنزف من رأسها ومن رحمها، كانت حاملا دون أن تعرف. وفي المستشفى سجل الأطباء أنها نزفت بسبب وقوعها على الدرج. ونهى، ابنة السابعة عشرة عاما، خرجت من منزلها ولم تذهب إلى مدرستها فورا، فكان جزاؤها القتل برصاصات أبيها. أما الاغتصاب الزوجي، فأزعم أنه لا توجد زوجة سورية لم تُغتصب من زوجها، لأن كل قوانين الأحوال الشخصية في سوريا تجعل الجنس حقا للزوج وواجبا على المرأة”.
وأكدت: “إن ما بين أيديكن وأيديكم ليس مجرد وثيقة، على الرغم من أهميتها الكبيرة كوثيقة شارك في إنتاجها المئات، من الأمكنة المتفرقة التي يعيش فيها السوريات والسويون، إنها أحلامنا في أن نعيش مواطنات في دولة ديمقراطية تضمن حقوق المواطنة لكل من يعيش فيها، رجلا كان أم امرأة. إنها أحلامنا في أن نتحرر من الخوف ومن الفقر ومن الاستبداد بأشكاله وأنواعه كافة، الأبوي والسياسي والديني، وان نكون حرات في تقرير كل ما يتعلق بمصائرنا. إنها أحلامنا في ان نكون شريكات متساويات، بكل ما تعني كلمة شراكة من معنى، وكل ما تحمله، أيضا، كلمة مساواة من معنى، في بناء سوريتنا القادمة”.
المداخلات والمناقشات وعرض التوصيات
وبعد الافتتاح، تركزت مداخلات اليوم الأول من المؤتمر حول المواضيع التالية: الأجندة المشتركة لمناهضة العنف ضد النساء والفتيات: العملية التشاورية والمحاور الأساسية في الأجندة المشتركة: أجندة المرأة والسلام والأمن ومشاركة المرأة، التشريعات، الوصول إلى الموارد الاقتصادية، العدالة والتعافي والتصدّي لقوالب النوع الاجتماعي النمطية وتغيير الرأي العام.
وفي اليوم الثاني من المؤتمر انعقدت جلسة حول الآليات لتعزيز الأجندة المشتركة وتنفيذها: العمل في مجموعات. ثم كانت جلسة عامة تضمنت تقارير مجموعات العمل ومناقشة مفتوحة، تلتها جلسة صياغة توصيات لبروكسل 6، من أجل تنفيذ الأجندة المشتركة: العمل في مجموعات.
وانعقدت بعدها جلسة عامة تناولت عروض مجموعات العمل ومناقشتها.
وفي ختام اليوم الثاني، عرضت التوصيات على المفوضية الأوروبية وتمّ التصديق عليها، وتحدث كل من المديرة بالنيابة عن مدير الجوار الجنوبي وتركيا، المديرية العامة لمفاوضات الجوار والتوسّع (DG NEAR) هنريكي ترواتمان التي أكّدت “أنه يجب العمل ميدانيًا من أجل النساء في سوريا”، ونائب مدير الدائرة الأوروبية للشؤون الخارجية في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا (EEAS) كارل هاليغارد الذي شدّد على “أن النساء والفتيات اللواتي هن الضحايا الأساسيات في النزاع، يشكّلن أيضًا الناشطات الرئيسيات للدفع نحو التغيير المنشود”.
واختتم المؤتمر بتلاوة الملاحظات الختامية.