648
قوانين الأحوال الشخصية دعد موسى
حول الكاتبة:
دعد موسى محامية متخصصة بالدفاع عن النساء وحقوق الانسان ،تحمل شهادات في العلوم الجنائية، القانون الدولي وحل النزاعات.
بدأت بممارسة المهنة عام 1988. موسى تعيش في دمشق، حيث تركز على قضايا حقوق المرأة وخاصة المعتقلات منهن والمعنفات .
حصلت على جائزة ماريا أوتو من نقابة المحامين الألمان عاملجهودها في قضايا المساواة بين الجنسين في سوريا .
الناشر: مؤسسة فريدريش إيبرت - كانون الأولصندوق بريد: 107٦11 رياض الصلحبيروت 11072210، لبنان
جميع الحقوق محفوظة، لايمكن إعادة طبع، نسخ أو استعمال أي جزء من هذه المطبوعة دون إذن مكتوب من الناشر.
الآراء الواردة في هذه الدراسة لا تمثل بالضرورة وجهات نظر مؤسسة فريدريش إيبرت.
لوحة الغلاف: ديمة نشاوي تصميم وإخراج: هشام أسعد ترجمة: ليفيا برغماير
قوانين الأحوال الشخصية في سوريا
دعد موسى
المقدمة
تعتبر قوانين الأحوال الشخصية أكثر القوانين مساساً بحياة الإنسان السوري، فهي تتحك م في حياته الخاصة، وعلاقاته الأسرية اعتباراً من نشأته إل ى ما بع د مماته ،وتستقي أحكامها من الشرائع الدينية لأتباع الديانات والمذاهب في سوريا. وتتسم تلك القوان ين بتكريس ها للطائفي ة وزعزع ة الاس تقرار القانون ي، وانتهاكه ا لحق وق الإنس ان وخاص ة الحري ة الديني ة والمس اواة ب ين المواطن ين في الحق وق والواجب ات وأم ام القان ون والقضاء.
أما من ناحية التمييز بين الجنسين، فقد رسّخت قوانين الأحوال الشخصية السورية الدور التقليدي للمرأة وعززّت الصورة النمطية لها وقصرت دورها في المنزل، وأباحت لول ي أمره ا تزويجه ا قس رياً كم ا أباح ت لزوجه ا «تأديبه ا»، واتنقص ت تل ك القوان ين م ن حقوقه ا وكرامته ا واعتبرته ا ناقص ة الأهلي ة، فه ي تنطل ق في أحكامه ا م ن مب دأ «إن الرج ل هو رأس الأسرة» مما أدى إل ى تكري س ـــ ـ قيم النظام الأبوي وأحكامه ـــ ـ وجعلتها تتحكم في حياة النساء السوريات وحقوقهن بوصفها قيماً دينية اجتماعية مقدسة .
وكان لتلك القوانين تأثير عميق على حياة النساء وشعورهن بعدم الأمان والاستقرار ،وعدم القدرة على تطوير الذات ورفع الكفاءة والمهنية، وشكّلت عائقاً أمام مشاركتهن في عملية اتخاذ القرار عل ى كافة الصعد العامة والخاصة مما حال دون خلق بيئة ملائمة للمشاركة السياسية والاقتصادية والاجتماعية لتنمية المجتمع.
ولعل المشكلة تبدو جلية من التدقيق في عنوان هذه المقالة، فمن المفترض أن المواطنين في س وريا يخضع ون لقان ون أح وال شخصية واح د يضمن المس اواة فيما بينهم، لكن تلــك القوانــين المتباينــة للأحــوال الشــخصية تكــرس التمييــز بــين المواطنــين ليــس مــن ناحية الجن س )نس اء ورج ال( وحس ب، وإنما بين المواطنين كأديان وطوائف ومذاهب ،وهذا يؤدي إل ى تخريب النس يج الاجتماع ي ووضع ح دٍّ للتطور الإيجاب ي ببناء أسرة وطنية تقوم عل ى الاختيار الحر بعيداً عن العصبويات الدينية والطائفية والمذهبية.
الإطار القانوني لقوانين الأحوال الشخصية:
تاريخياً، تستند قوانين الأحوال الشخصية إلى القرار رقم 0٦ ل.ر. الصادر عن المفوض السامي عام 193٦ خلال فترة الانتداب الفرنسي، والمعروفُ «بنظامِ الطوائفِ الدينيةِ» حيث يخضع السوريون في أحوالهم الشخصية لنظام طوائفهم الشرعي، وفيما بعد صدرت مجموعة من القوانين التي مصدرها ديني وطائفي لتحكم الأحوال الشخصية في س وريا، وه ي ثماني ة قوان ين تحك م قضاي ا الأس رة وتعُتب ر جميعه ا قوان ين تمييزي ة تعتبر المرأة ناقصة أهلية وتخُضعها لولاية الرجال في العائلة.
قانون الأحوال الشخصية العام رقم 59 لعام 1953 للمسلمين الذي مصدره الشريعة الاسلامية: وسمّي القانون العام لأنه يطُبّق على المسلمين في قضايا الخطبة والزواج والنفقــة والطــلاق والحضانــة، أمــا الإرث فيُطبّــق علــى باقــي الســوريين غيــر المســلمين باختلاف دياناتهم ومذاهبهم في ماع دا ذلك.
فقانــون الأحــوال الشــخصية للمســلمين يســتند إلــى المجلــة العدليــة العثمانيــة التــي اعتم دت المذه ب الحنف ي حص راً واس تبعدت نص وص واجته ادات المذاه ب الإس لامية الأخرى. وتم استثناء الموحدين الدروز الذين يخضعون لقانون أحوال شخصية خاص بهم وكذلك الطوائف المسيحية حيث لكل طائفة قانونها الخاص بما يتعلق بالأحوال الش خصية.
وفقاً لقانون الس لطة القضائية في س وريا تنظر المحاكم الشرعية في قضايا الأح وال الشخصية للمسلمين والمحكمة المذهبية في قضايا الأحوال الشخصية للدروز، وتنظر المحاكم الروحية للطوائف المسيحية مع الإشارة الى أن جميع القضاة في تلك المحاكم رجال وبالنسبة للمحاكم الروحية المسيحية هم كهنة وليسوا قضاة.
تعانــي النســاء الســوريات مــن اللجــوء الــى محاكــم الأحــوال الشــخصية بكافــة أنواعهــا بسبب تعقيد وطول الإجراءات ونفقات التقاضي، وعدم القدرة على الإثبات في العديد من الحالات مما يجعلهن في كتير من الأحيان تتنازلن عن حقوقهن وخاصة في حال وج ود أطفال، كما وتتداخل قضايا الأح وال الشخصية مع العديد من القوانين الت ي تحتوي على مواد تمييزية مثل قانون الجنسية السوري الذي لا يسمح للأم السوريةمنح جنسيتها لأطفالها في حال الزواج من غير سوري.
بالإضافة إلى قانون العقوبات الذي يبيح الاغتصاب في إطار الزوجية، ويشجع عل ى ارتــكاب العنــف ضــد النســاء فيخفــف العقوبــة عــن مرتكــب جريمــة القتــل دفاعــاً عــن الشرف، ويعاقِب على استخدام وسائل منع الحمل، ويمنع الإجهاض، ولايعاقب على جرائ م التح رش الجنس ي، ويوق ف الملاحق ة الجزائي ة ع ن مرتكب ي جرائ م الاغتص اب والخطف والعنف الجنسي في حال زواجهم من الضحايا، ويعاقب النساء في الدعارة ولايعاقب الزبون، ولايعاقب على العنف المعنوي أو الجسدي الذي يرُتكَب ضد النساء داخل الأسرة، وكذلك قانون الأحوال المدنية الذي لايسمح بتسجيل الأطفال دون وجود زواج مسجل لدى الس جلات المدنية، وهذا من اكثر المسائل الشائكة والمنتشرة حاليا بكثرة في سوريا فتوجد نسبة كبيرة من الأطفال غير المسجلين، وهي بازدياد مستمر وخاصة خلال السنوات الأخيرة.
وضع النساء في قوانين الأحوال الشخصية السورية:
لقــد كرســت قوانــين الأحــوال الشــخصية ذات المرجعيــات الدينيــة، لجميــع الديانــات والطوائ ف، التميي ز والعن ف ض د النس اء بإخضاعه ن لقوام ة وولاي ة الرج ال، فحُرم ت النســاء الســوريات بمجمــل تلــك التشــريعات مــن جميــع حقوقهــن .
الزواج:
الزواج في س وريا هو زواج دين ي ولي س مدن ي، ولايج وز إجراء بع ض أنواع عقود الزواج مثــل زواج المســلم بغيــر المســلمة مــا لــم تكــن كتابيــة، وزواج المســلمة بغيــر المســلم الــذي يعتبر باطلاً ، ويعتبر الأطفال نتاج ذلك الزواج غير شرعيين. أمّا غير الكتابية كالمرأة الدرزيــة، فيُطلــب منهــا وثيقــة إشــهار الإســلام لكــي تســتطيع عقــد قرانهــا علــى رجــلمســلم. وتنصّ أيضــاً أغلــب قوانــين الأحــوال الشــخصية الخاصــة بالطوائــف المســيحية في سوريا على تحريم الزواج بين أتباع الديانات المختلفة أو حتى الطوائف المسيحيةالمختلف ة.
ولايتــم تســجيل الــزواج المدنــي المبــرم في خــارج ســوريا إذا كان طــرفي العقــد أو احدهمــا ســورياً.
سنّ الزواج:
جميع قوانين الأح وال الشخصية في س وريا تبيح زواج الأطف ال مع بع ض الاختلاف ات بين قانون وآخر، ولا يوجد نص قانوني يشترط حظر زواج الأطفال، وخاصة للفتيات ،تحت سن 18 الذي هو سن الأهلية القانونية في سوريا.
يجي ز قان ون الأح وال الش خصية الع ام تزوي ج المراه ق ال ذي يدّع ي البل وغ بع د إكم ال الخامسة عشر والمراهقة بعد إكمال الثالثة عشر سنة إذا تبين له احتمال جسميهما مع اشتراط موافقة الولي، و يتم تثبيت الزواج نتيجة وجود ولد أو حمل حتى ولو في سن أصغر من ذلك بكثير. وإن وجود مثل هذه المواد القانونية يعطي الفرصة لتزويج الفتيات الصغيرات من قبل الأولياء .
إن الزواج في مثل هذه السن له الكثير من النتائج السلبية على المرأة لناحية حرمانها من فرص التعليم والعمل والتأهيل، ناهيك عن المضار الصحية والاجتماعية، الأمر الذي ينعكس على مشاركتها في الحياة العامة. والزواج المبكر والقسري منتشر بشكل كبير ومازال معمولاً به في بعض البيئات والأرياف وازداد مؤخراً خلال النزاع، حيث يتم تزويج عددٍ كبيرٍ من الفتيات في المخيمات داخل سوريا وفي بلاد اللجوء، لعدم قدرة أسرهنّ على إعالتهن، أو لحاجة الأسرة للمهر لتحسين أوضاعها المعيشية .
الولاية:
حيث تعطى للذكور في الأسرة. فهم من لهم حق الولاية في قوانين الأحوال الشخصيةلكافة الديانات والطوائف في سوريا.
فللمس لمين الذك ور الولاي ة عل ى الم رأة في ال زواج، حي ث يؤخ ذ إذن ول ي أمره ا، وللول يح ق فس خ ال زواج الحاص ل دون إذن ه حي ث تعتب ر الم رأة ناقص ة أهلي ة وقاص ر. والمب دأ القانون ي الع ام في القوان ين المدني ة الس ورية أن الولاي ة لا تك ون إلا عل ى القاصري ن .
كم ا والولاي ة عل ى الاولاد والت ي ه ي ح ق ممن وح للآب اء وللأق ارب م ن الرج ال ممنوع ة ع ن الأمه ات أو النس اء في العائل ة.
تعدد الزوجات:
يبيح قانون الأحوال الشخصية العام للمسلمين تعدّد الزوجات:
"للقاضي أن لا يأذن للمتزوج بأن يتزوج على امرأته إلا إذا كان لديه مسوغ شرعي وكان ال زوج ق ادراً عل ى نفقتهم ا"، فالمش رع اش ترط الع دل والإنف اق ووج ود المس وغ الش رعي ،وقد تُرِك أمر المسوغ الشرعي للقاض ي، وهو كلمة فضفاضة لا معايير محددة لها ،ويمكن أن يجري الالتفاف عليها باللجوء إلى الزواج العرفي ومن ثم تثبيت الزواج عن طريق تقارير طبية تثبت الحمل.
ولمنع تعدد الزوجات لا بد من تحديد المسوغ الشرعي بدقة، إضافة إلى منع ظاهرة الزواج العرفي خارج المحكمة من خلال التشديد من العقوبة عليه )قيمتها 100 الحالية إل ى 250 ل.س )نص ف دولار(( لتصب ح غرام ة كبي رة بالإضاف ة للس جن، بالإضاف ة إل ى جع ل الزواج الثان ي س بباً لطلب التفريق من قب ل الزوجة الأول ى واعتبار الإساءة من قبل الزوج ويحكم القضاء حينها للمرأة بكافة الحقوق وخاصة مؤجل المهر.
الطلاق:
يعطــي قانــون الأحــوال الشــخصية للمســلمين حــق الطــلاق الإداري الخــاص بالرجــل بدون شروط ولا قيود، فللزوج ح ق إيقاع الطلاق بإرادة منفردة وبدون س بب مشروع ،وهــذا الطــلاق الإداري لايحتــاج إلــى دعــوى ولا رأي فيــه للزوجــة، ولا تملــك منعــه، بينمــا
المرأة ليس لها حق الطلاق، وإنما لها حق رفع دعوى تفريق أمام المحكمة الشرعية ولأس باب مح ددة وإج راءات قد تك ون طويلة ومعقدة )للشقاق والضرر، العلل، الغيبة ،ع دم الإنف اق(...
أما لدى الدروز فلا يقع الطلاق إلا بصدور قرار من القاضي.
فيما الطوائف المسيحية لديها أحكام متعددة ومعقدة في قضية الطلاق تختلف من طائف ة لأخ رى ولا يوج د لديه ا ط لاق منف رد م ن ال زوج إنم ا يت م إنه اء ال زواج بص دور قرار من المحاكم الروحية.
حضانة الأطفال:
يطبق قانون الأحوال الشخصية العام 1953على المسلمين والدروز في موضوع الحضانة )وباقــي قوانــين الطوائــف لديهــا أحكامهــا الخاصــة حيــث تحــدد ســن الحضانــة لــكل م ن الصب ي والبن ت دون البح ث بالحق وق الواج ب منحه ا ل لأم ولا مصلح ة الأطف ال( والقانون الوحيد الذي يراعي مصلحة الأطفال في قضية الحضانة هو قانون الأحوال الش خصية للطائف ة الكاثوليكي ة.
وحضانــة الأطفــال مســألة شــائكة، وتؤثــر تأثيــراً كبيــراً علــى النســاء الأمهــات في حــال الطــلاق، حيــث تقعــن تحــت الضغــط والتخويــف، ويحــد مــن حريــة حركتهــن وســفرهن وعملهــن ناهيــك عــن حرمانهــن مــن الولايــة أو الوصايــة علــى أولادهــن.
الإرث:
في قان ون الأح وال الشخصية الع ام للمس لمين يتم توزيع الحص ص الإرثية بين أف راد العائلة حيث يكون نصيب الذكور ضعف نصيب الإناث، هذا القانون كان يطبق على جميع السوريين بكافة طوائفهم حتى صدرت قوانين عند معظم الطوائف المسيحية عام 2010 ساوت في الإرث بين الذكور والإناث.
تطور القوانين والنقاشات الجارية في المجتمع السوري:
طــوال عقــود، وتحــت ســتار "علمانيــة زائفــة" واعتبــارات "أمــن قومــي مضللــة" ومراعــاة رجــال الديــن مــن كافــة الديانــات والطوائــف، لــم تقــم الحكومــة الســورية بــأي تعديــل جوهــري لمصلحــة النســاء في الأحــوال الشــخصية، وتخلــت عــن مســؤولياتها في تنظيــم شؤون الأسرة وأعطتها للمرجعيات الدينية تحت ذرائع الحفاظ على الهوية الثقافية وعــدم المســاس بالمقــدس وســيطرة العــادات والتقاليــد.
تطور القوانين:
عدل قانون الأحوال الشخصية العام مرتين في عامي 1975 و2003 تعديلات سطحية لم تلغِ التمييز ضد النساء ولم تعتبرهن مواطنات كاملات الأهلية القانونية كالرجال ،وطرأ تعديل في قوانين الأحوال الشخصية للطوائف المسيحية عام 2003 وعام 2010.
في عام 2009 قدمت الحكومة مشروعاً لقانون الأحوال الشخصية قلّل من شأن المرأة أكث ر م ن قب ل، وق د رفُ ض بش دة م ن قب ل الجمعي ات النس وية ، والمجتم ع المدن ي لم ا يحتويه من مواد تمييزية وطائفية .
وقد رأت بعض المرجعيات الدينية في مشروع القانون تدخلاً في المعتقدات والخصوصية ،وانتقُد من قبل رجال دين مسلمين متنورين لأنه متشدد، واعتبُر من قبل رجال دين مسيحيين انه ينسف العقيدة المسيحية وفيه هضم لحقوق المسيحيين، أشار رئيس المحكمة الروحية للروم الكاثوليك الأب انطون مصلح إل ى العديد من الشواهد عل ى التراجعات بين القانون القديم ومشروع التعديل الجديد" الحجة المستخدمة هي وضع الجمي ع تح ت س قف قانـون واح د، اذا كان الأم ر كذلـك فيضع وا قان ون مدن ي يحت رم الاتفاقيات الدولية"
واعتبــره شــيوخ الطائفيــة الدرزيــة تدخــلاً في خصوصيــة المعتقــدات الروحيــة، حيــث انتقد شيخ عقل الطائفة الدرزية حسين جربوع التعديل ومدح القانون الحالي قائلا "أصحــاب المذاهــب الدينيــة إســلامية أو مســيحية تمــارس خصوصيــة معتقداتهــا منــذ ألاف السنين، لا أحد يتنازل عن نظامه الروحي المقدس ولا عن خصوصية معتقداته ،وهــذا مــا جمــع النــاس وعمــل الوحــدة الوطنيــة، حيــث أتــاح الدســتور للجميــع الحريــة المطلقــة بممارســة معتقداتهــم."
وسُحب المشروع من قبل رئاسة مجلس الوزراء وأعيد إلى وزارة العدل للدراسة .
النقاشات الحالية:
لا توجد إرادة سياسية لإجراء تغيير حقيقي في قوانين الأحوال الشخصية في سوريا ،ب ل عل ى العك س، فه ي تس عى إل ى تكري س الطائفي ة والابتع اد ع ن المواطن ة والمس اواة في الحقوق، بدليل أن الدستور السوري الجديد لعام 2012 علاوة على أنه لم يتضمن أية نصوص لإلغاء التمييز ضد المرأة، ويحظر تعرضها للعنف ويضمن لها المساواة في الحق وق كمواطنة كاملة الأهلية، ج اء ليك رس الطائفية في مادة تعط ي المرجعيات الديني ة ح ق التحك م بحي اة الس وريين "الأح وال الش خصية مصون ة ومرعي ة للطوائ ف الدينيــة" فهــذا النــص يمنــح قوانــين الأحــوال الشخصية،المســتندة لمرجعيــات دينيــة ،حصان ة دس تورية.
ونــص علــى أن ديــن رئيــس الدولــة الإســلام، واعتبــر الفقــه الإســلامي مصــدراً للتشــريع الأمــر الــذي يؤكــد أنــه لا يمكــن في ظــل النظــام السياســي الحالــي إجــراء أي تعديــل جوهــري في القوانــين الطائفيــة التــي تحكــم الاســرة الســورية والــذي يؤكــد دائمــا بــكل المناسبات أن أي تغيير في قوانين الأحوال الشخصية يجب أن لا يتعارض مع النصوص الدينيــة للشــرائع الســماوية.
يس تحيل فص ل الش أن الع ام ع ن الخ اص في قضاي ا الم رأة، فهن اك ارتب اط وثي ق ب ين الاس تبداد السياس ي والدين ي، وم ن مصلح ة النظ ام بالإبق اء عل ى الأوض اع كم ا ه ي ،بهدف إرضاء الجهات الدينية والطبقات المحافظة بالمجتمع وتكريس الطائفية لضمان استمرار الحكم.
وفي هــذا الســياق لــم يقــم حــزب البعــث بإلغــاء أي مــادة تمييزيــة في قوانــين الأحــوال الشــخصية وإنمــا قــام باجــراءات شــكلية لتلميــع صورتــه مــن خــلال وضــع النســاء فيمواقع صنع القرار، وإنشاء منظمة الاتحاد العام النسائي، الذي قام بمحاولات خجولة مقدمــاً بعــض المقترحــات لتعديــل بعــض المــواد في قوانــين الأحــوال الشــخصية تتعلــق بقضايا بسيطة مثل حضانة الأطفال دون المساس بجوهر التمييز في قضايا الزواج ،القوامــة، والولايــة والإرث.
طالــب الحــزب الشــيوعي الســوري تعديــل قانــون الأحــوال الشــخصية بشــكل عصــري وعلمانــي يضمــن تحقيــق المســاواة بــين المــرأة والرجــل في الحقــوق.
وكان الحزب السوري القومي الاجتماعي متقدماً على باقي الأحزاب مطالباً بإصدار قانون مدني للأحوال الشخصية.
إن المجتمع الس وري ومنذ س نوات طويلة شهد حراكاً قوياً، وما يزال مس تمراً باتجاه تغييــر قوانــين الأحــوال الشــخصية حيــث تعالــت الأصــوات المطالبــة بإصــلاح منظومــة قوانــين الأحــوال الشــخصية بمــا في ذلــك إلغــاء القيــود المفروضــة علــى الــزواج المختلــط والمدني وحظر تعدد الزوجات وغيرها وعبّر المطالبون عن ضرورة سنّ قانون للزواج المدن ي ينطب ق عل ى جمي ع المواطن ين دون تميي ز.
وطالبــت العديــد مــن المجموعــات المدنيــة والجمعيــات النســوية والناشــطات النســويات بضرورة تعديل القانون الحالي ليكون قانون أسرة موحد لجميع السوريين، بالاستناد الى المواثيق الدولية لحقوق الانسان ولاتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة )س يداو(، وليحق ق المس اواة بين النس اء والرج ال وبين جميع الس وريين باختلاف دياناتهم وطوائفهم على أساس مبدأ المواطنة الكاملة.
وبالمقابل كانت مواقف بعض الجهات الدينية المتشددة من قوانين الأحوال الشخصية التــي رفضــت كل تغييــر، وهاجمــت دعاتــه واعتبرتهــم خونــة وتابعــين للأفــكار الغربيــة المنفلتــة وغيــر الأخلاقيــة، واعتبــرت قوانــين الأحــوال الشــخصية مقدســة وتعطــي المــرأة حقوقهــا الكاملــة.
وكانت جهات دينية متنورة من كافة الطوائف دعت إل ى تعديل تلك القوانين بتدرج عبر اعتمادها على اجتهادات وآراء فقهية تنسجم مع تطورات العصر واحتياجاته ولاتتناقض مع الشريعة.
خاتمة وتوصيات:
مهما يكن تبقى المساواة أمام القانون مسألة أساسية وضرورة ملحّة بالنسبة للمرأة الطرف الأكثر ظلماً في المجتمع، والتي ه ي بحاجة إلى الحماية القانونية لما تعانيه مــن تمييــز تاريخــي تتأصــل جــذوره في مجموعــة مــن الأعــراف والممارســات التقليديــة تكرس قمعها، وتأتي هنا أهمية القوانين العادلة لتنصفها وتتول ى حمايتها، محققة التوازن خارقة تلك الأع راف الت ي يصعب تعديلها.
ففي البداية لابد من وضع دستور جديد حساس للنوع الاجتماع ي يرتكز على قيم ومبــادئ الحريــة، الكرامــة، المســاواة، عــدم التمييــز، والعلمانيــة، يتضمــن الحقــوق التــي ينبغ ي أن تتمت ع به ا النس اء وين ص عل ى ح ق الحماي ة م ن العن ف المبن ي عل ى الن وع الاجتماعــي.
وكون مسألة تغيير قوانين الأحوال الشخصية مسألة شائكة، فلابد من العمل على إصــدار قانــون مدنــي للأحــوال الشــخصي اختيــاري، والمحافظــة علــى قوانــين الأحــوال الشخصية الدينية بعد تغييرها بشكل جذري وجوهري يضمن المساواة التامة بين النس اء والرج ال، والمس اواة في الحق وق والواجب ات ب ين الزوج ين داخ ل الأس رة لناحي ة عقــد الــزواج، ورعايــة شــؤون الأســرة والأولاد، وفســخ الــزواج أو الطــلاق، والمشــاركة في أم وال الأس رة، وتحدي د س ن لل زواج لايق ل ع ن 18 عام اً للجنس ين والمس اواة في الإرث والغــاء تعــدد الزوجــات وحــق الطــلاق المنفــرد مــن قبــل الــزوج، والقوامــة والولايــة علــى النساء، واعتبار النساء مواطنات كاملات الأهلية وبالتالي لهن الحق في الولاية على أنفسهن وعلى أبنائهن، ولهن أن يبرمن عقود زواجهن بأنفسهن استنادا إلى المواثيق الدولية لحقوق الإنس ان و)س يداو.(
وبموازاة ذلك لابد من تعديل قانون الجنسية السوري بما يسمح لللأم السورية إعطاء جنســيتها لأطفالهــا وتعديــل المــواد التمييزيــة التــي تشــجع علــى ارتــكاب العنــف ضــدالنس اء في قانون العقوبات الس وري، وإصدار قانون لحماية النس اء من العنف.
إن إلغــاء القوانــين التمييزيــة يجــب أن يكــون أولويــة في الفتــرة الانتقاليــة بعــد انتهــاء الصراع السوري، و لذا يجب التأكد من أن النساء ستكنّ جزءاً من تشكيل مستقبل ســوريا، ومــن أن يتــم تمثيلهــن علــى قــدم المســاواة علــى طاولــة المفاوضــات. يجــب أن تك ون حقوق المرأة واحتياجاتها جزءاً من عملية السلام منذ البداية، وعندئذ فقط ،يمكن تطبيق حقوق الإنسان والحقوق المدنية بالإضافة إل ى ح ق تقرير المصير لكل السوريين ويمكن للنساء أن تقمن بأدوار بارزة في الحياة العامة وتأثّرن على القوانين والعــادات والخطــاب في بلدهــن .