• Avenue Pasteur 63, 10000

    Troyes, France

  • البريد إلكتروني

    info@musawasyr.org

#

صورة النساء السوريات في التواصل الاجتماعي الفيس بوك أنموذجاً

 

ملف العدد


العدد السادس عشر - تموز / يوليو 2021

 


صورة النساء السوريات في وسائل التواصل الاجتماعي الفيس بوك أنموذجا


أمل حميدوش (1)


أولا: مقدمة


خلق ظهور الإعلام البديل بعد 2011 في سورية بصوره المختلفة إعلام المدونات وإعلام وسائل التواصل الاجتماعي الراديو والصحف الإلكترونية وغيرها مساحة أمام السوريين للتعبير عن أنفسهم بداية، وتصوراتهم واتجاهاتهم ومواقفهم تجاه ما يحدث في سورية مع التغيرات التي حصلت منذ أحداث 2011، بحيث أصبح منصة يُستدل من خلالها على الأفكار الجماعية والفردية للسوريين.
وبصورة متلاحقة أصبح هذا الاعلام البديل منبرًا ومنصة للتعبير عن الرأي، ووجهات النظر الشخصية السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية بهوامش من الحرية لم يتحها الإعلام التقليدي بآلياته ومساحاته المحدودة. وكانت وسائل الإعلام البديل مساحات متنوعة لممارسة المناصرة والحشد وكسب التأييد من أجل إقرار الحقوق، ونشر الوعي وثقافة احترام حقوق الإنسان ومناهضة العنف وغيرها من القيم الإنسانية المختلفة، ومنها ثقافة المساواة والعدالة الجندرية" حيث انتشرت في الآونة الأخيرة كثير من المنصات التي تهتم بقضايا النساء وحقوقهن، وتسلط الضوء على تجاربهن ونضالهن المستمر، إلا أنه في الوقت نفسه، كانت تلك الوسائل منبرا للانتهاكات ونشر ثقافة التنمر والصور النمطية والإقصاء والتعصب والتطرف انتهاكات لم تكن النساء بمنأى عنها، حيث وقعت المرأة السورية ضحية لتلك الوسائل التي تنشر ثقافة العنف ضدها، وتسعى لتكريس الصور النمطية التي تحد من دورها وتعوق تقدمها في مختلف المجالات، خصوصا تلك التي تنشط فيها النساء سياسيًا أو مدنيًا أو إعلاميًا، وباتت المرأة في كثير من الأحيان مادة للتهجم والابتزاز وتشويه السمعة والتحريض المبني على سلسلة من العادات والتقاليد التي تنتهك حقوقها في المجتمعات المحلية السورية جميعها بقصد تحصيل الشهرة لبعض المتنمرين أو تكريس الصورة النمطية لها،
والتشجيع على السيطرة الذكورية.


(1) باحثة في شؤون النسوية.

 

 

العدد السادس عشر - تموز / يوليو 2021


ملف العدد

 


ثانيا: الإطار المنهجي للدراسة

1.   مشكلة الدراسة


أخذت مواقع التواصل الاجتماعي الفيس بوك" خصوصا حيزًا كبيرًا من الاهتمام والمتابعة لدى القطاعات الواسعة من مستخدمي وسائل التواصل الاجتماعي المختلفة، وذلك لسهولة استخدامه وانتشاره في مستوى المجتمعات كافة، ومنها المجتمع السوري.
وكان الفيس بوك" إحدى أهم المنصات الرئيسة عند السوريين، حيث ظهرت فيه سلسلة من الخطابات المتعلقة بالنشاط السياسي والثقافي والمدني وغيرها، كونه الوسيلة الأكثر تأثيرا في مستخدمي وسائل التواصل الاجتماعي الأخرى.
ولأن صورة النساء ودورهن المأمول في سورية اليوم والمستقبل، على قدر من العدالة والمساواة ما يزالان هاجسا أمام الناشطات النسويات السوريات، فقد كان لا بد من الوقوف على واقع صورة النساء التي تصدرها مواقع التواصل الاجتماعي، ودراسة آثارها في تحصيل النساء حقوقهن، والحد
من الانتهاكات والنواحي التمييزية التي تتعرض لها.
وقد عنيت الدراسة بصورة النساء السوريات في بعض الصفحات السورية العامة في "الفيس بوك" خلال المدة الزمنية منذ شباط / فبراير 2021


2.    أهمية الدراسة


تأتي أهمية دراسة صورة النساء في وسائل التواصل الاجتماعي من الانتشار الكبير لهذه الوسائل في سورية، واستخدام السوريين اليومي والمتكرر لها، على اختلاف أعمارهم وأجناسهم، وقدرة الناشرين فيها على الوصول إلى شريحة واسعة من المستخدمين، والتأثير فيهم.
سيطرة هذه الوسائل على اهتمام الجمهور جعلت لها دورا مهما في تكوين الوعي والمواقف، وقدرتها على التحكم في الرأي العام، وهو ما يفرض ضرورة دراسة الصورة التي تقدمها الصفحات العامة الناشطة في الفيس بوك" عن النساء السوريات من أجل تسليط الضوء على العقبات والتحديات التي تعترض النساء السوريات في لعب أدوار جديدة عن سابقتها التقليدية. ودراسة المجالات
والقطاعات التي تتعرض فيها النساء للإساءة أو التنميط أكثر من غيرها، وتحليل نتائجها وأسبابها المجتمعية لمعرفة سبل مواجهتها، فضلا عن اكتشاف المساحات الإيجابية وتسليط الضوء على
الجوانب الإيجابية من أجل تعزيزها.

 

 

ملف العدد


العدد السادس عشر - تموز / يوليو 2021

 


3.   هدف الدراسة


رصد وتحليل للمحتوى المنشور في صفحات محددة في شبكة "فيس بوك"، وتتوزع في مناطق جغرافية ذات مرجعيات سياسية واجتماعية وثقافية مختلفة، لدراسة واقع صورة النساء السوريات
التي تقدمها.


4.   أسئلة الدراسة


أ.   ما وسائل التواصل الاجتماعي وما أنواعها الأكثر انتشارًا في سورية ؟

ب.   ما دور وسائل التواصل الاجتماعي وتأثيرها في النساء وفي حقوقهن ؟

ت.   ما المجالات والقطاعات التي ينشر فيها محتوى مسيء أكثر من غيرها ؟

ث.   ما أسباب نشر وسائل التواصل الاجتماعي محتوى يحمل تمييزا جندرنا أو إساءة إلى النساء ؟


5.    أدوات الدراسة


أ.   الرصد والملاحظة المباشرة لعينات عشوائية من صفحات عامة ناشطة في "فيس
بوك".


ب. إجراء مقابلات مع مسؤولين عن هذه الصفحات التي رصدت في البحث.


ت. إجراء مقابلات مع متخصصيات الجندر للتعليق على البيانات المستخلصة
والمحتوى المعروض.


ثالثا: الإطار النظري للدراسة


على الرغم من الجهد الدولي والوطني الذي يبذل في مستوى العالم من أجل مناهضة التمييز
القائم على النوع الاجتماعي والحد من العنف الذي تتعرض له النساء بمختلف أشكاله وصوره
المختلفة، والعمل والنضال لتحصيل النساء حقوقهن الاجتماعية والسياسية والاقتصادية، وما
يترافق مع ذلك الجهد من حركات وتيارات نسوية كثيرة تسعى لتحسين وضع النساء وصورتهن
وإمكاناتهن وحريتهن ونضالهن في مواجهة العادات والتقاليد والثقافة الأبوية والذكورية التي تحد من

 

 

العدد السادس عشر - تموز / يوليو 2021


ملف العدد

 


تقدم النساء وتطورهن في مناحي الحياة المختلفة لم يصل هذا الجهد بعد إلى الآمال المطلوبة، وما تزال المرأة في نظر كثيرين في المجتمع السوري إنسانًا غير كامل الحقوق، يتعرض يوميًا إلى كم هائل
من الانتهاكات المباشرة وغير المباشرة.
وفي حين يشهد العالم تطورًا ونهضة رقمية هائلة، لا سيما في مجال الإنترنت وما وصل إليه العلم من إمكان التواصل والتراسل في الثانية نفسها ومن أي بقعة في العالم، ودور هذا التطور في انتشار حقوق الانسان والدفاع عنها، إلا أنه أنتج آثارًا سلبية في المجتمع والفرد، وبصورة كبرى في المرأة، لا
سيما العربية، وبصورة أخص في إطار بحثنا "المرأة السورية".
سورية التي هي موضوع بحثنا شهدت دخولا نسبيًا لوسائل التواصل في العقد الأول من الألفية
الجديدة، لكنها كانت وسائل خاصة بالدردشة الثنائية مثل Nimbuzz" الذي اشتهر في نطاق واسع حينئذ، إلا أن ثقافة النشر والتعليق وإبداء الرأي في نطاق واسع ولجمهور غير محدد عرفت مع دخول "الفيس بوك" إلى البلاد، وكان في مراحله الأولى محجوبا، ويقتصر على بعض المشتركين من متجاوزي الحجب، إلا أن الواقع تغير بعد اندلاع الاحتجاجات الشعبية في سورية 2011، وقرار السلطات المفاجئ فتح "الفيس بوك" أمام المستخدمين السوريين الذين بدؤوا يتهافتون عليه. (2)
حينئذ تحول "الفيس بوك" في سورية من أداة تواصل اجتماعي إلى وسيلة تعبير عن الرأي تارة ونقل أخبار تارة أخرى باستخدامه في تأسيس صفحات تتناول موضوعات سياسية أو أخبارًا مرتبطة بالاحتجاجات وما لبث أن ظهر الانقسام السوري في صفحات الفيس بوك" من خلال شبكات مؤيدة ومعارضة أو حتى "حيادية"، وقد حظيت هذه الصفحات بمتابعة كبيرة، نظرًا إلى قدرتها على نقل الأخبار والمعلومات بسرعة ومرونة في وقت كانت تعاني فيه وسائل الإعلام بيروقراطية النشر وبطأه، ومن ثم تحول جزء من هذه الصفحات للعب دور تنظيمي وتوجيهي للاحتجاجات والمسيرات بمختلف أرجاء البلاد، إضافة إلى التحشيد واستمالة الرأي العام، كل صفحة بحسب
ميولها ومكونات القائمين عليها.
وفي سياق تطور هذه الوسائل مع تطور مستخدميها والمتغيرات على الأرض السورية، أصبح "الفيس بوك" أشبه بمنصة ومساحة افتراضية للحوار والمناقشات، وبدأت قضايا حقوق الانسان والمواطنة والعيش المشترك والقوانين والدستور وحقوق المرأة والحريات وغيرها من الموضوعات المشكلة في سورية تأخذ حيزا مهما من اهتمام السوريين ومتابعتهم، وبدأ يتشكل ما يسمى بالرأي العام الذي كان من غير الممكن تلمسه سابقًا في ظل الحالة المغلقة للفضاء العام، وتقييد النشاط السياسي والمدني في سورية الذي احتكرته مؤسسات الحكومة والإعلام الرسمي عقودًا، حتى بات موقع "فيس بوك" في


(2) رفع حظر الفيسبوك واليوتيوب بسوريا، موقع الجزيرة  https://bit.ly/3pXWAT .2011/2/9 

 

 

ملف العدد


العدد السادس عشر - تموز / يوليو 2021

 


قائمة المواقع العشرة الأكثر ارتيادًا من جانب السوريين، وهو مستمر حتى يومنا هذا وفق تصنيف "أليكسا".


1. شبكة "فيس بوك" وأثرها في المجتمع السوري


"فيس بوك " بالإنكليزية ( Facebook) هو موقع إلكتروني أطلق رسميًا في 4 شباط / فبراير 2004م وهو يستخدم للتواصل الاجتماعي، وبعد الشبكة الاجتماعية الأكثر شعبية وشهرة في شبكات الإنترنت، حيث وصل عدد المستخدمين النشطين فيه بحلول 2012 إلى ما يقارب مليار مستخدم، إلا
أنه ارتفع في 2018م إلى نحو 2.27 مليار مستخدم شهريًا، ويتيح هذا الموقع إمكان مشاركة الصور والرسائل النصية، ومقاطع الفيديو، إضافة إلى مشاركة الحالة، ومتاح بصورة يومية بأسلوب منتظم، حيث لا يواجه المستخدم الجديد صعوبة في فهمه أو استخدامه، إذ إنه بإمكان أي شخص
حتى لو لم يكن تقنيا أو ملما بالتكنولوجيا أن يبدأ بالنشر وبالمجان. (3)
وعلى الرغم من أن مسؤولي "فيس بوك" وضعوا مجموعة واسعة من المعايير والمحددات لتقييد
النشر وممارسة الرقابة عليه، كونه بات في كثير من الأحيان مساحة لممارسة العنف والتحريض
والتطرف والتنمر ونشر خطاب الكراهية، وغيرها من الانتهاكات التي تطال فئات المجتمع والجنسيات
كلها، النساء والرجال والأطفال وكبار السن )؛ إلا أن هذه القواعد لم تستطع وضع حد للتطرف
وخطاب العنف والكراهية وعدم قبول الآخر، أو الانتهاكات التي تتعرض لها النساء، سواء في ما
يتعلق بحريتهن وقرارهن وأدوارهن السياسية والاجتماعية والإعلامية ..... إلخ، فكانت المرأة السورية
على الرغم من وجود صفحات ومنابر تناصر حقوقها وتدعمها وتشيد بدورها، تتعرض من صفحات
أخرى للسخرية والتنمر من دون قيود.
الجانب الإيجابي لهذه المنصة تمثل في أنها كانت مساحة للتعبير عن الرأي والحوار والمناقشة في


(3) محمد مروان، تعريف الفيسبوك، موقع موضوع https://bit.ly/3cY674 2021
(4) معايير المجتمع، موقع الفيس بوك https://bit.ly/35wiP6f

 

 

العدد السادس عشر - تموز / يوليو 2021


ملف العدد

 


موضوعات مختلفة وقضايا كانت غائبة عن حيز التداول في البلاد، وذلك لغياب المساحات العامة من منتديات أو صالونات ثقافية أو أي شكل للتجمعات على أرض الواقع في سورية، وإن وجدت لن تسمح بهوامش من الحرية الكافية سواء كان مجالها سياسيًا أم اجتماعيا أم دينيًا أم حقوقيا إضافة إلى أنه وفر مساحة للتواصل وتبادل الآراء والخبرات بين السوريين والسوريات المنتشرين في بقاع الأرض داخل سورية وخارجها، قبل الحرب وبعدها.
كان "فيس بوك" منصة للمناصرة من أجل قضايا ومشكلات شخصية ذات طابع عام، ففي حالات كثيرة تحرك الرأي العام من أجل حادثة أو انتهاك أو قضية عامة، ومارس ضغوطا على صناع القرار للتراجع أو اتخاذ الإجراءات المطلوبة للحل مثال الحادثة التي حصلت حول نقل تعسفي المعلمة بسبب انتقادها مسؤولا حكوميًا في محافظتها التي سرعان ما أصبحت قضية رأي عام، وتم التراجع
عن العقوبة الواقعة بحقها. (5)
أصبحت بعض الصفحات في "فيس بوك" تعمل عمل شبكات إخبارية وطنية محلية، يعمل بها من يسمى بالمواطن الصحافي، وتعد مصدرًا للمعلومات للمهتمين أينما وجدوا.
يضاف إلى استخدام الفيس بوك في مجموعات للتواصل والتعارف والعمل، فإن السوريين استخدموه أيضا للتسويق والإعلان بعيدًا من آليات الإعلان التي تتبعها إدارة "فيس بوك" التي تفرض تكاليف كبيرة، فقد ابتكروا آلياتهم المجانية أو شبه المجانية لاستثمار هذا المنبر في التسويق لأعمالهم
ومنتجاتهم المختلفة.


2.   دور شبكات التواصل الاجتماعي في رسم صورة المرأة


تجذب وسائل التواصل الاجتماعي اهتمام ملايين من الناس ومتابعتهم في مستوى العالم بوصفها أداة رئيسة في العصر الحالي للتفاعل ولفت الانتباه ونشر الوعي والمعرفة حول مختلف القضايا والمشكلات المجتمعية، في حين تشكل هذه المواقع بأنواعها المختلفة مرآة تعكس واقع المجتمع وتعيش مع أفراده يوميًا ولحظة بلحظة، بما تحويه من منابر خاصة أو عامة، سواء كانت مفتوحة أم
مغلقة، ضمن مجموعات متشابهة ومتجانسة أو مختلفة.
وبما أن هذه المواقع تمثل صورة عاكسة لواقع المجتمع، فمن الطبيعي أنه ما دام واقع حقوق النساء ووضعهن الاجتماعي والقانوني والاقتصادي لم يصل بعد إلى المستوى المطلوب والمأمول من دون تمييز وعلى قدر عال من المساواة، وما دامت النساء تتعرضن للانتهاكات المختلفة في المجتمع


(5) التربية تتراجع عن معاقبة معلمة بعد تعليقها "عقبال محافظ حلب"، موقع سناك سوري https://bit.ly/2TvyGy 2020/11/8

 

 

ملف العدد


العدد السادس عشر - تموز / يوليو 2021

 


فستكون صورتهن المقدمة في مواقع التواصل الاجتماعي سيئة حتمًا، كونها تعكس واقع النساء
المعيش والصعب.
فمن خلال البحث ، وبناء على رصد عينات من هذه الوسائل وشبكات التواصل المجتمعية في سورية، ومتابعتها، فإن ما يقدم وينشر في تلك العينات ما زال يحصر المرأة ضمن صورة نمطية لا تراعي دورها ومنزلتها في المجتمع، وشراكتها في البناء والتنمية وتحمل الأعباء والمصاعب التي ولدتها الحرب، حيث يخضع المحتوى المنشور في تلك الوسائل إلى تأثير عادات وتقاليد حاربت المرأة وصورتها، وقدمتها بوصفها إنسانًا ضعيفًا وتابعا غير مستقل، ويحتاج دائما إلى المساعدة والعون، وحتى عند محاولة أغلب هذه الوسائل تناول قضايا المرأة تتعامل معها بطريقة انتقائية تهتم بالشكل على حساب المضمون أو تعنى بالقضايا السطحية من مثل الموضة والأزياء والتجميل والجمال من دون الاقتراب من مشكلات المرأة الحقيقية على الصعد القانونية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية من مثل مشاركتها في الانتخابات أو وصولها إلى مراكز صنع القرار أو حقوقها المدنية بالزواج والإرث
والحضانة، أو استقلالها الاقتصادي واعتمادها على نفسها.
وفي صعيد آخر ضمن السياق نفسه المتعلق بدور وسائل التواصل الاجتماعي في حياة النساء لا يمكن إغفال وجود صورة جيدة للنساء في بعض تلك الوسائل أحيانًا، تسلط الضوء على تجارب النساء السوريات ودورهن في المجتمع، وتعرض قصص نجاح لنساء قمن بأعمال أو أدوار مميزة ضمن مجتمعاتهن في مختلف المجالات والقطاعات، لا سيما خلال الحرب التي قاربت مدتها عشر سنوات وكانت مواقع التواصل الاجتماعي في بعض المواقف منصة مهمة أيضا للتضامن والمناصرة بين النساء للوقوف في وجه انتهاك تتعرض له امرأة في مكان ما، حيث أتاح فرصة للوصول إلى النساء المعنفات وإنقاذهن، مثل ما حصل في إحدى الحوادث عند انتشار مقطع فيديو لامرأة سعودية تصرخ من تعنيف زوجها لها، واستطاعت الجهات المختصة الوصول إليها وإنقاذها بفضل آلاف المتضامنين والمغردين معها، ولفت النظر إلى قضيتها ) ، ولا سيما في ظل قدرة كثير من النساء اللواتي يتعرضن للانتهاكات على طلب الدعم من دون التصريح بأسمائهن الحقيقية، ما وفر بيئة وملاذا آمنين في كثير من الأحيان، وساعد مئات من النساء بمختلف الأماكن والجغرافيات، لا سيما في قضايا العنف و التحرش وفضح المتحرشين، وكانت هذه الوسائل أداة مهمة للتصفح والاطلاع والوصول إلى الموارد المعرفية والتوعية بصورة سهلة وواضحة لكثير من النساء والفتيات وغدت وسيلة للتعبير عن رأيهن السياسي وعملهن ونضالهن بخوف أقل من تبعات ذلك على أرض الواقع، ووفرت مجالا واسعا
للحركات النسوية لتطرح مبادراتها وهمومها وقضاياها المختلفة.


(6) مغردون: أنقذوا_معنفه_ابها في السعودية، موقع بي بي سي نيوز https://bbc.in/3d9lhmn 2018/4/2 

 

 

العدد السادس عشر - تموز / يوليو 2021


ملف العدد

 


رابعا: نتائج الدراسة الميدانية


رصد المحتوى الإعلامي المنشور في عينات من وسائل التواصل الاجتماعي وتحليله

رصد أحد مواقع التواصل الاجتماعي وهو شبكة "فيس بوك"، وتوبعت عينات من صفحات ومجموعات نشطة عامة وشخصية، بلغ عددها 14 صفحة يتجاوز عدد متابعيها مئة ألف، ويصل في بعض الصفحات إلى مليوني متابع. تتصف هذه الصفحات بأنها متنوعة، اجتماعية وإخبارية بعضها ساخر، وبعضها متخصص بالمعلومات الصحية والطبية، وبعضها لشخصية عامة دينية أو سياسية أو فنية، تتابع من فئات عمرية متنوعة، ولا سيما فئة الشباب، وتعكس بيئات اجتماعية وسياسية وثقافية مختلفة، فمنها ما يدار من داخل سورية أو خارجها، سواء في مناطق تخضع
السيطرة الحكومة السورية، أم المعارضة، أم الإدارة الذاتية في شمال شرق البلاد.
جرت عملية الرصد خلال ثلاثة أشهر، وجمع المحتوى المنشور فيها، وتبويبه وفق التصنيف الآتي:
1.   نسبة المحتوى المنشور الذي يتناول المرأة وقضاياها المختلفة إلى مجموع النشر الكلي في العينة.
2.   نسبة المحتوى الذي يتضمن إساءة أو تمييزا إلى مجموع النشر الذي يتناول موضوع المرأة.
3.   نسبة المحتوى الذي يتضمن إساءة وتمييزا صريحين من غير الصريح.
4.   تصنيف المحتوى الذي يتضمن تمييز أو إساءة وفق المجالات الآتية:
أ.    يكرس صور نمطية للنساء من حيث:
1.   الصفات الشخصية، من مثل نكدية، ضعيفة عاطفية، مضحية، لعوب.... إلخ.
2.   الأدوار النمطية، من مثل ربة منزل، خياطة طباخة مربية ممرضة، مدرسة.... إلخ.
ب.   يحرض على العنف بمختلف أشكاله وصوره بحق النساء أو يبرره.
ت.   يدعو إلى التمييز السلبي بين الجنسين.
ث.   يروج لثقافة الوصاية على النساء.
ج.   يستخدم خطاب الكراهية تجاه النساء.

 

 

ملف العدد

العدد السادس عشر - تموز / يوليو 2021

 




1.   المحتوى المتعلق بالمرأة

ح ينشر صورًا ذات خصوصية من دون موافقة المرأة.
خ يقيم الشكل الخارجي للنساء أو يسيء إليه.

 

 


يلاحظ في الرسم البياني رقم (1) للعينات التي رصدت أن نسبة النشر للمحتوى المتعلق بالمرأة أو القضايا التي تخصها هي 10% فقط إلى مجموع النشر الكلي على العينات المرصودة، وفي لقاء مع مدير صفحة Kozlok الذي يتابعها حوالى 500 ألف متابع طلب عدم ذكر اسمه - قال إن هدف ما ينشرونه في وسائل التواصل هو الترفيه والتسلية، وإن أي محتوى لا يهدف إلى ذلك لن يلقى المتابعة والاهتمام المرجوين من الجمهور، وبالنتيجة سيؤثر في الصفحة وإيراداتها المالية ونسبتها من الإعلانات، حيث
تحظى صفحات النكات والسخرية بجماهيرية كبيرة ينتج منها آلاف التعليقات اليومية التي ينسجم
جلها مع المنشورات التي تكرس خلالها الأفكار السائدة بطريقة فكاهية، إلى درجة أصبحت النكات
تكتب كأنها مبنية على بدهيات مسبقة عن النساء أو الفتيات مثل (هوس الفتيات بالمال، هوسين
بالرجال أصحاب الأموال، هوس بالزواج والارتباط، هوس بالنميمة، غيرة شديدة ... إلخ).

 

 

العدد السادس عشر - تموز / يوليو 2021


ملف العدد

 


ويضيف مسؤول صفحة kozlok إن مواقع التواصل الاجتماعي انعكاس للواقع ومماثلة تماما له، وإن المجتمع السوري يحب السخرية، ويتابعها أكثر كثيرًا من غيرها، ويستشهد بحجم التفاعل مع الصفحات الساخرة مقارنة بصفحات علمية أو ثقافية أو فكرية، فمثلا الصفحات التي تنشر محتوى مثيرًا للجدل بطريقة ساخرة جدا وسطحية تزداد شعبيتها بسرعة وبكم أكبر، وبرأيه لولا دعم المتابعين وموافقتهم، لما كانت الصفحة استمرت، وهذا دليل أن المشكلة ليست في الصفحات ولا في مديريها ، وإنما في المجتمع وتقبله إياها، وموافقته عليها، حيث يحمل المجتمع مسؤولية الإساءة
والسخرية من النساء، وليس صانعو المحتوى الساخر (7)


2.   مضمون المحتوى المتعلق للمرأة


وعند دراسة المحتوى المتعلق بالمرأة للوقوف على نسبة المسيء إلى النساء إلى المحتوى غير المسيء فقد تبين كما في الشكل رقم (2) أن 46.76% من المحتوى المنشور في الصفحات عينة البحث يتعرض للمرأة بالتمييز أو بالإساءة لها ولصورتها أو دورها، مقابل 53.24% لا يتعرض لها بالتمييز أو الإساءة.
وللوقوف على الأسباب والدوافع لنشر هذا المحتوى، وما المعايير التي ينطلق منها صانعوه في هذه الصفحات، وفي مقابلة أجريت لصالح البحث مع مدير صفحة Nawzat Talhat Kazouka، وهي صفحة اجتماعية ساخرة لديها أكثر من مئة ألف متابع، ويفضل مديرها عدم ذكر اسمه أيضا؛ تحدث عن المعايير التي يضعها لاختيار الموضوع والسخرية منه، إذ يسعى في المحتوى المنشور إلى تسليط الضوء على مشكلات مجتمعية يريد توجيه النصائح فيها سواء للمرأة أم الرجل، ممن يقومون بسلوكات مزعجة، من مثل تصوير النساء أنفسهن، واستعراض جمالهن أمام الكاميرا بحسب رأيه.
وعن المبالغة في تشويه صورة النساء رأى أن السخرية يجب أن تكون لاذعة، ولا بأس في أن تترك بعض شعور بالإهانة لدى المتلقي لكي تنجح في ترك أثرها في الناس (1)
بينما رأى مدير الصفحة الأخرى السابقة Kozlok عند محاولة فهم موقفه من نشر المحتوى الذي يسيء إلى المرأة أنه مدرك أنواع الإساءات الممكنة، ويحاول تجنبها بقدر الإمكان في المنشورات، ويحاول أن يبتعد عن تنميط المرأة، وإن وجد، فهو ليس ناتجا من حالة واعية ومتقصدة في الإساءة إلى المرأة إنما محض اعتياد على مفردات وأسلوب معينين في الحديث عنها.
تقول المحامية "رولى بغدادي" في أثناء المقابلة التي أجريت معها لصالح البحث، وهي ناشطة نسوية


(7) أمل حميدوش، مقابلة شخصية مع مجهول 1 ، عبر خاصية الدردشة، دمشق 2021/5/29


(8) أمل حميدوش، مقابلة شخصية مع مجهول 2 عبر خاصية الدردشة، دمشق 2021/5/30

 

 

ملف العدد


العدد السادس عشر - تموز / يوليو 2021

 


تدير أحد منظمات المجتمع المدني السورية في لبنان، أن السبب الرئيس في انتشار المحتوى التمييزي والمسيء بحق النساء يعود إلى البيئة القانونية والتشريعية التي تنص على التمييز بحق النساء، وعدم المساواة، وتدعم منطق الوصاية، وتنقص من الحقوق العامة للمرأة، وتشكل القاعدة الأساس التي تنطلق منها الثقافة المجتمعية التي ما زالت تنظر إلى النساء بوصفهن كائنات ضعيفة ولا يستحققن المعاملة بمبدأ المساواة، وهذا ما يظهر في مواقع التواصل الاجتماعي وما يُروج له ويتفاعل معه من
جانب مختلف الفئات المجتمعية.
وتتابع "بغدادي": هناك عمل نسوي متطور ومنظم ويحقق نتائج إيجابية، لكن هناك أيضا محاولات نسوية تسيء إلى النساء كتلك التي يُطرح بعضها بلغة متطرفة تحمل العدائية للرجال أو تستخدم خطابًا شعبويا وهجوميا يجلب خطابًا مضادًا من جانب متابعيه، ويسبب فجوة في التواصل
بين النسويات والجمهور.
يضاف إلى ذلك أن المنظمات الحقوقية والنسوية ما زالت منهمكة بالعمل على الأرض في المخيمات ومناطق الصراع أو الخارجة منه .. إلخ، من أجل تحقيق الأولويات المتمثلة في الحماية أو الدعم والتمكين، وهذا ما جعل الجانب الإعلامي والظهور وصورة النساء في مواقع التواصل الاجتماعي قضية ليست ذات أولوية مقارنة بالاحتياجات الأساس، على الرغم من أهميتها بالنسبة إلى النساء والمجتمع. (9)


(9) أمل حميدوش، مقابلة شخصية مع رولى بغدادي، عبر الهاتف، دمشق 2021/5/29

 

 

العدد السادس عشر - تموز / يوليو 2021

ملف العدد

 


3.   المحتوى المسيء إلى المرأة


إساءة صريحة %60
الشكل رقم 3 نسبة الإساءات الصريحة وغير صريحة
. إمامة غير مريحة إمامة صريحة.
پامه غير مريحة %40

وعند دراسة المحتوى الذي يتناول المرأة بطريقة مسيئة أو يدعو إلى التمييز، إن كان ذلك بصراحة ووضوح أو بغيرهما، فقد تبين كما في الشكل رقم (3) أن 60% من المحتوى يتضمن إساءة صريحة مقابل 40% يتضمن إساءة بطريقة غير صريحة أو غير مباشرة.
وترى المحامية "بغدادي" أن المحتوى المسيء إساءة غير صريحة أخطر من الصريحة والواضحة ما يؤثر في تكوين اللاوعي المجتمعي تجاه حقوق المرأة، وعللت انتشار المحتوى المسيء إلى النساء إساءة غير صريحة ومبطنة إلى قلة الوعي والمعرفة الكافية بمفهوم الجندر وقضاياه
وتضيف أن خطر هذا المحتوى يكمن في تقديمه من النخب المتعلمة والمثقفة التي لا تمتلك الوعي الكافي بحقوق المرأة والتمييز الجندري، ويقتصر اطلاعها على موضوع العنف الجسدي الذي تتعرض له، وموقفهم الرافض إياه، لكن هذا لا يكفي، فهم بحاجة إلى الاطلاع على كل جزئية تتعلق بانتهاك حقوق المرأة والإساءة إليها، وهذا ما يفسر المحتوى المنشور في صفحات طبية أو صحية يشرف عليها أطباء وطبيبات، وتتوجه إلى مجتمع متعلم ومثقف.

 

 

ملف العدد

العدد السادس عشر - تموز / يوليو 2021

 


4.   أشكال المحتوى المسيء إلى المرأة

 


بالغوص أكثر عمقا في أنواع الإساءة التي تتعرض لها المرأة عبر هذه الوسائل، نرى - بحسب ما يوضح الشكل البياني رقم (4) تصنيفا لهذه الإساءات وفق محددات توضح نوع الإساءة أو التمييز الجندري أو الصورة السلبية المقدمة عن المرأة ومجالاتها، وقد خلصت النتائج إلى أن:
أ.   28 % من المحتوى المسيء إلى النساء يتركز على تنميط دورها في المجتمع والحياة العامة والأسرية، وفق صفات شخصية تنميطية من مثل القول إنها ضعيفة عاطفية، نكدية، لعوب مادية، ذات قدرات عقلية ضعيفة..... إلخ، وهذه النسبة هي العليا بين الإساءات.
ومن أجل دراسة مكونات نشر هذا المحتوى بالتحديد من جانب القائمين على هذه الصفحات وأسبابه، أجرينا مقابلة عبر قنوات التواصل الافتراضية مع مشرفي أحد هذه الصفحات، وهي صفحة Nawzat Talhat Kazouka حيث قال إنه لا يقصد الإساءة إلى المرأة في منشوراته، وإنه يرفض الإساءات التي تنشرها صفحات أخرى، خصوصا تلك المنشورات التي تصف المرأة بأنها غبية
وتفكيرها بدائي، ولا تستطيع تحليل الأمور.
لكن عند سؤاله شخصيًا عن كيفية رؤيته المرأة قال: إن "طبيعتها نكدية"، إلا أن "نكديتها" بحسب

 

 

العدد السادس عشر - تموز / يوليو 2021


ملف العدد

 


تعبيره أمر غير مثير للسخرية.
ب.    في المرتبة الثانية جاءت نسبة المحتوى الذي يكرس صورة نمطية للمرأة من ناحية الأدوار التي تقوم بها، وقد بلغت 19% من إجمالي المحتوى المسيء إلى النساء، حيث يُحصر دور المرأة في الإنجاب ورعاية الأطفال والقيام بالأعمال المنزلية، أو تحصر في أعمال معينة من مثل التعليم والتمريض
والسكرتاريا وغيرها.
وهنا لا بد من الإشارة إلى أنه بمراجعة التعليقات وبالملاحظة نلمس أن جزءا منها يتولى الدفاع عن المرأة، تحديدًا في الصفحات الطبية والعلمية، وخصوصا من المعلقين الشبان والشابات الذين لديهم
اندفاع ورغبة في إعطاء الرأي العلمي الذي يصب في صالح المرأة.
من بعض الأمثلة التي رصدت كان هناك تعليقات على منشورات تحمل الأم وحدها المسؤولية في ما يتعلق بصحة أطفالها، وتلقي باللوم عليها في حدوث أخطاء أو عوارض صحية ما قد تطرأ على الطفل، حيث ترفض التعليقات تحميل الأم وحدها مسؤولية تربية الأطفال ورعايتهم، وتشير إلى دور
الأب والتزاماته، وضرورة إشراكه في تحمل هذه المسؤولية بالمساواة مع الأم.
ولوحظ والحديث هنا تحديدا عن تعليقات على صفحات طبية وعلمية سورية" - أن هناك نسبة معلقين تواجه موضوعات كانت من المحرمات، مثل غشاء البكارة"، وتطالب مديري الصفحات بتقديم صورة مختلفة عن هذا الجزء من الجسد، وعدم ربطه إطلاقا بالشرف، بل شرحه من منظور
علمي أكاديمي.
ت.   أما نسبة المحتوى الذي يدعو إلى التمييز بين الجنسين، ويبرره فقد وصلت إلى 16%. تعزو النسوية "رولا بغدادي هذه النسبة أيضًا إلى التمييز في البيئة القانونية والتشريعية ومؤسسات الدولة الذي تتعرض له المرأة، فجميعها تضع المرأة في مجال تمييزي ضدها، وهنا نرى أن كل ما عني به هذا البحث، أو سيعنى به، هو أحد مجالات التمييز القائم على النوع الاجتماعي، المظلة
الأوسع لكل هذه التفصيلات المدروسة.
ث.  نسبة المحتوى الذي يقيم الشكل الخارجي للنساء أو يتناوله بصورة مسيئة بلغت 12 % من إجمالي المحتوى المسيء الذي رصد.
وهنا في مقابلة أجريت مع الصحافية والناشطة النسوية نسرين علاء الدين" تحمل الشركات العالمية الصناعية والتجارية المعنية بالترويج لعمليات التجميل والمنتجات التجميلية مسؤولية غير مباشرة عن ترسيخ ذهنية الشكل الخارجي لدى شريحة واسعة من الذكور والإناث، وترى أن تركيز هذه الشركات على الملابس وقياس الخصر والصدر والشفاه، وتقديمها بوصفها أساسيات ومقاييس

 

 

ملف العدد


العدد السادس عشر - تموز / يوليو 2021

 


عالمية، جعل كثيرًا من الناشرين يركزون - لا شعوريا - على الشكل أيضا، وتارة يمتدحه "أدمن" صفحة معينة، وتارة أخرى يهاجمه، وندور في فلك من يظنون أنهم يتغزلون بالمرأة، ومن يمارسون التنمر
والإساءة إليها. (10)
ج.   المحتوى الذي يستخدم بصورة صريحة خطاب كراهية ضد المرأة، بلغ 11 % إن الأسباب الكامنة خلف هذا الخطاب بحسب الصحفية نسرين علاء الدين" عدة، لكن أهمها من وجهة نظرها التاريخ المجتمعي الذي يربط المرأة بالفتن والمؤامرات والكيد، أو الذي يعد وجودها في الحياة هما لعائلتها إلى حين تزويجها، وما يترتب على الأسرة وفق المنظور الذكوري تجاه ابنتها من مسؤولية حمايتها، وصون شرفها حتى تحميل هذا الهم إلى رجل آخر الزوج المستقبلي).
من جانب آخر ترى علاء الدين أن حصول بعض النساء مؤخرًا على استقلال مادي واعتماد كثيرات منهن على أنفسهن جعل نسبة كبيرة من الرجال يفقدون السيطرة عليها، وولد لديهم إحساسا بالندية معها، إلى جانب ذلك تتجلى ظاهرة انتشار السلاح انتشارًا كبيرًا وعشوائيا في أيدي الفتية والرجال، الأمر الذي يشعرهم بالقوة الذكورية والتفوق على النساء، ما يسهل عليهم استخدام خطاب الكراهية والتعالي والإساءة إلى النساء، ظانين أنهم يحمينهن بهذا السلاح، أو تفاخرا عليهن به
بوصف جل حملة السلاح من الذكور.
ح.   نسبة المحتوى الذي يروج لمنطق الوصاية على النساء بلغت 9.77%
تتفق "بغدادي" و"علاء الدين" في تعليقهما على هذه النسبة، أن القوانين أحد أهم أسبابه (منطق الوصاية)، بوصفها تنص صراحة على التمييز في الحقوق والمنطلقة بطبيعة الحال من النصوص الدينية التي تروج للوصاية والتبعية للرجل القادر على حماية المرأة وإدارة شؤونها، كونها غير أهل
لتقوم بذلك وحدها بحسب الثقافة المجتمعية السائدة.
خ.   المحتوى الذي يتضمن صورًا ذات خصوصية للمرأة بلغ 3% من المحتوى المنشور.
إن ثقافة تملك المرأة السائدة عند بعض الأشخاص ذوي التفكير الذكوري هي ما يدفعهم إلى نشر صور كهذه للنساء، وفق ما تقوله الصحافية علاء الدين، وتضيف أن هناك ثقافة تملك المتضمن عرضا للجسد يعد جاذبًا للاهتمام والمتابعة الكبيرين لتلك الوسائل، وهذا ما قد تتعرض له أي امرأة عاملة في المجال العام سواء في مجال الفن أم التمثيل أم الإعلام والسياسة، مثل ما حصل


المرأة وتسلعها أي تعدها سلعة)، خصوصا إن كانت تعمل في مجال الفن أو التمثيل أو الإعلام، ما يجعلها بحسب تلك الثقافة ملكًا عامًا ومباحًا للتناول والتداول بالطرائق كافة، ولا سيما أن المحتوى
(10) أمل حميدوش، مقابلة شخصية مع نسرين علاء الدين، لقاء مباشر، دمشق 2021/5/21

 

 

العدد السادس عشر - تموز / يوليو 2021


ملف العدد

 


مع إحدى السياسيات السوريات التي نشرت لها صور ذات خصوصية، وجرى تداولها بشكل مسيء على مواقع التواصل الاجتماعي، أو مع الفنانة السورية أيضا التي حولت قصة تسريب صورها إلى موضوع جذب للجمهور وابتزاز وتشهير. لن نذكر اسمي الشخصيتين احتراما لخصوصيتهما).
أما على الجانب الآخر وفي أثناء المقابلة مع مسؤول النشر في صفحة Nawzat Talhat Kazouka حول نشرهم صورًا ذات خصوصية للمرأة، وتحديدًا المشهورات، أجاب أن صفحته لا تنشر لغير المشهورات، لأن ذلك يعد جريمة، بينما الصور العامة للممثلات السوريات فلا مشكلة في نشرها، ما دمن ينشرن صورهن في صفحاتهن، وما دامت الممثلة شخصية عامة، وتضع نفسها أمام الرأي العام فلا بد أن تتوقع تعليقات سلبية وانتقادات حتى في ما يتعلق بشكلها أو أزيائها أو طبيعة منشوراتها، ويضيف أن الممثلات السوريات لا ينشرن أي شيء ذا قيمة أو أي فكرة مهمة، ويعنين فقط بالصور ولا يهتممن بدعم المرأة وقضاياها، بل يحاولن نيل رضا المجتمع الذكوري، وعدم الاصطدام معه.
ومن خلال البحث توبعت صفحات 15 فنانة وإعلامية سورية تحظى بأكثر من 100 ألف متابع وتبين أنهن يعتمدن على سياسة حذف التعليقات التي تحتوي على إساءة إليهن، وبخاصة الجنسية
منها أو التي تتناول عائلاتهن بصورة مسيئة أيضا.
د.   المحتوى الذي يحرض على العنف تجاه المرأة أو يبرره بلغ 1.18% من المحتوى المنشور.
يلاحظ من النسبة المتدنية مقارنة بالنسب السابقة للمحتوى الذي يتضمن الدعوة إلى العنف أو يبرره تجاه المرأة، بحسب رأي الصحفية علاء الدين، أن ذلك يعود إلى العمل التراكمي والطويل للنضال النسوي على الأرض ومن خلال الحملات التوعوية التي تناهض العنف بصورة كافة تجاه المرأة، والذي بدأ يحصد آثاره الإيجابية، وإن كانت ما تزل تحتاج إلى العمل أكثر من أجل القضاء عليها قضاء كاملا من المجتمع، إضافة إلى أثر السياسة المقيدة التي يفرضها موقع "فيس بوك"، ويمنع نشر المحتوى الذي يدعو إلى العنف، فضلا عن أنه أصبح هناك خوف من المعنفين أو من يساندهم من ردة فعل الجمهور أو المتابعين التي قد تتحول إلى حملات مناصرة ضدهم يقودها مناصرو المرأة.

 

 

ملف العدد


العدد السادس عشر - تموز / يوليو 2021


خامسا: استنتاجات الدراسة


1.   إن واقع النساء السيئ في المجتمع وحقوقهن المنقوصة في الدستور والقانون والمجالات المختلفة من الأسباب الرئيسية لتكريس الصورة السلبية للنساء على مواقع التواصل الاجتماعي التي تعد انعكاسا للمجتمع.


2.   ثمة شريحة واسعة تعامل النساء الواقعات في دائرة الشهرة خصوصا الفنانات على أنهن ملكية عامة ومستباحة للتنمر والسخرية، وعرض الصور الخاصة والعامة، وتوجيه الإساءة إليهن.


3.   الطريقة الأسهل والأكثر شيوعًا لتمرير الانتهاكات في حق النساء هي "الفكاهة والكوميديا"، وهذه النتيجة توصلنا إليها من خلال ثلاث وسائل الرصد، التحليل" و"المقابلات" المباشرة مع مسؤولي الصفحات وصانعي المحتوى.

4.   أكثر من 80% من مديري الصفحات المرصودة تراوح أعمارهم بين 20 و 28 عاما، أغلبهم أيضًا من الذكور، وهم متغيرون باستمرار، باستثناء مؤسس الصفحة أو مالكها، وهو مؤشر على كيفية رؤية جزء من جيل الشباب النساء أو ماذا يعرف هؤلاء الشباب عن حقوق المرأة.


5.   تنخفض انخفاضا ملحوظاً نسبة المنشورات المتعلقة بالنساء في الصفحات الخاصة لشخصيات عامة، وذلك بمتابعة ثلاث صفحات لشخصيات عامة، سياسية وإعلامية كانت نسبة المنشورات المتعلقة بالنساء لا تتجاوز 3% ، وهذا مؤشر سلبي تجاه حجم وضع قضايا المرأة في التداول، وطرحها من النخب والفاعلين في الشأن العام.

6.   إرضاء الجمهور والمتابعين والحصول على تفاعلاهم هو الهدف الرئيس عند مسؤولي الصفحات وصانعي المحتوى في مواقع التواصل الاجتماعي، وهذا ما يجعل نشر المحتوى المتضمن إساءة أو تنمرًا بصورة واعية ومقصودة أمرًا مبررًا عندهم، في حين يلاحظ عند فئة من المسؤولين عن هذه الصفحات غياب المعرفة أصلا بقضايا الجندر، ومجالات التمييز أي إن المنشورات ليست ناجمة بالضرورة عن موقف واع ومعاد لحقوق النساء أو للنساء أنفسهن.


7.لا يمكن إنكار دور وسائل التواصل الاجتماعي في دعم قضايا المرأة والمناصرة والحماية والتمكين والوعي بحقوقها المختلفة، لكن الدور السلبي لهذه الوسائل في الإساءة والتمييزوتكريس الصور النمطية لا يمكن الاستهانة به، ويلزم التوقف عنده.

 

 

العدد السادس عشر - تموز / يوليو 2021


ملف العدد

 


سادسا: توصيات الدراسة


1.   العمل على تغيير البيئة القانونية والتشريعية لصالح الحقوق المتساوية والمنصفة للنساء في المجالات السياسية والاجتماعية والاقتصادية كافة، لأنها القاعدة الأساس لمواجهة الثقافة المجتمعية السلبية، والعادات والتقاليد التي لا تؤمن بالمساواة بين المرأة والرجل.

2.   التعاون الرسمي من جانب الدولة مع المجتمع المدني في تكثيف العمل على حملات التوعية على وسائل التواصل الاجتماعي نفسها بحقوق النساء ومخاطر التمييز على المجتمع.

3.   إنشاء منصات على مواقع التواصل الاجتماعي، ودعمها لرصد الانتهاكات بحق النساء، وتحديدها، ونشر الوعي والمعرفة حول مجالات التمييز والإساءة.

4.    التوجه إلى صناعة محتوى داعم ومناصر لحقوق النساء، لا سيما بالطرائق الكوميدية الساخرة ذاتها، لأنها الأكثر تفاعلا ومتابعة من فئات المجتمع جميعها، مع وضع معاييروضوابط لحدود هذه السخرية وطرائقها.

5. ضرورة تكثيف العمل مع فئة الشباب، والعمل على بناء قدراتهم، وتدريبهم ذكورا وإناثًا للقيام بالمبادرات والمشروعات، لا سيما الإعلامية، وفي وسائل التواصل الاجتماعي، تدعم حقوق المرأة وتناصرها.

6. ضرورة التنسيق والتشبيك بين المنظمات والجمعيات النسوية، ومع الجمعيات والمنظمات الأخرى في المجتمع المدني السوري، للعمل معا على تشكيل خطاب واع ومعتدل وبناء لصالح حقوق النساء، وبعيد عن اللغة الهجومية والمعادية للرجال، بل خطاب يعده شريكا أساسًا في المناصرة، لتكون حقوق النساء قضية مجتمع، لا قضية المرأة فقط.

7.   التوجه إلى إدارة شركة "فيس بوك" بحملة ضغط ومناصرة ومراسلات لتغيير معايير المجتمع لديها، بما يسهم في تقييد النشر الذي يسيء إلى المرأة، مشابها القيود التي يفرضها على كثير من المجالات، من مثل ما يحرض على العنف أو ينتهك الخصوصية أو الملكية الفكرية وغيرها.

8.   التواصل والتعاون مع مديري الصفحات التي تنشر محتوى مسينا، ولفت نظرهم إلى أن المحتوى الذي يقدمونه يسيء إلى النساء.

9.   دعوة مديري الصفحات إلى تدريبات، أو مؤتمرات وحوارات حول قضايا المرأة، بهدف تمكينهم وتعريفهم بهذه الحقوق ومفهومات العدالة وعدم التمييز.


10.   العمل على نشر الوعي لدى النساء خصوصا، والجمهور عموما، والتدريب على سياسات

 

 

ملف العدد


العدد السادس عشر - تموز / يوليو 2021

 


النشر في مواقع التواصل الاجتماعي، وكيفية العمل على الإبلاغات وتقييد النشر المسيء فيها.


11.   العمل على وضع ميثاق شرف أو مدونة سلوك للصفحات العامة والمتابعة من الجمهور تحتوي على محددات والتزامات لمنع نشر المحتوى المسيء إلى النساء، وما يرافق ذلك من عمل وتدريب للمشرفين وصانعي المحتوى في تلك الصفحات على مفهوم الجندر واللغة
الحساسة له، ما يسهم في نشر محتوى غير تمييزي بحق النساء.

 

©2023 جميع الحقوق محفوظة لـ بوليفارد