• Avenue Pasteur 63, 10000

    Troyes, France

  • البريد إلكتروني

    info@musawasyr.org

#

زواج القاصرات السوريات في تركيا من منظور نسوي

 

 زواج القاصرات السوريات في تركيا من منظور نسوي دراسة كيفية

هدى أبو نبوت)1)

أولً: ملخص الدراسة

يعيش الآن في تركيا مجتمع كبير من اللاجئين/ات، يقترب عددهم/ن من أربعة ملايين، أكثر من نصفهم/ن من النساء والأطفال، حملوا معهم/ن تركة ثقيلة من العادات والتقاليد التي سببت مشكلات قانونية، وأعباء إضافية لم يتوقعوا أن تكون سببًا يزيد حدة اللجوء وقسوة أوضاعه. من ضمن ذلك الإرث الثقيل الزواج المبكر، ويعد ظاهرة شائعة اجتماعيًا في سورية، ومبررة قانونيًا، على الرغم من انحسار هذه الظاهرة قليلًا في السنوات الأخيرات قبل الثورة عام 2011، ولكنها عادت بقوة إلى الظهور من جديد في أماكن النزوح في الداخل السوري ودول اللجوء المجاورة، ومن ضمنها تركيا.

تلقى اللاجئون/ات صدمات ثقافية كبيرة بسبب اختلاف العادات والتقاليد، ولكن أعنفها كانت القانونية منها، وخصوصًا ما يتعلق بزواج القاصرات، واكتشف السوريون/ات أن الزواج المبكر يعد جريمة في القانون التركي، ويرقى إلى جرائم الاستغلال الجنسي. على الرغم من ذلك لم تتوقف هذه الزيجات، بل استمرت خارج الإطار القانوني، ما يترك آثارًا سلبية في القاصرات بصورة مباشرة، تتمثل في حرمانهن من حقوقهن القانونية حرمانًا كاملًا، وفقدهن شرعية تسجيل الزواج في المحاكم التركية، إضافة إلى صعوبة تثبيت الزواج في المحاكم السورية، وتأتي أهمية هذه الدراسة من تسليط الضوء على هذه المعاناة، وإطارها القانوني، والبحث عميقًا في جذورها وأسباب استمرارها، اعتمدنا المنهج النوعي الكيفي في تحليل المعلومات الواردة من عينة الدراسة، من خلال المقابلات الشخصية مع عدد من القاصرات السوريات المتزوجات في تركيا. وانتهى البحث إلى مجموعة من النتائج والتوصيات والمقترحات.

 

)1) باحثة سورية مهتمة بالنسوية.

ثانيًا: مقدمة نظرية منهجية 

. مشكلة الدراسة

يقيم حوالى أربعة ملايين لاجئ سوري في تركيا منذ ما يقارب عشر سنوات حتى الآن، بسبب استمرار الحرب الدائرة هناك. لم تنتقل هذه المجموعات في كتل بشرية من دولة إلى أخرى فحسب، بل حملت معهما عادات وتقاليد مختلفة، منها ما يتوافق مع بيئة البلد المضيف، وأخرى تتعارض معه من مثل ظاهرة زواج القاصرات.

وبما أن الزواج المبكر شائع في سورية اجتماعيًا، استمر بين اللاجئين السوريين، ولكن مع مرور حوالى عقد على وجود السوريين في تركيا، تحولت المشكلة يومًا بعد يوم إلى ظاهرة أصيلة في مجتمع اللجوء، تكرس العنف ضد المرأة، إضافة إلى التبعات الاجتماعية والاقتصادية الناتجة من استمرارها.

يجرم الزواج المبكر في القانون التركي، ويدرج تحت جرائم الاستغلال الجنسي، وتفاقم هذه الظاهرة يزيد من عزلة اللاجئات، ويقلل فرص الاندماج بالمجتمع المضيف، وعلى الرغم من المعوقات القانونية، لم يتوقف زواج القاصرات بين السوريين بسبب عوامل اجتماعية متوارثة تشجع على الزواج المبكر، وأخرى اقتصادية مرتبطة بأوضاع اللجوء القاسية، في المقابل وضع اللاجئات وأسرهن أمام تحديات وصعوبات قانونية إضافية.

. أهمية الدراسة 

الوقوف على واقع النساء وتأثير الأحوال الاجتماعية والاقتصادية الاستثنائية التي تعرضت لها الأسر اللاجئة في قرار أهل الفتاة تزويجها، والآثار القانونية المحتملة في القاصر في ظل استمرار الزواج المبكر خارج الإطار القانوني في تركيا.

. أهداف الدراسة

تهدف هذه الدراسة الى تسليط الضوء على معاناة القاصرات في تركيا، والعنف الممارس عليهن بدفعهن إلى الزواج المبكر، من ثم حرمانهن من التعليم، والخروج بتوصيات واقتراحات تساعد في الحد من هذه الظاهرة ومنع تكرارها مع إيجاد سبل لحماية القاصرات من أنواع العنف المحتمل ضدهن كافة.

. منهجية الدراسة

اعتمدت الدراسة المنهج النوعي/ الكيفي عبر جمع البيانات مثل نصوص المقابلات، والتقارير الإعلامية التي رصدت الظاهرة، والدراسات السابقة، وتحليلها بطريقة استقرائية، إضافة إلى ملاحظات الباحثة الحسية، لمحاولة فهم انتشار الظاهرة واستمرارها، وبناء صورة شمولية عنها.

وعلى الرغم من وجود كثير من الأبحاث حول موضوع العنف ضد النساء، وتداعياته على الصحة الجسدية والنفسية، فإن هذا البحث مبني على شهادات حية لعشر فتيات قاصرات سوريات لاجئات في تركيا، وقد تبنى مقاربة نسوية تحلل قضية العنف الواقع على المرأة مركزًا، وتأثير المتغيرات المتمثلة في أوضاع اللجوء ومآلاته القانونية والاجتماعية والاقتصادية، يستند البحث إلى تجارب الفتيات السوريات القاصرات اللاجئات المضطهدات، وخبراتهن اليومية. ويحاول الغوص في العنف القائم على النوع الاجتماعي، وفهم تموضع الفتيات القاصرات في عالم ممتلئ بالعنف تجاههن، من وجهة نظر أولئك الفتيات وتجاربهن.

. عينة الدراسة

أجرت الباحثة مقابلات شخصية مع عشر فتيات سوريات قاصرات تراوح أعمارهن بين )16و81) عامًا، ومسى على زواجهن ثلاث سنوات في الحد الأدنى، ما يعني أن بعضهن كنّ قاصرات خلال مدة الزواج، وأخريات ما زلن، واختيرت العينة مع مراعاة ما يأتي:

الفئة العمرية للفتيات عند اللجوء إلى تركيا: وصلن إلى تركيا وهن طفلات بين سن 10 و13عامًا.

السن عند الزواج: تزوجن وهن قاصرات بين سن 14و16من العمر.

المستوى التعليمي: لم يتخطين أغلبهن مرحلة التعليم الإعدادية.

عدد الاطفال: ثمة أمهات لديهن طفلان على الأقل، وبعضهن أصبحن مطلقات قبل أن يصبحن أمهات.

المهنة: ربات منزل، وبعضهن يعملن أعمال متنوعة بعيدة عن خبراتهن.

جرت المقابلات في أيار/ مايو 2021، عبر الاتصال الهاتفي واستخدام تطبيقات الإنترنت، في المدن التركية التي تضم أكبر تجمع من اللاجئين السوريين، وتوزعت جغرافيًا في كل من )إسطنبول، غازي عنتاب، شانلي أورفا، الريحانية، هاتاي.(

وأجرت الباحثة مقابلات شخصية مع متخصصين قانونين للاطلاع بصورة أدق على الوضع

القانوني لزواج القاصرات السوريات في تركيا والآثار السلبية الناتجة من هذه الظاهرة.

ثالثًا: مفهومات الدراسة ومصطلحاتها 

. القاصر

عرفت وثيقة حقوق الطفل الصادرة عن اليونيسيف القاصر بأنه أي شخص لم يبلغ الثامنة عشرة من عمره.)2) 

أما التعريف القانوني للقاصر: هو شخص دون سن معينة، وعادة ما يكون سن الرشد، وهو السن الذي يرتبط بالأهلية، وتحدد الأهلية قانونًيا الطفولة من مرحلة البلوغ، هي السن التي إذا بلغها الإنسان استطاع تحمل مسؤولية نفسه أمام القانون بغير الرجوع إلى ذويه، وتتاح له حقوق من مثل الزواج والإنجاب والانتخاب، وحُدد سن الرشد في أغلب دول العالم بـ 18 عامًا، وكل من هو تحت هذا السن قاصر.)3)

. اللجوء/ اللاجئ 

اللجوء صفة قانونية قوامها حماية تُمنح لشخص )اللاجئ( الذي غادر وطنه خوفًا من الاضطهاد أو التنكيل أو القتل بسبب مواقفه أو آرائه السياسية أو جنسه أو دينه. وقد يُفرض اللجوء على الناس فرضًا نتيجة حرب أهلية، أو غزو عسكري أجنبي، أو كارثة طبيعية أو بيئية، بحسب ما تعرفه مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين)4).

. الزواج المبكر

عرفت وثيقة حقوق الطفل الصادرة عن اليونيسيف الزواج المبكر بأنه الزواج في سن أقل من

 

)2) اتفاقية حقوق الطفل، موقع الامم المتحدة، حقوق الإنسان، موقع المفوض السامي اتفاقية حقوق الطفل وفق الأمم المتحدة

)3) قانون 4 المتضمن تعديل بعض مواد من قانون الأحوال الشخصية السوري، موقع الجمهورية العربية السورية، رئاسة الوزراء، 2019https://2u.pw/ ،

pQdT1

   https://2u.pw/MBXLf ،موقع الأمم المتحدة (4

الثامنة عشرة)5). ومن وجهة نظر القانون التركي لا يعد زواجًا، ويصنف جريمة اعتداء جنسي علىقاصر.

. الدور الجتماعي )الجندري(

باللغة الإنكليزية تشير كلمة “Gender“ إلى النوع الاجتماعي أو الجنوسة في اللغة العربية، ويشير هذا المصطلح إلى الخصائص التي يحملها الرجل والمرأة بوصفها صفات مركبة اجتماعية، لا تتعلق بالاختلافات العضوية، فإذا كانت الجنوسة اللغوية النحوية محض بناء أو تركيبة عرفية تقتضيها خصائص اللغة، فإن التمييز النوعي الجنسي )البيولوجي( بين الذكر والأنثى هو تمييز تركيبي مؤسساتي ثقافي، وليس خصيصة بيولوجية طبيعية)6).

ويفسر مصطلح النوع الاجتماعي “الجندر” بأنه العلاقات والأدوار الاجتماعية التي يحددها المجتمع لكل من المرأة والرجل، وتتغير هذه الأدوار بتغير المكان والزمان، وذلك لتداخلها وتشابكها مع العلاقات الاجتماعية الأخرى مثل الدين والطبقة الاجتماعية والعادات والتقاليد والعرق والبيئة والثقافة)7).

. العنف الجنسي ضد النساء

أي فعل أو محاولة أو تهديد يكون جنسيًا في طبيعته، وينفذ من دون موافقة الضحية. ويشمل العنف الجنسي الاغتصاب والاعتداء الجنسي والمضايقة والاستغلال والإكراه على البغاء. ويمكن أن يحدث ذلك في إطار الزيجات، ولا سيما عندما لا يوافق أحد الزوجين على النشاط الجنسي.)8) ويشير صندوق الأمم المتحدة للسكان في موجزه للمناصرة بعنوان “العنف القائم على نوع الجنس في سوريا“ إلى ال زواج المبكر/ القس ري بوصفه أحد الأش كال المختلف ة م ن العن ف المبن ي على الجنس)9) .

 

)5) زواج الاطفال، موقع الأمم المتحدة للسكانhttps://2u.pw/lXu7H

)6) خضر إبراهيم حيدر، “مفهوم الجندر،“ الاستغراب، ع16، )9102)https://2u.pw/2cyUH ،

)7) عصمت محمد حسو، الجندر الأبعاد الاجتماعية والثقافية، )عمان: دار الشروق، 2009(، ص63.

العنف الجنسي والعنف القائم على الجنس، موقع الأمم المتحدة للاجئين، تركيا (8( https://help. unhcr. org/turkey/ar/social-economic-and-civil-matters/sexual-and-gender-based-violence/

9)  العنف القائم على نوع الجنس في سوريا )2019(، الأمم المتحدة للسكانhttps://2u.pw/HIje2

. الصحة الإنجابية

وهي حال من اكتمال السلامة البدنية والنفسية والعقلية والاجتماعية في الأمور ذات العلاقةبالجهاز التناسلي ووظائفه للرجل والمرأة على حد سواء، لكن يرتبط مفهوم الصحة الإنجابية ارتباطًاأساسًا بالمرأة لأن المسؤولية الكبرى في العملية الإنجابية ووسائل تنظيمها تقع على عاتقها)01).

. الحماية المؤقتة

الوضع القانوني الذي ينظم حياة جنسيات بعض البلدان التي يتعرض أبناؤها لحروب أو كوارث طبيعية، ويلجؤون إلى تركيا طلبًا للحماية. وثبُت الوضع القانوني للسوريين في تركيا بوضوح تحت لائحة الحماية المؤقتة عام )11)2014، ويحصل بموجبه السوريون على الرعاية الصحية والتعليم والخدمات الاجتماعية.

رابعًا: جذور دينية ممتدة وأعراف اجتماعية سائدة

ما زال الزواج المبكر ممارسة شائعة في عدد من دول العالم، على الرغم من الجهد الكبير الذي تبذله برامج الأمم المتحدة للتنمية المستدامة للحد من هذه الظاهرة، فهنالك اثنا عشر مليون قاصرة يتزوجن في كل عام)21). وفي الوقت الذي تحاول فيه الحكومات التصدي لهذه الممارسة، فإنها عادت لتصبح ظاهرة مثيرة للقلق في المجتمع السوري في السنوات الأخيرات.

لا يمكننا القول إن الزواج المبكر في سورية كان دخيلًا على البيئة الاجتماعية يومًا ما، بل ظاهرة متجذرة في المجتمع، يزداد ويتناقص تبعًا لأوضاع عدة، من مثل الفروقات بين الريف والمدينة، ومستوى التعليم، والوضع الاقتصادي للعائلة، فضلًا عن أنه سلوك اجتماعي متوارث، تتداخل فيه العادات والتقاليد مع التفسيرات الدينية اللاتي كرست زواج القاصرات نمطًا سائدًا، مع إضفاء الغطاء الشرعي عليه من وحي الشريعة الإسلامية التي شجعت على هذا الزواج تيمنًا بالقصة المتداولة عن زواج الرسول محمد “ص“ بالسيدة عائشة في سن التاسعة، واعتمادها قدوة محببة للمسلمين والمسلمات، إضافة إلى حجج الفقهاء في رفض تحديد سن الزواج، والتأكيد أن القاعدة الشرعية التي تحدد صحة الزواج هي البلوغ عند الأنثى، وتختصر علامات البلوغ بالحيض والقدرة على الحمل،

 

)01) مية الرحبي، النسوية مفاهيم وقضايا، )دمشق: الرحبة للنشر والتوزيع، 2014(، ص366.

)11) مراد أردوغان، إطار العيش المشترك في انسجام مع السوريين، )أنقرة: مكتبة أوروين، 2020(، ص28.

21) زواج الأطفال، موقع الأمم المتحدة للسكانhttps://2u.pw/MC99a 

بالتوازي مع التركيز بالفتاوى المختلفة على ضرورة “تحصين الذكور والإناث“ من الوقوع في “طريقالحرام،“ عبر الانخراط في علاقات تصنف غير شرعية، ولا يتم ذلك التحصين إلا من خلال الزواجبغض النظر عن السن)31).

هنا لا بد من الإشارة إلى ما قالته إحدى القاصرات، وهي مقيمة حاليًا في إسطنبول، وتزوجت في الـ 14من عمرها: ))في عادات ربيوا عليها أهالينا إنو البنت بس بلغت واجتها الدورة الشهرية صارت جاهزة للزواج(() ).

وعلى الضفة الأخرى، تتماهى بعض القاصرات مع تلك الحجج الشرعية، وتقول إحدى القاصرات التي تزوجت في 16من عمرها: ))ديننا الإسلامي يسمح بالزواج المبكر، وتقاليدنا الاجتماعية لا ترى مانعًا شرعيًا، وتدفع باتجاه تحصين الشباب بالزواج، ولنا قدوة بزواج الرسول من السيدة عائشة بعمر 9 سنوات(()51). 

من خلال المقابلات تبين بأن العادات والتقاليد تلعب دورًا محوريًا في تطبيع القاصرات منذ الطفولة مع الأدوار الاجتماعية النمطية لهن بوصفهن إناثًا، أو ناقلات للنسب، أو حاضنات للأجنة، ما يجعل أدوارهن في المجتمع تتلخص في الزواج والأمومة والإنجاب، ويمهد للربط بين فكرة الخصوبة والعمر البيولوجي للمرأة التي تتحمل الدور الإنجابي وحدها بمعزل عن الرجل، فيصبح التوجه العام للمجتمع يصب في صالح الزواج المبكر، ويشجع عليه.

تقول إحدى القاصرات، وهي مقيمة في ولاية شانلي أورفا: ))أهلنا تربوا على أن المرأة لبيت زوجها، ولا يعيبها أو يمنع زواجها صغر سنها(()61).

حري بنا هنا أن نعزو هذا الخلل في الدور الاجتماعي إلى حرمان الفتيات من التعليم، ما كرس الحال الطبيعية لصورة الذكر/ الرجل خارج المنزل بغية الدراسة أو العمل، وبالمقابل وجود المرأة في داخل المنزل أمًا ومربية للأطفال )ربة منزل(، في ثنائية نمطية مقيتة. بحسب التقرير الصادر عن منظمة “سوريون من أجل الحقيقة والعدالة” بعنوان ظاهرة “الزواج المبكّر” تُسجّل نسبًا قياسية في بعض المناطق السورية، و))يلعب عامل الدراسة والتعليم دورًا هامًا في انتشار حالات الزواج المبكر، حيث أدت الأحداث الدائرة في سوريا إلى ابتعاد الكثير من الاطفال عن التعليم لأسباب عدّة، أهمها الواقع الأمني السيء والنزوح المستمر للسكان، إضافة للعادات والتقاليد التي تحرم الفتاة من متابعة

 

)31) نصر فريد محمد واصل، تزويج القاصرات، )مكة: المجمع الفقهي الإسلامي، 2019(، ص45.

)41) هدى أبو نبوت، مقابلة شخصية مع ه. أ، عبر الهاتف، )إسطنبول: 3 أيار/ مايو.(

51) هدى أبو نبوت، مقابلة شخصية ش. م، عبر تطبيق الواتساب، )غازي عينتاب: 6 أيار/ مايو.(

61)  هدى أبو نبوت، مقابلة شخصية مع ش، ر، عبر تطبيق الماسنجر، )شانلي أورفا: 7 أيار/ مايو.(

تعليمها(()71).

أمّا في تحليل معالجة الحكومة السورية لتلك الظاهرة، فقد كانت الحلول جميعها التي تتبناهابالدفع إلى تحسين واقع النساء تجميلية، ومن بينها التعامل مع ظاهرة زواج القاصرات، على الرغممن تعديل قانون الأحوال الشخصية السوري، إذ أصبح ينص على أن أهلية الفتاة للزواج إتمام سن الثامنة عشرة من عمرها، لكنه يبيح في الوقت نفسه زواج الفتيات عند البلوغ بقرار من القاسي الشرعي، وتقتصر عقوبة عدم تسجيل الزواج في المحاكم على دفع مبلغ مالي، ما يترك الباب مفتوحًا لاستمرار هذه الظاهرة تحت مظلة القانون، كذلك يمكن تسجيل الزواج إذا كان الحمل ظاهرًا مع عقوبة بسيطة وفق المادة )81)40.

خامسًا: ظاهرة مستمرة وأرقام غائبة

في بلد اللجوء الجديد بدأ السوريون/ات حياة جديدة في بلد ذي لغة أجنبية، ما زاد شعور الاغتراب، ونتيجة ذلك تجمعوا بطريقة مستقطبة في مدن وأحياء معينة، لم يقتسموا فيها معًا وطأة الحرب ونتائجها فحسب، بل حملوا معهم عاداتهم وتقاليدهم، ومن بينها الزواج المبكر، وأدى هذا التقوقع وصعوبة الاندماج في المجتمع التركي إلى جهل أغلب اللاجئين/ات بالعادات والتقاليد والقوانين في تركيا، وفي هذا السياق خلال مقابلة مع المحامي السوري أحمد صوان قال: ))اصطدم عدد كبير من السوريين/ات بأن ما يعد تراثًا وعرفًا مشرعنًا دينيًا وقانونيًا في بلدهم، مجرم وممنوع قانونيًا، ويصنف “استغلالًا جنسيًّا“ في البلد المضيف(()91).

وقالت قاصرة سورية متزوجة وتقيم في إسطنبول: ))لم أكن أعلم.... لأنه مجتمع جديد علينا ولا يوجد أي علاقة بينا وبين الأتراك بسبب مشكلة اللغة وأهلي لم يكونوا يعرفون ولم يهتموا لمعرفة القانون التركي(()02).

لا يوجد إحصاءات رسمية دقيقة عن حجم ظاهرة زواج القاصرات السوريات في تركيا، ولكنها تحولت في مجتمع اللجوء إلى ظاهرة أصيلة ومستمرة، تلاحظ خصوصًا في الأحياء المكتظة والفقيرة

 

)71) د.م، “ظاهرة الزواج المبكر تسجل نسبًا قياسية في بعض المناطق السورية،“ سوريون من أجل الحقيقة والعدالة )0202) 

https2//:u.p w/fNlKF   

)81)  قانون الأحوال الشخصية السوري ،https://2u.pw/TmuNY تمت زيارة الرابط تاريخ 4تموزالساعة السابعة مساء.

)91) هدى أبو نبوت، مقابلة شخصية مع المحامي أحمد صوان المنخرط في قضايا اللجوء السوري في تركيا، عبر تطبيق الواتساب، )غازي عنتاب: 11 أيار/ مايو.(

02) مع م. ل، )إسطنبول، أيار/ مايو.(

في المدن الأكثر ازدحامًا باللاجئين/ات السوريين/ات، في حين تقدر الأمم المتحدة أن حوالى 26 % إلىثلث الفتيات السوريات؛ يتزوجن تحت سن 18 في تركيا)12)، إلا أن هذه الإحصاءات عامة ومتغيرة،لأن الزواج يحدث خارج المنظومة القانونية، ولا يمكن لمركز الإحصاء التركي أن يقدم معلومات دقيقة عن الظاهرة، بسبب افتقاره إلى قاعدة البيانات التي تزوده بها الحكومة.

وفي ضوء دراسة أعدتها جامعة حكومية تركية عام 2018 حول انتشار الزواج المبكر بين اللاجئين السوريين في تركيا، كشفت أرقام تدق ناقوس الخطر حجمَ الظاهرة وانتشارها، وأظهرت نتائج الدراسة أن 12 % من السوريات يتزوجن قبل سن 15 عامًا، و39 % من الفئة العمرية 15-19 عامًا لديهن أطفال أو يتهيأن لوضع مولودهم الأول)22).

سادسًا: أثر اللجوء وانعكاساته في زواج القاصرات السوريات 

دفعت الأوضاع القانونية والمعيشية الجديدة التي فرضتها حال اللجوء على السوريين/ات في تركيا)32) إلى عودة زواج القاصرات بقوة إلى الواجهة من جديد، وازدادت نسبة الزواج المبكر، ما أصبح من السهل ملاحظته في تجمعات اللاجئين/ات في المخيمات، أو المدن التركية المختلفة، وبما أن العادات والتقاليد تقدم الشرعية الاجتماعية لإتمام الزواج، جاءت بيئة اللجوء الجديدة التي فرضت على السوريين/ات، و هيأت الأرضية الخصبة لتلك الزيجات، وحولت الزواج المبكر لظاهرة مقترنة بمجتمع اللاجئين/ات السوريين/ات، على الرغم من العوائق القانونية التي تجرم هذا الزواج، لكن هذا لم يستطع أن يوقف تفسي الظاهرة أو يحد منه)42).

لعلّ أحد الأسباب التي فاقمت تلك المشكلة وفق التقرير الذي أعدته منظمة “عدل وتمكين”)52) الخلافُ بين توجهات المجتمعَين اللاجئ والمضيف الدينية، بحيث وجدت شرائح كبيرة ومختلفة من المجتمع السوري التي تغلب عليها الطابع المحافظ، وتعيش في بلدها ضمن ضوابط دينية يحميها القانون في مواجهة دولة ذات نظام علماني ينظم فيها العلاقات الاجتماعية والقانونية، وقانون مدني

 

)12) جبين بهاتي، ما هي الدول التي تشهد ارتفاعا في زواج القاصرات السوريات، الفنار للإعلام )2020https://2u.pw/dAc2h .)

)22) د.م، “دراسة أجرتها جامعة تركية بعنوان 12 %من النساء السوريات يتزوجن قبل سن 15“، موقع هابرلار، )2018(.

 https://2u.pw/wgUB5 

)32) مجموعة من الباحثين، “واقع اللجوء السوري في تركيا، مركز حرمون للدراسات المعاصرة،“ )2020(، https://2u.pw/MMQQH 

42) هدى أبو نبوت، مقابلة شخصية مع المحامي أحمد صوان.

52) منظمة مجتمع مدني غير حكومية مرخصة في تركيا، تركز على دراسة العنف ضد الفتيات والنساء اللاجئات عمومًا وفي تركيا.

لا يعتمد على الأحكام الشرعية كما هو الحال في سورية)62).

واكتشف اللاجئون/ات السوريون/ات بأن المرأة التركية تتمتع بحقوق مدنية، وهامش منالحريات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية لا تتمتع به المرأة السورية، ما سبب صدمة ثقافيةعند العائلات السورية، وأصبح لديها هاجس أن تسلك المراهقات سلوكًا يصنف غير مقبول في سياق العادات والتقاليد في سورية، وفق تقرير آخر لمنظمة “عدل وتمكين”)72).

من بين الحلول التي تُعدّ متوافرة تزويج المراهقات قبل أن يكبرن ويقلدن قريناتهن التركيات في السلوك الاجتماعي الذي أشير إليه أعلاه بأنه غير مقبول وفق العادات السورية.

تقول إحدى القاصرات اللواتي قوبلن في البحث: ))العادة أولًا وأخيرًا.. من الصعب تغيير أفكار المجتمع عن تزويج الفتيات والسترة عليهن، خصوصًا بمجتمع جديد علينا، ولديه عادات مختلفة، يخافون أن تتطبع الفتاة بطبع النساء في تركيا(()).

تضافرت تلك الدوافع كلها لدى المجتمع السوري اللاجئ لدفع الأهالي إلى تأمين الاستقرار المكاني والغذائي للفتيات، وتخفيف العبء الاقتصادي عن العائلة، بدلًا من الاستفادة من أجورهن البخسة وعمالتهن في السوق التركي، وفي النتيجة احتكاكهن مع المجتمع وسط وجود هواجس التحرش أو الابتزاز الذي يمكن أن تتعرض له الفتيات في سوق العمل، خصوصًا أنهن لاجئات، ويجهلن حقوقهن، وكيفية الدفاع عن أنفسهن، مع عائق اللغة الذي يكبل الفتيات وأهاليهن في التعامل مع أي مشكلة قانونية محتملة.

في هذا السياق تقول إحدى القاصرات المتزوجات في ولاية إسطنبول: ))الحياة صعبة هنا لأن أ هلي لو لم يزوجوني، سأضطر للعمل في ورشات الخياطة لساعات طويلة(()).

نتيجة لذلك تحرم كثير من الفتيات من التعليم بسبب تفضيل الأهل تزويجهن على إكمال تعليمهن في المدارس التركية، وعلى الرغم من الخطط الحكومية التركية لتوفير التعليم للأطفال السوريين/ات، من خلال عملية دمجهم في المدارس الحكومية التركية، أو عبر مراكز التعليم الموقتة، إلا أنها لم تحل مشكلة تسرب الأطفال من التعليم، خصوصًا في المرحلتين الإعدادية والثانوية، ومنثم تسرب الفتيات المراهقات من التعليم لأسباب مختلفة، وبذلك يصبح التعليم ترفًا لا تقوى العائلةعلى تحمل نفقاته.

كما حدثتنا إحدى القاصرات وهي مقيمة في ولاية غازي عنتاب: )) ماحدا أجبرني على الزواج لأني كنت أعيش في المخيم، وجدت هذه فرصة للخروج من حياة المخيمات بعد اللجوء لتركيا، وأنا لا أريد أن أكمل دراستي، فأنا لا أحب التعليم، وخصوصًا بلغة أجنبية ما بعرف عنها سي، وأهلي يفكرون أن الزواج سترة للمرأة وسنة الحياة(())03.

سابعًا: الزواج في القانون بين سورية وتركيا

انطلاقًا من اتفاق أغلب دول العالم على أن الزواج هو الطريقة المثالية لبناء مجتمع متماسك وصحيح البنيان، اهتمت الدول بوضع قواعد تحدد شروط إنشاء هذه العلاقة القانونية، وتحدد الالتزامات القانونية المفروضة على الأطراف، والحقوق الممنوحة لكل طرف. يمكن القول إن أهلية الزواج هي أحد أهم الشروط المطلوبة لتأسيس هذه العلاقة، والإخلال بهذا الشرط يولد نتائج قد تصل إلى إبطال هذه العلاقة المقدسة.

على الرغم من تعديل المادة 16 من قانون الأحوال الشخصية السوري، برفع سن الزواج من 71 حتى 18 عام، لم يحسم ذلك الجدلَ، وبقي الباب مفتوحًا لاستمرار تزويج القاصرات خصوصًا بوجود المادة الثامنة عشر)13) من قانون الأحوال الشخصية التي تنص على أنه في حال ادّعى المراهق البلوغ بعد إتمامه الخامسة عشرة، أو المراهقة بعد إتمامها الثالثة عشرة، وطلبا الزواج بإذن من القاسي، يحق لهما ذلك، إذا تبين له )للقاسي( صدق دعواهما، وتحمل جسميهما. استنادًا إلى هذه المادة لا يوجد أي عائق قانوني يقف أمام الزواج المبكر في سورية، ما عرض اللاجئين/ات السوريين/ات في تركيا لمشكلات قانونية لم تكن بالحسبان.

في حين إن القانون المدني التركي يجرّم زواج القاصرات، وتنص المادة “124“على أنه: ))لا يحق للشاب أو الفتاة الزواج قبل أن يتموا سن الـسابعة عشرة تمامًا، لكن يجوز للقاسي أن يسمح بزواج الفتاة أو الشاب في حال إتمامهم سن الـسادسة عشر، في ظروف استثنائية ولسبب مهم، كما يجب

 

03)  هدى أبو نبوت، مقابلة شخصية مع قاصر، عبر الواتساب، )غازي عنتاب: 7 أيار/ مايو.(

13)  قانون الاحوال الشخصية في سوريا https://2u.pw/TmuNY   

قبل اتخاذ القرار الاستماع إلى ولي الأمر من أم أو أب أو من في مكانهما(()23).

من هنا، بدأت المقارنة بين القانون السوري والتركي في موضوع أهلية الزواج تأخذ أهمية في ظلوجود السوريين/ات في تركيا، بسبب جهل الأغلبية هذه التفصيلات، ما عّرض كثيرًا منهم للمساءلةالقانونية بسبب ظاهرة زواج القاصرات، واستمرارها.

ترى إحدى القاصرات التي تزوجت من دون أن تعلم العواقب القانونية للزواج المبكر في تركيا أنه

))من الضروري التوجه إلى الأهل، وتوعيتهم بأن زواج القاصرات جريمة في تركيا، وأن عادتنا في سورية مختلفة عن تركيا(()33).

ثامنًا: العواقب المركبة لزواج القاصرات 

بما أن زواج القاصرات في تركيا يحدث بعيدًا من الإطار القانوني، لذلك تتمثل العقبة الأولى في مخالفة هذاالقانون، مخالفة تجعل الزوجة القاصرة عرضة للمساءلة في حال اكتشف زواجها عندما تصبح حاملًا، وتحتاج إلى مراجعة طبية دورية، من ثم الولادة في أحد المستشفيات الحكومية التركية.

تحمل الفتاة القاصر هوية حماية مؤقتة، تحوي على المعلومات الشخصية بما فيها الوضع العائلي، وبما أن الزواج حدث بصورة “عرفية،” فالمعلومات المسجلة في الهوية “عازبة،” وعند مراجعة الفتاة القاصر الحامل أحد المستشفيات الحكومية، تُستجوَب هي وزوجها من الموظف المسؤول عن أسباب الحمل، وتُسأل إن كانت تعرضت لأي اعتداء جنسي، وعندها يعلمون بأنها متزوجة، وبأن هذا الزواج منتشر في سورية.)43)

يختلف التعامل مع كل حالة على حدة بحسب الموقف الخاص لكل مستشفى، فهناك مستشفيات تستقبل كثيرًا من حالات ولادة القاصرات من دون تبليغ عن الحوادث، ولكن في المقابل هناك عدد كبير من المستشفيات تبلغ إدارتها عن الحادثة كواقعة اعتداء جنسي، فتُستدعى الشرطة، لتعتقل زوج الفتاة ووالدها، إن كانا مقيمان في تركيا، ويحال الاثنان إلى المحكمة بتهمة الاستغلال الجنسي والإساءة إلى الأطفال وفق المادة 103 من قانون العقوبات التركي.

وبذلك تعاني القاصرات السوريات المتزوجات آثارًا صحية ونفسية متزايدة، نتيجة تجنب المستشفيات الحكومية لمراقبة الحمل أو الولادة خوفًا من الإجراءات القانونية سابقة الذكر، ما

 

 https://2u.pw/W73Kv قانون المدني التركي (32(

33)  هدى أبو نبوت، مقابلة شخصية مع ن. ب، عبر تطبيق الماسنجر، )أورفة: 11 أيار/ مايو 2021(.

43) مع المحامي أحمد صوان.

ينعكس سلبًا في صحتهن وصحة الجنين أو الطفل حديث الولادة، وتلجأ بعضهن إلى الولادة في المراكزالطبية السورية، وهي مراكز غير مرخصة قانونيًا في تركيا، لتجنب الذهاب إلى المستشفيات الخاصةالتي لا تستطيع العائلات السورية اللاجئة معظمها تحمل تكلفتها المالية الباهظة.  مثل ما حدث مع قاصرة قابلتها الباحثة من ولاية شانلي أورفا: ))عند الولادة ذهبنا إلى مستشفى حكومي في أورفا، وواجهنا مشكلة بإدخالي إلى غرفة الولادة بسبب أنه عمري خمس عشرة سنة، وأخبرونا بأن زواج القاصرات ممنوع في تركيا، وعندما سمع الموظف قصتنا، وأننا لم نكن نعلم، وأن الزواج في سوريا لا يعد جريمة، تعاطف معنا، والحمد لله تمت الولادة من دون طلب الشرطة، لأن الموظف أخبرنا بأنه بحسب القانون التركي سوف يسجن الأب والزوج، ولكنه راح يتجاوز القانون لأننا أجانب، ولا نعرف(()53).

 تاسعًا: زواج شرعي لكنه غير قانوني

يقول أحد المحامين: ))يتم زواج القاصرات السوريات في تركيا بعقد شرعي، ينظمه منظم العقود مع ولي الأمر وشاهدين اثنين، يدون تاريخ الزواج، واسم الزوجة والزوج، وأسماء ولي الأمر والشاهدين، ويوقع الزوجان على الورقة التي تثبت الزواج، لكن هذا الزواج، وإن كان شرعيًا، فهو غير معترف به قانونيًا في تركيا. يسجل الزواج بطريقة قانونية في تركيا حصرًا في مكتب تسجيل الزواج بالبلدية بعد تأمين الأوراق المطلوبة )إخراج قيد، إثبات “عزوبية،“ تقرير طبي صادر من مستوصف حكومي(، وبذلك، فإن أي زواج يحدث من دون التسجيل في البلدية، لا يعترف به زواجًا في تركيا، حتى لو نتج منه أطفال(()63).

بعد تحليل بيانات المقابلة مع المحامي ذاته، ومقارنتها بالحوادث المتشابهة التي جمعناها من عينة الدراسة، كانت النتائج كالآتي:

إن الحالات التي تنتهي إلى المحاكم تعود إلى تقدير القاسي ومعرفته بأحوال الزواج المبكر في سورية، وشرعيته، ودرجة تعاطفه مع الحالة، هناك من يحكم بقانونية الزواج إذا كان قد أبرم عقد زواج في المحاكم السورية قبل دخولهم إلى تركيا، وهناك من يرأف بحال الزوجين وجهلهم بالقوانين التركية، إذا كان عمر الفتاة 16 عامًا ولديها طفل..

لكن لا تمسي الرياح دائمًا كما تشتهي السفن، وقد تصل الأمور إلى المحاكم، خصوصًا عندما لا

 

)53) هدى أبو نبوت، مقابلة شخصية مع ع. أ، عبر الهاتف، )أوروفا: 11 أيار/ مايو 2021(.

)63) هدى أبو نبوت، مقابلة شخصية مع المحامي حسام السرحان، عضو مجلس الإدارة في تجمع المحامين السوريين، وهي منظمة مرخصة في تركيا، تعمل على القضايا القانونية المتعلقة باللاجئين السوريين، وتقدم الخدمات القانونية، عبر تطبيق ماسنجر، )إسطنبول: 21 أيار/ مايو 2021(.

يملك الزوجان سوى عقد زواج شرعي أبرم في تركيا، وغير مثبت بصورة قانونية في المحاكم السورية، وإذا كانت القاصر أقل من خمسة عشر عامًا، وهناك عدد من القضايا الموجودة أمام القضاء التركي، يعاقب فيها كاتب العقد الذي نظّم عقد زواج قاصر، وولي أمرها والزوج، وقد تمتد عقوبة السجن من ثماني سنوات حتى خمسة عشر عامًا بتهمة الإتجار بالأطفال والاستثمار الجنسي، بموجب المادة 301 و104و105من قانون العقوبات التركي))، وهناك تعليمات موجهة إلى جميع من يعمل في المجال الصحي تلزمهم بالإبلاغ عن أي حالة زواج أو ولادة لمن لم تتم الثامنة عشرة، وأي تقصير يعد الموظف شريكًا في الجريمة، ويتعرض للمساءلة القانونية.

عاشرًا: تسجيل الزواج في السجلات المدنية السورية

لا تتوقف معاناة القاصرات على عدم قانونية تسجيل الزواج في تركيا، بل امتدت ظروف الحرب في سورية، واللجوء، وما يترتب عليه من أوضاع معيشية تثقل كاهل العائلات السورية؛ إلى صعوبة تسجيل الزواج في المحاكم الشرعية السورية.

يسجل الزواج في سورية عن طريق توكيل الزوج والزوجة محامين/ات في المناطق التي يسيطر عليها النظام السوري، وتعالج معاملة التوكيل في القنصلية السورية في مدينة إسطنبول، ويقيم المحامون/ات دعوى تثبيت زواج للحصول على قرار قضائي بذلك.

لا يمكن تثبيت الزيجات معظمها في المحاكم السورية، بسبب النقص في الأوراق الثبوتية لأحد الطرفين أو كليهما، وفي الأحيان معظمها تكون الزوجة القاصر هي التي لا تملك أوراقًا ثبوتية خاصة بها، من مثل الهوية الشخصية، ما يعقد الإجراءات الإدارية لتسجيل الزواج.

إضافة إلى تعقيدات حجز موعد في القنصلية السورية في إسطنبول، ما فتح الباب على مصراعيه لعمل السماسرة، والاستعانة بهم لاستخراج مستندات ثبوتية، ويطلبون مبالغ مالية تفوق قدرة العائلات اللاجئة على تحمل تكلفتها، ما لا يترك خيارًا للزوجين سوى الاكتفاء بالعقد الشرعي بينهما، على الرغم من المخاطر المستقبلية لهذا القرار.

كما تحدثت إحدى القاصرات من الريحانية للباحثة عن هذه الصعوبات: ))لم يسجل زواجي في سوريا لأنني لجأت إلى تركيا وأنا طفلة ولا أملك حتى هوية سورية ومعاملات النفوس بسوريا وبالقنصلية هون صعبة ومعقدة وتحتاج مال ونحن لاجئين هنا لا نستطيع تحمل هذه النفقات(())

حادي عشر: أمهات قاصرات من دون حماية وأطفال من دون قيود

ويمكننا أن نستنتج بعد الإحاطة بالواقع الإنساني والاجتماعي والقانوني والاقتصادي، وما يترتب عليه من آثار سلبية في القاصر والأهل، ما يأتي:

زواج القاصر يؤثر سلبًا فيها من النواحي الجسدية والنفسية، خصوصًا نتيجة تزامن ذلك مع مرحلة نموها الجسدي والنفسي وتشكل هويتها الجنسية، إضافةً إلى إرهاق بنيتها الجسدية غير المكتملة بالحمل والولادة في ظل غياب الرعاية الصحية اللازمة، فضلًا عن المشكلات القانونية لزواج القاصرات في تركيا.

تحرم القاصر من حقوقها القانونية في تسجيل الزواج، ما يحرمها من حقوقها في حال الطلاق أو حضانة الأطفال، ويزيد من معاناتها في حال تعرضها للعنف على يد الزوج، لعدم قدرتها على اللجوء إلى الجهات الأمنية لنيل حقوقها في الحماية والتثبيت والحضانة وغيرها.

تتحمل الأم القاصر في حال الطلاق أعباء رعاية أطفال مكتومين/ات، لا يسجلون في الدوائر الحكومية التركية، ما ينذر بوجود جيل كامل من فاقدي/ات الجنسية، ممن يحرمون من الخدمات الطبية والتعليمية، ما يؤدي حكمًا إلى جيل أمي كامل.

ثاني عشر: النتائج والتوصيات والمقترحاتالنتائج

. العادات والتقاليد والتطبيع مع فكرة الزواج المبكر عند الفتيات أحد أكبر الأسباب الرئيسة للظاهرة.

. استمرار زواج القاصرات كان نتيجة رغبة الفتاة وأسرتها في الحصول على حياة أفضل، وتأمين استقرار مكاني وغذائي للفتاة.

. جهل كامل أو جزئي بالقانون التركي.

. تدني مستوى التعليم للمتزوجات من القاصرات.

ويمكننا تلخيص الآثار القانونية في ما يأتي:

. حرمان القاصر من تسجيل الزواج في دائرة النفوس التركية.

. صعوبات تمنع تسجيل الزواج في المحاكم السورية.

. لا يمكن تسجيل الأطفال واستخراج أوراق ثبوتية لهم في تركيا.

. حرمان الأطفال من الخدمات الطبية والتعليمية بسبب كتمان قيدهم في تركيا.

التوصيات والمقترحات

تقنين ظاهرة زواج القاصرات في مجتمع اللجوء السوري ليس عملية سهلة وآنية، ولكن هناك خطوات من الممكن أن تساعد في السيطرة على اتساع الظاهرة واستمرار الوضع على ما هو عليه، وتقلل من الآثار القانونية المترتبة على استمرار حالات الزواج خارج القانون، وتساعد في حماية القاصرات وهي الآتي:

  1. العودة الآمنة والطوعية والكريمة للاجئين/ات السوريين/ات إلى أماكنهم الأصلية بالتوازي مع تغيير القوانين المجحفة بحق الفتيات والنساء بحسب ما ورد خلال البحث.
  2. تكثيف دور المجتمع المدني السوري، ومنظماته المنتشرة في تركيا، بالتوعية حول خطر انتشار ظاهرة زواج القاصرات، وما يترتب عليه من آثار اجتماعية واقتصادية في الأهل والقاصر على حد سواء.
  3. التعاون بين منظمات المجتمع المدني السورية والتركية، للقيام بحملات توعية ومبادرات أهلية واسعة النطاق في أماكن تجمع اللاجئين/ات السوريين/ات، لتعريفهم بالقانون التركي، وخصوصًا بما يتعلق بزواج القاصرات، وأسباب تجريمه، والعواقب القانونية التي تنتج من استمراره.
  4. تواصل منظمات المجتمع المدني السوري مع المؤسسات الحكومية التركية المعنية من مثل البلديات ومديريات الهجرة ومراكز الهلال الأحمر التركي، الأكثر وصولًا إلى مجتمع اللاجئين/ات بحسب أماكن سكنهم في المدن والأحياء الأكثر اكتظاظًا، للوقوف على واقعهم المعيسي، وتقديم خطط تنموية قابلة للتطبيق، تساعد اللاجئين/ات على تحسين شروط حياتهم.
  5. التعاون بين وزارة التعليم التركية ومنظمات المجتمع المدني السورية والتركية للمراقبة والإبلاغ عن حالات تسرب القاصرات من المدارس، ووضع خطط إدماج مستدامة للقاصرات في العملية التعليمية.

المصادر والمراجع

  1. أردوغان. مراد، إطار العيش المشترك في انسجام مع السوريين، )أنقرة: مكتبة أوروين، 2020(.
  2. الرحبي. مية، النسوية مفاهيم وقضايا، )دمشق: الرحبة للنشر والتوزيع، 2014(.
  3. حسو. عصمت، الجندر الأبعاد الاجتماعية والثقافية، )عمان: دار الشروق، 2009(.
  4. واصل. نصر فريد، تزويج القاصرات، )مكة: المجمع الفقهي الإسلامي، 2019(.

127

 

©2023 جميع الحقوق محفوظة لـ بوليفارد