648
حق المرأة السورية في منح جنسيتها لأبنائها..ضرورة ملحة في ظل التغيرات السياسية والاجتماعية
هناء درويش
يعد قانون الأحوال الشخصية السوري الحالي أحد القوانين التي تثير جدلاً واسعاً في الأوساط الحقوقي
خاصة فيما يتعلق بحق المرأة السورية في منح جنسيتها لأطفالها.
وفقاً للمادة 3 (الفقرة أ) من قانون الجنسية السورية رقم 276 لعام
/1969 /يكتسب الشخص الجنسية السورية إذا كان مولوداً من أب سوري بغض النظر عن مكان الولادة.
إلا أن القانون ذاته لم يمنح المرأة السورية المتزوجة من أجنبي الحق في منح جنسيتها لأطفالها مما يمثل تمييزاً صارخاً بين الرجل والمرأة.
هذا التمييز القانوني لا يعكس فقط غياب المساواة بين الجنسين في التشريعات السورية بل يخلق أيضا
أعباءً إضافية على النساء السوريات خاصة في ظل الأوضاع التي فرضتها الثورة السورية وما تلاها من تشريد وشتات.
فقد تزوجت العديد من النساء السوريات خلال هذه الفترة من رجال من جنسيات مختلفة سواء أوروبية تركية..أو عربية..وأنجبن أطفالاً يواجهون الآن تحديات قانونية واجتماعية بسبب غياب الحق في الحصول على الجنسية السورية.
الأبعاد القانونية والاجتماعية
من الناحية القانونية…فإن المادة المذكورة تتعارض مع مبادئ المساواة التي نصت عليها المواثيق الدولية لحقوق الإنسان والتي تُعتبر سوريا طرفًا فيها لا سيما المادة 9 (الفقرة 2) من اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة (سيداو)، التي تمنح المرأة الحق في نقل جنسيتها لأطفالها على قدم المساواة مع الرجل. ورغم توقيع سوريا على الاتفاقية إلا أنها تحفظت على هذه المادة مما أبقى القانون السوري قاصراً عن تحقيق العدالة للمرأة وأطفالها.
من الناحية الاجتماعية…فإن حرمان الأطفال من الجنسية السورية يعرضهم لمشكلات عديدة منها صعوبة الحصول على حقوق التعليم والرعاية الصحية والإقامة القانونية. كما يعمّق هذا الحرمان شعورهم بالعزلة عن وطن أمهم خاصة إذا قررت الأسرة العودة إلى سوريا بعد سقوط النظام.
التحديات في مرحلة ما بعد الثورة
مع سقوط النظام الحالي وبدء مرحلة إعادة الإعمار السياسي والاجتماعي ستكون هناك حاجة ملحة لإعادة النظر في القوانين التي تكرّس التمييز وتعيق تحقيق المساواة.
حق المرأة السورية في منح جنسيتها لأطفالها ليس مجرد مطلب حقوقي بل ضرورة وطنية تساهم في تعزيز اللحمة الاجتماعية وضمان حقوق جميع المواطنين دون تمييز.
إن مطالبة النساء السوريات بهذا الحق تأتي كجزء من نضالهم الطويل من أجل المساواة والعدالة.
وبعد كل ما عانته المرأة السورية من تشريد ومعاناة يجب أن تُمنح الفرصة لتأمين مستقبل أطفالها وضمان ارتباطهم بوطنهم الأم.
دعوة للحكومة الجديدة
نطالب الحكومة السورية الجديدة التي ستتولى إدارة شؤون البلاد بعد زوال النظام الحالي بإجراء تعديلات جذرية على قانون الجنسية السوري بحيث يُمنح الأطفال المولودون لأمهات سوريات الحق في الحصول على الجنسية السورية دون قيد أو شرط. إن تحقيق هذا المطلب هو خطوة أساسية نحو بناء دولة القانون التي تحترم حقوق جميع مواطنيها وتؤسس لمجتمع متساوٍ وعادل.
ختاماً، إن منح المرأة السورية حق نقل جنسيتها لأطفالها هو استحقاق طال انتظاره ويجب أن يكون من أولويات أي إصلاح قانوني في سوريا المستقبل.
فهذا الحق لا يعكس فقط المساواة بين الرجل والمرأة بل يعزز أيضاً قيم الانتماء الوطني والعدالة الاجتماعية التي نسعى جميعاً لتحقيقها.