648
المرأة والعمل في سورية
الفصل الخامس عشر من كتاب النسوية مفاهيم وقضايا
د. ميّة الرحبي
أستطيع الجزم، دون أي مبالغة، وربما مع بعض الاستثناءات النادرة، أنه لايوجد في العالم كله، امرأة لا تعمل، ولكن يختلف مردود هذا العمل وتقييمه والنظرة الاجتماعية إليه، لذا فإن إطلاق صفة المرأة العاملة، على المرأة التي تعمل خارج المنزل فقط، هو تجاوز صريح لواقع الحال، ولايمكن قبوله إلا في إطار كونه مصطلحًا متداولًا.
لماذا عمل المرأة:
تمارس الكثير من النساء العمل خارج المنزل لضرورة مادية فقط تمليها الضغوط الاقتصادية على الأسرة، ويعتقدن أنه في حال تحسن دخل الأسرة فلاداعٍ لعملهن خارج المنزل أساسًا، ولكن في حقيقة الأمر فإن عمل المرأة خارج المنزل له أهمية كبيرة في إعطاء المرأة القدرة على الشعور بذاتها وأهميتها وحضورها، فهو يمكّن المرأة من تحقيق ذاتها والثقة بقدراتها، وبالتالي تمكينها، الذي سيقودها إلى المشاركة في محاولة التغيير النسبي في الأدوار الاجتماعية.
من ناحية أخرى يعتبر تمكين المرأة من أهم عوامل إطلاق الطاقات الكامنة في مجتمعاتنا، لمواجهة التحديات الداخلية التي تواجهها عمليات التنمية، والتحديات الخارجية الكبيرة المتمثلة بالفجوة الحضارية الهائلة بيننا وبين الدول المتقدمة، وبالعولمة واقتصاد السوق الحر، وأطماع القوى العظمى المتربصة دائما بالشعوب المستضعفة. فبغير تفعيل طاقات المجتمع كلّه، لن نتمكن أبدا من مواجهة التحديات الداخلية والخارجية، واللحاق بركب التطور.
تقسيم عمل النساء على أساس النوع الاجتماعي:
تعمل النساء عدد ساعات أكبر بكثير من الرجال ، وخاصة النساء اللاتي يعملن خارج المنزل.
وحسب احصاءات الأمم المتحدة:
- تؤدي النساء ثلثي حجم العمل العالمي؛
- ويكسبن عشر الدخل العالمي؛
- ويملكن أقل من 1% من ممتلكاته.
ويقسم العمل بشكل أساسي إلى ثلاثة اشكال:
- العمل الانتاجي:
و هو العمل الذي يحصل منه المرء على دخل معين، وتساهم المرأة فيه ولكن بدرجة أقل من الرجل لأسباب اجتماعية تاريخية، ولكن يلعب التمييز على أساس النوع الاجتماعي دورًا هامًا في تحديد نوع العمل والأجور.
وكما ذكرنا سابقًا فقد أثبتت الدراسات التي قام بها جورج مردوك على 344 مجتمعًا النزعة نحو فصل الأنشطة الاقتصادية تبعا للجنس، وليس الكفاءة أو المقدرة.
- العمل الانجابي:
ويشمل رعاية الأسرة والحفاظ على أعضائها، وهو عمل مرهق شاق يستغرق ساعات طويلة من جهد المرأة لكنه عمل غير مأجور غير محترم (يخجل الرجل مثلًا إذا شاهده أحد يغسل الأطباق في المنزل، أو ينشر الغسيل، وقد يسمع تعليقات جارحة مهينة جراء قيامه بهذه الأعمال)، بل يعتبر المجتمع أن المرأة التي لا تعمل خارج المنزل لا تعمل، وحتى لو سئلت المرأة التي تقوم بالعمل المنزلي المجهد عن عملها، فإنها تجيب بأنها لا تعمل إن لم تكن تؤدي عملًا خارج المنزل.
ولا يقتصر العمل الانجابي على إنجاب الأطفال وتربيتهم، بل على كل ما يتعلق بذلك، كجلب الماء من النبع، أو زراعة بعض الخضار حول المنزل، أو تموين الطعام، وغيرها من الأعمال التي تقوم بها المرأة في الريف مثلا، أو جلب الأغراض من السوق، أو تدريس الأولاد وغير ذلك من الأعمال التي تقوم بها المرأة في المدينة.
- العمل في المجتمع المحلي:
وهو عمل طوعي يتمثل في المشاركة في المناسبات والشعائر والطقوس في التجمعات الأهلية، وكذلك العمل في مؤسسات المجتمع المدني، و تشارك النساء في جميع تلك الأنشطة، لكن يلعب التمييز على أساس الجندر دورًا هامًا في تحديد الأدوار التي تلعبها النساء أو الرجال في تلك الأنشطة، فالرجال هم الذين يكونون في المواقع المهمة ولهم وحدهم سلطة اتخاذ القرار، بينما تلعب النساء دور المنفذ للقرارات.
المرأة في سوق العمل:
عند دراستنا لوضع المرأة في سوق العمل، لابد من الانتباه إلى عدم دقة الاحصاءات الرسمية في هذا المجال للأسباب التالية:
- عدم معرفة النسبة الحقيقية لعدد النساء عند حساب القوة العاملة السورية- والقوة العاملة هي مجموع السكان النشطين اقتصاديًا أي ذلك الجزء من السكان الذين يقدمون عرض العمل سواء كانوا يعملون فعلًا أم يبحثون عن عمل- وذلك لأن قسمًا من النساء العاملات يعملن عند أسرهن أو أزواجهن دون أجر ودون اعتبارهن عاملات، ومن الصعوبة بمكان حصر أعدادهن بدقة.
- أغلب النساء العاملات في القطاع الخاص لايتم تسجيلهن في الخدمات الاجتماعية، ويعملن دون أي ضمانات اجتماعية، ولا يحتسبن من القوة العاملة.
- أغلب العاطلين عن العمل لايسجلون في مكاتب التشغيل، وبالتالي لايتم إحصاؤهم ضمن العاطلين عن العمل، ما يجعل نسبة البطالة في سورية تتراوح بين تصريح مسؤول وآخر، أو دائرة وأخرى.
تبلغ نسبة المساهمة في قوة العمل بين النساء في سورية 15.43% من قوة العمل العامة - حسب المجموعة الاحصائية 2006- ويقدر أن 63% من قوة العمل النسائية تصرف في التدبير المنزلي، رغم أن الاحصائيات في هذا المجال كما قلنا غير دقيقة، لأن هنالك نسبة كبيرة من النساء يصنفن كربات منازل، في حين يساهمن في العمل لصالح الأسرة مجانًا، وخاصة في الريف. و يزيد عدد الاناث العاملات بدون أجر تقديريًا عن ثلث القوة العاملة المؤنثة أي بنسبة 33.87%.
ورغم ذلك يمكننا الاقرار بضعف مشاركة النساء الإناث بصورة تقليدية في القوة العاملة السورية، وبقاء كثير منهن في البيوت لتربية الأطفال ورعاية المنزل.
أما معدل النشاط الاقتصادي الخام -أي نسبة قوة العمل إلى مجموع السكان- فقد ازداد عند النساء بمقدار 6% بين عامي 1978 و2002 كدليل على تغير إيجابي تنموي في قيم العمل، وعلى مزيد من إسهام المرأة في عملية التنمية الاقتصادية والاجتماعية، رغم كل المعوقات، ويدعم ذلك انخفاض نسبة الخصوبة في المجتمع، ما يحرر المرأة من كثرة الولادات. ويلاحظ أن معدل النشاط الاقتصادي للإناث أعلى في الريف منه في المدن بصورة عامة، ويمكن أن يعزى ذلك بالدرجة الأولى إلى ارتفاع إسهام المرأة في الأعمال الزراعية مقارنة مع الأعمال الأخرى. وتقل أعمار أكثر من 58% من النساء في القوة العاملة المؤنثة عن 30 سنة، ما يدل على فتوة القوة العاملة المؤنثة، التي تعني خبرات مهنية وعملية أقل بصورة عامة، لكنه يعني من جهة أخرى إمكانية تغيير المهنة والانتقال إلى مهنة جديدة بسهولة كبيرة نسبيًا، خاصة إذا توفرت برامج إعادة تأهيل العاملين.
وتبلغ نسبة العاملات من الأميات والملمات 9.15 %، في حين ترتفع النسبة إلى 37% لخريجات المعاهد المتوسطة، و25% لخريجات الجامعة - حسب المجموعة الاحصائية 2006-، ما يؤكد على أن ارتفاع مستوى التعليم لدى المرأة يزيد من دخولها إلى سوق العمل، وهو بالتالي من أهم عوامل إدماجها في عملية التنمية.
وتبلغ نسبة العاملات المتزوجات 11.7% من مجموع العاملات، ومن غير المتزوجات أبدا 19.7% من مجموع العاملات، والحالات الأخرى- مترملات أو مطلقات- 54.5% من مجموع العاملات، ما يدل على ارتفاع نسبة العاملات من النساء المعيلات.
وتبلغ أعلى نسبة للقوة العاملة النسائية من اجمالي القوة العاملة في المحافظات الزراعية وعلى رأسها دير الزور بنسبة 44.2%، في حين تنخفض النسبة في المحافظات التي يغلب عليها سكان المدن - 12.9% في محافظة دمشق- ويتناسب ذلك مع ارتفاع نسبة العاملات في مجال الزراعة.
ولاتتجاوز نسبة الاناث سيدات الأعمال 4.16%، ومن يعملن لحسابهن الخاص 4.9%.
التمييز في العمل على أساس الجندر:
ينحصر عمل معظم النساء في عدد من المهن التي تقع في درجات منخفضة من السلم الوظيفي، وتنتشر في سورية كما في بقية البلدان العربية ظاهرة تأنيث بعض القطاعات كالتعليم والتمريض والأعمال الكتابية والسكرتاريا.
وتتوزع القوة العاملة المؤنثة – حسب التقرير الوطني للتنمية البشرية 2005- في العام 2001 في معظمها (أكثر من 81%) بين العاملات في الزراعة والمهنيات والفنيات، إذ يقدر أن 53% من القوة العاملة المؤنثة تعمل في الزراعة في مزرعة زوجها أو أسرتها أو جيرانها، كما أن 27.8% من الاناث في القوة العاملة من المهنيات والفنيات ممن حصلن على الشهادة الجامعية وارتفعت عندهن تكلفة الفرصة البديلة فيما لو قعدن عن العمل وانصرفن إلى تربية الأولاد في المنزل – لا تتضح هذه الصورة في المجموعة الاحصائية 2006- بينما لاتزيد نسبة العاملات في كل المهن الأخرى عن 19%.
وتفسير ذلك أن العاملات في سورية صنفان: الصنف الأول من ذوات التعليم المنخفض يعملن في مهن متدنية المهارة نسبيا كالزراعة، حيث لا يتطلب في هذه المهنة حتى الآن أي درجة من الاعداد المهني، وغالبًا ما يعملن لدى أسرهن دون أجر، والصنف الثاني من ذوات التعليم المتقدم ويعملن بأجر في مهنة راقية تقنيًا بمثابة مهنيات أو فنيات.
ويبين التركيب الهيكلي لعمل المرأة السورية هامشية المواقع الوظيفية التي تشغلها المرأة السورية، فهن نادرًا ما يعهد إليهن بالوظائف الإشرافية، فضلا عن محدودية فرص الترقي في السلم الوظيفي.
وتقل فرص عملهن وتتدنى أجورهن عن أجور الرجال في القطاع الخاص، المنظم وغير المنظم.
المرأة والبطالة:
تبلغ نسبة العاطلات عن العمل 24.24 % من مجموع العاطلين عن العمل في سورية ممن سبق لهن العمل، و40.6 % ممن لم يسبق لهن العمل، ما يرفع نسبة البطالة بين النساء إلى 38.27% من مجموع العاطلين عن العمل. هذه النسبة المرتفعة بالمقارنة مع نسبة النساء في القوة العاملة تشير إلى المزيد من إقبال المرأة على العمل، لكنها تشير أيضا إلى تفضيل المؤسسات لعمل الذكور على عمل الإناث. وتتجاوز نسبة البطالة بين الجامعيات 58.41% إلى مجموع الجامعيين العاطلين عن العمل، مقارنة مع نسبة البطالة بين الأميات التي تبلغ 35.22% من مجموع الأميين العاطلين عن العمل، وينجم ذلك عن ضيق فرص العمل للخريجين نتيجة ضعف ارتباط مخرجات التعليم بسوق العمل بشكل عام، وضعف بنية المنشآت الانتاجية، ما يزيد الطلب على العمالة الرخيصة غير المدربة، خاصة في القطاع الخاص، كما ينجم من جهة أخرى عن صعوبة القبول بمهنة غير مناسبة للدرجة العلمية التي تحملها خريجة الجامعة، والتي يمكن أن تقبل بها العاملة غير المتعلمة.
وحسب التقرير الوطني فإن تلك الظاهرة ستزداد في المستقبل القريب نتيجة تراجع معدلات التشغيل في القطاع العام وضعف تشغيل حملة الشهادات العليا لدى القطاع الخاص، كما ذكرنا آنفًا.
وتزداد نسبة البطالة المقنعة لدى الاناث – دون وجود إحصاءات رسمية- ولكن بناء على الملاحظات والمشاهدات، فهمّ العاملة الأول خاصة في القطاع العام التهرب من العمل والمسؤولية في مجال العمل، وصب الاهتمام على محاولة تقليص عدد ساعات العمل بكل الطرق الممكنة، لتفريغ الوقت للعمل الانجابي المطلوب من المرأة فقط، وذلك على حساب العمل الانتاجي.
والخلاصة لم يستطع التعليم، حتى الجامعي منه، كما يفترض نظريًا، أن يؤمّن للمرأة فرص عمل أكبر، أو يشعرها بقيمة العمل في تحقيق ذاتها وتمكينها.
المرأة وتشريعات العمل:
قانون العمل الموحد:
لا يميز قانون العمل الموحد في سورية رقم 91 لعام 1959 وتعديلاته بين المرأة والرجل، لا من حيث فرص العمل، ولا من حيث الأجور، إذ يرد في مادته الثانية مايلي: يقصد بالعامل كل ذكر وأنثى يعمل لقاء أجر مهما كان نوعه في خدمة صاحب عمل وتحت سلطته وإشرافه. وهنالك مواد متعلقة بتشغيل النساء:
- كالمادة 131: التي تمنع تشغيل النساء مابين الساعة 8 مساء و7 صباحا إلا باستثناءات تحدد من قبل وزير الشؤون الاجتماعية والعمل؛
- أو المادة 133 التي تمنح النساء العاملات إجازة أمومة مدتها خمسة وسبعون يوما بأجر كامل؛
- والمادة 134 التي تنص على صرف أجر كامل للعاملة عن مدة إجازة الأمومة؛
- والمادة 135 التي تمنع صاحب العمل من فصل العاملة أثناء إجازة الأمومة؛
- والمادة 137 التي تعطي العاملة الحق في فترتي نصف ساعة يوميا في فترة الرضاع؛
- والمادة 139 التي تشترط وجود دار حضانة في أي مكان عمل يستخدم أكثر من مائة عاملة في نفس الوقت؛
- لكن المادة 140 منه تستثنى من تطبيق تلك الأحكام العاملات في الزراعة وكذلك العاملات اللاتي يشتغلن في المصانع المنزلية التي لا يعمل فيها سوى أعضاء العائلة تحت إشراف الأب أو الأم أو الجد أو الأخ أو العم أو الخال أو الزوج، أي تشرعن غبن النساء العاملات لدى أسرهن.
نظام العاملين الأساسي في الدولة:
- تحدد المادة/53/ من نظام العاملين الأساسي في الدولة المنصوص عليه في القانون رقم 50 لعام 2004 مايلي:
أ / تمنح العاملة إجازة أمومة بكامل الأجر مدتها 120 يوما عن الولادة الأولى 90 يوما عن الولادة الثانية 75 يوما عن الولادة الثالثة ... تبدأ الإجازة خلال الشهرين الأخيرين من الحمل؛
ب/ تنزل الإجازة المذكورة في الفقرة/ أ / من هذه المادة إلى النصف إذا توفي المولود؛
/ج/ تمنح إجازة الأمومة بالاستناد إلى شهادة طبية مصدقة أصولا؛
/د/ تمنح العاملة المرضع إجازة مدتها ساعة واحدة متصلة يوميا وذلك حتى يتم وليدها السنة من عمره ولا تطبق بشأن هذه الإجازة أحكام الفقرة /د/ من المادة /44/ من هذا القانون؛
/هـ/ تمنح من ترغب من العاملات إجازة أمومة إضافية مدتها شهر واحد بدون اجر.
- وتعطي المادة 76 فقرة د نفس الحق للعاملة الوكيلة التي مضى على تعيينها أكثر من سنة.
ويعتبر البعض أن هذه القوانين المتعلقة بالأمومة هي تمييز ايجابي لصالح المرأة، بينما هي في الحقيقة تمييز ايجابي لصالح المجتمع، كون الانجاب مسألة تتعلق بالمجتمع ككل وليس بالمرأة وحدها.
ويعتبر البعض أن المادة 132 التي تمنع تشغيل النساء في الأعمال الضارة صحيًا، وكذلك الأعمال الشاقة، أو تلك التي تتطلب دوامًا ليليًا، مع القرارات التنفيذية التي تحددها، يمكن أن تؤثر سلبًا على فرص عمل المرأة بسدّها عددًا من مجالات العمل أمامها بهدف "الحماية"، فتحول ال "الحماية" إلى تمييز بين الرجل والمرأة، وتقيّد بالتالي مشاركتها في النشاط الاقتصادي.
ورغم كون قوانين العمل في سورية تساوي بين الرجل والمرأة، إلا أن هنالك عقبات كثيرة تقف أمام تطبيق هذه القوانين فعليًا منها:
- قانون الأحوال الشخصية الذي يحوي كثيرًا من المواد التمييزية ضد المرأة، فحق القوامة الذي يمنحه هذا القانون للرجل على المرأة، وسيف الطلاق التعسفي الذي يمكن أن يشهره الزوج دائما في وجه زوجته، وتقييد سفر المرأة المتزوجة والحاضنة قانونيًا، وعدم وجود أيّ مواد قانونية تحمي حقوق المرأة أثناء الحياة الزوجية أو بعد الطلاق، تحد من حرية قرار المرأة بالعمل خارج المنزل، أو اختيار العمل الذي ترغب به، أو مكان عملها، فكثيرا ما تتنازل المرأة عن حقوقها التي تمنحها لها قوانين العمل، كي تحافظ على أسرتها، واستقرار حياتها مع أبنائها؛
- عدم تسجيل الكثير من النساء العاملات في القطاع الخاص في الخدمات الاجتماعية وبالتالي وقوعهن تحت رحمة أرباب العمل، وحرمانهن من تطبيق مواد قانون العمل التي تحميهن؛
- عمل النساء لدى أسرهن دون أجر، أو تشغيل أسرهن لهن لدى الغير، وقبض ثمرة أتعابهن من قبل أسرهن؛
- تجاوز أرباب العمل وحتى المدراء في القطاع العام مايرد في القانون، وتفضيل الرجال لأداء الوظائف الهامة، أو شغل المراكز الادارية، حيث تساهم المرأة العاملة نفسها باستهتارها بعملها، ومحاولات التحايل الدائمة للتهرب من العمل، في تكريس هذه الظاهرة.
المرأة العاملة والأسرة:
تقوم الثقافة الذكورية السائدة بتكريس مفهوم أهلية المرأة للعمل الانجابي وعدم أهليتها للعمل الانتاجي، فمكان المرأة الأول هو المنزل، وقد لعبت الحركات الدينية المتشددة، التي قوى تأثيرها على المجتمع في السنوات الأخيرة، دورًا كبيرًا في إلباس هذه الفكرة لبوسًا دينيًا، بأن مكان المرأة الأول هو داخل المنزل، وعملها الأساسي هو إنجاب الأطفال وخدمة الأسرة، ما أدى إلى تراجع في عدد النساء اللاتي يرغبن في دخول سوق العمل، خاصة الجامعيات منهن، بسبب انتشار وتزايد نفوذ هذه الحركات في المدن خاصة.
لقد شجع الاسلام المرأة على العمل، وفي السيرة النبوية نجد أن عددًا من زوجات الرسول والصحابيات كن يعملن إما في الحرف اليدوية أو التجارة أو الزراعة، بل إن النبي الكريم أمر امرأة في العدة أن تخرج لترعى بستانها، وقد ولى عمر بن الخطاب الشَّفَاء بنت عبدالله على حسبة السوق، والحسبة قد تحمل الصفة القضائية والتنفيذية معًا، كما أعطى سمراء بنت نهيك الأسدية التي تولّت المنصب نفسه على سوق مكة سوطًا تضرب به من يغشّ في البيع أو الكيل.
ويساهم القانون أيضًا كما ذكرنا في تكريس سيطرة قوامة الرجل الذي يملك أسلحة قانونية تمكّنه دومًا من شلّ حركة المرأة وفعاليتها عندما يريد. وتصل نسبة الأزواج الذين لايؤيدون عمل المرأة المتزوجةإلى 70.9% – حسب التقرير الوطني للتنمية البشرية 2005-.
- تطالب المرأة العاملة من قبل الزوج والأطفال بتلبية جميع متطلبات الأسرة، دون أن يلتفت أحد إلى إرهاقها وتعبها وتشتتها بين العمل داخل وخارج المنزل، ولا يعتبر الزوج أو الأولاد وخاصة الذكور منهم، أن من مهمتهم مساعدة المرأة في الأعمال المنزلية، بل أنهم يعتبرون تلك الأعمال أعمالًا تافهة محتقرة لا تليق بهم.
- تطالب المرأة برعاية المرضى والمسنين من أفراد الأسرة حتى لو كانت تعمل خارج المنزل، ما يلقي عليها أعباء إضافية تنوء بثقلها.
- تسيطر تلك الثقافة الذكورية على المرأة أيضًا، التي تعتقد أن مكانها الأول هو المنزل، كما تعتقد بعض النساء أن الرجل هو وحده المسؤول عن الإنفاق على الأسرة، وبمجرد أن تسنح لها الفرصة اقتصاديًا تكون مستعدة للتخلي عن عملها خارج المنزل والتفرغ لبيتها وأولادها. وقد أجابت 84% من النساء- في دراسة استطلاعية لعينة صغيرة غير ممثلة احصائيًا أجريت لصالح التقرير الوطني 2005 – بأن البيت هو الموقع الرئيسي للمرأة كأم وربة منزل، واعتبرت نسبة 92% منهن أن الزوج لايمكن أن ينوب عن الأم في رعاية المنزل والأولاد، واعتبرت 95% منهن على اختلاف درجة تعليمهن أن أهم انعكاسات عمل المرأة هو النيل من دورها الأساسي كربة منزل، واعتبرت نسبة 76% منهن أن عمل المرأة يؤدي إلى تقصيرها في واجباتها الداخلية، ويقلص من امتيازات الرجل والأولاد داخل الأسرة.
- العمل المنزلي: العمل المنزلي بحد ذاته عمل مرهق وقد قدرت دراسة عالمية أن ربة المنزل تمارس 14 مهنة مجتمعة، ويقدر متوسط مدة العمل المنزلي الذي تقوم به ربة المنزل ب8 ساعات يوميا، وهو ما يعادل متوسط ساعات العمل اليومية في القطاعين الخاص والعام، بحيث يمكننا اعتبار أن هنالك في كل إسرة عاملًا غير مرئي بعدد الأسر في سورية أي ما يقدر ب3.6 مليون عامل، إلا أن هذا العمل غير محترم وغير مأجور، ولاتنال المرأة فيه إجازات كالعمل المأجور، وتشارك الأسرة والمجتمع والقانون في تبخيسه، والحط من مساهمته في التنمية. وتعاني المرأة العاملة خارج المنزل من الجمع بين عملين في آن واحد بحيث أنها تعمل وسطيا 16 ساعة يوميا، وهي فترة عمل شاقة لايمارسها حتى الرجال الذين يضطرون للعمل بدوامين لتأمين الاحتياجات المادية للأسرة، وغالبا ما تضع المرأة العمل المنزلي في سلم أولوياتها، ما يعيق تقدمها وتميزها في عملها الوظيفي.
- الاعالة: يعتبر معدل الإعالة في المنطقة العربية من أعلى المعدلات في العالم، حيث يقوم كل شخص عامل بإعالة أكثر من اثنين من الأفراد غير العاملين، ويعود ذلك إلى تدني نسبة عمل المرأة خارج المنزل، ما يؤدي إلى تدني دخل الأسرة وبالتالي تدني مستوى الرفاه الاجتماعي- التقرير الوطني الأول 2005-.
المرأة العاملة والمجتمع:
تكرّس الثقافة الاجتماعية الذكورية السائدة مفهوم اختصاص المرأة بالعمل الانجابي، فمكان المرأة أولًا داخل جدران المنزل ومسؤوليتها الأولى تربية الأولاد. ولا يقر المجتمع ممارسة المرأة لبعض المهن التي تعتبر مقتصرة على الرجال، ما يحدّ من فرص العمل لدى النساء وخاصة غير المتعلمات منهن (كالعمل في مجال البناء مثلا).
وينظر المجتمع بغير ارتياح للعاملات اللاتي تضطرهن ظروف عملهن للعمل ليلًا.
كما قد يمنع رجال الأسرة الأرملة من العمل خارج المنزل لإعالة أطفالها، رغم أنهم لايساعدونها ماديًا. وقد يمنعونها من ممارسة بعض أنواع العمل التي لايجدونها مناسبة لمكانة العائلة، وبذلك تقع المرأة المعيلة بين ناري الفاقة ومحاربة العائلة.
وتطالب المرأة العاملة بالقيام بالواجبات والمسؤوليات الأسرية الاجتماعية تمامًا كالمرأة غير العاملة، دون مراعاة لوضعها أو حجم المسؤوليات التي تقع على عاتقها. وغالبا ما تعزى المشاكل التي تقع داخل أسرة المرأة العاملة إلى غيابها عن منزلها وأطفالها، رغم أن هذه المشاكل توجد في جميع الأسر سواء كانت المرأة عاملة أم لا.
التحرش الجنسي في العمل:
تتعرض العاملة وخاصة في القطاع الخاص لاحتمال التحرش الجنسي من قبل رب العمل، أو من هم في المواقع الادارية، ما يؤدي إما لاضطرارها إلى ترك العمل، أو البقاء فيه مجبرة، تحت وطأة الحاجة، والتعرض للضغوطات النفسية الناجمة عن الشعور بالذنب، أو عدم احترام الذات، أو نظرات الزملاء المتشككة.
والتحرش الجنسي في العمل ظاهرة عالمية، تعاني منها النساء العاملات في مختلف دول العالم، إلا أن بعض تلك الدول بادرت إلى اتخاذ إجراءات قانونية مشددة تعاقب من يتعرض للمرأة في عملها بأي شكل من أشكال التحرش، كالعقوبات الرادعة، وآليات تسّهل وتحمي العاملة التي تتقدم ببلاغٍ ضد ربّ عملها.
المرأة العاملة والصحة:
يؤمن عمل المرأة لدى القطاع العام ضمانًا صحيًا نسبيًا لها، فرغم عدم وجود نظام تأمين صحي كامل في جميع القطاعات الحكومية، إلا أن الاجازة المرضية غالبًا ما تكون مدفوعة الأجر، كذلك يمكن الحصول على تقاعد صحي مبكر.
وبالمقابل لايوجد غالبًا أي ضمان للمرأة العاملة في القطاع الخاص وخاصة غير الرسمي منه، حيث تُرمى المرأة خارج العمل بمجرد تعرضها لطارئ صحي، أو ربما في حال الحمل والولادة.
أما بالنسبة للصحة الانجابية، فقد باتت العلاقة بين تمكين المرأة وإبطاء معدل النمو السكاني مسلماً بها في نتائج البحوث الاجتماعية.
وإن تظافر تعليم المرأة وعملها يحكم إلى حد كبير مستوى الخصوبة لدى المرأة، إذ ينخفض مستوى الخصوبة لدى العاملات، ومع ارتفاع درجة التعليم.
إلا أننا نلاحظ أن بعض العاملات لا زلن ينجبن عددًا كبيرًا من الأطفال، كالمعلمات في المحافظات الزراعية، اللاتي رغم تعلمهن وعملهن لازلن يخضعن للشروط الاجتماعية التي تقيّم المرأة بعدد الأولاد الذين تنجبهم، وتهددها دائما بامكانية تزوج زوجها بأخرى في حال عدم تمكنها من إنجاب العدد المطلوب من الأبناء، وللأسف تتحايل بعض المعلمات في توقيت إجازات أمومتهن في بداية العام الدراسي، بحيث يقضين سنوات من عملهن الوظيفي في تلك الإجازات، رغم الاتجاهات السائدة مؤخرا لتحديد تلك الاجازات والتعويض العائلي بعد الولد الثالث.
ورغم انخفاض معدل الخصوبة الكلية للمرأة في سورية إلى 3.58 لعام 2004 إلا أنه يعتبر معدلًا لازال عاليًا نسبيًا خاصة بالنسبة للمرأة العاملة.
معوقات عمل المرأة:
لقد حدد تقرير التنمية الانسانية العربية 2005 معوقات عمل المرأة بالنقاط التالية:
- الثقافة الذكورية السائدة؛
- قلة فرص العمل؛
- التمييز بين الجنسين في مستوى التشغيل والأجور؛
- ارتفاع مستوى الانجاب؛
- القوانين؛
- ضعف الخدمات المساندة: وتشمل ضعف البنية التحتية من وسائل نقل وحضانات، التي لاتشجع المرأة على الخروج للعمل، فحضانات الدولة أو الاتحاد النسائي غالبا ليست على المستوى المطلوب، الذي يجعل المرأة العاملة تطمئن إلى وجود طفلها فيه. أما حضانات القطاع الخاص، التي تؤمن شروطا أفضل ووسائل نقل جيدة، فتتطلب مدخولًا ماديًا يفوق طاقة أي عاملة أو موظفة في الدولة، وربما يتجاوز قسط الحضانة الشهري راتب المرأة العاملة كلّه. كما أن عدم توفر ضمانات اجتماعية للأطفال أو كبار السن، الذين يقع عبء رعايتهم على المرأة وحدها، يشكل عبئًا إضافيًا على المرأة العاملة. يضاف إلى ذلك غلاء الأدوات المنزلية أو الخدمات المنزلية التي تخفف من أعباء العمل المنزلي، والتي لا تستطيع أغلب النساء العاملات تحمل أعباءها المادية. وكذلك عدم تقسيم مهام ومسؤوليات العمل المنزلي بين أفراد الأسرة جميعًا، ما يلقي عبء ذلك العمل على كاهل المرأة وحدها.
- تأثير برامج التعديل الهيكلي: إن تبني بعض الدول العربية ومنها سورية في السنوات الأخيرة برامج للإصلاح الهيكلي تقوم على تحرير التجارة والخصخصة، وتعزيز دور القطاع الخاص، أدى إلى انكماش القطاع العام وتقليص فرص العمل الرسمي للنساء، ورغم أن ذلك قد يتيح فرص عمل واسعة في مجال الأنشطة الاقتصادية في القطاع غير الرسمي المتنامي، إلا أن تلك الفرص ترتبط بعدم وجود أيّ ضمانات قانونية أو ضمانات عمل.
تحديات المستقبل:
كما ذكرنا بداية فإن عمل المرأة هو ضرورة فردية واجتماعية ووطنية لتعزيز شعور المرأة بذاتها واستقلالها وتمكينها من جهة، والنهوض بمجتمعاتنا من جهة أخرى، وقد بات ذلك من المسلمات البديهية لأي وطني غيور يسعى للنهوض بأمته.
ويبقى التحدي الكبير في تأمين الظروف والشروط التي تجعل عمل المرأة منتجًا فعالًا يحقق انسانيتها وطموحها ويساهم في نهضة المجتمع في آن معًا، وذلك بتوفير مستلزمات نهضة شاملة قوامها:
- تغيير القوانين: وبخاصة المواد التي تحمل تمييزًا ضد المرأة في قوانين الأحوال الشخصية وغيرها، والتي تقف عائقًا دون اختيار المرأة الحر لطبيعة عملها الذي ترغب به.
- نشر ثقافة بديلة تكرس وعي المرأة بذاتها إنسانًا كامل الأهلية، ومواطنًا مساويًا للرجل في جميع الحقوق والواجبات، وتوعية الرجل بأهمية تحرر المرأة، ليس من أجلها ولحقّها الإنساني بذلك فقط، بل لأن حرية المجتمع ونهضته ونماءه لا تتم إلا بالنهوض بنصفه المكبّل. ونشر الفكر الديني التنويري الذي يعتمد جوهر الدين الاسلامي الحنيف ومقاصد الشريعة العادلة، ونشر ثقافة الصحة الانجابية وتنظيم الأسرة، واثرها على نماء المجتمع.
- دعم القطاع العام، والوقوف في وجه سياسات الخصخصة، التي ستنعكس نتائجها انعكاسًا سلبيًا مضاعفًا على المرأة، بفقدان فرص العمل، وفقدان الحماية القانونية التي يؤمنها القطاع العام للعاملين فيه، ونخص بالذكر هنا تأثير خصخصة قطاعي التعليم والصحة على المرأة، من حيث حرمان المرأة من خدمات الصحة الإنجابية، وفرص التعليم المجانية.
- زيادة فرص تعليم المرأة بتعزيز قانون إلزامية التعليم الأساسي، ومكافحة التسرب والزواج المبكر، وتأهيل المرأة وتمكينها.
- مكافحة أيّ تمييز في فرص العمل والأجور قائم على أساس النوع الاجتماعي.
- تحويل قطاع العمل غير الرسمي إلى قطاع منضبط بأطر وقوانين تحمي حقوق العاملين.
- توفير الضمانات الاجتماعية وخدمات الصحة الانجابية.
- توفير الخدمات المساندة.
- إتاحة الفرصة أمام المرأة للتواجد في مركز صنع القرار، كي تدعم حقوق غيرها من النساء.
- تشجيع مؤسسات المجتمع المدني وتعديل قانون الجمعيات بما يتيح للناشطات النسائيات ومناصريهن دعم قضايا المرأة والمطالبة بحقوقها.
المراجع:
- التقرير الوطني الثاني لأهداف التنمية للألفية 2005 في سورية.
- المجموعة الإحصائية 2006 في سورية.