• Avenue Pasteur 63, 10000

    Troyes, France

  • البريد إلكتروني

    info@musawasyr.org

#

المرأة والصحة

الفصل السادس عشر من كتاب النسوية مفاهيم وقضايا

د. ميّة الرحبي

تتساوى المرأة والرجل في المعاناة الناجمة عن ضعف الخدمات الصحية وسوئها كلما ازدادت الأسرة فقرًا، وينطبق ذلك على شرائح واسعة من المواطنين الذين ازدادت معاناتهم من صعوبة الوصول إلى الخدمات الصحية والأدوية بشكل مقبول، مع توسع الطبقة الفقيرة في السنوات الأخيرة في المجتمع السوري.

فالخدمات الصحية التي تقدمها الدولة مجانًا تعاني من سوء مرافقها وسوء العناية بالمريض، عدا عن سوء المعاملة التي أصبحت صفة مشتركة لكل مرافق القطاع العام الصحية، يضاف إليها طول فترة الانتظار، مادعا المواطن إلى اللجوء في كثير الأحيان إلى بيع ممتلكاته القليلة أو الاستدانة كي يحصل على خدمة صحية معقولة ولائقة في القطاع الخاص، متغاضيًا عن الجشع والنهب اللذان ميزا هذا القطاع وازدادا تفشيًا في السنوات الأخيرة.

لست هنا في صدد بحث الوضع الصحي بشكل عام في سورية، الذي يحتاج لأبحاث طويلة تعري واقعه البائس، ولكن سأقتصر على بحث موضوع الصحة الإنجابية التي تخص المرأة تحديدًا.

الصحة الإنجابية في سورية:

تعني الصحة الانجابية الوصول إلى حالة من اكتمال السلامة البدنية والنفسية والعقلية والاجتماعية في الأمور ذات العلاقة بالجهاز التناسلي ووظائفه، وليس فقط الخلو من الأمراض أو الإعاقة.

الصحة الانجابية جزء أساسي من الصحة العامة، تعكس المستوى الصحي للمرأة والرجل في سن الانجاب.

يرتبط مفهوم الصحة الانجابية بشكل أساسي بالمرأة لأن على عاتقها تقع المسؤولية الأكبر في العملية الإنجابية ووسائل تنظيمها.

تتأثر الصحة الانجابية وتؤثر في حالة المجتمع الاجتماعية والاقتصادية والثقافية، وخاصة بالعوامل التالية:

  • الفقر؛
  • البطالة؛
  • الجهل؛
  • التمييز على اساس الجندر؛
  • العادات والتقاليد؛
  • تمكين المرأة.

التمكين الصحي للمرأة مفهوم شامل يشتمل على  الحق والقدرة والحرية بما يتعلق بجوانب حياتها كافة، وخاصة جسدها وخياراتها الانجابية.

هنالك علاقة جدلية بين التمكين والصحة الانجابية فتمكين المرأة يمكنها من الوصول إلى الموارد الاقتصادية، ومن بينها خدمات الصحة الانجابية، في حين يتيح التمكين الصحي للمرأة فرصة مشاركة أكبر في التنمية ومناحي الحياة كافة.

الأمومة الآمنة:

يرتبط مفهوم الأمومة الآمنة بالشروط  التالية:

  • تنظيم الأسرة والتخطيط للحمول وتحديدها وتوقيتها؛
  • رعاية الحامل رعاية طبية كافية؛
  • الولادة الصحية المأمونة، ورعاية الأم والطفل قبل وأثناء وبعد الولادة؛
  • رعاية صحية كافية للحمول عالية الخطورة.

تشكل شروط الأمومة الآمنة جزءًا هامًا من الرعاية الصحية للنساء، إذ تشكل نسبة النساء في سن النشاط التناسلي (15-49) سنة، أي حوالي 51% من العدد الإجمالي للنساء في سورية.

وفيات الأمهات Maternal Death هي الوفيات التي تحدث للأمهات خلال فترة الحمل أو بعد 42 يوما من الولادة، لسبب مرضي أو نقص العناية الطبية، بغض النظر عن الأسباب الطارئة.

وقد انخفضت نسبة هذه الوفيات بعد التقدم الصحي النوعي والتقني، ولكن ذلك حدث للأسف فقط في الدول المتقدمة، إذ لازال 99% من حجم تلك الوفيات يحدث في الدول النامية.

تنتمي سورية في هذا المجال إلى الدول النامية لكنها كانت تصنف بين الدول النامية التي تحاول إحداث تقدم في هذا المجال عن طريق محاولة تخفيض حجم الوفيات.

تحقق في سورية تخفيض نسبة الوفيات في سورية إلى النصف في الفترة بين (1990-2001)

تحقق في سورية بين العامين 1993-2004 انخفاض يعادل 62% من الانخفاض المطلوب للوصول إلى ذلك الهدف العام 2015.

ارتفعت مؤشرت قابلية سورية لتخفيض الوفيات وهي أحد أهم أهداف الألفية في مجال الصحة، والهدف الخامس من أهداف الألفية الوطنية للعام 2015 بتخفيض نسبة الوفيات إلى 32 لكل 100000.

ولكن من المؤسف هنا أن:

  • الأرقام الوطنية لاتتطابق مع أرقام منظمة الصحة العالمية (الرقم الوطني لعام 2004 هو 58 ولمنظمة الصحة العالمية 160 لكل 100 ألف عام 2007)؛
  • هنالك تباين كبير في معدل الوفيات بين المحافظات إذ يرتفع في بعض المحافظات كدير الزور وريف دمشق وينخفض في محافظات أخرى كدمشق واللاذقية وطرطوس؛
  • لازالت سورية في المرتبة 13 في مستوى وفيات الأمهات بالنسبة للدول العربية؛
  • لاتوجد أبحاث كافية في هذا المجال؛
  • 90% من الوفيات قابل للتدبير والمعالجة وعلى رأسها النزف والإنتان والإرجاج، وارتفاع التوتر الشرياني المرافق للإرجاج، إلا أنها تحدث بسبب نقص الرعاية الطبية؛
  • نسبة رعاية الحامل رعاية طبية في سورية تبلغ 73% حسب تقرير منظمة الصحة العالمية 2006(4 زيارات للحامل للمركز الصحي خلال فترة الحمل)؛
  • نصف الولادات خارج المشافي (نفس التقرير)؛
  • تتوزع الوفيات حسب النسب التالية 14.2% أثناء الحمل ، 45.3% أثناء الولادة، 31.5% بعد الولادة؛
  • الأسباب المباشرة للوفيات النفاسية تتوزع على 65% النزيف، 11% ارتفاع ضغط الدم، 10% خثار وصمامات، 9% أسباب تتعلق بالجراحة والتخدير؛
  • غالبية المتوفيات من ذوات الحمول عالية الخطورة؛
  • واحدة من كل أربع أو خمس حوامل تصنف من ذوات الحمول عالية الخطورة؛
  • ان المعرفة الإحصائية بتوزع الوفيات قبل أو أثناء أو بعد الولادة وتوزع نسب الأسباب المؤدية لها يمكن أن تساهم بشكل فعال في وضع خطة صحية مدروسة لتلافي الأساباب المؤدية للوفيات؛
  • نسبة الولادت على أيدي الدايات البلديات 11%؛
  • 44.6% من الولادات تتم في المنازل.

الولادات المنزلية:

  • 19.4% من الولادات تتم على أيدي الدايات لسيدات أميات، إلا أنها تنعدم عند الجامعيات؛
  • نسبة الولادات على أيدي دايات بلغت 18.7% لدى الخمس الأكثر فقرًا؛
  • 50.8% من الولادات في الريف في المنازل، 38.3% من الولادات في المدن تتم في المنازل؛
  • ليست المشكلة في الولادة في المنزل، المشكلة في وجودالشروط الآمنة؛
  • الولادة في المنزل تتم إما بسبب البعد (المناطق النائية) عن أقرب مركز صحي، أو بسبب الولادة المبكرة، او تدني مستوى الخدمات الصحية في المنطقة، أو ارتفاع التكاليف؛
  • نسبة الولادات التي تتم تحت إشراف كادر صحي مؤهل: لاتقل عن 80% في 8 محافظات سورية، بين 70-80% في أربع محافظات، تقل عن 60% في محافظتين ( الحسكة، القنيطرة).

الصحة الإنجابية والحقوق الإنجابية وتنظيم الأسرة:

تنظيم الأسرة يشكل أحد أبعاد مفهوم الصحة الانجابية وليس كلها، وتنطوي الصحة الانجابية على حق المرأة في توقيت الحمول وعددها والمباعدة بينها، والصحة الانجابية هي أحد أهم شروط الأمومة الآمنة، وتقوم الأمومة الآمنة على أربعة أعمدة رئيسية:

-تنظيم الأسرة وتوفر الخدمات اللازمة لذلك؛

- رعاية الحامل والكشف المبكر للحالات التي يمكن علاجها؛

- ولادة آمنة ورعاية الأم والطفل أثناء الولادة وما بعدها؛

- تأمين الرعاية الكافية للحمول عالية الخطورة.

كما يرتبط مفهوم الصحة الانجابية ارتباطًا وثيقًا بمفهوم الحقوق الانجابية، التي تتمثل ب:

  • حق تقرير عدد الأطفال والفواصل بينهم، مع حق الحصول على المعلومات والوسائل الآمنة والفعالة لتحقيق ذلك؛
  • الحق في الحصول على  مستوى من الصحة الأسرية والإنجابية؛
  • الحق في اتخاذ القرارات المتعلقة بالإنجاب دون عنف أو قسر أو تمييز.

إن تنظيم الأسرة مسؤولية تقع على عاتق الرجل والمرأة معًا، لكن الثقافة الذكورية السائدة تلقي عبء ذلك على المرأة فقط لأسباب عدة منها أن المرأة هي التي تحمل، وأن أغلب وسائل منع الحمل مصممة للسيدات، وأن المرأة تتلقى خدمات الصحة الانجابية من خلال مراكز رعاية الأمومة والطفولة.

 هنالك توجه عالمي حاليًا، مرتبط بمسألة الصحة والحقوق الصحية، تسعى لإدماج الرجل في مفاهيم الصحة الإنجابية بحيث يتحمل مسؤولية مساوية لمسؤولية المرأة في هذا المجال، إلا أن ذلك يواجه صعوبات كبيرة ترتبط بشكل أساسي بالمفاهيم الثقافية السائدة منها: رفض الرجل استعمال الواقي الذكري لاعتقاده بأن ذلك يخفف من المتعة الجنسية، ورفضه لربط القناة المنوية لاعتقاده بأن ذلك ينقص من "رجولته".

ولابد بالتالي من تطوير وسائل تنظيم الأسرة التي يطبقها الرجل، ونشر الوعي بتلك الوسائل بين الرجال والنساء معًا، ولابد من نشر الوعي بهذه القضايا إذ يعاني كثير من الرجال من نقص بالمعرفة في وسائل تنظيم الأسرة، تماما ككثير من النساء، اللاتي ينقصهن المعرفة في وسائل تنظيم الأسرة التي تستخدمها المرأة.

وقد أدى انخفاض معدل الوفيات لدى الأطفال وازدياد العناية الصحية الانجابية عن السابق إلى زيادة في معدل النمو السكاني، لأن ذلك لم يترافق بنشر مفاهيم تنظيم الأسرة والحقوق الإنجابية، ما سيجعل التغيير في معدل الزيادة السكانية المرتفعة طفيفًا، ويزيد من أعباء الإعالة.

أشار مسح صحة الأسرة في سورية عام 2006 إلى زيادة معدل استخدام النساء لوسائل تنظيم الأسرة الحديثة والتقليدية من 39.8% عام 1993 إلى 58.3% عام 2006، إلا أن ذلك النمو لايزال بطيئًا.

نسبة استخدام السيدات المتزوجات لوسائل منع الحمل الحديثة بين أعمار (15- 49) لاتتجاوز 35.1%، وهي أدنى بكثير من النسبة العالمية التي تقدر ب55%.

نسبة استخدام وسائل منع الحمل الحديثة بين الريفيات 35.4%، وبين المدينيات 48.2%.

نسبة استخدام وسائل منع الحمل الحديثة لدى الجامعيات 71%، ولدى الأميات 45.2%.

نسبة استخدام وسائل منع الحمل الحديثة  68.3% لدى الشريحة الأكثر غنى، مقابل  41.8% لدى الشريحة الأكثر فقرا.

أي أن تعليم المرأة، وردم الفجوة بين الريف والمدينة، ودمج المرأة في عملية التنمية، تمثل التحديات الأكبر لأي برنامج سكاني مستقبلي.

وذلك يعني تغيير أنماط السلوك الاجتماعية الثقافية بما يتعلق بموضوع السكان.

لايمكن إنكار ازدياد استخدام وسائل تنظيم الأسرة من قبل النساء، إلا أن ذلك مرتبط أكثر بضرورات الحياة الاقتصادية، أكثر من ارتباطه بمفهوم الحقوق الإنجابية، وحق الفرد الحر المستقل بالتحكم بجسده وخياراته الحياتية، إذ لازالت مفاهيم الثقافة السائدة لدى الغالبية العظمى من السكان لاتقر بالحقوق الإنجابية للمرأة وتعتبر مسألة الانجاب مسألة تخص العائلة برمتها.

من ناحية أخرى تلعب المفاهيم الخاطئة بضرر استعمال هذه الوسائل من جهة ، وأن استخدامها محرم دينيا دورا كبيرا ايضا في محدودية استخدام هذه الوسائل.

إن التوعية والتعليم والتوعية الدينية تسهم كثيرا في إزالة تلك المعتقدات الخاطئة، وهنا يلعب نشر آراء علماء الدين من كافة الأديان والطوائف دورًا هامًا في تغيير النظرة الخاطئة عن تحريم الأديان لتنظيم الأسرة.

من ناحية ثانية لايزال  الوعي بارتباط الصحة الانجابية بالتطور المجتمعي، وأهميته في مسار التنمية المستدامة في حدوده الدنيا لدى الكثيرين.

إن اللجوء إلى الإجهاض غير المأمون التالي للحمل غير المرغوب به يعرض المرأة لمخاطر صحية جمة، وتلجأ بعض النساء المتزوجات إلى ذلك نتيجة الاحتياجات غير الملبّاة، حيث لاتتاح لبعض النساء وسائل منع الحمل وهن غير راغبات فيه، ما يدعوهن عند حدوث الحمل إلى اللجوء إلى الإجهاض غير المأمون. وهنا يلعب التعليم وتوعية النساء بوسائل تنظيم الأسرة وجعلها متوفرة، وتوفير الحصول على المشورة، والضبط الطبي للإجهاضات التي تتم في العيادات غير المجهزة تجهيزًا طبيًا كافيًا، دورًا هامًا في حماية النساء من عواقب الإجهاض غير الآمن.

ولابد هنا من رفع مستوى الخدمات الصحية، وتسهيل الوصول إليها وتأمينها مجانًا، ما يقلل من نسبة الخدمات غير الملبّاة للمرأة، وبالتالي حمايتها من الأخطار الصحية والنفسية والاجتماعية والاقتصادية للحمول غير المرغوب بها.

إن تراجع دور الدولة في تقديم الخدمات الصحية والخصخصة، التي وسمت اقتصاد الدول العربية في العقد الأخير، باتت تهدد تهديدًا جديًا وصول الخدمات الصحية للنساء وخاصة من الطبقات الفقيرة.

تعاني المرأة من أمراض الجهاز الإنجابي معاناة تفوق كل التوقعات نتيجة تكرار الإنجاب دون عناية صحية كافية، ويقدر عدد النساء الولودات اللاتي أصبن بأمراض تناسلية ب 24% من النساء، وتزداد نسبة الإصابات في الأرياف، ولدى غير المتعلمات، ولدى الطبقات الفقيرة، ولدى كثيرات الحمول، خاصة أن مراكز الأمومة والطفولة تقدم الخدمات الصحية المتعلقة بالحمل وتنظيم النسل، ولاتقدم الخدمات الصحية المتعلقة بالإنتانات التناسلية أو الأمراض الجنسية، ما يستدعي علاجها المكلف لدى القطاع الخاص. وهنا تفضل الكثير من المريضات الفقيرات تحمل المرض على دفع التكاليف الباهضة لمعالجته.

الأمراض التناسلية:

وهي تصيب المرأة والرجل على حد سواء إلا أن المرأة أكثر عرضة لها، وتتحمل النساء عبء المراضة من آلام حوضية وإفرازات متكررة، والعقم وخطورة انتقال المرض إلى الجنين.

وتنتقل هذه الأمراض غالبا إلى المرأة من الزوج دون اعترافه بمسؤوليته عن ذلك أو دون معرفته بذلك، أو دون وجود إمكانية التحري عن ذلك.

 وهنالك صعوبة في معالجة هذه الأمراض لدى الكثير من النساء ناجم عن الحرج من الاعتراف بالمرض، أو عدم معالجة الشريك، أو عدم وجود تشخيص كافٍ، وعدم معالجة المرض من قبل مختصين.

ولايوجد مسح دقيق لمدى انتشار هذه الأمراض، إلا أن كثافة بيع الأدوية المتعلقة بهذه الأمراض من قبل الصيدليات مؤشر كاف على كثافة انتشارها، وهنا يلجأ المريض أو المريضة لسؤال الصيدلي سؤالًا شفهيًا، ما يجعل التشخيص خاطئًا في أغلب الحالات، ويلجأ المريض أو المريضة لذلك إما بسبب الحرج من زيارة الطبيب أو الفقر، أو الجهل (نصيحة باستخدام دواء ما من أحد المعارف).

الايدز:

تصاب النساء بشكل عام بالأمراض المنقولة جنسيًا خمس أضعاف إصابة الرجال.

96% من الإصابات بالايدز متركز في البلدان النامية والمتوسطة والمتدنية الدخل. إلا أن النسبة في سورية منخفضة، لأسباب عدة لم تدرس بشكل علمي، أو أن هنالك تحفظ على الأرقام بشكل عام.

©2023 جميع الحقوق محفوظة لـ بوليفارد