• Avenue Pasteur 63, 10000

    Troyes, France

  • البريد إلكتروني

    info@musawasyr.org

#

المرأة في المشهد الثقافي السوري

الفصل الحادي والعشرون من كتاب النسوية مفاهيم وقضايا

ميّة الرحبي

زخرت بدايات عصر النهضة العربية في أواخر القرن التاسع عشر بأصوات شجاعة عدة لنهضويين عرب، أكدوا في مقالات ودراسات جريئة أن لانهوض لمجتمعاتنا العربية دون تحرير المرأة، وتزامن ذلك مع انطلاقة نساء جريئات رائدات، كسرن القيود التي كبلت النساء قرون طويلة، وانطلقن يشاركن في الحياة الأدبية والثقافية في الدول العربية كافة. ففي عام 1870 بدأت مريانا مراش، أول صحفية وأديبة سورية الكتابة في مجلة "الجنان" التي كانت تصدر في حلب. وتبعتها مجموعة من الرائدات اللاتي تركز نشاطهن في الصالونات الأدبية والمجلات النسائية، إلا أن ذلك لم يحل دون مشاركتهن في الهموم العامة والحياة السياسية، نذكر من بينهن لبيبة هاشم، التي أصدرت عام 1906 مجلة ( فتاة الشرق)، وماري عجمي، التي أسست عام 1910 مجلة (العروس) وأسست جمعيات نسائية عدة، وعادلة بيهم الجزائري التي أسست جمعيات نسائية عدة، لأهداف سياسية في البدء، ثم لأهداف ثقافية واجتماعية، كما أسست عام 1933 (الاتحاد النسائي العربي السوري) الذي ضم عشرين جمعية نسائية، والسيدة ثريا الحافظ، صاحبة المنتدى الشهير "منتدى سكينة الأدبي" في دمشق.

وقد تطورت مساهمة المرأة في الحركة الثقافية في سورية باضطراد، رغم جميع المعيقات الاجتماعية والفكر الذكوري الذي سيطر ولا يزال يسيطر على الحركة النقدية في جميع مناحي الأدب والفن في سورية، وبقية الدول العربية، والذي يصر حتى اليوم إلى الفصل بين الإنتاج الأدبي والفني النسائي، والإنتاج الأدبي والفني الرجالي، رافضًا وضع نتاج المرأة حيث ينتمي وفقًا للتصنيف الأدبي والفني المتعارف عليه نقديًا.

 

المرأة و الأدب:

المرأة والرواية:

رغم كل محاولات أصحاب العقلية الذكورية، أو النزعة الإقليمية المصرية، إلا أنها لم تستطيع طمس الحقيقة التاريخية بأن أول رواية عربية كتبت بيد امرأة، وهي رواية "حسن العواقب" أو "غادة الزاهرة" لزينب فواز التي صدرت عام 1899.

أما بالنسبة للرواية النسائية في سورية بعد الاستقلال، فقد برزت أسماء عدة في حقبة الخمسينات والستينات، أبرزهن غادة السمان وكوليت الخوري وألفة الأدلبي.

تميزت تلك الأديبات بانتمائهن إلى المجتمع الارستقراطي المديني الذي أتاح تعليمهن واحتكاكهن بالأوساط الثقافية، وفي حين لم تستطع الروائية كوليت خوري أن تتفوق بانتاجها اللاحق على "أيام معه" وألفة الإدلبي على "دمشق يا بسمة الحزن" إلا أن تجربة غادة السمان الروائية تطورت على مر السنوات، وأفسحت لها حيّزًا هامًا في الإنتاج الروائي العربية بحيث كُتبت عنها سبع كتب نقدية، عدا الرسائل الجامعية المتفرقة. ولعل إقامة غادة السمان في بيروت التي كانت تمور بنشاط ثقافي مميز في تلك السنوات، أتاح لها تطوير تجربتها الروائية بسبب احتكاكها الحثيث بالحركة الثقافية العربية، التي تمركز معظمها في بيروت آنذاك.

شهدت سنوات السبعينيات والثمانينيات والتسعينات تطورًا نوعيًا وكميًا في الرواية النسائية فقد ظهر حتى عام 1970 تسع عشرة رواية، بينما ظهر في السبعينيات اثنتا عشرة رواية، وفي الثمانينيات اثنتان وعشرون رواية، وفي التسعينات اثنتان واربعون رواية، اي ان ما ظهر منذ عام 1970 حتى عام 2000 ست وستون رواية، وهو رقم يعادل اكثر ثلاث مرات تقريبًا ما كتب من روايات خلال اربعة عقود من الزمن منذ الثلاثينيات، مع بدء تكون مصطلح سورية السياسي *(هامش: أسئلة الكتابة الروائية النسائية في سورية عبد الله أبو هيف).

بينما تتغير الصورة الى حد ما بالنسبة للوضع الاجتماعي لهؤلاء الكاتبات بفضل إشاعة التعليم وتمكن فئات اجتماعية متوسطة وفقيرة من الانتفاع بالآليات والأدوات المعرفية، وستكون الكاتبات الكثيرات في السبعينيات والثمانينيات والتسعينيات منهن، مثل: حميدة نعنع، وضياء قصبجي، وهيفاء بيطار، وانيسة عبود، وماري رشو، وحنان أسد، وماجدة بوظو ومها حسن، ومية الرحبي وابتسام شاكوش ولينا هويان الحسن.

ومع بداية القرن الحادي والعشرين برزت أسماء روائيات أخريات، مثل روزا ياسين وسمر يزبك وديمة ونوس.

إلا أن اللافت أن أغلب الروائيات السابقات الذكر لم يستطعن الاستمرار في الكتابة الروائية واقتصر أغلبهن على رواية واحدة أو روايتين، ويعود ذلك غالبا إلى ضغوط الحياة اليومية التي تميز انتماءهن للطبقات المتوسطة/الفقيرة على الأغلب، واضطرارهن للكدح اليومي من أجل لقمة العيش، بحيث تغدو الكتابة الروائية ترفًا لايقدرن عليه. ونستثني منهن هيفاء بيطار وإلى حد ما أنيسة عبود، وروزا ياسين، اللاتي يكافحن رغم قسوة الظروف من أجل الاستمرار في الكتابة الروائية.

وفي حين اقتصرت الكثير من التجارب الروائية النسائية على سرد التجارب الشخصية ومراراتها( أميمة الخش مثالًا)، استطاعت بعض الروائيات الأخريات أن يعرضن تجارب إنسانية وعاطفية واجتماعية حتى لتعدّ رواياتهن مرآة  لتأزم الذات القومية، كما في روايات حميدة نعنع وغادة السمان وسلمى الحفار الكزبري وألفة الادلبي وهنرييت عبودي وأسيمة درويش وأنيسة عبود ومية الرحبي، مع ملاحظة العودة إلى الأسئلة المتمحورة حول الذات الانسانية لدى الروائيات الشابات.

كما تراوحت الجرأة في طرح القضايا والهموم النسوية والمحرمات الثلاث، فنلاحظ طرحًا نسويًا راديكاليًا لدى بعضهن (هيفاء بيطار، مها حسن)، وجرأة واضحة في الكتابة عن الجنس لدى أخريات مثل سمر يزبك.

و تتباين التقنيات الروائية لدى الكاتبات، من السرد التقليدي  إلى أكثر الأشكال الروائية حداثة (غادة السمان، حميدة نعنع).

وكما نلاحظ فقد تمحورت أغلب الكتابات النسائية على قضايا تخص المرأة، سواء ذاتيًا أو من ناحية ارتباطها بالقضايا الاجتماعية السياسية.

 أما صورة المرأة لدى الروائيين السوريين فقد اقتصرت في غالبيتها على صورة نمطية للمرأة، فهي الحبيبة المخلصة أو الخائنة أو المقهورة المضطهدة أو العاهرة المنبوذة اجتماعيًا، أو المثقفة المنفلتة من إسار التقاليد الاجتماعية، بحيث نستطيع القول أن قلة من الروائيين الذكور استطاعوا أن يلامسوا أحاسيس المرأة ومعاناتها وقضاياها، ونخص بالذكر هنا روايات هاني الراهب (ثلاثية خضراء)، والتي يمكن أن نطلق عليها صفة روايات نسوية بامتياز.

المرأة والقصة:

 تأخر ظهور القصة النسائية السورية حتى العام 1951 عندما أصدرت منوّر فوال مجموعتها "كبرياء وغرام" ومن ثم وداد سكاكيني في مجموعتها الرائدة "مرايا الناس" الصادرة عام 1954، لتليها مجموعة من الأسماء النسائية التي كتبت القصة، أبرزها في الستينات غادة السمان وكوليت خوري، وفي السبعينات: دلال حاتم وضياء قصبجي، وملاحة الخاني.

ولسبب عصي على التفسير يبقى الانتاج القصصي النسائي محدودًا في السبعينات والثمانينات، باستثناء بعض الاصدارات لبعض الاسماء كاعتدال رافع وماري رشو، ليأتي عقد التسعينات حاملا معه زخمًا قصصيًا نسائيًا ملفتًا حيث يرى بعض النقاد أن حوالي خمسة وأربعين صوتًا قصصيًا نسائيًا جديدًا -أي نحو ضعفي ما قدمته تجربة القص السورية-  ظهر في التسعينيات.‏ وفي حين لم يتجاوز عدد كاتبات القصة، ممن صدرت لـهن مجموعات، حتى نهاية الثمانينات ستًا وعشرين قاصة، بلغ في عقد التسعينيات وحده نحو اثنتين وخمسين قاصة، أصدرن ما يزيد على مئة مجموعة أي ما يقرب من عشر مجموعات في كل عام.‏ وتنطبق على القاصات ما ذكرناه على الروائيات، من أنهن تميزن بتحدرهن من طبقات ارستقراطية في عقدي الخمسينات والستينات، في حين بدأت النسوة من الطبقات المتوسطة والفقيرة باقتحام ذلك المجال بعد أن أتيحت لهن فرص التعليم، ما أعطى الكتابات القصصية في عقود السبعينات والثمانينات والتسعينات ملمحًا مختلفًا تميز بمعالجة القضايا الاجتماعية وربطها بالهم الفردي، وطرح معاناة الطبقات المهمشة بشكل أكثر وضوحًا وعمقًا من ذي قبل.
 ترافق الكم الكبير من الانتاج القصصي النسائي في التسعينات بتغيرات كيفية حتمية، إذ ظهرت لدى بعض الكاتبات جرأة واضحة في طرح ونقد الأوضاع الاجتماعية السياسية السائدة، كما أن ملامستهن للمحرمات بدت أكثر جرأة. وإن كانت هنالك صفة مشتركة يمكن أن تصف أغلب الانتاج القصصي في تلك الفترة، فهو طرح قضايا المرأة بشكل أكثر وعيًا وعمقًا وربط معاناتها بالتمييز الجندي وسيطرة المجتمع البطريركي الذكوري. ومن بين الأسماء التي ظهرت في تلك الفترة، أنيسة عبود، رباب هلال، نهلة السوسو، كوليت بهنا، سمر يزبك، هيفاء بيطار ومية الرحبي ومن الأسماء الفلسطينية المقيمة في سورية نعمة خالد وسلوى الرفاعي  وغيرهن.

أما بالنسبة للشكل القصصي فقد تراوح بين القص التقليدي، إلى أكثر الأشكال حداثة.

تميز جيل القصة النسائية الجديد، ولنقل إنه جيل ما بعد 2000، بالكيفية على حساب الكمية، وتمثل ذلك بظهور أسماء قليلة ولكنها مميزة تمتلك مشروعها الخاص وحساسيتها الجديدة المقترنة بالعديد من الأشكال القصصية المبتكرة على الرغم من حداثة تجاربها وأعمارها. من تلك الأسماء عبير اسماعيل في مجموعتها الأولى والمميزة "للثلج لون آخر" الصادرة عام 2001، وإيناس حقي في مجموعتها "رقصات قلب فتي" الصادرة في العام ذاته، وديمة ونوس في مجموعتها الأولى "تفاصيل" عام 2007.

المرأة والشعر:

عند الحديث عن المرأة والشعر لا يجوز لنا أن نغفل اسم نازك الملائكة رائدة الشعر الحديث، والتي فتحت آفاق شعر الحداثة في الستينات أمام شعراء العرب نساءً ورجالًا.

 أما بالنسبة لسورية فيمكن عقد راية الريادة أيضا في الشعر الذي كتبته المرأة في العصر الحديث لمريانا مراش فقد أصدرت عام 1893 ديوان شعر باسم "بنت فكر".

أما راية الريادة في الشعر الحديث فللشاعرة سنية صالح، التي كتبت القصيدة الحديثة من جهة، والأنثوية من جهة أخرى وحازت كما يقول خضر الآغا "الريادة من جانبين: الأول، أنها أول امرأة سورية كتبت القصيدة الحديثة كقصيدة مكتملة، والثاني أنها كتبت قصيدة النثر". بعد سنية صالح، كثرت الشاعرات السوريات، فقد ظهر منهن في النصف الثاني من القرن العشرين -وخصوصاً في عقديه الأخيرين-عددًا يضاهي ماظهر منهن في تاريخ الشعر العربي برمته، إلا أن هنالك قلة من الأسماء التي  تميزت من بينهن، وتركت أثرا في مسيرة الشعر في سورية، من بينهن، عائشة أرناؤوط، ودعد حداد.

تميزت التسعينات بنقلة مهمة على صعيد الشعر من ناحية الشكل والمضمون، كما تميزت بظهور مجموعة كبيرة من الأسماء النسائية الشعرية من بينهن: رشا عمران، جاكلين سلام، هالة محمد، هنادى الحصري، وأخريات...

ولكن والكلام أيضا لخضر الأغا "لم يظهر الشعر النسوي الجديد، إذًا، ضمن سياق خاص بالكتابة النسوية، كاستجابة، أو إفراز، أو تعبير عن/ أو تأسيس لـ حركة نسائية تنطوي على أهداف خاصة من مثل: مواجهة المجتمع والثقافة البطريركيين، أو إظهار المرأة على أنها صاحبة قضية تاريخية يجب الاعتناء بها وإعلاء شأنها، أو العمل، بلاهوادة، على تأنيث العالم انطلاقاً من تأنيث النص الشعري...الخ".

المرأة والسينما في سورية:

تبدو علاقة السينما السورية بالمرأة انعكاسًا لعلاقة المجتمع الذكوري بأنثاه، علاقة إشكالية معقدة، سواء خلف الكاميرا أم أمامها.

فليس من المستغرب أن تبدأ إشكاليات تلك العلاقة بأول فيلم روائي أنتج في سورية "المتهم البريء" عام 1928، إخراج أيوب بدري، والذي منعت عرضه سلطات الاحتلال الفرنسي، بحجة أن بطلة الفيلم مسلمة، مرورًا بالصعوبات التي واجهتها المخرجات السينمائيات السوريات، ما انتهى بالمخرجة أمل حنا إلى الهجرة، والمخرجة هند ميداني إلى الاتجاه إلى التلفزيون، دون أن ننسى اضطرار السينما في سورية في بداياتها للاستعانة بممثلات غير مؤهلات لأداء الأدوار النسائية، في زمن أسطورات السينما العالمية، بسبب الضغوط الاجتماعية، قبل أن يفتتح المعهد العالي للفنون المسرحية ويخرج دفعات متتالية من الأكاديميات.

من بين حوالي 400 فيلم تسجيلي أنتجها القطاع العام في سورية، سواء في دائرة السينما في وزارة الثقافة، ومن ثم المؤسسة العامة للسينما التي أسست عام 1963، أو دائرة الإنتاج السينمائي في التلفزيون التي أسست عام 1974، توزعت بين أفلام سياحية أو دعائية أو مناسباتية، كان هناك حوالي 35 فيلما فقط تناولت قضايا اجتماعية، من بينها 6 أفلام عالجت قضية المرأة، اثنان منها دعائيان، أي أننا نخرج بنسبة 1% فقط من الأفلام التسجيلية التي كانت معنية حقا بطرح هموم المرأة وقضاياها. منها الفيلم الدعائي "المرأة اليوم" الذي أخرجه خالد حمادة عام 1969 وفيه أعطانا المخرج صورة وردية عن وضع المرأة في سورية، أو فيلم "المرأة السورية والتنمية"، الذي أخرجه غنام غنام عام 1981، ولا يختلف  عن سابقه بكونه فيلمًا دعائيًا.

وليس من المستغرب أن تنال قصب السبق في طرح قضية المرأة بشكل حقيقي وجاد امرأة هي المخرجة السينمائية أمل حنا والتي أخرجت عام 1975 فيلما بعنوان "المرأة" عن واقع المرأة في سورية بأسلوب التحقيق العلمي.

في عام 1978  أخرج المخرج سمير ذكرى فيلمه الهام "عنها"، وهو الفيلم التسجيلي الوحيد في تاريخ السينما السورية الذي حاول طرح قضية المرأة كقضية متكاملة.

عام 1980 أخرج المخرج مأمون البني فيلما أعتقد شخصيا أنه أهم فيلم تسجيلي صور الواقع الحقيقي للمرأة الريفية في سورية، وهو "المرأة الريفية".

ومن أهم الأفلام التي طرحت قضة المرأة فيلم "جداتنا" الذي أخرجته المخرجة واحة الراهب عام 1991، والذي مزجت فيه الروائي بالتسجيلي، لتخرج بصورة عن واقع المرأة المرير في ريفنا السوري، واقع يندب العصر الأمومي، حيث كانت الجدات مانحات الخصب والعطاء سيدات أنفسهن.

 عكست السينما الروائية في مراحلها المختلفة موقف مجتمعنا من المرأة، دون أن تعكس صورة حقيقية لها، فالمرأة في تلك المراحل المختلفة، كانت دوما كواقعها في المجتمع مهمشة، تبدو كخلفية باهتة للأبطال الرجال، وحتى في الأفلام القليلة التي طرحتها في مقدمة الحدث كانت تعطيها الصورة النمطية المرسومة مسبقا، والمطلوبة حسب المرحلة التاريخية، خدمة للتغيرات الفكرية الإيديولوجية التي تسود المرحلة.

ففي الخمسينات والستينات -مرحلة الانتاج السينمائي للقطاع الخاص-، أُنتجت مجموعة من الأفلام التجارية، استُخدم لترويجها جسد المرأة بطريقة مهينة، فكانت أسوأ صورة يمكن أن تظهر فيها المرأة على الشاشة.

وبعد إنشاء المؤسسة العامة للسينما عام 1963، ظهرت التوجهات الجديدة لسينما القطاع العام، لتؤسس لسينما ذات مفاهيم ورؤى جديدة، مغايرة، تحمل التوجهات الايديولوجية القومية اليسارية التي ميزت المرحلة.

 في تلك الفترة كانت القضية الفلسطينية محور معظم الأفلام، حيث كان دور المرأة فيها هامشيًا باستثناء فيلم "السكين" إخراج خالد حمادة 1972، والذي كانت المرأة فيه رمزًا، أكثر منها شخصية واقعية، أو أفلام تحكي عن الصراع بين المستغلين والمستغلين، وهنا لا تظهر المرأة إلا بكونها أداة للاستغلال الجنسي من قبل المستغل الإقطاعي في ثلاثية "العار"، لبشير صافية، بلال صابوني، وديع يوسف 1974، أو الرغبة المشتهاة من قبل المسحوقين الذين يعانون القهر على كافة الأصعدة ك"اليازرلي" لقيس الزبيدي 1974، مع بقاء آثار السينما التجارية الهولوودية، في شخصية المرأة الغانية اللعوب التي تعبث بعقول الرجال "وجه آخر للحب" محمد شاهين 1972.

وقد تمخضت فورة الإنتاج في المؤسسة العامة للسينما عام 1974 -أربعة أفلام في ذلك العام- عن تبلور خط جديد في السينما غدا أكثر التصاقًا بالواقع، ولكن بقيت صورة المرأة معبرة عن الرؤى الايديولوجية أكثر من الواقع الحقيقي، فقدمت المرأة بصورة بنت مكافحة تقدمية تمارس علاقاتها الجنسية بشكل حر، متجاوزة القيود الاجتماعية، كما في "الاتجاه المعاكس" لمروان حداد 1975، "حادثة النصف متر" لسمير ذكرى 1980 "حب للحياة" لبشير صافية 1981، "وقائع العام المقبل" 1982، لسمير ذكرى.

كذلك لم تعدم تلك الفترة أفلامًا كانت بصيغتها العامة استمرارًا للسينما التجارية، وإن ركبت موجة اليسار مسايرة للوضع العام، مضيفة بعض الأفكار عن فساد بقايا البرجوازية، واستغلال أصحاب الأموال للطبقات الكادحة، مضمنة في حبكة هولوودية تقليدية، عن المرأة الجميلة التي تضطر للخروج إلى العمل فتقع بين براثن الرجال الذئاب كفيلم "المصيدة" لوديع يوسف 1980، أو من تجرؤ وتقتحم  عالم التجارة والأعمال بممارساتها الدنيئة المشروعة للرجال فقط، مما ينهي الأمر بموتها كفيلم "قتل عن طريق التسلسل" لمحمد شاهين 1982.

منذ بداية  الثمانينات بدأت تتضح أكثر سمات نضج في السينما السورية، تبلورت في رغبتها بالتركيز على الإنسان باعتباره المادة الأولى والأهم لأي طرح فكري أو سياسي، وظهرت الشخصيات في الأفلام من لحم ودم، نابضة بالحياة، لا حاملة لأفكار فقط، واتضحت سمات المرأة في أفلام هذه المرحلة، امرأة حقيقية بكل محاسنها وعيوبها، إنسانة متكاملة الملامح.

ولعل المثال الأوضح على ذلك شخصية الأم في فيلم "أحلام المدينة" لمحمد ملص1983، وفيلم "الليل" محمد ملص1992،  وفيلم "نجوم النهار" لأسامة محمد 1988،  وفيلم "كومبارس" لنبيل المالح 1993، "ليالي ابن آوى" 1989، و"رسائل شفهية" 1991، و"نسيم الروح" 1997، و"قمران وزيتونة" 2001 لعبد اللطيف عبدالحميد، و"رؤى حالمة" لواحة الراهب 2002 ، و"الترحال"، و"حسيبة" لريمون بطرس2008، و"دمشق يا بسمة الحزن" لماهر كدو 2007، و"خارج التغطية" لعبد اللطيف عبد الحميد 2007، و"سبع دقائق إلى منتصف الليل" لوليد حريب2008، و"مرة أخرى"  لجود سعيد2009. مع ملاحظة التباين في المستوى الفني لتلك الأفلام، ما أثر أيضا على صورة المرأة فيها.  

و بقيت في هذه المرحلة بعض الأفلام، التي رغم واقعيتها، لم يكن للمرأة فيها سوى دور هامشي مثل "تراب الغرباء" لسمير ذكرى1997، "الطحالب" لريمون بطرس1991، "شيء ما يحترق" لغسان شميط 1993، أو كانت البطلة فيها رمزًا كما في فيلم "صهيل الجهات" لماهر كدو1993، أو نابعة من بطون حكايات حنا مينة، التي تظهر المرأة إما أمًّا قديســــــــــة أو عاهــــــرة طيبة كما في "الشمس في يوم غائم" 1985، و"آه يابحر" 1995 لمحمد شاهين.

وقد أنتج القطاع العام في سوريا كذلك بعض الأفلام الروائية القصيرة التي عالجت موضوع المرأة كقضية تستحق الاهتمام كما في فيلمي "النار والماء" 1974، و "اللعبة" 1979 لهيثم حقي.

وهنا لابد من الإشارة  إلى التجربة السينمائية الهامة للمخرج نبيل المالح، الذي آل على نفسه في السنوات الأخيرة طرح قضايا المرأة كالعنف ضد المرأة، ومشاركة المرأة في الحياة العامة، والجرائم المرتكبة باسم الشرف في أفلام مميزة على الصعيدين الفكري والفني مثل "رخصة للقتل"، "كريستال" وغيرها.

ولابد لنا هنا أن نشيد بثلاثة أفلام  للفنان دريد لحام، أنتجت في القطاع الخاص، وحملت هما وطنيًا وإنسانيًا هي "الحدود" 1984، "التقرير"1986، "الكفرون"1991، وبالتالي قدمت المرأة بصورة مختلفة نوعا ما عن السائد في سينما القطاع الخاص، فكانت المرأة في الأفلام الثلاثة متحررة مستقلة واثقة من نفسها، وأكثرها إقناعا كانت شخصية المعلمة في الكفرون.

فى عام 2003 ظهر أول فيلم روائي طويل لمخرجة سينمائية سورية هو "رؤى حالمة" للمخرجة واحة الراهب.

 ونشير هنا إلى تجربة مخرجة الأطفال سلافة حجازي والتي أخرجت فيلم رسوم متحركة طويل بعنوان "طيور الياسمين".

ونحن نعقد آمالا عالية على الجيل الشاب الذي طرح من خلال أفلام تلفزيونية قصيرة قضية المرأة. كان أول تلك الأفلام فيلم "نور" لسامر برقاوي عام 2003، والذي طرح فيه قضية حرمان المرأة من حقها في الحب، وكان هذا الفيلم فاتحة لموجة من الأفلام السورية الشبابية المستقلة. تلا ذلك فيلم  لإياس المقداد عن الحب بين فتاة مسيحية وشاب مسلم باسم "آخر مرة".

 تبع تلك المرحلة نشاط ملحوظ في الإنتاج الوثائقي المستقل أو بالتعاون مع جهات الأمم المتحدة حيث أنجز سامر برقاوي فيلماً عن وضع المرأة في المناطق الشمالية الشرقية في سورية بعنوان "كلام حريم" عكس فيه صورة المرأة من خلال التناقض بين مايقوله الرجال عن وضعها وصور تمثل واقع حالها. واستطاع غسان زكريا من خلال فيلمه "جدار هش" أن ينقل صورة مؤلمة عن الزواج المبكر من خلال زوجين طفلين يعجزان حتى عن التعبير عن نفسيهما أمام الكاميرا. كما أنجزت ديانا الجيرودي فيلمًا تسجيليًا عن المرأة بعنوان "القارورة" وتناولت فيه نظرة المجتمع إلى المرأة على أنها قارورة صالحة لحمل الأطفال والإنجاب فقط. وأخرجت ايناس حقي فيلما قصيرا بعنوان "ورد وحور" عن مشكلة الزواج من طائفتين مختلفتين.

المرأة و الدراما التلفزيونية:

لم تتأخر المرأة السورية عن خوض غمار الصناعة الدرامية التلفزيونية منذ بداياتها، إذ ساهمت الكثير من الممثلات والفنيات بنهوض هذه الصناعة وتبوئها مكانتها المرموقة، إلا أن دور العاملات في الصناعة الدرامية ظل منحصرًا في مهن محددة، خاصة المكياج والسكريبت، ولم تصل المرأة إلى الأدوار القيادية أو الأكثر أهمية إلا بعد زمن طويل من السعي والجهد، فعملت بعض المجتهدات كمخرجات منفذات كصفاء الأحمد مثلًا، وبعد بداية الألفية الثانية ظهرت على الساحة مديرات تصوير مثل جود كوراني وسؤدد كعدان، وظلت بعض المهن الفنية كمشرف الصوت حتى اليوم حكرًا على الرجال.

ولما كان من الصعب الحصول على فرصة للمرأة في الإخراج فإن مخرجة كأمل حنا حاولت الحصول على فرصة في السبعينات ولم تستطع هذه الفرصة تلبية طموحاتها في هذا المجال، فتحولت إلى الكتابة، المجال الذي اقتحمته المرأة بقوة في الدراما السورية، وأدت السنوات الأخيرة إلى ظهور نوع جديد غالباً أطلق عليه "الدراما النسائية"، حيث يتألف العمل من مجموعة من البطلات ويلعب الرجال أدورًا أصغر حجمًا، ومن هذه الأعمال: "الشمس تشرق من جديد" تأليف: أمل حنا، 2004، "يوم ممطر آخر" تأليف: يم مشهدي، 2007، "جلسات نسائية" تأليف: أمل حنا، 2010، "بنات العيلة" تأليف: رانيا بيطار، 2011.

ولم تكن أمل حنا أول الطامحات إلى الإخراج اللواتي تحولن إلى الكتابة التلفزيونية، فقد كانت الريادة  لرويدا الجراح التي كتبت مسلسل "الأخوة" في الثمانينات.

إلا أن الاسم الذي تكرس كأحد أهم كتاب وكاتبات الدراما في سورية اسم ريم حنا، التي بدأت مسيرة درامية ناجحة بمسلسلها "أحلام مؤجلة" وقد ركزت في أعمالها التالية على الهم الاجتماعي العام، إلا أنها طرحت فيما بعد مع الكاتبة الدرامية الناجحة دلع الرحبي في المسلسل الذي حقق نجاحًا جماهيريًا هائلًا "الفصول الربعة" قضية المرأة في بعض حلقاته التي تحدثت عن العنف ضد المرأة وقانون الأحوال الشخصية، لتنفرد فيما بعد الكاتبة دلع الرحبي بالتركيز على قضية المرأة في مسلسل "عصي الدمع"، وكذلك الكاتبة أمل حنا التي بدأت بطرح صورة واقعية للمرأة من خلال طرح الهم الاجتماعي العام في عدة مسلسلات من بينها "أحلام كبيرة"، و"جلسات نسائية"، ومن ثم جاء مسلسل "فسحة سماوية"  لمية الرحبي، الذي كُرس كاملًا لطرح قضايا المرأة، وعلى رأسها قانون الأحوال الشخصية المميز ضدها، وآثاره السلبية على حياة النساء في سورية.

وقد ظهرت في السنوات الأخيرة مجموعة من الأسماء الشابة التي طرحت الهم النسوي في سياق طرحها للهم الاجتماعي مثل يم مشهدي في "تخت شرقي" و"يوم ممطر آخر" و"وشاء الهوى" ... 

ورغم صعوبة حصول المرأة على فرصة في الإخراج، إلا أن البعض حاولن، فبعد أن عملن لفترة كمساعدات للمخرجين الرجال تحولن إلى الإخراج، ومن بين الأسماء الرائدة في هذا المجال رويدا الجراح، أنيسة عساف، هند ميداني، اللاتي تطور عملهن إلى الإخراج التلفزيوني الدرامي في السبعينات، وقد تابعت هند ميداني العمل على عدة مسلسلات تلفزيونية في الثمانينات، والتسعينات، وقد أضيف إلى تلك الأسماء في السبعينات المخرجة أمل حنا، ولكن الفرص التي قدمت لهن لم تكن يومًا بنفس الحجم والإمكانية الإنتاجية التي قدمت للمخرجين من الرجال في تلك المرحلة، ولا يمكننا القول أن هذه الأسماء حملت الهم النسوي في أعمالها بل كانت تحمل الهم الاجتماعي العام، دون تركيز على قضايا المرأة، عدا القليل من الأعمال مثل "سلامًا أيتها الأم" لهند ميداني، الذي قدم اربع نماذج لنساء مناضلات، و"أحلام مؤجلة" تأليف ريم حنا. وانضمت فيما بعد إلى مسيرة الإخراج التلفزيوني المخرجة واحة الراهب التي ركزت في أعمالها التلفزيونية على قضية المرأة، وخاصة في سباعيتها "بيت العيلة". ومن الجيل الجديد هنالك اسمان لمخرجتين شابتين الأولى رشا شربتجي والتي اقتحمت بخطى ثابتة عالم الإخراج لتكرس اسمها كإحدى أهم المخرجين التلفزيونيين في سورية الآن، وكانت المخرجة الوحيدة التي استطاعت أن تكون ندًّا للمخرجين الرجال من حيث النجاح الجماهيري، بل وتفوقت أعمالها في السنوات الأخيرة على أعمال منافسيها في الاستفتاءات والمسابقات ومنها "الولادة من الخاصرة"، "غزلان في غابة الذئاب"، "أشواك ناعمة" ، والثانية إيناس حقي والتي للأسف لم تجد أعمالها بعد طريقا إلى المشاهد السوري بسبب عرضها على القنوات المشفرة، وقد أخرجت أربع مسلسلات تلفزيونية كان آخرها مسلسل "أبوخليل القباني" عام 2010، لتسجل أيضًا حالة نادرة في الدراما العربية كمخرجة تتصدى لمشروع تاريخي بهذه الضخامة، ويحسب لهذا المسلسل أنه قدم محاولة لتصحيح صورة المرأة في ماسمي بدراما البيئة الشامية.

ولابد أن ننوه أن هنالك مجموعة من كتاب الدراما الرجال الذين طرحوا صورة حقيقية أو مميزة للمرأة في أعمالهم وعلى رأسهم الكتاب نهاد سيريس، عبد النبي حجازي، ومن الأسماء الشابة غسان زكريا في "الأمين والمأمون" و" رائحة المطر" وعدنان عودة في "فنجان الدم" وفادي قوشقجي في "ليس سرابًا".

وهنالك أيضا مخرجين تصدوا لإخراج مسلسلات تلفزيونية قدمت المرأة بصورة مشرّفة مثل حاتم علي في أعماله التاريخية وخاصة "صلاح الدين" و"عصي الدمع" وهيثم حقي في "خان الحرير" و"الثريا" و"الأيام المتمردة"، ولا ننسى أن ننوه هنا لبعض اللوحات في مسلسلي "مرايا" و"بقعة ضوء" لكتاب متعددين والتي طرحت قضايا نسوية.

المرأة في المسرح:

منذ مسرح أبو خليل القباني رائد المسرح السوري، وحتى منتصف القرن العشرين كان ظهور المرأة على خشبة المسرح في سورية مستهجنًا، مااضطر المخرجين المسرحيين للاستعانة بالرجال لتمثيل الأدوار النسائية. 

بدأت المرأة بالظهور على خشبة المسرح في الخمسينات، وقد لعبت الجمعيات النسائية العربية دورًا هامًا في هذا المجال مثل جمعية "يقظة المرأة الشامية" و فرقة "خريجات دار المعلمات"التي قدمت عروضًا مسرحية من ضمن نشاطاتها. و كانت العروض للنساء فقط رغم أن موضوعاتها تجاوزت وضع المرأة نحو الهموم الاجتماعية و الوطنية و السياسية وليس النسوية فحسب.

لابد لنا هنا من أن نفصل بين نوعين من المسرح، مسرح القطاع العام وعلى رأسه المسرح القومي ومسرح القطاع الخاص، الذي إذا استثنينا بعض التجارب المسرحية الجادة النادرة فيه، كان مسرحًا مهينًا لصورة المرأة، إذ استخدم جسدها بصورة تجارية رخيصة لجذب المتفرجين، وكانت الصورة التي قدمها عن المرأة ضمن هذا الإطار. في حين تبني المسرح القومي مشروعًا مسرحيًا هادفًا جادًا، قُدمت فيه أمهات المسرحيات العالمية وأهم النصوص العربية والمحلية، وهو الذي أجبر الجمهور العريض على احترام الممثلات المسرحيات، حين قدمهن في إطار إنساني ثقافي رفيع.

ومن بين 443 نصا مسرحيا ثبتها د. عبد الله أبو هيف في دراسته الهامة "تطور المسرح العربي في سورية"، و وأرخت للمسرح بين عامي 1945-2002 لا نجد سوى نص واحد للشاعرة دعد حداد «اثنان في الأرض واحد في السماء»، نشر في مجلة الموقف  الأدبي، العدد 78، 1978.

وهنالك نص مسرحي صدر عام 2008 للكاتبة دلع الرحبي بعنوان "حكاية الشيخ أبي خليل القباني والوالي مدحت باشا العثماني".وهنالك ثلاث نصوص لأديبات شابات صدرت في السنوات الأخيرة «باريس في الظل» ليم مشهدي، «الملحق» لليندا الأحمد، "الجمل" لتهامة الجندي.

وقد دخلت المرأة أيضا تجربة الإخراج المسرحي، وهنالك العديد من الأسماء نتوقف عند اثنين منها تركت أثرًا هامًا على مسيرة المسرح في سورية، وعلاقة المرأة به:

المخرجة  نائلة الأطرش والتي لم تكتف بالإخراج  المسرحي عندما قدمت عدة مسرحيات، اعتبرت من أهم المسرحيات التي قدمت في سورية في السبعينات والثمانينات، بل مثلت العديد من الأدوار السينمائية والتلفزيونية، وبقيت رئيسة لقسم التمثيل في المعهد العالي للفنون المسرحية لسنوات عدة، خرّجت خلالها العديد من الممثلين الذين يمثلون أهم الأسماء في فضائي التمثيل والإخراج اليوم، كما أنها قدمت دراسات عديدة عن المسرح والمرأة، نوهت فيها إلى عدم استخدام المسرح عندنا لطرح قضايا المرأة العربية، رغم أنه كان وسيلة هامة استخدمت لذلك في العالم.

كما نشير هنا إلى تجربة الفنانة الراحلة مها الصالح التي أخرجت ومثلت العديد من المسرحيات في المسرح القومي أو فرقتها موال، وقدمت عروضا مونودرامية متعددة لامست فيها قضية المرأة بشكل واضح ومنها "عيشة". وهي التي قالت «أنا أحب تقديم المرأة كما نحلم أن نكون، من خلال خطاب مسرحي بما يتضمنه من ثورة في خدمة المجتمع الإنساني، مما يسمح للمرأة بإعادة صياغة كينونتها مع نفسها ومع محيطها».

وننوه كذلك إلى تجربة الممثلة والمخرجة المسرحية نورا مراد التي قدمت المسرح الحركي، الذي يعتمد بالدرجة الأولى على الجسد كواسطة اتصال وتعبير، وقد أسست فرقة ليش المسرحية عام 1999، وقدمت من خلالها عدة عروض.

ولا بد من القول بأن عمل المرأة في المسرح في الوطن العربي هو بحد ذاته كسر للتقاليد، حتى لو أنها لم تستخدم المسرح لطرح قضاياها، فمجرد وجودها على خشبة المسرح حقق انطلاقة هامة لها في مجال الفن والإبداع والتعبير عن النفس، وكان لها مشاركة ومساهمة فاعلة في النهضة المسرحية في أغلب الدول العربية كمصر وسورية وتونس وغيرها.

المرأة والفن التشكيلي:

يشير د. عبد العزيز علون في دراسته الهامة "مساهمات المرأة السورية في الحركة الفنية" بأن بداية الحركة النسائية التشكيلية السورية كانت على يد الفنانات السوريات الأرمنيات من أمثال هيلدا قسيس أجميان ومارال هايرا بيديان وأناهيد شاهينيان وسيلفا ماكردتيشيان-مارديروسيان، في العشرينات والثلاثينات من القرن الماضي، واللاتي استمرت مساهماتهن في الحركة الفنية، والتدريس في المعاهد الفنية، وخاصة في مدينة حلب، على امتداد العقود الماضية ومن بينهن أرمينيه غالينتس.

إن العديد من فنانات الجيل الثاني مازلْن موجودات ويساهمن في نشاطات العروض الفنية في أروقة حي الجديدة، وشارع التلل وحيي الجميلية والعزيزية. وتطالعك باستمرار لوحاتهن في المدارس الأرمنية وفي النوادي الثقافية والرياضية، ويقوم بعضهن بنقل أعمالهن إلى بيروت ويريفان.

أما في الأوساط العربية فلم تظهر النشاطات النسائية في الحركة الفنية السورية على الساحة الفنية قبل الاستقلال عام 1946. ولكنها انبثقت على حين غرّة في عام 1948 في دار الحمصي في العزيزية في حلب. فشكّل إنتاج الفنانات في هذا المعرض نسبة فاقت نصف المعروضات بكثير، واشترك في هذا المعرض أربع فنانات من أصل سبعة عارضين هنّ دورا ألتونيان وجاكلين حمصي ومنيرة مراد أبو ريشة وإيفا رباط. ومن ثم دخلت أسماء نسائية أخرى إلى المشهد الثقافي التشكيلي، مثل مسرة الادلبي، ومنور موره لي، وليلى أورفه لي، وإقبال قارصلي، وهالة قوتلي، ومنى اسطواني، وغيرهن..

في نهاية الخمسينات وبداية الستينات أقبلت المرأة بشغف على الدراسة في مراكز ومعاهد الفنون التشكيلية، ومن ثم على الدراسة في كليتي الفنون الجميلة والعمارة، فتم تخريج عدد مهم من الأكاديميات اللاتي ساهمن في رفد الحركة التشكيلية السورية  بإنتاج يضاهي إنتاج الفنانين الذكور في الكثير من المعارض التشكيلية كمًّا ونوعًا، ونذكر من أسمائهن:أسماء فيومي، عتاب حريب، سارة شما، سوسن الزعبي، لجينة الأصيل، هالة الفيصل وأخريات.. وتميزت الفنانة شلبية ابراهيم في تلك الفترة بالتوجه الفني الساذج Naive، في لوحاتها، الذي ظهر أيضا في لوحات عائشة عجم التي تميزت بتجربتها الفريدة، باحتراف الرسم في سن متقدمة. كما ظهرت أيضا مجموعة من الخزافات المتميزات كاميلي فرح وضحى قدسي.

ولابد أن نذكر أن مشاركات النساء في مجال الكتابة النقدية ما تزال محدودة، إلا أننا لابد أن نسجل حضورا نسائيا بارزا، بين أصحاب صالات الفنون التشكيلية، كمنى أتاسي، وإلهام باكير، ورواد ابراهيم.

ويشير د. عبد العزيز علون في دراسته "مساهمات المرأة السورية في الحركة الفنية" إلى أنه كثيرا ما قام المجتمع الذكوري بطمس أسماء فنية نسائية كثيرة، تحت اسم حرم فلان مثل حرم أحمد الشرباتي، وحرم الدكتور شطي، وابنة فلان مثل ابنة الفنان أبي صبحي التيناوي، والتي كانت أعمالها تضاهي أعمال والدها بل أكثر حرفية وفنا.

والسؤال الهام هنا هل ساهمت الحركة التشكيلية النسائية في تسليط الضوء على معاناة المرأة أو قضاياها، على حد علمنا لم تتبن أي من الفنانات التشكيليات قضية المرأة في أعمالها، وحتى لو كان موضوع  بعض اللوحات المرأة، فإنها لم تطرح معاناتها إلا على صعيد فردي، في حين حوت بعض النتاجات الفنية لفنانين رجال طرحًا أكثر عمقا لمعاناة المرأة، كلوحات الفنان الكبير لؤي كيالي.

المرأة والاعلام:

بدأت النساء في سورية العمل في التلفزيون في الستينات من القرن الماضي كمذيعات ومعدات برامج منهن غادة مردم بك (منوعات)، وهيام طباع (أطفال)، نادية الغزي(برنامج عن الأسرة)، ومخرجات برامج (ابتسام زبيدي)، أما اليوم فنجد عشرات المذيعات وعشرات معدات البرامج التلفزيونية، ولكن للأسف لا يوجد من أصل 76 برنامجا تلفزيونيا تعده نساء سوى برنامج واحد يحمل عنوان (امرأة..نساء) يتناول قضايا المرأة، في حين طرح البرنامج الهام (خط احمر) ومعده عبد المؤمن حسن بشكل جاد وهام قضايا المرأة، كقانون الأحوال الشخصية، وجرائم الشرف، والتحرش الجنسي، وغيرها من القضايا التي تدخل في صلب الدفاع عن حقوق المرأة.

ولا بد أن ننوه هنا إلى تقصير التلفزيون العربي السوري في طرح قضايا المرأة على شاشته، حتى في الفترة التي أدارته فيها السيدة ديانا جبور، إذ لماذا ندعو إلى أن تتبوأ المرأة مراكز صنع القرار إذا لم تأخذ على عاتقها طرح قضايا المرأة؟ إذ نلاحظ خلال فترة وجودها كمديرة للتلفزيون أن من بين 174 فقرة كانت تبثها القناة الفضائية أسبوعيا لا نجد سوى البرنامج المذكور سابقا عن المرأة، ومن بين 151 فقرة كانت تبثها القناة الأولى أسبوعيا، لا نجد أي برنامج يخص قضايا المرأة.

أما في الصحافة، فأول صحيفة نسائية عرفتها دمشق هي "العروس" التي صدرت عام 1910 لصاحبتها ماري عجمي، وقد توقفت عن الصدور مع الحرب العالمية الأولى، ثم عادت إلى الصدور مرة أخرى بعد انتهاء الحرب، وكان يغلب عليها الطابع الأدبي، ثم توقفت نهائيا عام 1925. ومضت عشر سنوات بعد صدور "العروس" حتى صدرت مجلة أخرى هي "الفيحاء" عام 1920، لكنها لم تستمر طويلا. وصدرت مجلة "دوحة المياس" في حمص عام 1928، ثم صدرت مجلة أخرى هي "الربيع" في 1935، لكنها توقفت بعد فترة قصيرة. وقد توقفت جميع المجلات النسائية في سوريا بعد فترات قصيرة من صدورها.

واقتصر الأمر في السبعينات والثمانينات والتسعينات على صدور مجلة نسوية واحدة هي "المرأة العربية" التي صدرت في آب 1962 عن الاتحاد العام النسائي السوري، ولم يكن لها أيّ انتشار جماهيري.

تشكل  النساء  اليوم نسبة 38% من أعضاء اتحاد الصحفيين، ونسبتهن في إعداد البرامج وتقديمها وإجراء التحقيقات الصحفية تتجاوز الـ50%.

وقد بدأت بعض الأقلام الصحفية النسائية تركز على قضايا المرأة وتطرحها في الصحف أو المجلات السورية أو العربية أو على الانترنيت لناشطات مثل نوال يازجي، سوسن زكزك، مية الرحبي، صباح حلاق، منى غانم، رهادة عبدوش، أو صحفيات مثل  لينا ديوب، إيمان ونوس.

لا بد من الإشارة هنا إلى الصحافة الالكترونية التي ساهمت في السنوات الأخيرة في طرح قضايا المرأة، و ايصال صوت الناشطات النسائيات إلى مراكز صنع القرار، فقد ساهمت بايقاف مشروعين متخلفين لتغيير قانون الأحوال الشخصية، كما قادت حملات من أجل إزالة التحفظات التي وضعتها سورية على اتفاقية إلغاء جميع أشكال التمييز ضد المرأة، ومن أجل منح المرأة السورية جنسيتها لأطفالها، وضد جرائم الشرف. منها مواقع نسوية متخصصة مثل موقع نساء سورية، وموقع الثرى، ومساواة/مركز دراسات المرأة، وعشتار.

المراجع:

  • الرواية النسوية في بلاد الشام ايمان القاضي 

الأهالي2 199

 

  • الابداع الروائي المعاصر في سورية

Elisabeth vauthier, La Creation Romanesque contempopraine en Syrie, De 1967 a nos jours,

Institut Francais du Proche– Orient, Damas, 2007

ترجمة ملك أبيض منشورات وزارة الثقافة- الهيئة العامة السورية للكتاب

 

  • الشعر النسائي الحديث في سوريا

خضـر الآغـا

نشرت في مجلة "تايكي" الأردنية العدد 34 عام 2008

 

  • القصة السورية ونقدها في القرن العشرين د. أحمد جاسم الحسين

من منشورات اتحاد الكتّاب العرب

دمشق – 2001

 

  • القصة القصيرة في سورية قص التسعينات، د. نضال الصالح

http://www.syrianstory.com/comment2.htm

 

  • القصة النسائية السورية حيث الفردانية والجمعية جنباً إلى جنب، ، روزا ياسين حسن
  • نشرت هذه الدراسة في مجلة تايكي الأردنية في عدد شهر أيار 2008

 

  • المرأة السورية بين الواقع والطموح

تقرير مركز دمشق للدراسات النظرية والحقوق المدنية

إعـداد: ناصر الغزالي - خولة دنيا

 

-جماليات السرد  في القصة القصيرة النسوية السورية د. ماجدة حمود

http://syrianstory.com/comment13-2.htm#جماليات السرد

 

  • الصالونات النسائية الأدبية في العصر الحديث .

المؤلف : عيسى فتوح .

الناشر : دار المنارة ـ ط1 ـ 2002 / دمشق .

 

  • زينب فواز العاملي رائدة الرواية العربية بقلم: فتحية إبراهيم صرصور

http://pulpit.alwatanvoice.com/articles/2007/11/08/110069.html

 

  • صحافة المرأة في سورية

محاضرة ألقاها الدكتور سهيل الملاذي

المركز الثقافي العربي بدمشق  -    الثلاثاء 10/12/2002

 

  • «عنها في سينماهم»

ديانا جبور:  دار المسبار للدراسات والتوثيق والنشر ـ دمشق ـ سورية الطبعة الأولى 2002

 

  • صورة المرأة العربية السورية في وسائل الإعلام - سعاد بكور     

منتدى المرأة والاعلام - المنتدى الرابع لقمة المرأة العربية 2009

 

  • صورة المرأة في السينما السورية كيف ينظر اليها؟!

نسرين مخلوف

جريدة البعث العدد: 13131 - تاريخ: 2007-04-29

 

- "مساهمات المرأة السورية في الحركة الفنية"

د. عبد العزيز علوش، دراسة

 

 

©2023 جميع الحقوق محفوظة لـ بوليفارد