648
المرأة العربية والتغيير
الفصل الرابع والعشرون من كتاب النسوية مفاهيم وقضايا
د. ميّة الرحبي
كما ذكرنا سابقًا فقد سادت الدُّولَ العربيَّة في النصف الثاني من القرن العشرين، وحتى نهاية العقد الأول من القرن الحالي، حكوماتٌ استبدادية شمولية، ألغت السياسة من المجتمع، وصادرت حق الشعوب في التعبير عن إرادتها والإمساك بزمام مصيرها. ترافَق ذلك مع سياسات نهب وفساد سيطرت فيها الطُّغمُ الحاكمة على مقدرات البلاد واعتبرتها ملكًا شخصيًا لها فسلبت ونهبت، وأفقرت شعوبها وأغرقت بلدانها في مستنقعات ركود باسم الاستقرار، وتاجرت بالقضايا القومية التي تمس مشاعر وآلام وآمال المواطنين وعلى رأسها القضية الفلسطينية، قضية العرب الأولى.
قاد ذلك كله إلى تَخلُّف الدول العربية عن ركب الحضارة، وتبوئها المراتب الأخيرة في سلالم كل مؤشرات الحضارة والتنمية الإنسانية.
وحتى بعد أن اضطرت بعض هذه الأنظمة -تحت ضغوط داخلية وخارجية- إلى انتهاج بعض الخطوات الاصلاحية -والتي تفاوت حجمها من بلد عربي لآخر-كي تهدئ الغضب الشعبي العارم ضدها، وتظهر بمظهر القائم على مصلحة شعبه بنظر الخارج والمنظمات الدولية التي انتمت إليها والتزمت بمواثيقها، كانت تلك الخطوات ملجومةً بالهيمنة والقمع والاستبداد؛ ما أفرغ تلك الإصلاحات من مضمونها، وحدَّ من تأثيراتها الإيجابية على الشعوب الرازحة تحت عسف وقمع، لايضاهيه أي عسف وقهر لأي شعب في التاريخ الحديث.
ولم تسلم المرأة طبعًا من تأثير ذلك العسف والظلم، الذي لجم حركة تحررها، التي كانت قد بدأت متزامنة مع حركة النهضة العربية نهايات القرن التاسع عشر.
اليوم، ومع دخول المجتمعات العربية مرحلةً جديدةً، بعد أن انتفضت الشعوب في أغلب الدول العربية ضد أنظمتها الاستبدادية، واتخذت انتفاضاتها أشكالًا متعددة، تهدد بامتدادها إلى الدول العربية الأخرى، لابد من وقفة لنرى أين هي المرأة من المشهد السائد في تلك الدول.
يتلخص هذا المشهد بالنقاط الرئيسية التالية:
- خرجت الشعوب من تلك الحقبة الاستبدادية، بدولٍ منهكة، دُمر اقتصادها على مدى عقود بتأثير النهب والفساد والمحسوبية، وتعرقلت مسيراتها التنموية، وغدت في آخر سلالم التنمية الإنسانية.
- كما خرجت مشرذمة القوى، لا وجود لتعبيرات سياسية حقيقية، تمثل شعوبها وتدافع عن مصالحها وتصوغ أمانيها في برامج سياسية واضحة محددة. فقد صادرت الأنظمة الاستبدادية أي حراك مجتمعي ومنعت وضيقت نشوء أو نشاط مؤسسات المجتمع المدني، وصادرت حرية التعبير، فمنعت الأحزاب والجمعيات، وأنشأت منظمات كرتونية بديلة من أحزاب ومنظمات وجمعيات، تأتمر بأمرها وتعبر عن مشيئتها، ولاتمثل أو تدافع عن مصالح الشعب، بل لا همَّ لها سوى التصفيق والتطبيل والتزمير لمنجزات المستبد الحاكم بأمر الله، والذي امتلك البلاد والزمان والشعب ملكًا شخصيًا له ولمن يحيط به من أزلام ومنتفعين.
- بمنع الأنظمة الاستبدادية لأي نشاط سياسي مجتمعي، وانعدام مفهوم المواطنة بما هو عقد اجتماعي بين الحاكم والمحكوم، يساوي بين جميع المواطنين في الحقوق والواجبات، دون تمييز بينهم على أساس الجنس أو العرق أو الدين، وبانعدام الحق والعدالة والقانون في دول يحكمها سلطان بمفهوم الدولة السلطانية المملوكية، لم يبقَ للمواطن الضعيف المقهور سوى الاحتماء بالتكوينات العشائرية، القبلية، الدينية، الطائفية والمناطقية؛ ما ألغى مفهوم المواطنة الذي تقوم عليه الدولة الوطنية الحديثة، وكرَّس التمييز بين المواطنين على أساس الانتماءات ما قبل الوطنية.
- تمثَّلت الأنظمة الاستبدادية التي سادت أغلب الدول العربية بحكم العسكر الذين تبنوا الأفكار القومية والاشتراكية، وقادوا البلاد إلى هزيمة تلو الأخرى، على المستويات القومية والسياسية والاقتصادية؛ ما أدى إلى هزيمة الفكر القومي واليساري، وإلى صعود التيارات الدينية. وكان رد فعل الأنظمة الاستبدادية على ذلك بأن حاربت التيارات المتشددة منها، وحابت التيارات المعتدلة، والتي ضمنت من خلالها استسلام المجتمعات لقدرٍ لا خلاص منه، ما أدى إلى تغلغل التيارات السلفية داخل المجتمعات العربية وسيطرتها على عقول العامة، الذين وجدوا فيها الخلاص الذي يسعون إليه بلجوئهم إلى الله، يلتمسون بالدعاء إليه ملجأ من الجور والظلم الذي هم فيه، وأملًا بحياة أخرى أكثر سعادةً من الجحيم الذي يعيشون فيه. تمظهرت تلك السيطرة بالحجاب الذي غطى رؤوس أغلب النساء في الدول العربية، بقناعة تامة، في الكثير من الحالات، أو بضغط من رجال الأسرة في بعضها، مترافقًا مع الدعوة لعودة النساء إلى بيوتهن، وقصر وظيفتهن الرئيسية على العناية بالزوج والأولاد.
- أدى الحظر والملاحقة والتنكيل، التي طالت جميع القوى السياسية القومية والاشتراكية والشيوعية، إلى إنغلاقها وتحجيمها ومنع تطورها، ولم يبقَ منها سوى أشلاء، ظهرت على شكل بقايا أحزاب أو تيارات، تحاول اليوم أن تجد لها موطئ قدم إلى جانب التيارات الإسلامية التي اكتسحت أوساط المعارضة. لكن سنوات المُلاحقة والتهشيم والعمل السري في أجواء غير صحية جعلت فكر الاستبداد وامتلاك الحقيقة واللاديمقراطية والأبوية الذكورية تسيطر على من تبقى من هذه الأحزاب، التي ظهرت اليوم غير معنية إطلاقًا بمشاركة المرأة إلا بقدر ما يمكن أن تستخدمها في تزيين الكعكة، كي لا يُقال إن المعارضة الديمقراطية لا تحوي في تركيبتها نساء؛ لذا يتم استدعاء عدد قليل من الأسماء النسائية في اللحظات الأخيرة للمشاركة في جميع الهيئات والمؤتمرات، دون إشراكهن في أيّ ورقة تحضيرية أو أيّ إجراء تنسيقي، ليجلسن، ولا أقول يشاركن، في الاجتماعات، التي تتم صياغة توصياتها أو وثائقها أو عهودها من قبل الرجال، ومن ثم تزين الهيئات القيادية المنبثقة عنها بامرأة واحدة، تكون كافية لنفي صفة اللاديمراطية أو اللامدنية أو اللاثورية...عنها.
- أما التيارات الليبرالية فلا زالت أفكارها غريبة ولم تلقَ قبولًا في المجتمعات العربية، التي أنهكتها طوال عقود الصراعات مع قوى استعمارية، تتبنى الفكر الليبرالي، حاولت وتحاول السيطرة على مُقدَّراتها وكياناتها ووجودها.
* * *
خرجت المرأة من تلك الحقبة من الحكم الاستبدادي بوضع يمكن تلخيصه على النحو التالي:
- سيطرة الفكر الذكوري على الطغم الاستبدادية الحاكمة من جهة، وعلى الفكر المقاوم سلبيًا لها، والمتمثل بالفكر السلفي، من جهة أخرى.
- خروج المرأة من الحياة السياسية مثلها في ذلك مثل جميع المواطنين، الذين بات وجودهم شكليًا في جميع السلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية الخاضعة أصلًا للطُّغمة الحاكمة. فرغم أن وجود المرأة في بعض البرلمانات العربية وصل إلى حدود 12%، إلا أن وجودها كان شكليًا تمامًا وغير مؤثر. ولم تستطع النساء على مدى عقود من وجودهن في البرلمانات من تغيير القوانين أو الأنظمة أو الأحوال المميِّزة ضد المرأة، إلا بحدود ضيقة جدًا، لا تكاد تُذكر، إذا استثنينا بعض الحالات القليلة كما حدث في المغرب مثلًا. أما وجودها في السلطة التنفيذية فلم يتعدَّ أكثر من وزارتين أو ثلاث غير سيادية، لم تُعيَّن فيها المرأة على أساس كفاءتها، بل ولائها، ولم يكن لها أي حضور مؤثر فاعل. هذا عدا عن محدودية تواجد المرأة في مراكز صنع القرار في جميع مؤسسات وهيئات الدولة. وحتى على مستوى القضاء، لم يكن لوجود قاضيات في المؤسسات القضائية أي أثر يذكر في ظل قوانين الطوارئ التي عطلت استقلالية القضاء، والرشوة التي سادت الجسم القضائي في أغلب الدول العربية.
- رغم أن أغلب الدساتير العربية كانت تؤكد على مساواة المواطنين جميعًا في الحقوق والواجبات، إلا أن القوانين بقيت مميزة ضد المرأة، خاصةً في قوانين الأحوال الشخصية والجنسية والعقوبات.
- ورغم وعود الحكومات بتغيير قوانينها وأنظمتها التمييزية ضد المرأة تحت ضغط المنظمات الدولية التي ألزمتها بمواثيق دولية، إلا أن تلك الحكومات بقيت ترجئ تلك التغييرات مراعاة للتيارات الدينية التي كانت حريصة على كسب ودها كي لا يثير أي تغيير في القوانين حساسيتها، وما قد يقود إليه ذلك من تهييج المجتمعات التي ضمنت حيادها تجاه الأنظمة الحاكمة. لذا أرفَقَت جميع الدول العربية مُصادقتَها على المواثيق العالمية المتعلقة بحقوق الإنسان والطفل وإلغاء جميع أشكال التمييز ضد المرأة بتحفظات أفرغت كثيرًا من موادها من مضمونها، وبالأخص عندما تحفظت على المادة الثانية من اتفاقية "السيداو".
- اقتصاديًا، أدى الفساد والنهب المنظم لخيرات الدول إلى إفقار الشعوب، ومن المعروف أن النساء هن أولى الشرائح الاجتماعية التي تتأثر بالفقر وانعدام فرص العمل والبطالة. هذا عدا عن استمرار التمييز ضد المرأة في سياسات الأجور- في القطاع الخاص- ومراكز صنع القرار الاقتصادي. كما قادت سياسات التكييف الهيكلي إلى الخصخصة وتقليص القطاع العام، الذي ضمن حمايةً للمرأة العاملة أكثر بكثير من القطاع الخاص الذي بدأ ينمو في العقدين الأخيرين، دون وجود أي ضوابط تحمي العاملين فيه، على الأخص النساء منهم، في ظل أنظمة الرشى والفساد، المحمية من قبل السلطات الحاكمة. كما أدت تلك السياسات إلى تراجع مسؤولية الدولة في قطاعي الصحة والتعليم، وإلقاء أعباء هذين القطاعين على كاهل المواطنين، وتأثير ذلك على المرأة خصوصًا، نظرًا للتمييز الجندري الذي تعانيه المرأة داخل الأسرة والمجتمع.
- انتشار الأمية في أوساط النساء والتي تراوحت نسبتها بين 25 و60 في المائة.
- مجتمعيًا، أدت سيطرة التيارات الدينية على تفكير أغلب فئات الشعب إلى انتكاسة لجميع المكاسب التي حصلت عليها المرأة، بدءًا من عصر النهضة العربية وحتى صعود العسكر إلى سدة الحكم، فسادَ الحجاب مختلف الفئات مترافقًا مع الدعوة إلى منع الاختلاط وتحديد مكان المرأة الأول في المنزل لخدمة زوجها وأبنائها، وما رافق ذلك من انتكاسة لكل المكاسب المجتمعية التي حصلت عليها المرأة سابقًا.
- لا يمكن أن ننكر أن سيطرة العسكر، بحكم نشأتهم من الطبقات البرجوازية الصغيرة والأرياف تحديدًا، أحدثت في بداية عهدها -في الثلث الأوسط من القرن الماضي- بعض التغييرات المجتمعية التي كان لها أثر إيجابي على النساء، وخاصة في الأرياف، ما ساهم في زيادة نسبة التعليم والعمل والعناية الصحية في أوساطهن.
اليوم تواجه المرأة العربية تحديات جديدة، في ظل التغييرات التي حصلت وتحصل وستمتد على ما يبدو إلى جميع الدول العربية. فقد قادت الانتخابات الحرة، والتي شهد الجميع بنزاهتها، إلى صعود التيارات الإسلامية والسلفية، ونيلها أغلب الأصوات. وقد كانت تلك نتيجةً طبيعيةً للظروف التي ذكرناها سابقًا، وأي انتخابات حرة أخرى في أي بلد عربي آخر ستقود كما يبدو إلى نتيجة مشابهة؛ ما يدخل النضال النسوي المطلبي في مرحلة جديدة، لا تقل صعوبةً وكفاحًا عن المرحلة السابقة. ويمكن إجمال الخطوط الرئيسية للمرحلة في النقاط التالية:
- خطورة عدم التزام التيارات الإسلامية الصاعدة بالمبادئ الديمقراطية، بعد وصولها إلى السلطة.
- صياغة دساتير تعتمد الشريعة الإسلامية مصدرًا لها، مع استلهام الآراء الفقهية، التي تكرس الفكر الأبوي الذكوري.
- وضع قيود على حرية التعبير ونشاطات مؤسسات المجتمع المدني، باستلهام ضوابط من الفقه الإسلامي.
- سيطرة الفكر السلفي مجتمعيًا، والذي سيقف حائلًا دون المكتسبات المجتمعية التي حققتها المرأة سابقًا، ويمكن ان تحققها لاحقًا. وهذا ما هو متوقع حدوثه في المرحلة القادمة من تسلم القوى الإسلامية الحكم في ظل سيطرتها على غالبية القوى المجتمعية، وشرعنة تلك السيطرة عن طريق الانتخابات، وسيساعدها في ذلك جذور قضية المرأة، التي تمتد إلى عمق التاريخ وعمق الثقافة العربية السائدة، حيث لم تتح الأوضاع السياسية سابقة الذكر المجال لنشر ثقافة بديلة تعيد للمرأة مكانتها الإنسانية المستلبة.
- هيمنة مصالح القوى الغربية التي ساندت تلك التغييرات في الدول العربية لأسباب كثيرة لامجال لشرحها هنا، وبالتالي الأثمان التي ستدفعها شعوب الدول العربية نتيجة التدخل الأجنبي في الدول العربية والتي ستؤثر بالتأكيد على سيادتها واستقلاليتها وأمنها القومي، وانعكاس ذلك على إرادة شعوبها؛ فلا تطور ولا تنمية دون استقلالية إرادة الشعوب، وفك ارتباطها بالقوى الإمبريالية التي لا همَّ لها سوى السيطرة على الشعوب وثرواتها ومقدراتها.
- تأثير الفكر الإسلاموي اللاجم لمشاركة المرأة الفعالة في جميع مناحي الحياة، لاعتباره أن مكان المرأة الرئيسي هو البيت، ومهمتها الرئيسية العناية بأسرتها، وأن نظام القوامة هو النظام الذي يجب أن يسود الأسرة والمجتمع ويحكم علاقة المرأة بالرجل، وأن الحجاب ومنع الاختلاط من المبادئ الرئيسية التي يجب أن تحكم وجود المرأة مجتمعيًا.
- من المسلم به أن التيارات الاسلامية عند وصولها إلى سدة الحكم لايمكنها أن تتصدى لتحديات العصر، لأن من شأنها تعطيل نصف إمكانية مجتمعات خرجت من الحقب الاستبدادية مهشمة ضعيفة مسلوبة القوى، وأن مرحلة إعادة البناء والإعمار ستستلزم حشد طاقات المجتمع كاملة في سبيل النهوض به، هذا من ناحية، من ناحية أخرى لن تتمكن هذه التيارات -التي فازت بالانتخابات- من الصمود في وجه التيارات الشعبية التي انتخبتها عاطفيًا، عندما تكتشف تلك الجموع أن هذه التيارات غير قادرة على تلبية الاستحقاقات السياسية والاقتصادية والمجتمعية للنهوض بالبلاد. فبرامجها السياسية الاقتصادية الاجتماعية برامج قاصرة لاتعتمد العلمية بقدر اعتمادها على أفكار من زمن مضى لا تستطيع استيفاء الاستحقاقات التاريخية المُناط بها تنفيذها؛ ما يؤكد أن الفترة التي ستحكم بها هذه التيارات لابد أن تكون مرحلية، إلا أن ذلك سيؤدي إلى ضياع سنوات أخرى على شعوبنا، التي يشكل الزمن عاملًا حاسمًا تحتاجه لترميم الدمار الذي أحدثته عقود الاستبداد، وإعادة الإعمار والبناء.
ومن أجل الحفاظ على مكاسب المرأة في المرحلة القادمة، وتلافي الخسائر، والسعي لحرق المراحل في سبيل الوصول إلى الديمقراطية والعدالة الحقة لجميع المواطنين، بمن فيهم النساء، نرى أنه من الأجدى أن تتبنى الحركات النسوية المطالب التالية وتسعى لتحقيقها:
أولًا: ربط النضال من أجل نيل المرأة حقوقها بالنضال الديمقراطي العام، إذ لا يمكن أن تحصل المرأة على حقوقها إلا في ظل الدولة الوطنية الحديثة، دولة الحق والعدالة والقانون، التي يحكمها نظام ديمقراطي، يعتمد مبدأ المواطنة دون التمييز بين المواطنين على أساس الجنس أو العرق والدين.
ثانيًا: لا حرية دون مساواة؛ فرغم أن النظام الديمقراطي هو أكثر الأنظمة السياسية التي توصلت إليها الحضارة الإنسانية تطورًا، إلا أن استلهامنا لتجارب الدول الغربية في الديمقرطية لايعني أننا لا نرى أخطاءها، لكن أخطاء الديمقراطية لا تعالج إلا بمزيد من الديمقراطية والعدالة الاجتماعية الحقة. فالديمقراطية تعني أن تكون الحرية والعدالة والمساواة مكفولة للجميع بغير تمييز على أساس اللون أوالجنس أو الدين.
ثالثًا: العلمانية هي الحصن الحصين الذي سيحمي المرأة وجميع الفئات التي يمكن أن يتم التمييز ضدها على أساس الدين أو المذهب أو الطائفة أو أي اعتبار آخر، فليست ديمقراطيةً تلك الأنظمة التي تميز بين المواطنين على أي أساس. فـ«لا مواطنة من دون قانون مدني كامل يحقق العدالة والمساواة من دون تفرقة على أساس الدين أو الجنس أو الجنسية»؛ لذا «فالعلمانية اليوم مطلب جميع الحركات النسوية العالمثالثية» حسب نوال السعداوي.
رابعًا: استصدار قوانين عصرية تضمن تأسيس وإنشاء وحرية حركة جميع مؤسسات المجتمع المدني وتدعمها، بما فيها الجمعيات النسوية التي تدافع عن حقوق المرأة وتتبنى قضاياها.
خامسًا: حرية التعبير واستصدار قوانين تحمي الاعلام وتشجعه، ما يشكل منبرًا للرأي العام، الذي يشكل أحد أسس الديمقراطية والرقابة على أداء الحكومات، ويفسح في المجال للمنظمات جميعًا، بما فيها المدافعة عن حقوق المرأة بنشر أفكارها في المجتمع.
سادسًا: إن تطبيق مبدأ العدالة الاجتماعية والتوزيع العادل للثروة القومية، ومنع تركز الثروة والدخل في أيدي نخبة قليلة من الفئات المستفيدة والمحيطة بالنخبة الحاكمة، سينعكس ايجابيا على الوضع الاقتصادي للمرأة ومشاركتها الفعالة في التنمية.
سابعًا: لقد أثبتت الثورات العربية وامتدادها من بلد عربي لآخر وتعاطف الشعوب العربية بعضها مع بعض في هذه الثورات عمق الروابط التي تربط بين هذه الشعوب، ما يعطي مؤشرًا لإمكانية إيجاد شكل من أشكال الاتحاد بينها مستقبلًا، كضرورة تاريخية مستقبلية، لقيام قوة حقيقية في المنطقة تقف في وجه الأطماع الإمبريالية التي لا تتوقف، وتُسهِم في حل القضايا التاريخية العربية العالقة وعلى رأسها القضية الفلسطينية، على أسس السلام العادل الحقيقي، الذي يضمن عودة كافة الأراضي العربية المغتصبة، وضمان حق العودة للاجئين الفلسطينيين، ما سينعكس إيجابيًا على أوضاع المرأة وخاصة منها الواقعة تحت الاحتلال البغيض.
ثامنًا: الإصرار على خصوصية النضال من أجل حقوق المرأة وضمان مشاركتها الفاعلة في جميع مناحي الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية.
وتتلخص هذه الخصوصية بـ:
- إقرار دستور علماني يحكم البلاد والتأكيد في مادة مستقلة من مواد ذلك الدستور على المساواة التامة بين المواطنين والمواطنات.
- إلغاء التحفظات على اتفاقية إلغاء جميع أشكال التمييز ضد المرأة «سيداو»، بما يُلزِم الدولة الموقِّعة تغيير قوانينها وأنظمتها النافذة، بما يتناسب مع إلغاء جميع أشكال التمييز ضد المرأة.
- إلغاء التحفظات على اتفاقية حقوق الطفل.
- إلغاء جميع القوانين التمييزية ضد المرأة، والتي تتعارض مع الدستور الذي يساوي بين جميع المواطنين، وذلك بإقرار قانون أحوال شخصية عصري بديل، يحل محل قوانين الأحوال الشخصية الحالية، ويحقق العدالة لجميع أفراد الأسرة بالمساواة في حقوق الولاية والقوامة والوصاية، والزواج والطلاق والإرث، مع تعديل جميع القوانين الأخرى التي تحمل تمييزًا ضد المرأة، خاصة قانوني الجنسية والعقوبات، وضمان حق المرأة في صحيفة مدنية مستقلة، وحقها في العمل والتعليم والإقامة والسفر والتنقل وغيرها.
- مكافحة وتجريم كل أشكال العنف والتمييز ضد النساء، دستوريًا وقانونيًا في المجالين الخاص والعام، وخاصةً تلك الأشكال المسكوت عنها (كالعنف الأسري، والتحرش، والاستغلال الجنسي في الدعارة، والجرائم المرتكبة باسم الشرف ... إلخ)، وتولي الحكومات مسؤليتها تجاه تلك القضايا من خلال تطوير الآليات القانونية والخدمات الضرورية، لتوفير الحماية والعلاج لضحايا العنف، وبما يتيح إصدار قوانين تحمي من العنف الأسري، والعنف ضد المرأة، وتحمي حقوق الأطفال والطفلات.
- النضال من أجل تمكين المرأة سياسيًا، وضمان حقها في المشاركة السياسية بما يتناسب مع دورها في المجتمع، بحيث يصبح وجودها فاعلًا. وضمان الإجراءات التي تحقق ذلك كمبدأ الكوتا، في الانتخابات الحزبية والبرلمانية إلى حين تمكن المرأة من إثبات وجودها وفعاليتها السياسية، بنسبة لا تقل عن 30% وصولًا إلى مبدأ المناصفة.
- النضال من أجل تمكين المرأة اقتصاديًا، وضمان مشاركتها الفعالة في مسيرة التنمية، وإدخال مفهوم الجندر ضمن الخطط التنموية لكافة القطاعات.
- النضال من أجل ضمان حق المرأة في التعليم، ومكافحة التسرب من المدارس وعمالة الأطفال غير الإنسانية، والأمية، وتغيير مناهج التعليم بإلغاء كل ما يحمل أفكارًا تمييزية ضد المرأة.
- السعي لتجميع قوى النساء في جمعيات تتبنى الدفاع عن حقوق النساء، على أسس علمية علمانية حديثة.
- الدفاع عن حقوق المرأة داخل الأسرة بما يتعلق بالإنجاب والخيارات الحياتية في السفر والتنقل والعمل والنشاطات الاجتماعية والعمل المنزلي، وتأمين رعاية مناسبة لأطفال العاملات.
- تحسين الوضع الصحي للمرأة والعناية خاصة بالأمومة والطفولة والصحة الإنجابية.
- مكافحة الاتجار بجسد المرأة.
- نشر الوعي بما يتعلق بقضية المرأة وقضاياها في كل وسائل الإعلام المتاحة.
- الدفاع عن حق المرأة في ممارسة جميع الأنشطة الاجتماعية والرياضية، ومجالات الترويح عن النفس.
- إيلاء الطفلة اهتمامًا خاصًا، بالتشديد على منع الزواج المبكر، وتعديل القانون بما يتناسب مع ذلك، وتعديل مسألة الحضانة، بما يحقق مصلحة الأطفال الفُضلى، وسحب التحفظات على اتفاقية حقوق الطفل، وحماية الأطفال قانونيًا من العنف الأسري.
- إيلاء قضية المرأة الريفية في بلادنا اهتمامًا خاصًا، بدراسة خصوصية وضعها، وشروط حياتها اللاإنسانية، باستخدامها كَيَدٍ عاملة غير مأجورة، وأداة إنجابية لمزيد من الأيدي العاملة، وحرمانها في كثير من الأحوال من أبسط الحقوق الإنسانية.