648
المرأة العربية والتغيير
المرأة العربية والتغيير
بقلم : د.مية الرحبي
سادت الدول العربية في النصف الثاني من القرن العشرين وحتى نهاية العقد الأول من القرن الحالي حكومات استبدادية شمولية، ألغت السياسة من المجتمع، وصادرت حق الشعوب في التعبير عن إرادتها والامساك بزمام مصيرها. ترافق ذلك مع سياسات نهب وفساد سيطرت فيها الطغم الحاكمة على مقدرات البلاد واعتبرتها ملكا شخصيا لها فسلبت ونهبت، وأفقرت شعوبها وأغرقت بلدانها في مستنقعات ركود باسم الاستقرار، وتاجرت بالقضايا القومية التي تمس مشاعر وآلام وآمال المواطنين وعلى رأسها القضية الفلسطينية، قضية العرب الأولى.
قاد ذلك كله إلى تخلف الدول العربية عن ركب الحضارة وتبوئها المراتب الأخيرة في سلالم كل مؤشرات الحضارة والتنمية الانسانية.
وحتى بعد ان اضطرت بعض هذه الأنظمة تحت ضغوط داخلية وخارجية إلى انتهاج بعض الخطوات الاصلاحية، التي تفاوت حجمها من بلد عربي لآخر،كي تهدئ الغضب الشعبي العارم ضدها، وتظهر بمظهر القائم على مصلحة شعبه بنظر الخارج والمنظمات الدولية التي انتمت إليها والتزمت بمواثيقها، كانت تلك الخطوات ملجومة بالهيمنة والقمع والاستبداد التي أفرغتها من مضمونها، وحدّت من تأثيراتها الايجابية على الشعوب الرازحة تحت عسف وقمع، لايضاهيه أي عسف وقهر لأي شعب في التاريخ الحديث.
ولم تسلم المرأة طبعا من تأثير ذلك العسف والظلم، الذي لجم حركة تحررها، التي كانت قد بدأت متزامنة مع حركة النهضة العربية نهايات القرن التاسع عشر.
اليوم والعصر العربي يدخل في مرحلة جديدة، بعد أن ثارت الشعوب في أغلب الدول العربية ضد أنظمتها الاستبدادية، واتخذت ثوراتها أشكالا متعددة تهدد بامتدادها إلى الدول العربية الأخرى، لابد من وقفة لنرى أين هي المرأة من المشهد السائد في تلك الدول.
يتلخص هذا المشهد بالنقاط الرئيسية التالية:
– خرجت الشعوب من تلك الحقبة الاستبدادية، بدول منهكة، دٌمر اقتصادها على مدى عقود بتأثير النهب والفساد والمحسوبية، وتعرقلت مسيراتها التنموية، وغدت في آخر سلالم التنمية الانسانية.
– كما خرجت مشرذمة القوى، لاوجود لتعبيرات سياسية حقيقية، تمثل شعوبها وتدافع عن مصالحها وتصوغ أمانيها في برامج سياسية واضحة محددة. فقد صادرت الأنظمة الاستبدادية اي حراك مجتمعي ومنعت وضيقت نشوء أو نشاط مؤسسات المجتمع المدني، وصادرت حرية التعبير، فمنعت الأحزاب والجمعيات، وأنشأت منظمات كرتونية بديلة من أحزاب ومنظمات وجمعيات، تأتمر بأمرها وتعبر عن مشيئتها، ولاتمثل أو تدافع عن مصالح الشعب، بل لا هم لها سوى التصفيق والتطبيل والتزمير لمنجزات المستبد الحاكم بأمر الله، والذي امتلك البلاد والزمان والشعب اسما وفعلا، ملكا شخصيا له ولعائلته ومن يحيط به من أزلام ومنتفعين.
– بمنع الأنظمة الاستبدادية لأي نشاط سياسي مجتمعي، وانعدام مفهوم المواطنة بما هو عقد اجتماعي بين الحاكم والمحكوم، يساوي بين جميع المواطنين بالحقوق والواجبات دون تمييز بينهم على اساس الجنس أو العرق أو الدين، وبانعدام الحق والعدالة والقانون في دول يحكمها سلطان بمفهوم الدولة السلطانية المملوكية، لم يبق للمواطن الضعيف المقهور سوى الاحتماء بالتكوينات العشائرية، القبلية، الدينية، الطائفية والمناطقية، ما ألغى مفهوم المواطنة الذي تقوم عليه الدولة الوطنية الحديثة، وكرس التمييز بين المواطنين على أساس الانتماءات ما قبل الوطنية.
– تمثلت الأنظمة الاستبدادية التي سادت أغلب الدول العربية بحكم العسكر الذين تبنوا الأفكار القومية والاشتراكية، وقادوا البلاد إلى هزيمة تلو الأخرى، على المستويات القومية والسياسية والاقتصادية، ما أدى إلى هزيمة الفكر القومي واليساري، وإلى صعود التيارات الدينية. وكان رد فعل الأنظمة الاستبدادية على ذلك بأن حاربت التيارات المتشددة منها، وحابت التيارات المعتدلة منها، والتي ضمنت من خلالها استسلام المجتمعات لقدر لاخلاص منه، فكما يقول ماكس فيبر” إن الذي لا يستطيع أن يواجه قدر هذا الزمان سيجد في الدين ملجأ”، ما أدى إلى تغلغل التيارات السلفية داخل المجتمعات العربية وسيطرتها على عقول العامة، الذين وجدوا فيها الخلاص الذي يسعون إليه بلجوئهم إلى الله، يلتمسون بالدعاء إليه ملجأ من الجور والظلم الذي هم فيه، وأملا بحياة أخرى أكثر سعادة من الجحيم الذي يعيشون فيه. وكانت أكبر مظاهر تلك السيطرة الحجاب الذي غطى رؤوس أغلب النساء في الدول العربية، بقناعة تامة، في الكثير من الحالات، أو بضغط من رجال الأسرة في بعضها.
– كما أن الحظر والملاحقة والتنكيل التي طالت جميع القوى السياسية القومية والاشتراكية والشيوعية، أدى إلى إنغلاقها وتحجيمها ومنع تطورها، ولم يبق منها سوى أشلاء، ظهرت على شكل بقايا أحزاب أو تيارات، تحاول اليوم أن تجد لها موطئ قدم إلى جانب التيارات الإسلامية التي اكتسحت أوساط المعارضة، لكن سنوات الملاحقة والتهشيم والعمل السري في أجواء غير صحية جعلت فكر الاستبداد وامتلاك الحقيقة واللاديمقراطية والأبوية الذكورية تسيطر على من تبقى من هذه الأحزاب، التي ظهرت اليوم غير معنية إطلاقا بمشاركة المرأة إلا بقدر ما يمكن أن تستخدمها في تزيين الكعكة، كي لا يقال أن المعارضة الديمقراطية لا تحوي في تركيبتها نساء، لذا يتم استدعاء عدد قليل من الأسماء النسائية في اللحظات الأخيرة للمشاركة في جميع الهيئات والمؤتمرات، دون اشراكهن في اي ورقة تحضيرية أو أي إجراء تنسيقي، ليجلسن، ولا أقول يشاركن، في الاجتماعات، التي تتم صياغة توصياتها أو وثائقها أو عهودها من قبل الرجال، ومن ثم تزين الهيئات القيادية المنبثقة عنها بامرأة واحدة، تكون كافية لنفي صفة اللاديمراطية أو اللامدنية أو اللاثورية….عنها.
– أما التيارات الليبرالية فلا زالت أفكارها غريبة ولم تلق قبولا في المجتمعات العربية، التي أنهكتها طوال عقود الصراعات مع قوى استعمارية – تتبنى الفكر الليبرالي- حاولت وتحاول السيطرة على مقدراتها وكياناتها ووجودها.
****
خرجت المرأة من تلك الحقبة من الحكم الاستبدادي بوضع يمكن تلخيصه على النحو التالي:
– سيطرة الفكر الذكوري على الطغم الاستبدادية الحاكمة من جهة، وعلى الفكر المقاوم سلبيا لها، والمتمثل بالفكر السلفي، من جهة أخرى.
– خروج المرأة من الحياة السياسية مثلها مثل جميع المواطنين الذين بات وجودهم شكليا في جميع السلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية الخاضعة أصلا للطغمة الحاكمة، فرغم أن وجود المرأة في بعض البرلمانات العربية وصل إلى حدود 12% إلا أن وجودها كان شكليا تماما وغير مؤثر، ولم تستطع النساء على مدى عقود من وجودهن في البرلمانات من تغيير القوانين أو الأنظمة أو الأحوال المميزة ضد المرأة، إلا بحدود ضيقة جدا، لا تكاد تذكر، إذا استثنينا بعض الحالات القليلة كما حدث في المغرب مثلا. أما وجودها في السلطة التنفيذية فلم يتعد أكثر من وزارتين أو ثلاث غير سيادية، لم تعين فيها المرأة على أساس كفاءتها ، بل ولائها، ولم يكن لها أي حضور مؤثر فاعل. هذا عدا عن محدودية تواجده المراة في مراكز صنع القرار في جميع مؤسسات وهيئات الدولة. وحتى على مستوى القضاء، لم يكن لوجود قاضيات في المؤسسات القضائية أي أثر يذكر في ظل قوانين الطوارئ التي عطلت استقلالية القضاء، والرشوة التي سادت الجسم القضائي في أغلب الدول العربية.
– رغم أن أغلب الدساتير العربية كانت تؤكد على مساواة المواطنين جميعا في الحقوق والواجبات إلا أن القوانين بقيت مميزة ضد المرأة، خاصة في قوانين الأحوال الشخصية والجنسية والعقوبات.
– ورغم وعود الحكومات بتغييرقوانينها وأنظمتها التمييزية ضد المرأة تحت ضغط المنظمات الدولية التي ألزمتها بمواثيق دولية، إلا أن تلك الحكومات بقيت ترجئ تلك التغييرات مراعاة للتيارات الدينية التي كانت حريصة على كسب ودها كي لايثير أي تغيير في القوانين حساسيتها، وماقد يقود إليه ذلك من تهييج المجتمعات التي ضمنت حيادها تجاه الانظمة الحاكمة. لذا أرفقت جميع الدول العربية مصادقتها على المواثيق العالمية المتعلقة بحقوق الإنسان والطفل وإلغاء جميع أشكال التمييز ضد المرأة بتحفظات أفرغت كثيرا من موادها من مضمونها، وبالأخص عندما تحفظت على المادة الثانية من سيداو.
– اقتصاديا أدى الفساد والنهب المنظم لخيرات الدول إلى إفقار الشعوب، ومن المعروف أن النساء هن أولى الشرائح الاجتماعية التي تتاثر بالفقر وانعدام فرص العمل والبطالة. هذا عدا عن استمرار التمييز ضد المرأة في سياسات الأجور ومراكز صنع القرار الاقتصادي. كما قادت سياسات التكييف الهيكلي إلى الخصخصة وتقليص القطاع العام، الذي ضمن حماية للمرأة العاملة أكثر بكثير من القطاع الخاص الذي بدأ ينمو في العقدين الأخيرين، دون وجود أي ضوابط تحمي العاملين فيه، على الأخص النساء منهم، في ظل أنظمة الرشى والفساد، المحمية من قبل السلطات الحاكمة. كما أدت تلك السياسات إلى تراجع مسؤولية الدولة في قطاعي الصحة والتعليم، وإلقاء أعباء هذين القطاعين على كاهل المواطنين، وتأثير ذلك على المرأة خصوصا، نظرا للتمييز الجندري الذي تعانية المرأة داخل الأسرة والمجتمع.
– انتشار الأمية في أوساط النساء والتي تراوحت نسبتها 25-60%.
– مجتمعيا أدت سيطرة التيارات الدينية على تفكير أغلب فئات الشعب إلى انتكاسة لجميع المكاسب التي حصلت عليها المرأة بدءا من عصر النهضة العربية وحتى صعود العسكر إلى سدة الحكم ، فساد الحجاب مختلف الفئات مترافقا مع الدعوة إلى منع الاختلاط وتحديد مكان المراة الأول في المنزل لخدمة زوجها وأبنائها، وما ترافق ذلك من انتكاسة لكل المكاسب المجتمعية التي حصلت عليها المرأة قبل ذلك.
– لايمكن ان ننكر أن سيطرة العسكر، بحكم نشأتهم من الطبقات البرجوازية الصغيرة والأرياف تحديدا، أحدثت في بداية عهدها في الثلث المتوسط من القرن الماضي بعض التغييرات المجتمعية التي كان لها أثر ايجابي على النساء وخاصة في الأرياف، ما ساهم في زيادة نسبة التعليم والعمل والعناية الصحية في أوساطهن.
اليوم تواجه المرأة العربية تحديات جديدة، في ظل التغييرات التي حصلت وتحصل وستمتد على ما يبدو إلى جميع الدول العربية ، فقد قادت الانتخابات الحرة، والتي شهد الجميع بنزاهتها، إلى صعود التيارات الاسلامية والسفية، ونيلها أغلب الأصوات، وقد كانت تلك نتيجة
طبيعية للظروف التي ذكرناها سابقا، وأي انتخابات حرة أخرى في أي بلد عربي آخر ستقود كما يبدو إلى نفس النتيجة، ما يدخل النضال النسوي المطلبي في مرحلة جديدة لا تقل صعوبة وكفاحا عن المرحلة السابقة، يمكن وضع خطوطها الرئيسية في النقاط التالية:
– خطورة عدم إلتزام التيارات الاسلامية الصاعدة بالمبادئ الديمقراطية، بعد وصولها إل السلطة.
– صياغة دساتير تعتمد الشريعة الاسلامية مصدرا لها، مع استلهام الآراء الفقهية، التي تكرس الفكر الأبوي الذكوري.
– وضع قيود على حرية التعبير ونشاطات مؤسسات المجتمع المدني، باستلهام ضوابط من الشريعة الاسلامية.
– سيطرة الفكر السلفي مجتمعيا والذي سيقف حائلا دون المكتسبات المجتمعية التي حققتها المرأة سابقا ويمكن ان تحققها لاحقا. وقد حذر جون ستيورت ميل في كتابه الشهير (On Liberty) من طغيان الأغلبية، الذي يندرج بصفة عامة بين الشرور التي ينبغي على المجتمع أن يحترس منها، إذ لا يكفي حماية الفرد من طغيان الحاكم، وإنما تمس الحاجة لحمايته من طغيان الرأي العام أيضا وميل المجتمع لفرض الآراء والمشاعر على الفرد الذي يرفض قبولها، وينطبق ذلك تماما على ضرورة حماية المرأة من طغيان الأغلبية، التي تتبنى الفكر الذكوري، وتعرقل بالتالي أي محاولة لتغيير الواقع السائد لصالح المرأة. وهذا ما هو متوقع حدوثه في المرحلة القادمة من تسلم القوى الاسلامية الحكم في ظل سيطرتها على غالبية القوى المجتمعية وشرعنة تلك السيطرة عن طريق الانتخابات، وسيساعدها في ذلك جذور قضية المرأة تمتد إلى عمق التاريخ وعمق الثقافة العربية السائدة، إذ لم تتح الأوضاع السياسية سابقة الذكر المجال لنشر ثقافة بديلة تعيد للمرأة مكانتها الإنسانية المستلبة.
– هيمنة مصالح القوى الغربية التي ساندت تلك التغييرات في الدول العربية لأسباب كثيرة لامجال لشرحها هنا، والتي أبدت بصريح العبارة، كما في تصريح “كلينتون” عدم ممانعتها وصول الاسلاميين للحكم في تونس ومصر. وبالتالي الأثمان التي ستدفعها شعوب الدول العربية نتيجة التدخل الأجنبي في الدول العربية والتي ستؤثر بالتأكيد على سيادتها واستقلاليتها وأمنها القومي، وانعكاس ذلك إرادة شعوبها، فلا تطور ولا تنمية دون استقلالية إرادة الشعوب، وفك ارتباطها بالقوى الإمبريالية التي لاهم لها سوى السيطرة على الشعوب وثرواتها ومقدراتها.
– تأثير الفكر الإسلاموي اللاجم لمشاركة المرأة الفعالة في جميع مناحي الحياة، لاعتباره أن مكان المرأة الرئيسي هو البيت، ومهمتها الرئيسية العناية بأسرتها وان نظام القوامة هو النظام الذي يجب أن يسود الأسرة والمجتمع ويحكم علاقة المرأة بالرجل، وأن الحجاب ومنع الاختلاط من المبادئ الرئيسية التي يجب أن تحكم وجود المرأة مجتمعيا.
– من المسلم به أن التيارات الاسلامية عند وصولها إلى سدة الحكم لايمكنها أن تتصدى لتحديات العصر، لأن من شأنها تعطيل نصف إمكانية مجتمعات خرجت من الحقب الاستبدادية مهشمة ضعيفة مسلوبة القوى، وأن مرحلة إعادة البناء والإعمار ستستلزم حشد طاقات المجتمع كاملة في سبيل النهوض به، هذا من ناحية، من ناحية أخرى لن تتمكن هذه التيارات التي فازت بالانتخابات من الصمود بوجه التيارات الشعبية التي انتخبتها عاطفيا، عندما تكتشف تلك الجموع أن هذه التيارات غير قادرة على تلبية الاستحقاقات السياسية والاقتصادية والمجتمعية للنهوض بالبلاد، فبرامجها السياسية الاقتصادية الاجتماعية برامج قاصرة لاتعتمد العلمية بقدر اعتمادها على أفكار من زمن مضى لاتستطيع استيفاء الاستحقاقات التاريخية المناط بها تنفيذها، ما يؤكد أن الفترة التي ستحكم بها هذه التيارات لابد أن تكون مرحلية، إلا أن ذلك سيؤدي إلى ضياع سنوات أخرى على شعوبنا، التي يشكل الزمن عاملا حاسما تحتاجه لترميم الدمار الذي أحدثته عقود الاستبداد، وإعادة الإعمار والبناء.
****
ومن أجل الحفاظ على مكاسب المرأة في المرحلة القادمة وتلافي الخسائر والسعي حرق المراحل في سبيل الوصول إلى الديمقراطية والعدالة الحقة لجميع المواطنين، بمن فيهم النساء نرى أنه من الأجدى أن تتبنى الحركات النسوية وتسعى لتحقيق المطالب التالية:
– ربط النضال من أجل نيل المرأة حقوقها بالنضال الديمقراطي العام، إذ لايمكن ان تحصل المرأة على حقوقها إلا في ظل الدولة الوطنية الحديثة، دولة الحق والعدالة والقانون، التي يحكمها نظام ديمقراطي، يعتمد مبدأ المواطنة دون التمييز بين المواطنين على اساس الجنس أو العرق والدين.
– لاحرية دون مساواة:فرغم أن النظام الديمقراطي هو أكثر الأنظمة السياسية التي توصلت إليها الحضارة الانسانية تطورا، الإ أن استلهامنا لتجارب الدول الغربية في الديمقرطية لايعني أننا لا نرى أخطاءها، لكن اخطاء الديمقراطية لا تعالج إلاّ بمزيد من الديمقراطية والعدالة الاجتماعية الحقة. ” فإذا كانت الديمقراطية لا تقوم من دون الحرية، فهي لا تقوم أيضا دون المساواة” كما يقول جورج بيردو، ويقول خلدون حسن النقيب: “الحرية والمساواة حالتان متلازمتان والواحدة منهما ينبغي أن تؤدي إلى الثانية فالحرية السياسية لا معنى لها دون ديمقراطية اقتصادية أي مساواة” فالديمقراطية تعني أن تكون الحرية والعدالة والمساواة مكفولة للجميع بغير تمييز على أساس اللون أوالجنس أو الدين. وهنا لابد لنا من التمييز بين الليبرالية الكلاسيكية، ثمرة كفاح الطبقة الوسطى ضد الإقطاع، عن إيديولوجية الليبرالية الحالية الجديدة، التي تسخر الأنظمة البرلمانية لمصالحها، وتزور الانتخابات وتستغل الحرية الاقتصادية لتركيز الاستثمارات الرأسمالية.
إذ نلاحظ في الدولة الغربية الحديثة، أن المساواة لم تتحقق، وبالتالي لا قيمة لأي ديمقرطية، لا يتحقق فيها شرط المساواة،وتتجلى اللامساواة في التفاوت الاقتصادي، وتمركز الثروة بأيدي قلة متحكمة بالاقتصاد، وعدم المساواة الجندرية، والتمييز الذي يمارس ضد الأقليات العرقية والدينية. فلازال وجود المرأة في الحقل السياسي، ومواقع صنع القرار محدودا، في أغلب تلك الدول، ولا تتجاوز نسبة وجودها في بعض البرلمانات الغربية 15%، ويمارس التمييز الجندري حتى اليوم في مجال العمل، ولازالت الجمعيات النسوية تكافح في الدول الأوربية من أجل حصول المرأة على أجور مساوية للرجل، وحتى اليوم تؤدي النساء ثلثي حجم العمل العالمي، ويكسبن عشر الدخل العالمي، ويملكن أقل من 1% من ممتلكاته، ولازال الفقر مرتبطا بالمرأة والاقليات العرقية الدينية الاثنية. ولم تساهم تلك الدول في تغيير الثقافة الاجتماعية السائدة التي لا زالت تضع المرأة في مرتبة أدنى من الرجل، ولازال الرجل هو المسؤول الأول عن إعالة الأسرة، ولا زالت المرأة تقوم بالقسم الأكبر من العمل المنزلي، حتى لو كانت تعمل خارج المنزل، وتتحمل وحدها تقريبا مسؤولية تربية الأطفال وتنشئتهم، بل تكرست في العقود الأخيرة ظاهرة الأمهات الوحيدات، وتم تسليع جسد المرأة من قبل الشركات ووسائل الإعلام المدعومة من قبل قوى اقتصادية كبرى، ومن قبل عصابات دولية عابرة للقارات تتاجر بالنساء والأطفال، ويقدر عدد النساء اللاتي يجبرن على ممارسة الدعارة ب 90% من النساء اللاتي يمارسنها، دون كبير عناء من تلك الدول ” المتحضرة” لمحاربة تلك الممارسات غير المشروعة، إذ لا تبذل تلك الدول جهدا جديا للقضاء على تلك التجارة، قدر عنايتها و إنفاقها على الحروب الامبريالية المدمرة.
وبالمقابل يحق لنا التساؤل: هل تحققت المساواة الجندرية في الدول الاشتراكية، والجواب بالنفي طبعا، إلا إذا اعتبرنا التساوي في التعرض للقمع والقهر والإذلال والإفقار وانعدام الحريات مساواة، في تلك الدول، التي سميت اشتراكية لفظا، إلا أنها عمليا مثلت شكلا جديدا مختلفا للدولة المستبدة، التي مارست الاستبداد السياسي الاقتصادي الثقافي باسم الاشتراكية.
يقول مورغان في كتابه ” المجتمع القديم” “منذ ظهور الحضارة، غدا نمو الثروة على درجة من الضخامة … بحيث أن هذه الثروة أصبحت قوة لاتقهر، تجاه الشعب. إن العقل البشري يقف حائرا قلقا أمام صنيعته بالذات”، ورغم أنه يجد في الديمقراطية سبيلا للحد من سيطرة الثروة إلا أنه لا يعتبرها حلا نهائيا ، بل يعتبر أنها ستكون ” بمثابة انبعاث – ولكن بشكل أرقى- للحرية والمساواة والإخاء في العشائر القديمة”.
– العلمانية هي الحصن الحصين الذي سيحمي المرأة وجميع الفئات التي يمكن أن يتم التمييز ضدها على أساس الدين او المذهب أو الطائفة أو اي اعتبار آخر، فليست ديمقراطية تلك الأنظمة التي تميز بين المواطنين على أي أساس. ف «لا مواطنة من دون قانون مدني كامل يحقق العدالة والمساواة من دون تفرقة على أساس الدين أو الجنس أو الجنسية».. لذا فالعلمانية اليوم مطلب جميع الحركات النسوية العالمثالثية حسب نوال السعداوي. وذلك يتطلب كما يقول صادق جلال العظم” نسبة عالية من العلمانية المحايدة دينيا وطائفيا واثنيا”.
– استصدار قوانين عصرية تضمن تأسيس وإنشاء وحرية حركة جميع مؤسسات المجتمع المدني وتدعمها، بما فيها الجمعيات النسوية التي تدافع عن حقوق المراة وتتبنى قضاياها.
– حرية التعبير واستصدار قوانين تحمي الاعلام وتشجعه، ما يشكل منبرا للرأي العام، الذي يشكل أحد أسس الديمقراطية والرقابة على أداء الحكومات، ويفسح في المجال للمنظمات جميعا، بما فيها المدافعة عن حقوق المرأة بنشر افكارها في المجتمع.
– يرى سمير أمين أن التنمية الجدية المستقلة غير ممكنة إلا بفك الارتباط بالنظام الاقتصادي العالمي، بحيث تخضع العلاقات الخارجية لمنطق التنمية الداخلية المستقلة، وذلك بالإلغاء التدريجي لهيمنة الملكية الخاصة على ميادين الإنتاج الاجتماعي، وبالاهتمام بالقطاع الزراعي، و توزيع الدخل القومي بشكل عادل بين الريف والمدينة، والتوزيع العادل للملكيات الزراعية ومنع تفتتها إلى ملكيات صغيرة غير منتجة، وعدم تركز الثروة والدخل في أيدي نخبة قليلة من الفئات المستفيدة والمحيطة بالنخبة الحاكمة. ما سينعكس ايجابيا على الوضع الاقتصادي للمرأة ومشاركتها الفعالة في التنمية.
– لقد اثبتت الثورات العربية وامتدادها من بلد عربي لآخر وتعاطف الشعوب العربية مع بعضها في هذه الثورات عمق الروابط التي تربط بين هذه الشعوب مما يعطي مؤشرا لامكانية ايجاد شكل من اشكال الاتحاد بينها مستقبلا، كضرورة تاريخية مستقبلية، لقيام قوة حقيقية في المنطقة تقف في وجه الأطماع الامبريالية التي لا تتوقف، وتسهم في حل القضايا التاريخية العربية العالقة وعلى رأسها القضية الفلسطينية على أسس السلام العادل الحقيقي، الذي يضمن عودة كافة الأراضي العربية المغتصبة، وضمان حق العودة للاجئين الفلسطينيين. ما سينعكس ايجابيا على أوضاع المرأة وخاصة منها الواقعة تحت الاحتلال البغيض.
– الاصرار على خصوصية النضال من أجل حقوق المرأة وضمان مشاركتها الفاعلة في جميع مناحي الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية.
وتتلخص هذه الخصوصية ب:
1. اقرار دستور علماني يحكم البلاد والتأكيد في مادة مستقلة من مواد ذلك الدستورعلى المساواة التامة بين المواطنين والمواطنات.
2. إلغاء التحفظات على اتفاقية إلغاء جميع أشكال التمييز ضد المرأة، بما يلزم الدولة الموقعة تغيير قوانينها وأنظمتها النافذة، بما يتناسب مع إلغاء جميع اشكال التمييز ضد المرأة.
3. إلغاء التحفظات على اتفاقية حقوق الطفل.
4. إلغاء جميع القوانين التمييزية ضد المرأة والتي تتعارض مع الدستور الذي يساوي بين جميع المواطنين، وذلك بإقرار قانون أسرة عصري بديل يحل محل قوانين الأحوال الشخصية الحالي، يحقق العدالة لجميع أفراد الأسرة بالمساواة في حقوق الولاية والقوامة والوصاية، والزواج والطلاق والإرث، مع تعديل جميع القوانين الأخرى التي تحمل تمييزا ضد المرأة، خاصة قانوني الجنسية والعقوبات، وضمان حقها في صحيفة مدنية مستقلة، وحقها في العمل والتعليم والإقامة والسفروالتنقل وغيرها.
5. إقرار قوانين لحماية الأطفال وقانون لمناهضة العنف الأسري.
6. النضال من أجل تمكين المرأة سياسيا وضمان حقها في المشاركة السياسية بما يتناسب مع دورها في المجتمع، بحيث يصبح وجودها فاعلا. وضمان الاجراءات التي تحقق ذلك كمبدأ الغوتا، في الانتخابات الحزبية والبرلمانية إلى حين تمكن المرأة من اثبات وجودها وفعاليتها السياسية.
7. النضال من اجل تمكين المرأة اقتصاديا، وضمان مشاركتها الفعالة في مسيرة التنمية، وإدخال مفهوم الجندر ضمن الخطط التنموية لكافة القطاعات.
8. النضال من أجل ضمان حق المرأة في التعليم، ومكافحة التسرب من المدارس وعمالة الأطفال غير الإنسانية، والأمية، وتغيير مناهج التعليم بإلغاء كل ما يحمل أفكارا تمييزية ضد المرأة.
9. السعي لتجميع قوى المرأة في جمعيات تتبنى الدفاع عن حقوق النساء، على أسس علمية علمانية حديثة.
10. الدفاع عن حقوق المرأة داخل الأسرة بما يتعلق بالإنجاب والخيارات الحياتية في السفر والتنقل والعمل والنشاطات الاجتماعية والعمل المنزلي، وتأمين رعاية مناسبة لأطفال العاملات.
11. تحسين الوضع الصحي للمرأة والعناية خاصة بالأمومة والطفولة والصحة الإنجابية.
12. مكافحة الاتجار بجسد المرأة.
13. نشر الوعي بما يتعلق بقضية المرأة وقضاياها في كل وسائل الإعلام المتاحة.
14. الدفاع عن حق المرأة في ممارسة جميع الأنشطة الاجتماعية والرياضية , ومجالات الترويح عن النفس.
15. إيلاء الطفلة اهتماما خاصا، بالتشديد على منع الزواج المبكر، وتعديل القانون بما يتناسب مع ذلك، وتعديل مسألة الحضانة، بما يحقق مصلحة الأطفال الفضلى، وسحب التحفظات على اتفاقية حقوق الطفل، وحماية الأطفال قانونيا من العنف الأسري.
16. إيلاء قضية المرأة الريفية في بلادنا اهتماما خاصا، بدراسة خصوصية وضعها، وشروط حياتها اللاإنسانية، باستخدامها كيد عاملة غير مأجورة، وأداة إنجابية لمزيد من الأيدي العاملة، وحرمانها في كثير من الأحوال من أبسط الحقوق الإنسانية.