• Avenue Pasteur 63, 10000

    Troyes, France

  • البريد إلكتروني

    info@musawasyr.org

#

التمييز ضد المرأة في قانون الأحوال الشخصية العام

الفصل الثامن من كتاب النسوية مفاهيم وقضايا

(تتناول هذه الدراسة القانون قبل التعديل الأخير الذي صدر عام 2019-2020)

ميّة الرحبي

يستمد القانون الذي يحكم حياة المواطنين في الدولة السورية الحديثة، التي تشكلت بعد الاستقلال عن الانتداب الفرنسي عام 1946 من مصدرين اساسيين:

  • الفقه الإسلامي.
  • القوانين الغربية الحديثة التي استلهمت  منها الدول العربية قوانينها المدنية بعد الاستقلال.

   يتطابق قانون الأحوال الشخصية النافذ في سورية، الموضوع عام 1953، في جوهره ومعظم مواده، مع مجلة الأحكام الشرعية الموضوعة في عهد الإدارة العثمانية عام 1876 وقرار حقوق العائلة (أو كتاب الأحكام الشرعية في الأحوال الشخصية على مذهب الإمام أبي حنيفة النعمان لقدري باشا) الموضوع عام 1917 من قبل الإدارة نفسها، اللذين اعتمدا المذهب الفقهي الحنفي أساساً لهما.

المرأة في هذا القانون متاع، إنسان قاصر الأهلية، تنتقل ولايتها من الأب أو الأخ إلى الزوج بل حتى الابن، وتعامل قانونيًا تمامًا كالمعتوه، الذي لا بد من بقاء الولاية عليه حتى بعد تجاوزه سن الثامنة عشرة وفق المادة 163 من القانون نفسه.

يقوم القانون على فكرة "شراء" أو بالأحرى "استئجار" الرجل للمرأة بالمهر الذي يدفعه لها، والذي يطلق عليه الفقهاء "ثمن الوطء"! معجلا، بحيث يمنع من "الدخول بالمرأة" إن لم يدفعه، ومؤجلا، يمكن اعتباره كتعويض "استهلاكه"  للمرأة خلال فترة الزوجية، ويمكن للمرأة أن تفتدي نفسها من زوجها بالخلع، بتعبير مطابق لافتداء الأسير لنفسه من آسره، بأن تعيد للرجل الثمن الذي "اشتراها" أو "استأجرها" به.

وتقوم الحياة الزوجية على مبدأ القوامة، فالسلطة لمن ينفق، وعلى المنفق عليه الطاعة. ويلزم القانون الرجل فقط بمسألة الإنفاق دون اي اعتباراتٍ أخرى داخل العلاقة الزوجية، ويعتبر الأطفال ثمرة الزواج ملكية خالصة للرجل، حتى أنه يدفع لزوجته ثمن إرضاعهم وحضانتها لهم –والمسماة قانونيا بأجرة الحضانة وأجرة الرضاع-. ويبقى الرجل وليًا على أولاده، هو أو أحد عصبته من الذكور، حتى لو حملت الأم مسؤوليتهم الكاملة بعد الطلاق أو الترمل، وتولت تربيتهم والإنفاق عليهم وحدها، كما يحدث اليوم في كثير من الحالات.

القانون والعصر:

هدف القوانين المعاصرة تنظيم العلاقة بين المواطنين ضمن الدولة الحديثة، على أساس المساواة بينهم بغض النظر عن جنسهم وعرقهم ودينهم وطائفتهم، بما يلبي احتياجات الحياة المعاصرة، وذلك ما يستدعي، بين حين وآخر، استبدال القوانين في دول العالم أجمع بأخرى أكثر حداثةً وتطورًا، تناسب متطلبات التطور والتنمية التي تحكم المجتمعات، فهل ينطبق هذا المفهوم على القانون الحالي، الموضوع منذ أكثر من 50 عاما، والعرف القضائي المتبع بالعودة إلى كتاب الأحكام الشرعية لقدري باشا في حال عدم وضوح مادة قانونية ما، بناء على المادة 305 من القانون والتي تنص على: "كل ما لم يرد عليه نص في هذا القانون يرجع فيه إلى القول الأرجح في المذهب الحنفي"؟ خاصة أن المواد القانونية في قانون الأحوال الشخصية المعمول به حاليا مواد مختصرة مبتسرة تترك الكثير من الأمور معلقةً، يعود تقديرها للقاضي، الذي يعود عادة للكتاب المذكور أو أمثلة من أحكام محكمة النقض، وسنفصل ذلك لاحقا.( يلحق دائما بكتاب قانون الأحوال الشخصية كتاب الأحكام الشرعية في الأحوال الشخصية على مذهب أبي حنيفة النعمان لقدري باشا).

يحفل القانون بالكثير من التعابير والكلمات والمصطلحات التي لم تعد تعبر عن الواقع الحالي بل تعكس تماما العقلية السلفية التي يمثلها، بحيث يخال من يقرأ مواد القانون أنه يقرأ أحد الكتب الفقهية التي كتبت في القرن الرابع الهجري، قبل أن يغلق باب الاجتهاد بقرارٍ بشري أخذ صفة القدسية ولم يعد يحتمل النقاش من أحد. إذ ترد في مشروع القانون الجديد مفردات ومصطلحات لا علاقة لها، لا بمفهومها، ولا دلالاتها، بالزمن الحاضر، مثل : نكاح، فسخ النكاح، موطوأته، الدخول، زوجة غيره أو معتدته، يملك عليها ثلاث، اللعان، متعة الطلاق، النشوز، المرأة محل الطلاق، يملك الزوج على زوجته ثلاث طلقات، تربص، أجرة الرضاع، أجرة الحضانة، الفيئة، ملة، التخارج، يخشى عليها من الفتنة، ذمي، كتابية....

ومفاهيم لم يعد لها وجود في الأسرة الحديثة مثل:

  • مفهوم المهر كثمن لشراء المرأة (مادة 53-64).
  • مفهوم المتعة التي تستحق على الرجل للمرأة قبل الدخول وهي كسوة مثل المرأة عند الخروج من بيتها !!! (مادة 61، 62).
  • مفهوم الكفاءة فللولي طلب فسخ النكاح للكبيرة إن لم يكن الزوج كفؤاً (المادة27). والعبرة في الكفاءة لعرف البلد؟؟؟؟ (المادة 28).
  • مبدأ القوامة الذي يلزم الزوج بالإنفاق مهما كانت حال الزوجين( المواد 65، 154، 71، 72، 76)، ويلزم الزوجة بالطاعة.
  • المواد المتعلقة باللعان والنسب  (المادة 129) خصوصا بعد اكتشاف فحص DNA الذي يثبت علمياً نسب الطفل 100%.
  • مفهوم المخالعة: إذا كانت المخالعة على مال غير المهر لزم أداؤه وبرئت ذمة المتخالعين من كل حق يتعلق بالمهر والنفقة الزوجية (المادة 98).
  • مفهوم النشوز: الناشز هي التي تترك دار الزوجية بلا مسوغ شرعي، أو تمنع زوجها من الدخول إلى بيتها قبل طلبها النقل إلى بيت آخر(المادة 75). وإذا نشزت المرأة وكان الأولاد فوق الخامسة كان للقاضي وضعهم عند أحد الزوجين شاء، على أن يلاحظ في ذلك مصلحة الأولاد بالاستناد إلى سبب موجب (المادة 145).
  • للأم الحاضنة أن تسافر بالمحضون بعد انقضاء عدتها دون اذن الولي إلى بلدتها التي جرى فيها عقد نكاحها (المادة 148) و لا يحق لها أن تسافر إلى البلدة التي تعمل بها لدى أي من الجهات العامة إن لم يوجد بها أحد أقاربها المحارم؟؟؟؟ (المادة 148).
  • أجرة الحضانة" في المواد (103-142-143).
  • أجرة الرضاع في المواد (152-153).

 

تعارض المشروع مع دستور الجمهورية العربية السورية، والقوانين المعمول بها:

تم تعديل الدستور عام 2012، ولم يحوِ الدستور الجديد اختلافات جوهرية بما يتعلق بالمرأة.

لاشك بأن جميع مواد الدستور تعني المرأة بصفتها مواطنة، لكن سأكتفي هنا بذكر المواد التي تخص المرأة بشكل خاص:

المادة الثالثة:

  1. دين رئيس الجمهورية الإسلام.
  2. الفقه الإسلامي مصدر رئيسي للتشريع.
  3. تحترم الدولة جميع الأديان، وتكفل حرية القيام بجميع شعائرها على أن لا يخل ذلك بالنظام العام.
  4. الأحوال الشخصية للطوائف الدينية مصونة ومرعية.

 

المادة التاسعة عشرة:

يقوم المجتمع في الجمهورية العربية السورية على أساس التضامن والتكافل واحترام مبادئ العدالة الاجتماعية والحرية والمساواة وصيانة الكرامة الإنسانية لكل فرد.

المادة العشرون

  1. الأسرة هي نواة المجتمع و يحافظ القانون على كيانها و يقوي أواصرها.
  2. تحمي الدولة الزواج وتشجع عليه، و تعمل على إزالة العقبات المادية و الاجتماعية التي تعوقه، وتحمي الأمومة و الطفولة، وترعى النشء و الشباب، وتوفر لهم الظروف المناسبة لتنمية ملكاتهم.

المادة الثالثة و العشرون:

توفر الدولة للمرأة جميع الفرص التي تتيح لها المساهمة الفعالة والكاملة في الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، وتعمل على إزالة القيود التي تمنع تطورها ومشاركتها في بناء المجتمع.

المادة السادسة و العشرون:

  1. الخدمة العامة تكليف وشرف غايتها تحقيق المصلحة العامة وخدمة الشعب.
  2. المواطنون متساوون في تولي وظائف الخدمة العامة ويحدد القانون شروط توليها وحقوق وواجبات المكلفين بها.

المادة الثالثة و الثلاثون:

  1. الحرية حق مقدس وتكفل الدولة للمواطنين حريتهم الشخصية وتحافظ على كرامتهم و آمنهم.
  2. المواطنة مبدأ أساسي ينطوي على حقوق وواجبات يتمتع بها كل مواطن ويمارسها وفق القانون.
  3. المواطنون متساوون في الحقوق والواجبات لا تمييز بينهم في ذلك بسبب الجنس أو الأصل أو اللغة أو الدين أو العقيدة.
  4. تكفل الدولة مبدأ تكافؤ الفرص بين المواطنين.

المادة السادسة و الثلاثون:

  1. للحياة الخاصة حرمة يحميها القانون.
  2. المساكن مصونة لا يجوز دخولها أو تفتيشها إلا بأمر من الجهة القضائية المختصة وفي الأحوال المبينة في القانون.

المادة الثامنة و الثلاثون :

  1. لا يجوز إبعاد المواطن عن الوطن أو منعه من العودة إليه.
  2. لا يجوز تسليم المواطن إلى أي جهة اجنبية.
  3. لكل مواطن الحق بالتنقل في أراضي الدولة أو مغادرتها إلا إذا منع من ذلك بقرار من القضاء المختص أو من النيابة العامة أو تنفيذًا لقوانين الصحة والسلامة العامة.

 

تعارض قانون الأحوال الشخصية مع الدستور:

يناقض القانون جميع مواد الدستور السابقة، إن من حيث التساوي بين المواطنين دون تمييز بينهم، أو من حيث توفير الفرص للنساء للمشاركة في جميع مناحي الحياة العامة، أو من حيث احترام الحياة الخاصة، كما يناقض مفهوم الأسرة الوارد في الدستور، والتي تعتبر الخلية الأساسية لمجتمع الدولة الحديثة؛ الأسرة المؤلفة من زوج وزوجة يؤسسان معًا حياة مشتركة هدفها سكن كل منهما إلى الآخر، تقوم على أساس المودة والرحمة، ويتشاركان معا في تربية أطفالهما، والعناية بهم، وحمايتهم، وتأمين مستلزمات العيش الكريم لهم من صحة وتعليم، وفتح مجال مشاركتهم في جميع مناحي الحياة، على قدر استطاعة الوالدين، ويظهر هذا التناقض في نقاط عدة:

  • المهر: يترجم مفهوم امتلاك الرجل للمرأة الذي تمتد جذوره إلى مرحلة ما قبل الإسلام بمواد قانونية تستخدم تعابير مستمدة من تلك الفترة التاريخية؛
  • فالرجل يمتلك المرأة امتلاكًا مؤقتًا (أي يستأجرها) بالمهر الذي يدفعه (مادة 53-64)؛
  • ومفهوم مهر المثل في (المادة 61) يحيل المرأة من إنسانة تتمتع بكينونة ومواصفات شخصية إلى بضاعة تقدر قيمتها ببضاعة مثلها، وينطبق ذلك على تعويض طلاق التعسف حيث يقر القانون للمرأة بنفقة ثلاث سنوات لأمثالها (المادة 117)؛
  • ويعتبر المهر دينًا ممتازًا على الرجل (المادة54)؛
  • ويجب للمرأة نصفه إذا وقع الطلاق قبل الدخول (المادة 58)؛
  • وتلزم الزوجة بالسكن مع زوجها بعد قبض معجلها (المادة 66)؛
  • ويعتبر امتناعها عن انتقالها للسكن من بيت أهلها إلى بيت زوجها بحق ما دام الزوج لم يدفع معجل المهر(المادة 72).
  • في كل قوانين العالم العقد شريعة المتعاقدين، إلا في عقد الزواج هنا، فإذا اشترطت المرأة في العقد ما يقيد حرية الزوج في أعماله الخاصة كان الاشتراط صحيحًا ولكنه ليس بملزم للزوج، فإذا لم يف الزوج به فللزوجة المشترطة طلب فسخ النكاح فقط، دون أن يترتب على الزوج أية عواقب نتيجة عدم تنفيذه الشرط (مادة 14).

 وحتى لو فوض الرجل المرأة بتطليق نفسها (المادة 87)، بشرط تضعه المرأة في عقد الزواج، كان طلاقها رجعيًا، وله أن يراجع مطلقته أثناء العدة، دون أن يكون لها رأي بذلك.

  • القوامة: تقوم العلاقة الزوجية في الأسرة قانونيًا على مبدأ القوامة، وهو مبدأ يعطي السلطة للرجل الذي ينفق، وعلى المرأة المنفق عليها الطاعة، ولا توجد أي مادة في القانون تحدد الحقوق المعنوية المشتركة بين الزوجين، خلال فترة الحياة الزوجية، وتلزم الزوجين بحسن العشرة والمعاملة، والحقوق التي تفرضها الحياة المشتركة لكل منهما على الاخر، ولا توجد أي جهة قانونية يمكن ان يلجأ إليها اي فرد من الأسرة، في حال تعرضه لإساءة المعاملة داخل أسرته، كمحكمة الأسرة الموجودة في بعض بلدان العالم. ولا حل يطرحه القانون الحالي سوى طلب التفريق، أي هدم كيان الأسرة، والتعويض المادي الضئيل للمرأة في هذه الحالة، دون أي اعتبار لمصلحة الأطفال، التي تضعها القوانين المعاصرة في سلم الأولويات.

فالقانون لايتحدث إلا عن الحقوق المادية للزوجة على زوجها، بما يتطابق مع منظومة القوامة التي تقوم على أساسها الأسرة في قانون الأحوال الشخصية، إذ للزوج الذي ينفق حقوق على الزوجة التي ينفق عليها إيواءً وإطعامًا وإكساءً، طيلة فترة وجودها في ملكيته، أو في فترة العدة، التي يمكن أن تكون فيها وعاءً حاملًا لذريته؛

-  فالقانون يحدد للمرأة الحقوق المادية للمهر في المادة (4)؛

- وحقوقها في النفقة الزوجية في المواد (مادة 71-82)؛

- فعلى الزوج إسكان زوجته في مسكن أمثاله (المادة 65)؛

- ونفقة كل إنسان في ماله إلا الزوجة فنفقتها على زوجها (154)؛

- وتجب النفقة للزوجة على الزوج ولو مع اختلاف الدين (المادة 72)؛

-  والنفقة الزوجية تشمل الطعام والكسوة والسكنى والتطبيب بالقدر المعروف وخدمة الزوجة التي يكون لأمثالها خادم (المادة 71)؛

- وينطبق ذلك طبعا على الزوجة العاملة التي لا تلزم بالإنفاق لا على بيتها ولا على أولادها، والرجل ملزم بالإنفاق عليها مهما كانت حالتها (المادة 76)؛

- والزوج ملزم بنفقة العدة (المادة 83-84)؛

- وملزم بنفقة السكن (65-69).

علما بأن المحاكم تحكم للمرأة بمبالغ زهيدة جدًا، مقارنة مع متطلبات الحياة المعاصرة، بحيث لايتجاوز المبلغ الذي يمكن أن تحصل عليه المرأة شهريًا ما يكفي لإنفاقها يومًا واحدًا في أغلب الحالات.

  • الأطفال ملك للرجل، والمرأة موظفة بوظيفة مأجورة لرضاعتهم وحضانتهم، ويتجلى هذا المفهوم المتخلف المهين لمكانة المرأة الإنسانية، ومكانتها كأم وكشريك للرجل في الحياة الزوجية وتنشئة الأطفال، بتعابير قانونية فجة؛
  •  ك "أجرة الحضانة" وذلك في المواد (103-142-143)؛
  •  وإذا كان المكلف بأجرة الحضانة معسرًاعاجزًا عنها وتبرع بحضانة الصغير أحد محارمه خيرت الحاضنة بين إمساكه بلا أجرة أوتسليمه لمن تبرع (المادة144)؛
  • أو "أجرة الرضاع" في المواد (152-153)؛
  • والمتبرعة أحق بالإرضاع إن طلبت الأم أجرة؟؟؟ (المادة 153).
  • الولاية:  للرجل الولاية على أولاده، فهو ولي على نفس القاصر وماله، ويليه في الولاية الجد العصبي. ويملك الوالد وحده هو أو من يليه من العصبات الذكور سلطة التأديب والتطبيب والتعليم والتوجيه والموافقة على التزويج، وسائر أمور العناية بشخص القاصر(المادة 170) حتى لو كانت المرأة، كما يحدث في كثير من الحالات في زمننا الراهن، هي المسؤولة الأساسية أو الوحيدة عن تربيتهم وتنشئتهم والإنفاق عليهم، إذ لا تجوز ولايتها عليهم إلا في حال كون الأب متوفى، وأصبحت أموال القاصر في خطر بسبب سوء تصرف الولي، فيجوز للقاضي أن يعهد إلى حاضنة القاصر ببعض أعمال الولي الشرعي المالية، بشروط قانونية صعبة تتبع تقدير القاضي (المادة 173).  بل إن الأم ليست ولية من تحمله في بطنها، إذ يعين القانون وصياً آخر على الحمل (المادة 195)، فهي مجرد وعاء يحمل الطفل، المملوك – بالمعنى الحقيقي لملكية الشيء- من قبل أبيه أو أحد افراد عائلة الأب من الذكور.
  •  يجبر القانون الزوجة على السفر مع زوجها (المادة 70)، دون اعتبار لمكان و ظروف عملها، إلا في حال لجوئها للقضاء، دون أي حماية لها من الطلاق التعسفي عند ذلك.
  • تعدد الزوجات: قنن الاسلام تعدد الزوجات وأباح الزواج من أربعة ضمن ظرف وسياق تاريخي معينين، واشترط فيه العدل غير المتحقق في أي زواج متعدد نراه اليوم، ورغم ذلك يبيح القانون تعدد الزوجات في (المادة 37)، دون التقيد حتى بالشروط التي وضعها الإسلام للتعدد، وللقاضي أن لا يأذن للرجل بالزواج من أخرى دون وجود مسوغ شرعي في المادة 17، ولكن دون أي تحديد للمسوغ الشرعي، ودون أي تطبيق لتلك المادة من قبل القضاة على أرض الواقع.
  • الطلاق: رغم أن القانون يعرّف الزواج على أنه عقد بين رجل وامرأة تحل له شرعًا غايته إنشاء الحياة المشتركة والنسل (المادة 27)، وهو عقد يقوم على رضى الطرفين واتفاقهما على إقامة هذه المؤسسة المشتركة، إلا أن إنهاء هذه المؤسسة يمكن أن يتم بإرادة منفردة من الزوج، أحد الطرفين المتعاقدين، دون أي اعتبار لمصلحة الأطفال ناتج الزواج، ودون أن تترتب على الزوج أي نتائج أو عقابيل لقراره المنفرد، سوى دفع مؤجل المهر(المواد 85-94)، ونفقة لا تتجاوز مبلغ نفقة ثلاث سنوات لأمثالها(؟) فوق نفقة العدة، إن أصاب المرأة بؤس وفاقة! (المادة 117).
  • آخر اهتمامات القانون مصلحة الأطفال ضمن المؤسسة الزوجية، وهم من يفترض أن يحظوا بأكبر عناية فيها، فلا توجد أي مادة قانونية تضمن حقوق الأطفال داخل الأسرة، أو تحميهم من العنف الأسري او سوء المعاملة أو الإهمال، سوى شذرات من مواد قانونية تنوه لتلك الحقوق وتتعلق أيضا بحقوق مادية  تلزم الأب بالإنفاق على اولاده في المواد (155-157)، باستثناء مادتين أحدهما تعطي الولي سلطة التأديب والتطبيب والتعليم والتوجيه والموافقة على التزويج – والملاحظ هنا استخدام كلمة سلطة التي تعبر عن حق للأب بالتحكم بأولاده، لا عن حقوق الأطفال على والديهم- (المادة 170)، والمادة التي تحرم الأب من الولاية إذا امتنع عن اتمام تعليم الصغير حتى نهاية المرحلة الإلزامية، وتحرم الأم من الحضانة إذا عارضت أو قصرت في ذلك (المادة 170)، بل إن هنالك بعض المواد التي لا تراعي مصالح الأطفال بل ربما عكس ذلك، ومنها:
  • تبيح المادة 18 زواج الطفل بعمر 15 سنة، والطفلة بعمر 13 (تعريف الطفل هو القاصر الذي لم يبلغ 18 عاما حسب اتفاقية حقوق الطفل، التي وقعت عليها سورية)، وتتناقض هذه المادة مع ما يرد في (المادة 16) والتي تقول: تكمل أهلية الزواج في الفتى بتمام الثامنة عشرة وفي الفتاة بتمام السابعة عشرة من العمر؛
  • يلزم الأب بالنفقة على ابنه إذا لم يكن للولد مال (مادة 155)، و يلزم الأب بنفقة الأولاد إلى أن تتزوج الأنثى أو يصل الغلام إلى الحد الذي يكتسب فيه أمثاله (المادة 155)، ما يعني أن الأب يمكن أن يمتنع قانونيًا عن الإنفاق على أولاده بعد إتمامهم مرحلة التعليم الإلزامية، ويطالب ابنه بأن ينفق على نفسه بأن يمتهن حرفة يتكسب منها "أمثاله"؟؟؛
  • نفقة الزوجة مقدمة على مصلحة الأطفال، إذ يحق لها هدم كيان الأسرة بعد ثلاثة أشهر من توقف الزوج عن الإنفاق لإعساره، دون أن يضع المشرع في (المادة 110) مصلحة الأطفال أو الحفاظ على كيان الأسرة بعين الاعتبار؛
  • لا حدود قانونية لسلطة التأديب في (المادة 170).

 

التمييز بين المواطنين في قانون الأحوال الشخصية:

ا- التمييز ضد المرأة:

كما تبين لنا سابقا تحمل كثير من مواد قانون الأحوال الشخصية تمييزا ضد المرأة وتضعها في مكانة أدنى من مكانة الرجل ضمن المؤسسة الزوجية، بل أن بعض المواد تحمل تحقيرًا للمرأة، ولا تتناسب مع المكانة الاجتماعية التي وصلت إليها اليوم، وتتناقض مع مفهوم المشاركة في الحياة الزوجية، وتعطي الرجل سلطة داخل المؤسسة الزوجية كترجمة للتعبير المتعارف عليه في الثقافة السائدة والذي يطلق على الرجل لقب "رب الأسرة "، والذي إن لم يحمل معنى الألوهية،  فهو يحمل بالتأكيد معنى الامتلاك. كما أنها تسلب المرأة الإرادة والحق في التصرف بحياتها، كائنًا بشريًا كامل الأهلية، فالزوج هو الذي يسمح ويمنع، وعلى المرأة الطاعة.

والقانون بمجمله قانون تمييزي ضد المرأة، وسنؤكد هنا على بعض أوجه التمييز، بالإضافة إلى كل ماسبق ذكره من المواد المجحفة بحق المرأة:

  1. تبقى المرأة في نظر القانون شخصا غير كامل الأهلية، بدلالة وجود ولي لها حتى ولو تجاوزت سن الرشد، وتتساوى في ذلك قانونيا مع المعتوه والمجنون الذي تبقى الولاية عليه بعد سن الثامنة عشرة وفق (المادة 163)، وصحيح أن القانون لا يشترط ولاية الولي لعقد زواج الكبيرة (دون تحديد قانوني لعمر الكبيرة)، إلا أن سلطة الولي تبقى موجودة في (المادة 27) التي تتيح للولي طلب فسخ نكاح الكبيرة إذا زوجت نفسها، من غير موافقته ولم يكن الزوج كفؤاً، وتقر(المادة 151) لولي الأنثى أن يضمها إلى بيته إذا كانت دون الأربعين ولو كانت ثيبًا؛
  2.  شهادة امرأتين معادلة لشهادة رجل واحد (المادة 12)؛
  3. شروط عقد الزواج غير ملزمة للزوج (المادة 14)؛
  4. عدم تساوي السن الأدنى للزواج بين الذكر والأنثى (المادة 16 ، والمادة18)؛
  5. إباحة تعدد الزوجات دون ضوابط (المادة 37)؛
  6. انتهاك خصوصية المرأة بمراقبة طموثها (المادة 121)، لإثبات النسب، وهو ما يمكن استبداله في عصرنا الحالي بفحوص طبية دقيقة كاختبار الحمل، والفحص بالأمواج فوق الصوتية لتحري وجود الحمل...الخ؛
  7. تجبر الزوجة على السفر مع زوجها (مادة 70) دون اعتبار لمكان عملها أو رغبتها، أو التفاهم بين الشريكين على تلك المسألة؛
  8. نفقة كل إنسان في ماله إلا الزوجة نفقتها على زوجها (المادة 154)، دون تحديد إن كانت المرأة عاملة أم لا، تحمل هذه المادة تمييزًا معنويًا ضد المرأة وماديًا ضد الرجل؛
  9. يتيح القانون للزوج الطلاق بإرادة منفردة (المادة 85- 87)، وهو فسخ من قبل طرف واحد لعقد تم برضاء الطرفين؛
  10. التعويض المادي في الطلاق التعسفي فقط إن كان الزوجة ستصاب ببؤس وفاقة ولا يتجاوز نفقة ثلاث سنوات لأمثالها (المادة 117)، وغالبا ما يحكم على أرض الواقع بمبالغ ضئيلة للمرأة لا تكفيها سوى نفقة الطعام لفترة محدودة، دون البحث في مسألة إقامتها وسكنها وتأمين العيش الكريم لها، في حين يتفرد الرجل لوحده بالحصول على ثروة الأسرة كاملة، حتى لو وقع الطلاق بعد سنوات طويلة من الزواج؛
  11.  لا يوجد تعريف واضح للمخالعة في القانون، وعلى الزوجة أن تدفع لزوجها بدل الخلع (المادة 97) ، بدل عن ماذا؟؟
  12. للزوج أن يراجع مطلقته أثناء العدة (مادة 118) دون اعتبار لإرادتها؛
  13. ليس للأم أن تسافر بولدها في أثناء الزوجية إلا بإذن أبيه (مادة 148) والعكس ليس صحيحًا؛
  14. الولاية على نفس القاصر للأب ثم الجد العصبي ثم للعصبات من الذكور (المادة 170)؛
  15. للذكر مثل حظ الانثيين (مادة 277) في جميع الأحوال، وفي ميراث ذوي الأرحام مطلقًا للذكر مثل حظ الانثيين (المادة 297)، ورغم ذلك يلزم القانون الولد ذكرًا كان أم أنثى بنفقة والديه الفقراء (المادة 158)، رغم أن مبدأ عدم التساوي بالإرث قام اساسًا على أن يحصل على الحصة الأكبر من هو ملزم بالنفقة.
  16. يبدأ التمييز بين الذكر والانثى من المرحلة الجنينية (المادة 299، المادة 301).

 

  • التمييز ضد الرجل:
  1. يلزم الزوج بدفع النفقة إلى زوجته ولو كانت موسرة الحال (المادة 154)، كما أن المواد المتعلقة بالنفقة تلزم الزوج فقط، ولا تلزم الزوجة العاملة بالإسهام في نفقات الأسرة؛
  2. تطلق الزوجة بعد إمهال الزوج المعسر ثلاثة أشهر(المادة 110).

 

ج- التمييز على أساس ديني:

يتعارض التمييز على أساس ديني ضد المواطنين غير المسلمين مع المادة 33 من دستور الجمهورية العربية السورية الذي  يساوي بين المواطنين على اختلاف جنسهم وعرقهم ودينهم، ويتجلى هذا التمييز بالمواد التالية:

  1. يشترط في صحة عقد الزواج حضور شاهدين رجلين أو رجل وامرأتين مسلمين (المادة 12)؛
  2. لا نفقة مع اختلاف الدين إلا للأصول والفروع (المادة 160)؛
  3. يجب أن يكون الوصي من ملة القاصر(178).

 

تعاريف قانونية:

هنالك مبدأ قانوني متعارف عليه عالميًا وهو أن تعرف المصطلحات المستخدمة قانونيًا، وذلك ما لا يتوفر في قانون الأحوال الشخصية، إذ ترد مصطلحات دون تعريف قانوني.

فرغم أن الزواج نفسه معرف، إلا أننا لا نجد في كل القانون تعريفًا واضحًا للمهر، ربما لأن المشرع المعاصر وجد حرجًا من تعريفه بأنه "ثمن الوطء"، لذا تغاضى عن ذلك التعريف.

 كما أن القانون لا يعرف الولي، أو الكبيرة، أو المخالعة، أو النشوز وغير ذلك، وحتى إن عرّف نجد تعريفاته في معظم الأحوال غامضة مبهمة، والسبب في ذلك أنه تم استعاراتها من عصر آخر لا علاقة له بالعصر الحديث، كتعريف الكفاءة، أو المسوغ الشرعي أو غيرها.

صلاحية القاضي:

هنالك الكثير من المواد القانونية المختصرة المبتسرة بحيث لم تستوف على أرض الواقع الكثير من الحالات والتي ترك أمر البت فيها لصلاحية القاضي(أكثر من ثلاثين مادة) معتمدًا على كتاب (الأحكام الشرعية في الأحوال الشخصية على مذهب الإمام أبي حنيفة النعمان لقدري باشا) الموضوع عام 1917 (مادة 305)، وعلى أحكام سابقة لمحكمة النقض. فإذا أخذنا بعين الاعتبار، قدم المرجع المذكور وعدم تعيين قاضيات في المحاكم الشرعية- توجد قاضيات في جميع أقسام القضاء الأخرى- لسبب لا يمكن أن تفسيره إلا بالعقلية الذكورية ومبدأ التمييز ضد المرأة، وإذا أخذنا بعين الاعتبار أيضا العقلية الذكورية التي تسم قضاة المحاكم الشرعية ذوي الصلاحيات غير المحدودة، أمكننا تخيل التمييز والاجحاف الذي يقع على النساء اللاتي يوصلهن حظهن العاثر للوقوف امام قاضٍ من قضاة المحكمة الشرعية، حتى أن قاضيًا رفض تنفيذ حق إراءة حُكم به لصالح إحدى النساء، لأن "نظرتها وقحة لم تعجبه" حسبما ادعى. وتعرضت طفلة لفحص غشاء بكارتها بعد أن انتقلت حضانتها من الجد لأب إلى الأم بحكم قضائي، لأن الجد اشترط "أن يستلم" بعد انتهاء فترة الحضانة "كما سلم"، بعد أن تفحص بكارة الفتاة ثانية بعد انتهاء فترة حضانة الأم لها، ووافق القاضي على ذلك، والأمثلة لاتحصى.

مفاهيم وتناقضات قانونية:

  1. يتعمد القانون التغاضي عن ذكر المرأة العاملة، رغم تزايد عدد النساء العاملات اضطرادًا، وضرورة أخذ الوضع الجديد للمرأة داخل الأسرة نتيجة عملها خارج المنزل ساعات طويلة، والدخل الذي تؤمنه، والذي يفوق في بعض الحالات دخل الرجل، وضرورة تحمل جميع أفراد الأسرة عبء العمل المنزلي، للتخفيف من الضغوطات التي ولدها التناقض بين النظرة التقليدية النمطية لواجبات المرأة داخل الأسرة، والمؤيدة بالقانون، وبين واجبات ومسؤوليات كل فرد داخل الأسرة التي يعمل فيها كلا الأبوين خارج المنزل. كما يناقض القانون في جميع فقراته الدستور، وقوانين العمل المعمول بها في سورية  (قانون العمل الموحد، وقانون العاملين الأساسي) والتي تعطي المواطن ذكرًا كان أم انثى حقوقًا وواجبات متساوية، إلا أن سيف الطلاق التعسفي يبقى مسلطًا على رقبة الزوجة، مهددًا إياها بهدم كيان أسرتها إذا أصرت على العمل أو اختيار نوعيته أو مكانه أو تنفيذ المهام الموكلة إليها فيه، دون موافقة زوجها، والذي وإن كان لا يستطيع قانونيًا منعها من العمل أو التقدم فيه، إلا أنه يستطيع ببساطة تطليقها دون تبعات تذكر.

ولا يحدد القانون العلاقة بين المرأة العاملة وزوجها، بل يذكر مرة واحدة وبشكل عارض بأن حق حضانة الحاضنة لأولادها لايسقط بسبب عملها (المادة 139)، ولكن المادة تضيف جملة "إذا كانت تؤمن رعايتهم والعناية بهم بطريقة مقبولة"، وهي جملة مطاطة تضع الأم العاملة دوما تحت تهديد سحب حضانة أولادها منها في حال رغب القاضي تفسير تلك الجملة في غير مصلحة الأم الحاضنة.

وتشترط (المادة 148) أن المرأة الحاضنة يمكنها أن تسافر بمحضونها داخل القطر إلى البلدة التي تعمل فيها لدى أي جهة من الجهات العامة، ولكن شريطة أن يكون أحد أقاربها المحارم مقيمًا فيها!! وما ذا تفعل لو كُلفت من قبل الدولة بالعمل في مدينة لم يكن لها فيها محرم؟ ومتى كان مفهوم المحرم موجود في بلدنا في العصر الحديث، حيث تعيش الكثير من النساء والأمهات لوحدهن أو مع أطفالهن في بيوت مستقلة، هن فيها مسؤولات مسؤولية كاملة عن حيواتهن وحيوات أبنائهن؟؟

كما تحتم (المادة 70) على الزوجة السفر مع زوجها، دون أي ذكر لعملها أو مكانه، وبالمناسبة يتفرع عن هذا المفهوم القانوني المتخلف تطبيقات إدارية عديدة، كأن يصرف للزوج الديبلوماسي في حال تكليفه بمهمة خارج القطر تعويض سفر وإقامة زوجته وأولاده، في حين لا يصرف مثلها للمرأة الديبلوماسية، علما بأن تواجد المرأة اليوم في السلك الديبلوماسي يزيد على نسبة 11%، وبينهن سفيرات في عواصم عالمية هامة.

  1. يتناقض قانون الأحوال الشخصية مع الدستور والقانون المدني في مسألة اعتبار المرأة مواطنًا كامل الأهلية، فمثلا تعتبر شهادة امرأتين مساوية لشهادة رجل واحد في قانون الأحوال الشخصية، في حين تعتبر شهادتها شهادة كاملة وفقا للدستور وفي القانون المدني.
  2. يعارض القانون من رؤيته الضيقة للشريعة الإسلامية، مبدأ التساوي في الإرث، رغم أنه يقر بمبدأ إرث الأراضي الأميرية والوصية الواجبة غير الشرعيين من وجهة النظر الفقهية.
  3.   التناقض ضمن القانون نفسه، كسن الزواج الذي تحدده (المادة 16) ب18 سنة للفتى و17 للفتاة، وطبعا لا يوجد منطق في الدنيا يبرر أن لا يكون سن الزواج للفتاة أيضا 18 سنة، سوى عدم احتمال فكر المشرع أن يتساوى الرجل والمرأة حتى في تلك المسألة. ورغم ذلك يعود القانون لينقض نفسه في (المادة 18) التي تبيح للقاضي أن يأذن بتزويج المراهق إذا أتم الخامسة عشرة، والمراهقة إذا أتمت الثالثة عشرة، إذا ادعيا البلوغ، وإذا تبين له صدق دعواهما واحتمال جسميهما (كيف؟ ولماذا؟).

 

نحو قانون أسرة مدني:

غالبا ما نُسأل، نحن النساء، وبالأخص الناشطات في مجال دعم قضايا المرأة، والناشطون الحقوقيون من الرجال: ماذا تريدون؟

وببساطة نجيب، نريد قانون أسرة عصري، يحمي حقوق جميع أفراد الأسرة نساءً ورجالًا وأطفالًا، ويطلق قدراتهم وطاقاتهم الكامنة كي يشاركوا جميعًا في مسيرة بناء الوطن وتنميته.

قانون ينسجم مع متطلبات الحياة المعاصرة، ويجيب على أسئلتها، ينظم العلاقة بين المواطنين المتساوين في الحقوق والواجبات، بما ينسجم مع دستور يساوي بين النساء والرجال مساواة كاملة، ومع القوانين الأخرى، التي هي الأخرى بحاجة لتعديل موادها المجحفة بحق المرأة، وخاصة قانوني الجنسية والعقوبات، ومع أنظمتها النافذة التي تحمل أيضا تمييزًا مستترًا ضد المرأة.

قانون ينسجم مع الاتفاقيات الدولية، التي وقعت عليها سورية، مع الأخذ بعين الاعتبار ضرورة إلغاء التحفظات عليها، والتي عطلت التزام الدولة السورية بتغيير قوانيها وأنظمتها النافذة بما ينسجم معها، وعلى رأسها اتفاقية القضاء على كافة أشكال التمييز ضد المرأة(السيداو)، واتفاقية حقوق الطفل.

قانون عادل مبني على مبدأ المشاركة واحترام إرادة الطرفين المبرمين للعقد بنفس القدر واحترام شروط ذلك العقد، وضمان حقوق طرفيه أثناء الشراكة وعند انفضاضها، لكنه يضع بالأساس العلاقة الإنسانية بين الشريكين ومصلحة الأطفال الفضلى في قمة أولوياته.

قانون لا يقوم على مبدأ الشراء أو الامتلاك، بل يتحمل طرفاه، كل حسب قدرته، مسؤولية بناء المؤسسة الزوجية، وتأمين مستلزمات هذه المؤسسة معنويًا وماديًا، ومسؤولية العناية وتنشئة الأطفال، وتأمين جميع متطلباتهم المعيشية والعاطفية والصحية والتعليمية والترفيهية.

قانون يتوخى العدل في موضوع الإرث، في زمن أصبحت فيه الابنة كالإبن مسؤولة عن رعاية والديها عند الكبر، بل ملزمة بذلك قانونيًا، ولم يعد العم مسؤولا عن أبناء أخيه المتوفى –لذا أقر المشرع الوصية الواجبة-، وأصبحت الأرملة أو المطلقة هي المسؤولة الأولى، وربما الوحيدة، عن معيشة وتربية أبنائها، دون أي مساعدة من العائلة في أغلب الأحيان، ولم يعد الأخ مسؤولا عن أخته. فالأحكام تتغير بتغير الأحوال، والأساس هو العدل.

قانون يراعي العدل أيضا عند انفصام عرى العلاقة الزوجية، بمراعاة مصلحة الأطفال الفضلى في مسألتي الحضانة والإنفاق، وتأمين سكن الحاضن أمًّا كانت أم أبًا، مادام الأطفال بحضانته، ويضمن تقسيم ثروة الأسرة بالعدل بين الطرفين، حتى ولو لم تكن المرأة عاملة خارج المنزل، إذ يكفي السنوات التي قضتها في رعاية الأسرة والأطفال، ثمرة الزواج.

هل يكفي تغيير القوانين؟

لابد من الإشارة هنا  إلى أن تعديل القوانين لصالح المرأة ، ليس بلسمًا سحريًا يمثل العلاج الناجع  لجميع قضاياها، إذ تقوى العادات والتقاليد أحيانا حتى على الدين والقانون، فالمرأة في الريف لا ترث رغم أن القانون يقر لها بذلك، وكثير من الأسر تتحايل على القانون بتزويج بناتها زيجات يعارضها القانون، ومن ثم الادعاء بوجود حمل لدى المرأة حيث تجبر المحكمة على تسجيل الزواج، دون أي عقوبة تطبق على الأهل أو الزوجين.

 ورغم التعديل اليتيم على القانون، الذي حدث في السنوات الأخيرة، والذي أقر رفع سن حضانة الأم لأطفالها، إلا أن رفض التعديلات الأخرى، كتأمين مسكن للحاضنة، أو نفقة لائقة من الأب لأطفاله، يجبر كثير من النسوة المطلقات على التخلي حتى عن هذا المكسب القانوني الضئيل الذي جاء لمصلحتهن، لعدم قدرتهم على الإنفاق على أطفالهن.

هذا عدا عن أن كثيرًا من النساء لا يعين حقوقهن أصلًا، ويشعرن نتيجة الإرث التاريخي بمكانتهن الدونية أمام الرجل، فلابد إذا أن يترافق القانون بتغيير في الثقافة السائدة. ‏وذلك يتطلب جهوداً مشتركة من الدولة ومؤسسات المجتمع المدني المعنية، لنشر ثقافة بديلة، أساسها العدل والمساواة بين البشر، عن طريق التعليم والإعلام وجميع الوسائل المجتمعية الممكنة.

وخلاصة الأمر أن ليس هناك ما يمنع وجود قانون أسرة، يمنح جميع أفرادها حقوقهم، ولا يتضمن ذلك إلغاء جميع أشكال التمييز ضد المرأة فحسب ، بل إلغاء جميع أشكال التمييز ضد أي فرد من الأسرة، بما يتضمن ذلك من حماية للأطفال من العنف والإهمال اللذين يمكن أن يقعا عليهم من الأم أو الأب، وحماية الرجل أيضا من التمييز ضده في المصاريف الهائلة التي يتحمل عبأها وحده عند تأسيس الأسرة كالمهر وتأمين المسكن وتأثيثه، وحمايته من الظلم الذي يقع عليه في الكد وراء تأمين لقمة العيش لأسرته، دون أن تكون زوجته ملزمة بإعانته حتى لو كانت امرأة عاملة. وذلك القانون لا يتعارض بالتأكيد مع روح الشرائع السماوية ومقاصدها العادلة.هامش:* )بحثت ذلك مفصلا في كتابي " الإسلام والمرأة: رؤية نسوية لأسس قانون الأحوال الشخصية" الصادر عن دار الرحبة").

إن ما يمنع تطبيق مثل هذا القانون هو فقط العقلية الذكورية، التي سبق أن قبلت بإلغاء الرق و بتغيير الحدود في القانون كحد السرقة و الزنا والقتل، في حين تقوّم الدنيا ولا تقعدها إذا طالب أحدهم بتغيير مادة واحدة من مواد قانون الأحوال الشخصية.

إن مطالبتنا بحقوق كاملة للمرأة، تدخل في إطار حق كل مواطن في العيش بحرية وكرامة، حياة عنوانها السعادة والهناء، لا الشقاء والقهر، كما أن ضمان حقوق أي مواطن هو الذي يخلق منه شخصية مستقلة معطاءة مبادرة تسهم في مسيرة تنمية الوطن وتطويره .

  

 

©2023 جميع الحقوق محفوظة لـ بوليفارد