Pages Menu
Categories Menu
نواب لبنان يحتفون بقانون “مشوه” لتجريم التحرّش الجنسي!

نواب لبنان يحتفون بقانون “مشوه” لتجريم التحرّش الجنسي!

المصدر- درج – ميريام سويدان – صحافية لبنانية

لا يزال التفكير الذكوري يهيمن على المشرّعين، الذين على الأرجح، اتخذوا هذه الخطوة صورياً للاحتفاء بها أمام المجتمع الدولي، بينما في الحقيقة تغيب فعالية حماية القانون للنساء غالباً.

تأخذ النساء حقوقهن بشق الأنفس، فما يمنحه إياهن المشرعون بيد، يأخذون في مقابله الكثير بيد أخرى. وها هو لبنان الرسمي يحتفي بإقرار مجلس النواب قانوناً يجرم التحرش الجنسي، لكن هذا الإقرار أتى مبتوراً. فقد أدخل النواب خلال جلسة إقرار قانون مكافحة التحرش ألغاماً قانونية جعلت من المادة 523 أكثر إجراماً بحق النساء المستغلّات جنسياً. ففي الجلسة التي بحثت في تعديلات مقترحة بشأن قانون حماية المرأة من العنف الأسري، ارتكب النواب خطيئة تمثلت بتجريم واحدة من الأكثر فئات هشاشة بين النساء. فقد رفع المجلس العقوبات بحق النساء المنخرطات في مجال الدعارة اللواتي يتمّ استغلالهن من قبل أزواجهن من سنة إلى 3 سنوات، وأعطى الزوج الذي يستغل زوجته العقوبة نفسها، متجاهلاً روابط الاستغلال الجنسي والعنف الأسري بين الضحية وجلّادها.

فبدلاً من قانون يحمي النساء من العنف والاستغلال، خرج مجلس النواب بقانون مشوه يعكس ذهنية المشرع الذي ربط بين تشديد العقوبة على العنف الأسري وتشديد العقوبة على النساء العاملات في الدعارة، فيما المطلوب رفع أي عقوبة أو تجريم عن هؤلاء النساء، وهذا مطلب كان مدرجاً في التعديلات المرفوعة، والتي أسقطها المجلس.

في هذا السياق، تقول المحامية ليلى عواضة من منظمة “كفى عنف واستغلال”، إن “ذهنية المشرّع ليست ذهنية حمائية في لبنان، فما زال المشرعون يتعاملون مع المتحرش كرجل، وليس كجانٍ، لذلك نرى البرلمان يسعى إلى التخفيف من فعالية تطبيق القانون، كون الرجل هو صاحب السلطة ورب الأسرة”. 

وتضيف عواضة، إن “المصطلحات التي استخدمها القانون فضفاضة، وهي ذاتها تُعيب قانون العقوبات، منها مثلاً وصف الاعتداءات الجنسية بالفجور والفساد والآداب العامة”… إذ إن القانون عرّف التحرش الجنسي بالفعل المسيء، وهو معيار فضفاض.

وعلى رغم أن قانون مكافحة التحرش الذي أقر هو الأول في لبنان في هذا الصدد، وهو بذلك خطوة إيجابية لمسيرة نسوية نضالية طويلة، إلا أن القانون تشوبه ثغرات وإشكاليات مُشابهة لإشكاليات المقترحات السابقة، والتي قد تؤدّي إلى تعطيل فعاليّته في حماية الناجيات من التحرش. 

تأخذ النساء حقوقهن بشق الأنفس،

فما يمنحه إياهن المشرعون بيد،

يأخذون في مقابله الكثير بيد أخرى.

القانون أخذ بتعديلات عدة، وهي “تجريم العنف المعنوي والاقتصادي وتخصيص عقوبة لمرتكبيها”، “تنفيذ قرار الحماية من قبل النيابة العامة”، “تكليف قاضٍ متخصص بشكاوى العنف الأسري بكل مرحلة من مراحل الشكوى إضافة إلى المحامي العام الأسري، فأصبح هناك قاضي تحقيق أسري”، إضافة إلى “السماح للضحية بتقديم طلب حماية من دون الحاجة إلى ولي أمرها في حال كانت قاصراً”، و”التعديل الجزئي لمطلب حماية الأطفال مع الضحية بعض النظر عن سن الحضانة”. كما تم إقرار حماية الطفل البالغ 13 سنة وما دون مع الضحية، وتشديد العقوبة على مخالفة قرار الحماية بحيث أصبحت تصل إلى سنة حبس وتتشدد عند التكرار.

ولكن في المقابل، تجاهل القانون تعديلات أساسية، منها إدراج مفهوم سوء استعمال السلطة داخل الأسرة بالقوة الجسدية أو غيرها في تعريف العنف الأسري، كما تغيّب عن إدراج إلزام المعنف بالتأهيل في قرار الحماية. والقانون الحالي لم يخصص الحماية للنساء فقط دون غيرهن، بل شملهن ضمن سائر أفراد الأسرة.

من جهة أخرى، انتقدت منصات حقوقية ونسوية القانون على اعتبار أنه “يحمل في طياته انتهاكاً للنساء بدلاً من حمايتهن”. فوفقاً للمفكرة القانونية، القانون يحتوي إشكاليات عدة على رأسها أنه يقارب الموضوع من منطلق “أخلاقي يهدف إلى حماية المجتمع لا الضحية”. كما أنه لا يحمي هوية الناجية، إذ إن الوسيلة الوحيدة للضحية هي اللجوء إلى القضاء الجزائي، ما يعني أن الأمر سيكون علنياً بمرور الناجية بمخفر وقاضي تحقيق ثم قضاة، وهو عائق كبير أمام الناجيات وليس تحفيزاً لهن لرفع شكاوى، خصوصاً في المجتمعات المغلقة التي تلقي اللوم على النساء في معظم الاعتداءات التي يواجهنها. 

هذا عدا ضرورة إثبات المرأة فعل التحرش ونتائجه، وهو تحدٍ في ذاته، فيما كان المطلوب أن يثبت المتحرش عدم قيامه بالفعل. كما أن القانون يتيح للجميع على حد سواء التقدم بشكوى في أماكن العمل، ولا يستثني المرأة بذلك، علماً أن النساء هن الأكثر عرضة للتحرش في بيئة العمل، خصوصاً أن الرجال يتبوأون المناصب العليا غالباً. ولم يلزم القانون أصحاب العمل بتأمين بيئة آمنة أو وضع آليات حماية للنساء.   

وبحسب القانون، يتراوح العقاب بالحبس بين شهر وعامين أو دفع غرامة مالية قيمتها من 3 إلى 20 ضعف الحد الأدنى للأجور الذي يساوي 675 ألف ليرة، أي 450 دولاراً بحسب سعر الصرف الرسمي، وأقل من 100 دولار بحسب السوق السوداء. وهو ما يطرح سؤالاً حول مدى فعاليّة تلك الغرامات لردع التحرّش في ظل التدهور التاريخي الذي تشهده الليرة اللبنانية، مقابل ثبات الحد الأدنى الرسمي للأجور الذي لم يتم تعديله منذ عام 2012 وهو لا يخضغ لمراجعة دورية على ضوء غلاء المعيشة في لبنان.

في الخلاصة، لا يزال التفكير الذكوري يهيمن على المشرّعين، الذين على الأرجح، اتخذوا هذه الخطوة صورياً للاحتفاء بها أمام المجتمع الدولي، بينما في الحقيقة تغيب فعالية حماية القانون للنساء غالباً، كما لا توفَّر لهنّ بيئة آمنة تشجعهن على تقديم شكاوى، خصوصاً مع ازدياد وتيرة العنف ضد النساء في الفترة الأخيرة. 

شاركنا رأيك، هل من تعليق ؟

Your email address will not be published. Required fields are marked *